مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٤

شباب الصيرفي ، عن داود بن القاسم الجعفري قال قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام جعلت فداك ما « الصَّمَدُ » قال السيد المصمود إليه في القليل والكثير.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس

______________________________________________________

وقال ابن قتيبة : الدال فيه مبدلة من التاء وهو الصمت ، وقال بعض اللغويين : الصمد هو الأملس من الحجر لا يقبل الغبار ولا يدخله ولا يخرج منه شيء ، فعلى الأول عبارة عن وجوب الوجود والاستغناء المطلق واحتياج كل شيء في جميع أموره إليه ، أي الذي يكون عنده ما يحتاج إليه كل شيء ، ويكون رفع حاجة الكل إليه ولم يفقد في ذاته شيئا مما يحتاج إليه الكل وإليه يتوجه كل شيء بالعبادة والخضوع وهو المستحق لذلك ، وأما على الثاني فهو مجاز عن أنه تعالى أحدي الذات ، أحدي المعنى ، ليست له أجزاء ليكون بين الأجزاء جوف ، ولا صفات زائدة فيكون بينها وبين الذات جوف ، أو عن أنه الكامل بالذات ، ليس فيه جهة استعداد وإمكان ، ولا خلو له عما يليق به ، فلا يكون له جوف يصلح أن يدخله ما ليس له في ذاته ، فيستكمل به ، فالجوف كناية عن الخلو عما يصلح اتصافه به ، وأما علي الثالث فهو كناية عن عدم الانفعال والتأثر عن الغير ، وكونه محلا للحوادث كما مر عن الصادق عليه‌السلام : أن الرضا دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال ، لأن المخلوق أجوف معتمل مركب للأشياء فيه مدخل ، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنه واحد واحدي الذات واحدي المعنى ، وقد ورد بكل من تلك المعاني أخبار.

وقد روى الصدوق في التوحيد ومعاني الأخبار خبرا طويلا مشتملا على معاني كثيرة للصمد ، وقد نقل بعض المفسرين عن الصحابة والتابعين والأئمة واللغويين قريبا من عشرين معنى ، ويمكن إدخال جميعها فيما ذكرنا من المعنى الأول ، لأنه لاشتماله على الوجوب الذاتي يدل على جميع السلوب ، ولدلالته على كونه مبدء للكل يدل على اتصافه بجميع الصفات الكمالية ، وبه يمكن الجمع بين الأخبار المختلفة الواردة في هذا المعنى ، وقد أوردنا الأخبار في كتاب بحار الأنوار.

الحديث الثاني : مجهول كالصحيح ، وقوله : واحد خبر إن والجملتان

٦١

ابن عبد الرحمن ، عن الحسن بن السري ، عن جابر بن يزيد الجعفي قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن شيء من التوحيد فقال إن الله تباركت أسماؤه التي يدعا بها وتعالى في علو كنهه واحد توحد بالتوحيد في توحده ثم أجراه على خلقه فهو واحد صمد قدوس يعبده كل شيء ويصمد إليه كل شيء و « وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ».

فهذا هو المعنى الصحيح في تأويل الصمد لا ما ذهب إليه المشبهة أن تأويل الصمد المصمت الذي لا جوف له لأن ذلك لا يكون إلا من صفة الجسم والله جل ذكره متعال عن ذلك هو أعظم وأجل من أن تقع الأوهام على صفته أو تدرك كنه عظمته ولو كان تأويل الصمد في صفة الله عز وجل المصمت لكان مخالفا لقوله عز وجل : « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ » (١) لأن ذلك من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها مثل الحجر والحديد وسائر الأشياء المصمتة التي لا أجواف لها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

فأما ما جاء في الأخبار من ذلك فالعالمعليه‌السلامأعلم بما قال وهذا الذي قال عليه‌السلام

______________________________________________________

معترضتان ، تباركت أسماؤه : أي تطهرت عن النقائص أو كثرت صفات جلاله وعظمته أو ثبتت ولا يعتريها التغير من قولهم : برك البعير بالمكان أي أقام ، وكلمة « في » في قوله : في علو كنهه ، تعليلية ، وقوله عليه‌السلام : توحد بالتوحيد ، أي لم يكن في الأزل أحد يوحده ، فهو كان يوحد نفسه ، فكان متفردا بالوجود ، متوحدا بتوحيد نفسه ، ثم بعد الخلق عرفهم نفسه ، وأمرهم أن يوحدوه ، أو المراد أن توحده لا يشبه توحد غيره ، فهو متفرد بالتوحد ، أو كان قبل الخلق كذلك وأجرى سائر أنواع التوحد على خلقه ، إذا الوحدة تساوق الوجود أو تستلزمه ، لكن وحداتهم مشوبة بأنواع الكثرة كما عرفت.

قوله : فهذا هو الصحيح ، من كلام الكليني (ره).

قوله : من ذلك ، أي تفسير الصمد بالصمت فالعالم عليه‌السلام أعلم ، أي هو عليه‌السلام أعلم بتفسيره ومراده ، والجمرة بالتحريك والفتح واحدة جمرات المناسك ، والقصوى : العقبة

__________________

(١) سورة الشورى : ١١.

٦٢

إن الصمد هو السيد المصمود إليه هو معنى صحيح موافق لقول الله عز وجل « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ » والمصمود إليه المقصود في اللغة قال أبو طالب في بعض ما كان يمدح به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من شعره :

وبالجمرة القصوى إذا صمدوا لها

يؤمون قذفا رأسها بالجنادل

يعني قصدوا نحوها يرمونها بالجنادل يعني الحصى الصغار التي تسمى بالجمار وقال بعض شعراء الجاهلية شعرا :

ما كنت أحسب أن بيتا ظاهرا

لله في أكناف مكة يصمد

يعني يقصد.

وقال ابن الزبرقان : ولا رهيبة إلا سيد صمد

وقال شداد بن معاوية في حذيفة بن بدر :

علوته بحسام ثم قلت له

خذها حذيف فأنت السيد الصمد

ومثل هذا كثير والله عز وجل هو السيد الصمد الذي جميع الخلق من الجن والإنس إليه يصمدون في الحوائج وإليه يلجئون عند الشدائد ومنه يرجون الرخاء ودوام النعماء ليدفع عنهم الشدائد.

باب الحركة والانتقال

١ ـ محمد بن أبي عبد الله ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن علي بن عباس الخراذيني ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا

______________________________________________________

والحصا بالفتح والقصر جمع الحصاة « ما كنت أحسب » أي أظن و « رهيبة » اسم رجل « علوته بحسام » الحسام : السيف ، أي رفعته فوق رأسه ، وحذيف : منادي مرخم.

باب الحركة والانتقال

الحديث الأول : ضعيف.

٦٣

فقال إن الله لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل إنما منظره في القرب والبعد سواء لم يبعد منه قريب ولم يقرب منه بعيد ولم يحتج إلى شيء بل يحتاج إليه وهو ذو الطول « لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » أما قول الواصفين إنه ينزل تبارك وتعالى فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به فمن ظن بالله الظنون هلك فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : إنما منظره : أي نظره وعلمه وإحاطته بأن يكون مصدرا ميميا أو ما ينظر إليه في القرب والبعد منه سواء ، أي لا يختلف اطلاعه على الأشياء بالقرب والبعد ، لأنهما إنما يجريان في المكانيات بالنسبة إلى أمثالها وهو سبحانه متعال عن المكان ، إذ يوجب الحاجة إلى المكان ، وهو لم يحتج إلى شيء بل يحتاج إليه على المجهول ، أي كل شيء غيره محتاج إليه ، والطول : الفضل والإنعام.

قوله عليه‌السلام فإنما يقول ذلك « إلخ » أي النزول المكاني إنما يتصور في المتحيز وكل متحيز موصوف بالتقدر ، وكل مقتدر متصف بالنقص عما هو أزيد منه وبالزيادة على ما هو أنقص منه ، أو يكون في نفسه قابلا للزيادة والنقصان ، والوجوب الذاتي ينافي ذلك لاستلزامه التجزي والانقسام المستلزمين للإمكان ، وأيضا كل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به ، لأن المتحرك إما جسم أو متعلق بالجسم ، والجسم المتحرك لا بد له من محرك ، لأنه ليس يتحرك بجسميته ، والمتعلق بالجسم لا بد له في تحركه من جسم يتحرك به ، وهو سبحانه منزه عن الاحتياج إلى المحرك ، وعن التغير بمغير ، وعن التعلق بجسم يتحرك به.

ويحتمل أن يكون المراد بالأول الحركة القسرية ، وبالثاني ما يشمل الإرادية والطبيعية ، بأن يكون المراد بمن يتحرك به ما يتحرك به من طبيعة أو نفس ، وقوله : من أن يقفوا (١) ، من وقف يقف ، أي أن يقوموا في الوصف له وتوصيفه على حد فتحدونه بنقص أو زيادة ، ويحتمل أن يكون من قفا يقفو ، أي تتبعوا له في البحث عن صفاته

__________________

(١) وفي المتن « تقفوا » بصورة الخطاب.

٦٤

حد تحدونه بنقص أو زيادة أو تحريك أو تحرك أو زوال أو استنزال أو نهوض أو قعود فإن الله جل وعز عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين « وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ».

٢ ـ وعنه رفعه ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام أنه قال لا أقول إنه قائم فأزيله عن مكانه ولا أحده بمكان يكون فيه ولا أحده أن يتحرك في شيء من الأركان والجوارح ولا أحده بلفظ شق فم ولكن كما قال الله تبارك وتعالى : « كُنْ فَيَكُونُ » بمشيئته من غير تردد في نفس صمدا فردا لم يحتج إلى شريك يذكر له ملكه ولا يفتح له أبواب علمه.

______________________________________________________

تتبعا على حد تحدونه بنقص أو زيادة ، قوله : « حِينَ تَقُومُ » أي إلى التهجد أو إلى الخيرات أو إلى الأمور كلها « وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ » أي ترددك وحركاتك بين المصلين بالقيام والقعود والركوع والسجود ، والمعنى توكل عليه في جميع أمورك عارفا بأنه عالم بجميع أحوالك في جميع الأوقات ، أو توكل عليه في توصيفه بصفاته فقل في صفته بما وصف به نفسه ، ولا تعتمد في توصيفه على ما يذهب إليه وهمك.

الحديث الثاني : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : فأزيله عن مكانه ، أي لا يتصف بالقيام اتصاف الأجسام لاستلزامه الزوال في الجملة عن مكانه ، كزوال ما يقوم من الأجسام عن مكانه الذي استقر فيه ، ولأن القيام نسبة إلى المكان بخلو بعض المكان عن بعض القائم عنه وشغل بعضه ببعض ، ونسبته تعالى إلى كل الأمكنة سواء.

أقول : ويمكن أن يكون المراد بالمكان : الدرجة الرفيعة التي له سبحانه من التقدس والتنزه والتجرد ، أي نسبة القيام إليه تعالى مستلزم لإزالته عن تجرده وتقدسه وتنزهه سبحانه.

قوله عليه‌السلام : في شيء من الأركان ، أي الأركان البدنية أو النواحي والجوانب أي أركان الخلق « والجوارح » بأن يتحرك رأسه أو عينه أو يده سبحانه « بلفظ شق فم » أي لفظ خارج من فرجة الفم.

٦٥

٣ ـ وعنه ، عن محمد بن أبي عبد الله ، عن محمد بن إسماعيل ، عن داود بن عبد الله ، عن عمرو بن محمد ، عن عيسى بن يونس قال قال ابن أبي العوجاء لأبي عبد الله عليه‌السلام في بعض ما كان يحاوره ذكرت الله فأحلت على غائب فقال أبو عبد الله ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد وإليهم أقرب « مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم ويعلم أسرارهم فقال ابن أبي العوجاء أهو في كل مكان أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إنما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل عن مكان اشتغل به مكان وخلا منه مكان فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما يحدث في المكان الذي كان فيه فأما الله العظيم الشأن الملك الديان فلا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان.

٤ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى قال كتبت إلى أبي الحسن علي بن محمد عليه‌السلام جعلني الله فداك يا سيدي قد روي لنا أن الله في موضع دون موضع « عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى » وأنه ينزل كل ليلة في النصف الأخير من الليل إلى السماء الدنيا وروي أنه ينزل عشية عرفة ثم يرجع إلى موضعه فقال بعض مواليك في ذلك إذا كان في موضع دون موضع فقد يلاقيه الهواء ويتكنف عليه

______________________________________________________

الحديث الثالث : مجهول.

قوله عليه‌السلام : من حبل الوريد ، لعل فيه إشارة إلى أن قربه سبحانه قرب العلية والتأثير والتدبير ، إذ عرق العنق سبب للحياة وبانقطاعه يكون الموت والفناء ، أي هو تعالى أدخل في حياة الشخص من عرق العنق ، إذ هو خالقه ومسبب سائر أسباب حياته

الحديث الرابع : ضعيف ، وسنده الثاني صحيح على الظاهر.

قوله عليه‌السلام : علم ذلك عنده ، أي علم كيفية نزوله عنده سبحانه ، وليس عليكم معرفة ذلك ، ثم أشار إشارة خفية إلى أن المراد بنزوله : تقديره نزول رحمته ، وإنزالها بتقديره بقوله : وهو المقدر له بما هو أحسن تقديرا ، ثم أفاد أن ما عليكم علمه أنه

٦٦

والهواء جسم رقيق يتكنف على كل شيء بقدره فكيف يتكنف عليه جل ثناؤه على هذا المثال فوقععليه‌السلامعلم ذلك عنده وهو المقدر له بما هو أحسن تقديرا واعلم أنه إذا كان في السماء الدنيا فهو كما هو على العرش والأشياء كلها له سواء علما وقدرة وملكا وإحاطة.

وعنه ، عن محمد بن جعفر الكوفي ، عن محمد بن عيسى مثله.

في قوله تعالى : ( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ ) (١)

٥ ـ عنه ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى « ما يَكُونُ

______________________________________________________

لا يجري عليه أحكام الأجسام والمحيزات من المجاورة والقرب المكاني ، والتمكن في الأمكنة ، بل حضوره سبحانه حضور وشهود علمي وإحاطة بالعلم والقدرة والملك بقوله : وعلم أنه « إلخ ».

قوله : في قوله ... هذا كلام المصنف (ره) أي روي في تفسير هذه الآية الرواية الآتية ، وقيل : عطف على عنوان الباب ، أي باب في قوله ، وهو بعيد.

الحديث الخامس : صحيح.

قوله تعالى « ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ » أي ما يقع من تناجي ثلاثة ، ويجوز أن يقدر مضاف أو يؤول نجوى من متناجين (٢) ويجعل ثلاثة صفة لها « إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ » أي إلا الله يجعلهم أربعة من حيث أنه يشاركهم في الاطلاع عليها « وَلا خَمْسَةٍ » أي ولا نجوى خمسة ، وتخصيص العددين إما لخصوص الواقعة ، أو لأن الله وتر يحب الوتر والثلاثة أول الأوتار ، أو لأن التشاور لا بد له من اثنين يكونان كالمتنازعين ، وثالث يتوسط بينهما.

__________________

(١) سورة المجادلة : ٧.

(٢) وفي نسخة [ ح ] « نجوى بمتناجيين ».

٦٧

مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ » فقال هو واحد واحدي الذات بائن من خلقه وبذاك وصف نفسه وهو « بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ » بالإشراف والإحاطة والقدرة « لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ » بالإحاطة والعلم لا بالذات لأن الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة فإذا كان بالذات لزمها الحواية.

في قوله ( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) (١)

٦ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل : « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى » فقال استوى على كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء.

______________________________________________________

ثم اعلم أنه لما كان القدام والخلف واليمين والشمال غير متميزة إلا بالاعتبار عد الجميع حدين ، والفوق والتحت حدين ، فصارت أربعة ، والمعنى أنه ليست إحاطته سبحانه بالذات ، لأن الأماكن محدودة ، فإذا كانت إحاطته بالذات بأن كانت بالدخول في الأمكنة لزم كونه محاطا بالمكان كالمتمكن ، وإن كانت بالانطباق على المكان لزم كونه محيطا بالمتمكن كالمكان.

الحديث السادس : ضعيف.

واعلم أن الاستواء يطلق على معان : « الأول » الاستقرار والتمكن على الشيء « الثاني » قصد الشيء والإقبال إليه « الثالث » الاستيلاء على الشيء ، قال الشاعر :

قد استوى شبر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

« الرابع » الاعتدال يقال : سويت الشيء فاستوى « الخامس » المساواة في النسبة.

فأما المعنى الأول فيستحيل على الله تعالى ، لما ثبت بالبراهين العقلية والنقلية

__________________

(١) سورة طه : ٥.

٦٨

وبهذا الإسناد ، عن سهل ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن مارد أن أبا عبد الله عليه‌السلام سئل عن قول الله عز وجل : « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى » فقال استوى

______________________________________________________

من استحالة كونه تعالى مكانيا ، فمن المفسرين من حمل الاستواء في هذه الآية على الثاني ، أي أقبل على خلقه وقصد إلى ذلك ، وقد ورد أنه سئل أبو العباس أحمد بن يحيى عن هذه الآية ، فقال : الاستواء الإقبال على الشيء ، ونحو هذا قال الفراء والزجاج في قوله عز وجل : « ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ » (١) والأكثرون منهم حملوها على الثالث ، أي استولى عليه وملكه ودبره قال الزمخشري : لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك لا يحصل إلا مع الملك جعلوه كناية عن الملك ، فقالوا : استوى فلان على السرير يريدون ملكه ، وإن لم يعقد على السرير البتة ، وإنما عبروا عن حصول الملك بذلك لأنه أصرح وأقوى في الدلالة من أن يقال فلان ملك ، ونحوه قولك يد فلان مبسوطة ، ويد فلان مغلولة ، بمعنى أنه جواد أو بخيل ، لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت ، حتى أن من لم يبسط يده قط بالنوال ، أو لم يكن له يد رأسا وهو جواد قيل فيه يد مبسوطة ، لأنه لا فرق عندهم بينه وبين قولهم جواد « انتهى ».

ويحتمل أن يكون المراد المعنى الرابع بأن يكون كناية عن نفي النقص عنه تعالى من جميع الوجوه ، فيكون قوله تعالى « عَلَى الْعَرْشِ » حالا وسيأتي توجيهه ، ولكنه بعيد.

وأما المعنى الخامس فهو الظاهر مما مر من الأخبار.

فاعلم أن العرش قد يطلق على الجسم العظيم الذي أحاط بسائر الجسمانيات ، وقد يطلق على جميع المخلوقات ، وقد يطلق على العلم أيضا كما وردت به الأخبار الكثيرة ، وقد حققناه في كتاب السماء والعالم من كتاب بحار الأنوار ، فإذا عرفت هذا فإما أن يكون عليه‌السلام فسر العرش بمجموع الأشياء ، وضمن الاستواء ما يتعدى بعلى

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٩.

٦٩

من كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء.

______________________________________________________

كالاستيلاء والاستعلاء والإشراف ، فالمعنى استوت نسبته إلى كل شيء حالكونه مستوليا عليها ، أو فسره بالعلم ، ويكون متعلق الاستواء مقدرا ، أي تساوت نسبته من كل شيء حالكونه متمكنا على عرش العلم ، فيكون إشارة إلى بيان نسبته تعالى وأنها بالعلم والإحاطة ، أو المراد بالعرش عرش العظمة والجلال والقدرة كما فسر بها أيضا في بعض الأخبار ، أي استوى من كل شيء مع كونه في غاية العظمة ومتمكنا على عرش التقدس والجلالة ، والحاصل أن علو قدره ليس مانعا من دنوة بالحفظ والتربية والإحاطة وكذا العكس.

وعلى التقادير فقوله « اسْتَوى » خبر ، وقوله « عَلَى الْعَرْشِ » حال ، ويحتمل أن يكونا خبرين على بعض التقادير ، ولا يبعد على الاحتمال الأول جعل قوله : على العرش ، متعلقا بالاستواء بأن تكون كلمة « على » بمعنى إلى ، ويحتمل على تقدير حمل العرش على العلم أن يكون قوله على العرش خبرا ، وقوله : استوى ، حالا عن العرش ولكنه بعيد.

وعلى التقادير يمكن أن يقال أن النكتة في إيراد الرحمن بيان أن رحمانيته توجب استواء نسبته إيجادا وحفظا وتربية وعلما إلى الجميع ، بخلاف الرحيمية فإنها تقتضي إفاضة الهدايات الخاصة على المؤمنين فقط ، وكذا كثير من أسمائه الحسنى تخص جماعة كما حققناه في الكتاب المذكور.

ويؤيد بعض الوجوه الذي ذكرنا ما ذكره الصدوق (ره) في كتاب العقائد حيث قال : اعتقادنا في العرش أنه جملة جميع الخلق ، والعرش في وجه آخر هو العلم ، وسئل الصادق عليه‌السلام : عن قول الله عز وجل : « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى » فقال : استوى من كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء « انتهى » وإنما بسطنا الكلام في هذا المقام لصعوبة فهم تلك الأخبار على أكثر الأفهام.

٧٠

٧ ـ وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تعالى « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى » فقال استوى في كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء لم يبعد منه بعيد ولم يقرب منه قريب استوى في كل شيء.

٨ ـ وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من زعم أن الله من شيء أو في شيء أو على شيء فقد كفر قلت فسر لي قال أعني بالحواية من الشيء له أو بإمساك له أو من شيء سبقه.

وفي رواية أخرى من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثا ومن زعم أنه في شيء فقد جعله محصورا ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولا.

في قوله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) (١)

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم قال قال أبو شاكر الديصاني إن في القرآن آية هي قولنا قلت ما هي فقال « وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ » فلم أدر بما أجيبه فحججت فخبرت أبا عبد الله عليه‌السلام فقال هذا كلام زنديق خبيث إذا رجعت إليه فقل له ما اسمك بالكوفة؟

______________________________________________________

الحديث السابع : صحيح.

الحديث الثامن : صحيح وآخره مرسل.

قوله : بالحواية من الشيء له ، تفسير لقوله : في شيء ، وقوله : أو بإمساك له ، تفسير لقوله : على شيء ، وقوله : أو من شيء سبقه ، تفسير لقوله : من شيء.

الحديث التاسع : حسن ، ولعل هذا الديصاني لما كان قائلا بإلهين : نور ، ملكه السماء ، وظلمة ملكها الأرض ، أول الآية بما يوافق مذهبه بأن جعل قوله : « وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ » جملة تامة معطوفة على مجموع الجملة السابقة ، أي وفي الأرض إله

__________________

(١) سورة الزخرف : ٨٣.

٧١

فإنه يقول فلان فقل له ما اسمك بالبصرة فإنه يقول فلان فقل كذلك الله ربنا « فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ » وفي البحار إله وفي القفار إله وفي كل مكان إله قال فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته فقال هذه نقلت من الحجاز.

باب العرش والكرسي

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي رفعه قال سأل الجاثليق أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال أخبرني عن الله عز وجل يحمل العرش أم العرش يحمله فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام الله عز وجل حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما وذلك قول الله عز وجل « إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا

______________________________________________________

آخر ، ويظهر من بعض الأخبار أنه كان من الدهريين ، فيمكن أن يكون استدلاله بما يوهم ظاهر الآية من كونه بنفسه حاصلا في السماء والأرض ، فيوافق ما ذهبوا إليه من كون المبدإ الطبيعة ، فإنها حاصلة في الأجرام السماوية والأجسام الأرضية معا ، فأجاب عليه‌السلام بأن المراد أنه تعالى مسمى بهذا الاسم في السماء وفي الأرض ، والأكثرون على أن الظرف متعلق بالإله لأنه بمعنى المعبود أو مضمن معناه ، كقولك : هو حاتم في البلد.

باب العرش والكرسي

الحديث الأول : مرفوع ، وقال في القاموس : الجاثليق بفتح الثاء المثلثة. رئيس للنصارى في بلاد الإسلام بمدينة السلام.

قوله تعالى « أَنْ تَزُولا » أي يمسكهما كراهة أن تزولا بالعدم والبطلان ، أو يمنعهما ويحفظهما أن تزولا ، فإن الإمساك متضمن للمنع والحفظ ، وفيه دلالة على أن الباقي في البقاء محتاج إلى المؤثر « إِنْ أَمْسَكَهُما » أي ما أمسكهما « مِنْ بَعْدِهِ » أي من بعد الله أو من بعد الزوال و « من » الأولى زائدة للمبالغة في الاستغراق ، والثانية

٧٢

وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً » (١) قال فأخبرني عن قوله « وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ » (٢) فكيف قال ذلك وقلت إنه يحمل العرش والسماوات والأرض فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة نور أحمر منه احمرت الحمرة ونور أخضر منه اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ونور أبيض منه ابيض البياض وهو العلم الذي حمله الله الحملة وذلك نور من عظمته فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من

______________________________________________________

للابتداء.

قوله : فأخبرني عن قوله ... لعله توهم المنافاة من جهتين : « الأولى » أن حملة العرش ثمانية لا هو ، وقلت هو حامله ، والثانية أن الثمانية إذا حملوا عرشه فقد حملوه أيضا لأنه على العرش ، وقلت إنه حامل جميع ما سواه.

قوله عليه‌السلام : وهو العلم ، أي العرش أو البياض أي النور الأبيض ، والأخير أنسب بما مضى في باب النهي عن الصفة في تفسير الأنوار منقولا عن الوالد العلامة ، وعلى الأول لعل المعنى أن العلم أحد معاني العرش ، إذ يظهر من الأخبار أن العرش يطلق على الجسم المحيط بجميع الأجسام ، وعليه مع ما فيه من الأجسام أعني العالم الجسماني ، وقد يراد به جميع ما سوى الله من العقول والأرواح والأجسام ، وقد يراد به علم الله سبحانه المتعلق بما سواه ، وقد يراد به علم الله الذي اطلع عليه أنبيائه ورسله وحججه صلوات الله عليهم خاصة ، ولعل أحد الأخيرين هو المراد في هذا الخبر والذي بعده ، والله يعلم.

قوله عليه‌السلام : أبصر قلوب المؤمنين ، أي ما يبصرون ويعلمون.

قوله عليه‌السلام : عاداه الجاهلون ، لأن الجهل مساوق الظلمة التي هي ضد النور ،

__________________

(١) سورة الفاطر : ٤١.

(٢) سورة الحاقة : ١٧.

٧٣

جميع خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة فكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فكل شيء محمول والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا والمحيط بهما من شيء وهو حياة كل شيء ونور كل شيء سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.

قال له فأخبرني عن الله عز وجل أين هو فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله « ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا » فالكرسي محيط بالسماوات والأرض « وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى وَإِنْ تَجْهَرْ

______________________________________________________

والمعاداة إنما يكون بين الضدين كذا قيل ، والأظهر عندي أن المراد أن ظهوره صار سببا لخفائه كما قيل : يا خفيا من فرط الظهور ، فتأمل « ابتغى » أي طلب ، ولعل المعنى أن نوره سبحانه لما ظهر في عالم الوجود طلبه جميع الخلق ، لكن بعضهم أخطأوا طريق الطلب وتعيين المطلوب ، فمنهم من يعبد الصنم لتوهمه أنه هناك ، ومنهم من يعتقد الدهر لزعمه أنه الإله والمدبر ، فكل منهم يعلمون اضطرارهم إلى مدبر وخالق ورازق وحافظ ويطلبونه ويبتغون إليه الوسيلة لكنهم لعماهم يخطئون ويتحيرون ، ولبسط هذا الكلام مقام آخر.

قوله عليه‌السلام : الممسك لهما ، أي للسماوات والأرض « والمحيط » يجوز جر المحيط بالعطف على ضمير لهما ، و « من » بيان له ، يعني الممسك للشيء المحيط بهما ، أو متعلق بقوله : « أَنْ تَزُولا » يعني الممسك لهما وللمحيط بهما أن تزولا ، وقوله : من شيء ، للتعميم ويجوز رفعه بالعطف على الممسك « ومن » بيان لضمير بهما لقصد زيادة التعميم ، أو بيان المحذوف يعني المحيط بهما مع ما حوتاه من شيء.

قوله عليه‌السلام : وهو حياة كل شيء ، أي من الحيوانات أو الحيات بمعنى الوجود والبقاء مجازا « ونور كل شيء » أي سبب وجوده وظهوره.

قوله عليه‌السلام : فالكرسي ، يمكن أن يكون المراد تفسير الكرسي أيضا بالعلم فتأمل.

٧٤

بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى » وذلك قوله تعالى : « وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ » فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله علمه وليس يخرج عن هذه الأربعة شيء خلق الله في ملكوته الذي أراه الله أصفياءه وأراه خليلهعليه‌السلامفقال « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ » (١) وكيف يحمل حملة العرش الله وبحياته حييت قلوبهم وبنوره اهتدوا إلى معرفته؟.

٢ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى قال سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فاستأذنته فأذن لي فدخل فسأله عن الحلال والحرام ثم قال له أفتقر أن الله محمول فقال أبو الحسن عليه‌السلام كل محمول مفعول به مضاف إلى غيره محتاج والمحمول اسم نقص في اللفظ والحامل فاعل

______________________________________________________

قوله تعالى : « وَلا يَؤُدُهُ » أي لا يثقل عليه.

قوله عليه‌السلام : هم العلماء ، إذا كان المراد بالعرش عرش العلم كان المراد بالأنوار الأربعة صنوف العلم وأنواعه ، ولا يخرج عن تلك الأنواع أحد ، وإذا كان المراد بالأنوار نور المحبة والمعرفة والعبادة والعلم كما مر فهو أيضا صحيح ، إذ لا يخرج شيء أيضا منها ، إذ ما من شيء إلا وله محبة وعبادة ومعرفة ، وهو يسبح بحمده ، وقال الوالد العلامة قدس‌سره : الظاهر أن المراد بالأربعة العرش والكرسي والسماوات والأرض ، ويحتمل أن يكون المراد بها الأنوار الأربعة التي هي عبارة عن العرش لأنه محيط على ما هو المشهور.

الحديث الثاني : صحيح.

قوله عليه‌السلام : والمحمول اسم نقص ، ليس المراد أن كل ما ورد على صيغة المفعول اسم نقص ، وإلا لانتقض بالموجود والمعبود والمحمود ، بل ما دل على وقوع تأثير وتغيير من غيره ، كالمحفوظ والمربوب والمحمول وأمثالها ، وقيل : لما رأى عليه‌السلام قصور

__________________

(١) سورة الأنعام : ٧٥.

٧٥

وهو في اللفظ مدحة وكذلك قول القائل فوق وتحت وأعلى وأسفل وقد قال الله « وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها » (١) ولم يقل في كتبه إنه المحمول بل قال إنه الحامل في البر والبحر والممسك السماوات والأرض أن تزولا والمحمول ما سوى الله ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قط قال في دعائه يا محمول قال أبو قرة فإنه قال « وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ » وقال « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ » فقال أبو الحسن عليه‌السلام العرش ليس هو الله والعرش اسم علم وقدرة وعرش فيه كل شيء ثم أضاف الحمل إلى غيره خلق من خلقه لأنه استعبد خلقه بحمل عرشه

______________________________________________________

فهمه عن إدراك الدلائل العقلية احتج عليه بصورة الألفاظ ومدلولاتها الأولية ، تارة بأن المحمول اسم مفعول فعل به فاعل فعله ، وكل مفعول به فهو مضاف إلى غيره الذي هو فاعله ، وهو محتاج إلى غيره ، وتارة بأن المحمول لكونه اسم المفعول اسم نقص في اللفظ ، والحامل لكونه اسم الفاعل اسم مدحة ، وقوله عليه‌السلام : وكذلك قول القائل فوق « إلخ » يعني أن مثل ذينك اللفظين في كون أحدهما اسم مدح والآخر اسم نقص ، قول القائل : فوق ، وتحت ، فإن فوق اسم مدح ، وتحت اسم نقص ، وكذلك أعلى اسم مدح وأسفل اسم نقص.

قوله عليه‌السلام : خلق ، بالجر بدل من غيره ، وأشار بذلك إلى أن الحامل لما كان من خلقه ، فيرجع الحمل إليه تعالى وهم حملة علمه ، أي وقد يطلق حملة العرش على حملة العلم أيضا ، أو حملة العرش في القيامة هم حملة العلم في الدنيا.

قوله عليه‌السلام : بحمل عرشه ، والحاصل أنه لا يحتاج في حمل العرش إلى غيره بل استعبد أصناف خلقه بأصناف الطاعات ، وحملة العرش عبادتهم حمل العرش من غير حاجة إليهم ، وقوله عليه‌السلام : وخلقا وملائكة معطوفان على خلقه ، ذكر كل ذلك للتنظير أي كما أنه تعالى لا يحتاج إلى تسبيح الملائكة وكتابتهم أعمال العباد وطواف العباد حول

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٨٠ وأصل الآية هكذا « ولله الأسماء الحسنى ... » ويحتمل قريبا وقوع التصحيف في المتن.

٧٦

وهم حملة علمه وخلقا يسبحون حول عرشه وهم يعملون بعلمه وملائكة يكتبون أعمال عباده واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته والله « عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى » كما قال والعرش ومن يحمله ومن حول العرش والله الحامل لهم الحافظ لهم الممسك القائم على كل نفس وفوق كل شيء وعلى كل شيء ولا يقال محمول ولا أسفل قولا مفردا لا يوصل بشيء فيفسد اللفظ والمعنى قال أبو قرة فتكذب بالرواية التي جاءت أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم فيخرون سجدا فإذا ذهب الغضب خف ورجعوا إلى مواقفهم فقال أبو الحسن عليه‌السلام أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا هو غضبان عليه فمتى رضي وهو في صفتك لم يزل غضبان عليه وعلى أوليائه وعلى

______________________________________________________

بيته ، فكذا لا يحتاج إلى من يحمل عرشه ، وإنما أمرهم بجميع ذلك ليعبدوه ويستحقوا ثوابه.

قوله عليه‌السلام : وهم يعملون بعلمه ، أي بما أعطاهم من العلم ، وقوله عليه‌السلام : والعرش وما عطف عليه مبتدأ خبره محذوف ، أي محمول كلهم ، أو سواء في نسبتهم إليه تعالى قوله عليه‌السلام :

كما قال ، أي استواؤه سبحانه على العرش على النحو الذي قال ، وأراد [ من ] استواء النسبة أو الاستيلاء كما مر لا كما تزعمه المشبهة.

قوله عليه‌السلام : قولا مفردا لا يوصل بشيء ، أي لا يوصل بقرينة صارفة عن ظاهره أو ينسب إلى شيء آخر على طريقة الوصف بحال المتعلق ، بأن يقال : عرشه محمول أو أرضه تحت كذا وجحيمه أسفل ونحو ذلك ، وإلا فيفسد اللفظ لعدم الإذن الشرعي وأسمائه توقيفية ، وأيضا هذا اسم نقص كما مر ، والمعنى لأنه يوجب نقصه وعجزه تعالى عن ذلك علوا كبيرا.

قوله عليه‌السلام : وهو في صفتك ، أي وصفك إياه أنه لم يزل غضبانا على الشيطان وعلى أوليائه ، والحاصل أنه لما فهم من كلامه أن الملائكة الحاملين للعرش قد يكونون قائمين ، وقد يكونون ساجدين ، يطريان الغضب وضده ، وحمل الحديث على ظاهره

٧٧

أتباعه كيف تجترئ أن تصف ربك بالتغيير من حال إلى حال وأنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين سبحانه وتعالى لم يزل مع الزائلين ولم يتغير مع المتغيرين ولم يتبدل مع المتبدلين ومن دونه في يده وتدبيره وكلهم إليه محتاج وهو غني عمن سواه.

٣ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن الفضيل بن يسار قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله جل وعز « وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » فقال يا فضيل كل شيء في الكرسي السماوات والأرض وكل شيء في الكرسي.

______________________________________________________

نبه عليه‌السلام على خطائه إلزاما عليه بقدر فهمه بأنه لا يصح ما ذكرت إذ من غضبه تعالى ما علم أنه لم يزل كغضبه على إبليس فيلزم أن يكون حملة العرش منذ غضب على إبليس إلى الآن سجدا غير واقفين إلى مواقفهم فعلم أن ما ذكرته وفهمته خطاء

والحديث على تقدير صحته محمول على أن المراد بغضبه سبحانه إنزال العذاب وبوجدان الحملة ثقل العرش اطلاعهم عليه بظهور مقدماته وأسبابه ، وبسجودهم خضوعهم وخشوعهم له سبحانه خشية وخوفا من عذابه ، فإذا انتهى تزول العذاب وظهرت مقدمات رحمته اطمأنوا ورغبوا في طلب رحمته ، ثم بعد إلزامه عليه‌السلام بذلك شرع في الاستدلال على تنزيهه سبحانه مما فهمه ، فقال : كيف تجترئ أن تصف ربك بالتغير من حال إلى حال ، وهو من صفات المخلوقات والممكنات ، « لم يزل » بضم الزاء من زال يزول ، وليس من الأفعال الناقصة ، ووجه الاستدلال بما ذكره عليه‌السلام على ما ما ذكر قد مر مرارا فلا نعيده.

الحديث الثالث : كالصحيح ، وفي التوحيد هكذا : يا فضيل السماوات والأرض وكل شيء في الكرسي ، بدون تلك الزيادة ، وإحاطة الكرسي بالسماوات والأرض لا ينافي كون العرش محيطا بالجميع.

٧٨

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحجال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة بن أعين قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله جل وعز « وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » السماوات والأرض وسعن الكرسي أم الكرسي وسع السماوات والأرض فقال بل الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش وكل شيء وسع الكرسي.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب

______________________________________________________

الحديث الرابع : صحيح.

قوله : السماوات والأرض وسعن ، ولعل سؤال زرارة لاستعلام أن في قرآن أهل البيت كرسيه منصوب أو مرفوع ، وإلا فعلى تقدير العلم بالرفع لا يحسن منه هذا السؤال ، ويروي عن الشيخ البهائي قدس‌سره أنه قال : سألت عن ذلك والدي ، فأجاب رحمه‌الله بأن بناء السؤال على قراءة وسع بضم الواو وسكون السين مصدرا مضافا ، وعلى هذا يتجه السؤال ، وإني تصفحت كتب التجويد فما ظفرت على هذه القراءة إلا هذه الأيام رأيت كتابا في هذا العلم مكتوبا بالخط الكوفي وكانت هذه القراءة فيه ، وكانت النسخة بخط مصنفه.

وقوله عليه‌السلام : والعرش ، لعله منصوب بالعطف على الأرض ، فالمراد بالكرسي العلم أو بالعرش فيما ورد أنه محيط بالكرسي العلم ، وروى الصدوق في التوحيد عن حفص قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » قال : علمه ، وقيل : العرش معطوف على الكرسي أي والعرش أيضا وسع السماوات والأرض ، فالمراد أن الكرسي والعرش كلا منهما وسع السماوات والأرض وقيل : العرش مرفوع بالابتدائية ، أي والعرش وكل شيء من أجزاء العرش ودوائره وسع الكرسي بنصب الكرسي ، وعلى الاحتمالين الأولين قوله : وكل شيء ، جملة مؤكدة لما سبق في التوحيد في آخر الخبر : وكل شيء في الكرسي.

الحديث الخامس : موثق كالصحيح.

٧٩

عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة بن أعين قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » السماوات والأرض وسعن الكرسي أو الكرسي وسع السماوات والأرض فقال إن كل شيء في الكرسي.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال حملة العرش والعرش العلم ثمانية أربعة منا وأربعة ممن شاء الله.

______________________________________________________

الحديث السادس : مجهول.

قوله عليه‌السلام : والعرش العلم ، جملة معترضة ، والمراد بقوله أربعة منا محمد وعلى والحسن والحسين عليه‌السلام ، والأربعة الأخرى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى على نبينا وعليهم‌السلام كما ورد في الخبر ، وسائر الأئمة داخلون في الحسين عليه‌السلام لأنهم من صلبه ، وقيل : الأربعة الأخيرة سلمان وأبو ذر ومقداد وعمار ، والأول أصوب لما روي عن الكاظم عليه‌السلام أنه قال : إذا كان يوم القيامة كان حملة العرش ثمانية : أربعة من الأولين : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، وأربعة من الآخرين محمد وعلي والحسن والحسين.

وفي اعتقادات الصدوق رحمه‌الله : فأما العرش الذي هو جملة الخلق فحملته أربعة من الملائكة ، لكل واحد منهم ثماني أعين ، كل عين طباق الدنيا ، واحد منهم على صورة آدم يسترزق الله تعالى لولد آدم ، والآخر على صورة الثور يسترزق الله تعالى للبهائم كلها ، والآخر على صورة الأسد يسترزق الله للسباع ، والآخر على صورة الديك يسترزق الله للطيور ، فهم اليوم هؤلاء الأربعة ، وإذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية ، وأما العرش الذي هو العلم فحملته أربعة من الأولين وأربعة من الآخرين ، فأما الأربعة من الأولين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، وأما الأربعة من الآخرين ، فمحمد وعلي والحسن والحسين عليهم‌السلام أجمعين ، هكذا روي بالأسانيد الصحيحة عن الأئمة عليهم‌السلام في العرش وحملته « انتهى ».

٨٠