مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٤

ودرست بن أبي منصور عنه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات فنبي منبأ في نفسه لا يعدو غيرها ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ولم يبعث إلى أحد وعليه إمام مثل ما كان إبراهيم على لوط

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : الأنبياء والمرسلون ، أي مجموع الصنفين علي التداخل ينقسم إلى الأربع لأكل منهما ، فلا ينافي ما سيأتي في الباب الآتي من الفرق بين النبي والرسول ، ويحتمل أن يكون هذا التقسيم مبنيا على اصطلاح آخر ، والأول أظهر.

قال شارح المقاصد : النبوة هو كون الإنسان مبعوثا من الحق إلى الخلق ، فإن كان النبي مأخوذا من النباوة وهو الارتفاع لعلو شأنه واشتهار مكانه أو من النبي بمعنى الطريق لكونه وسيلة إلى الحق ، فالنبوة على الأصل كالأبوة ، وإن كان من النبإ بمعنى الخبر لإنبائه عن الله تعالى ، فعلى قلب الهمزة واوا ثم الإدغام كالمروة ، وقال : النبي هو إنسان بعثه الله لتبليغ ما أوحى إليه ، وكذا الرسول وقد يخص بمن له شريعة وكتاب ، فيكون أخص من النبي ، واعترض بما ورد في الحديث من زيادة عدد الرسل على عدد الكتب ، فقيل : هو من له كتاب أو نسخ لبعض أحكام الشريعة السابقة ، والنبي قد يخلو عن ذلك كيوشع عليه‌السلام ، وفي كلام بعض المعتزلة أن الرسول صاحب الوحي بواسطة الملك ، والنبي هو المخبر عن الله بكتاب أو إلهام أو تنبيه في منام ، انتهى.

أقول : وسيأتي تحقيق القول في ذلك.

قوله : فنبي منبأ في نفسه ، أقول : الفرق بينه وبين الثاني لا يخلو من إشكال ، ويمكن توجيهه بوجهين :

الأول : أن يكون المراد بقوله : منبأ في نفسه لا يعدو غيرها ، أنه لا يتعلق بنبوته شيء غير نفسه ، لا ملك يسمع صوته أو يعاينه ، ولا أحد يبعث إليه والثاني ليس بمقصود على ذلك ، بل يسمع كلام الملك أيضا بحيث لا يراه في اليقظة ، فيكون

٢٨١

عليهم‌السلام ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك وقد أرسل إلى طائفة قلوا أو كثروا كيونس قال الله ليونس « وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ » (١) قال يزيدون

______________________________________________________

القسمان مشتركين في عدم البعثة إلى أحد ، وإنما الفرق بسماع الصوت في اليقظة وعدمه ، والتشبيه بلوط عليه‌السلام في محض كونه عليه إمام ، لأن لوطا كان من المرسلين ، وكان مبعوثا على أمة عذبوا بمخالفته.

والوجه الثاني : أن يكون الأول من لم يبعث إلى أحد أصلا ، والثاني من يكون مبعوثا لكن لا من قبل الله ، بل من قبل الإمام بأن يكون لوطا مبعوثا من قبل إبراهيم عليه‌السلام إليهم لا من قبل الله ، وإن كان نبيا فيكون التشبيه كاملا ، ويكون قوله سبحانه « وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ » (٢) يعني به أنه من المرسلين من قبل الإمام ، والمراد بعدم المعاينة عدمها عند إلقاء الحكم وسماع الصوت المشتمل على بيان الحكم الشرعي ، فلا ينافي رؤية لوط عليه‌السلام الملائكة المرسلين (٣) لتعذيب قومه وسماعه أصواتهم ، ويمكن أن يكون المراد رؤيتهم بصورتهم الأصلية ، وهو عليه‌السلام رآهم في صورة البشر ، أو رؤيتهم عند معرفة أنهم ملائكة ، فيمكن أن يكون حين عرفهم لم يكن يراهم ، ولكن يسمع أصواتهم والظرف في قوله : في اليقظة ، متعلق بيسمع الصوت ولا يعاينه على التنازع.

وقوله تعالى « أَوْ يَزِيدُونَ » مما يوهم الشك وهو محال على الله سبحانه.

وأجيب بوجوه : « الأول » أن المعنى أو يزيدون في تقديركم ، بمعنى أنه إذا رآهم الرائي منكم قال : هؤلاء مائة ألف أو يزيدون على المائة ألف « الثاني » أن أو بمعنى الواو « الثالث » أن أو بمعنى بل « الرابع » أنه للإبهام على المخاطبين « الخامس » ما قيل : إنه لما كان إرسال يونس إلى قومه أمرا مستمرا وكان قومه في بعض أوقات

__________________

(١) سورة الصافات : ١٤٧.

(٢) سورة الصافات : ١٣٣.

(٣) المقرّبين خ ل.

٢٨٢

ثلاثين ألفا وعليه إمام والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو إمام مثل أولي العزم وقد كان إبراهيم عليه‌السلام نبيا وليس بإمام حتى قال الله : « إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي » فقال الله « لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » (١) من عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما.

______________________________________________________

الإرسال مائة ألف وزادوا بالتوالد في بعض الأوقات إلى أن صاروا مائة وثلاثين ألفا استعمل « أو » لبيان أن المرسل إليهم على قسمين ، ففي بعض الأوقات مائة ألف ، وفي بعضها يزيدون ، ولم يذكر قدر الزيادة إشارة إلى أنه في كل وقت من أوقات الزيادة غير ما في الأوقات الأخرى ، فبين عليه‌السلام أن منتهى الزيادة ثلاثون ألفا.

وقال الطبرسي (ره) : واختلف في الزيادة على مائة ألف كم هي؟ فقيل : عشرون ألفا عن ابن عباس ومقاتل ، وقيل : بضع وثلاثون ألفا عن الحسن والربيع ، وقيل : سبعون ألفا عن مقاتل بن حيان.

قوله : وعليه إمام ، أي موسى عليه‌السلام والإمام من تكون له الرئاسة العامة ويتبعه كل من يأتي بعده إلى أن تنسخ شريعته ، وهذا المعنى ثابت لجميع أولو العزم ، ولأئمتنا صلوات الله عليهم ، وقوله عليه‌السلام : من عبد صنما أو وثنا لم يكن إماما ، إما تفسير لقوله تعالى : « لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » أو متفرع ومترتب عليه وهذا أنسب بسائر الأخبار ، فيكون تعريضا لأئمة المخالفين الذين كانوا في أكثر عمرهم مشركين ، فعلى الأول المراد بالظلم الكفر والشرك ، وبالعهد الإمامة ، وعلى الثاني فالظلم على عمومه والعهد شامل للإمامة وما في حكمها ، وهو في الأصل ما يكتب للولاة ، من عهد إليه كعلم إذا أوصاه ، وهنا كناية عن خلافة الله في أرضه.

وقال الطبرسي (ره) قال مجاهد : العهد الإمامة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام ، أي لا يكون الظالم إماما للناس فهذا يدل على أنه يجوز أن يعطي ذلك بعض ولده إذا لم يكن ظالما لأنه لو لم يرد أن يجعل أحدا منهم إماما للناس

__________________

(١) سورة البقرة : ١٢٤.

٢٨٣

______________________________________________________

لوجب أن يقول في الجواب : لا ، أو لا ينال عهدي ذريتك ، وقال الحسن : إن معناه أن الظالمين ليس لهم عند الله عهد يعطيهم به خيرا وإن كانوا قد يعاهدون في الدنيا فيوفي لهم ، وقد يجوز في العربية أن يقال لا ينال عهدي الظالمين ، لأن ما نالك فقد نلته ، وقد روي ذلك في قراءة ابن مسعود ، واستدل أصحابنا بهذه الآية على أن الإمام لا يكون إلا معصوما عن القبائح ، لأن الله سبحانه نفي أن ينال عهده الذي هو الإمامة ظالم ، ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالما إما لنفسه وإما لغيره ، فإن قيل : إنما نفى أن يناله في حال ظلمة ، فإذا تاب فلا يسمى ظالما ، فيصح أن يناله؟ فالجواب أن الظالم وإن تاب فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالما ، فإذا نفى أن يناله فقد حكم بأنه لا ينالها ، والآية مطلقة غير مقيدة بوقت دون وقت ، فيجب أن تكون محمولة على الأوقات كلها ، فلا يناله الظالم وإن تاب فيها بعد ، انتهى كلامه رفع الله مقامه.

فإن قلت : على القول باشتراط بقاء المشتق منه في صدق المشتق كيف يستقيم الاستدلال؟

قلت : لا ريب أن الظالم في الآية يحتمل الماضي والحال ، لأن إبراهيم عليه‌السلام إنما سأل ذلك لذريته من بعده ، فأجاب تعالى بعدم نيل العهد لمن يصدق عليه أنه ظالم بعده ، فكل من صدق عليه بعد مخاطبة الله تعالى لإبراهيم بهذا الخطاب أنه ظالم ، وصدر عنه الظلم في أي زمان من أزمنة المستقبل يشمله هذا الحكم ، أنه لا يناله العهد.

فإن قلت : تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية؟

قلت : العلية لا تدل على المقارنة ، إذ ليس مفاد الحكم إلا أن عدم النيل إنما هو للاتصاف بالظلم في أحد الأزمنة المستقبلة بالنسبة إلى صدور الحكم فتدبر.

وقال بعض الأفاضل : في الخبر دلالة علي أن المراد بالظالم من ظلم وسبق ظلمه ، حيث قال : من عبد صنما ولم يقل من لم يعبد ، ولم يدخل الفاء في الخبر

٢٨٤

٢ ـ محمد بن الحسن عمن ذكره ، عن محمد بن خالد ، عن محمد بن سنان ، عن زيد الشحام قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا وإن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا وإن الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما فلما جمع له الأشياء قال « إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً » قال فمن عظمها في عين إبراهيم قال « وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » قال لا يكون السفيه إمام التقي.

______________________________________________________

دلالة على عدم إرادة معنى الشرط ، وأيضا فكما كان الخليل عليه‌السلام يسأل الإمامة ويريدها لظالم حين ظلمه إنما يدخل في سؤاله الذي سبق ظلمه ، وهو غير متلبس به ، فأجاب بإخراج من ظلم وسبق منه الظلم ، ويحتمل أن يكون مراد الخليل عليه‌السلام أخذ العهد لذريته بالإمامة ، في ضمن عهد إمامته ، والجواب من يفعل منهم ظلما لا ينال عهد الإمامة ، فذريته على العموم لا يصح إدخالهم في العهد ، فإن من ذريته من يعبد الصنم والوثن.

الحديث الثاني : ضعيف ، وتقدم النبوة على الرسالة ظاهر ، وكذا الرسالة على الخلة فإنها فراغ القلب عن جميع ما سوى الله ، وعدم التوسل في شيء من الأمور إلى سواه ، وكل رسول لا يلزم أن تكون له هذه الدرجة ، والإمامة التي هي الرئاسة العامة لجميع الخلق ، وكون من بعده من الأنبياء تابعين له أفضل من الجميع.

قوله عليه‌السلام : فلما جمع له ، على بناء المعلوم أو المجهول « الأشياء » أي المذكورة سابقا.

قوله عليه‌السلام : لا يكون السفيه ... هذا تفسير لنفي إمامة الظالم بحمل الظلم على السفاهة ، سواء كان بفقدان العقائد الحقة واختيار الباطل ، وهم الظلمة على أنفسهم ، أو بارتكاب القبائح الشنيعة وهم الظلمة على أنفسهم أو على غيرهم ، أو بيان لسببه ، أو لما يترتب عليه.

٢٨٥

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى الخثعمي ، عن هشام ، عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم « أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ » وعليهم دارت الرحى : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى جميع الأنبياء.

٤ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسين ، عن إسحاق بن عبد العزيز أبي السفاتج ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعته يقول إن الله اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا واتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا واتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا واتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما فلما جمع له هذه الأشياء ـ وقبض

______________________________________________________

قيل : وفيه دلالة على عموم الإمامة بالنسبة إلى كل الناس كما هو الظاهر من قوله تعالى : « إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ».

الحديث الثالث : موثق

« وعليهم دارت الرحى » أي رحا النبوة والرسالة والشريعة والدين ، وسائر الأنبياء تابعون لهم فهم بمنزلة القطب للرحى ، وقيل : كنى بالرحى عن الشرائع لدورانها بين الأمم مستمرة إلى يوم القيامة ، وشبه أولو العزم بالماء الذي تدور عليه الرحى ، أو كنى بالرحى عن الأفلاك ، فإنها تدور وتدوم بوجود الأنبياء ودوام آثارهم ولولاهم لما دارت ولما بقيت كما ورد في الحديث القدسي في حق نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله : لولاك لما خلقت الأفلاك.

الحديث الرابع : ضعيف.

قوله : وقبض يده ، الظاهر أن الضمير المستتر والبارز راجعان إلى الباقر عليه‌السلام ، والكلام من الراوي أي لما قال عليه‌السلام فلما جمع له هذه الأشياء قبض يده الشريفة ، أي ضم أصابعه إلى الكف لبيان اجتماع هذه الخمسة له ، أي العبودية التي هي إخلاص العبادة لله ، والعمل بما يقتضيه ، وهذا غاية كمال الممكن ، وقد وصف الله المقربين من عباده بذلك حيث قال : « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ » (١) وقال :

__________________

(١) سورة الإسراء : ١.

٢٨٦

يده قال له : يا إبراهيم « إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً » فمن عظمها في عين إبراهيم عليه‌السلام قال يا رب « وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ».

باب

الفرق بين الرسول والنبي والمحدث

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا » ما الرسول وما النبي قال النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا

______________________________________________________

« عَبْداً مِنْ عِبادِنا » (١) إلى غير ذلك من الآيات ، والنبوة (٢) والرسالة والخلة والإمامة ، وضم الفعل إلى القول بهذه الإشارات شائع في الاستعمالات كما لا يخفى علي المتدبرين في فهم الروايات ، وقيل : لعل المراد أخذ يده ورفعه من حضيض الكمالات إلى أوجها ، هذا إذا كان الضمير في يده راجعا إلى إبراهيم وإن كان راجعا إلى الله فقبض يده كناية عن إكمال الصنعة وإتمام الحقيقة في إكمال ذاته وصفاته ، أو تشبيه للمعقول بالمحسوس للإيضاح ، فإن الصانع منا إذا أكمل صنعة الشيء لرفع يده عنه ولا يعمل فيه شيئا لتمام صنعته ، وقيل : فيه إضمار أي قبض إبراهيم هذه الأشياء بيده ، أو قبض المجموع في يده ، ولا يخفى ما في جميع ذلك من التكلف والتعسف.

قوله : فمن عظمها أي الإمامة.

باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : الذي يرى في منامه ، الغرض بيان مادة الافتراق لإثبات العموم ، أي يصدق على هذا الفرد « ولا يعاين الملك » أي في اليقظة ، والمعنى : لا يعاينه حين سماع صوته ، فلا ينافيه الخبر الآتي ، ويدل على أنه كان في قراءة أهل البيت عليهم‌السلام :

__________________

(١) سورة الكهف : ٦٥.

(٢) عطف على قوله : « أي العبودية ..... ».

٢٨٧

يعاين الملك والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك قلت الإمام ما منزلته قال يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك ثم تلا هذه الآية « وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ » ولا محدث.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار قال كتب الحسن بن العباس المعروفي إلى الرضا عليه‌السلام جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام قال فكتب أو قال الفرق بين الرسول والنبي والإمام أن الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي وربما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم عليه‌السلام والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع

______________________________________________________

« ولا محدث » وقيل : يحتمل أن يكون بيانا للمراد من الآية ، أقول : هذا بعيد جدا وإن أمكن توجيهه بأن الأئمة في هذه الأمة لما كانوا بمنزلة الأنبياء الذين كانوا في الأمم السابقة كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ، وفسر بالأئمة عليهم‌السلام ، فذكر الأنبياء المتقدمين وبيان حكمهم مشتمل على ذكر الأئمة عليهم‌السلام على هذا الوجه ، لكن أوردنا في كتابنا الكبير أخبارا أصرح من هذه الأخبار ، في كون هذه الكلمة في القرآن ، ولا استبعاد في سقوط بعض القرآن عما جمعه عثمان كما سيأتي تحقيقه في كتاب القرآن إن شاء الله تعالى.

الحديث الثاني : مجهول

قال : فكتب ... القائل أما الحسن أو إسماعيل فإن أحدهما شك في أن جوابه عليه‌السلام كان بعنوان المكاتبة أو المكالمة « ينزل عليه جبرئيل » ذكره على المثال أو على التعيين ، فيكون الملك في سائر الأخبار محمولا عليه « وينزل عليه الوحي » أما تفسير لما سبق أو تعميم بعد التخصيص على الاحتمال الأول ، أو المراد الوحي بلا واسطة الملك ، « وربما رأى الشخص » أي النبي الذي ليس برسول لا يجتمع له السماع والرؤية في حالة واحدة كما مر ، ويرى في المنام أيضا ولا يرى الشخص ، أي جبرئيل عليه‌السلام على الاحتمال الثاني مطلقا ، وإن كان ينافيه بعض الأخبار ، أو عند إلقاء الحكم كما

٢٨٨

والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن الأحول قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرسول والنبي والمحدث قال الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلا فيراه ويكلمه فهذا الرسول وأما النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ونحو ما كان رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل عليه‌السلام من عند الله بالرسالة وكان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل ويكلمه بها قبلا ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلمه ويحدثه من غير أن يكون يرى في اليقظة وأما

______________________________________________________

مر ، فالفرق بينه وبين بعض الأنبياء غير مذكور هنا ، قيل : أي الإمامة باعتبار هذه المرتبة ، كما أن النبوة باعتبار الرؤية في المنام ، والرسالة باعتبار نزول جبرئيل عليه‌السلام ورؤية شخصه وسماع كلامه في اليقظة ، فمتى فارقت الإمامة النبوة والرسالة لم يكن الإسماع والكلام من غير معاينة ولا في المنام كما سيأتي.

الحديث الثالث : صحيح.

قال الفيروزآبادي : رأيته قبلا محركة وبضمتين ، وكصرد وعنب ، وقبيلا كأمير : عيانا ومقابلة « ويأتيه الروح » أي جبرئيل للخبر السابق ، أو روح القدس كما سيأتي.

واعلم أن تحقيق الفرق بين النبي والإمام عليهم‌السلام واستنباطه من تلك الأخبار لا يخلو من إشكال ، وكذا الجمع بينهما وبين سائر الأخبار التي سيأتي بعضها وأوردنا أكثرها في كتاب البحار ، في غاية الإشكال ، والذي ظهر لي من أكثرها : هو أن الإمام لا يرى الحكم الشرعي في المنام ، والنبي قد يراه فيه ، وأما الفرق بين الإمام والنبي وبين الرسول ، أن الرسول يرى الملك عند إلقاء الحكم والنبي غير الرسول والإمام عليه‌السلام لا يريانه في تلك الحال ، وإن رأياه في سائر الأحوال ، ويمكن أن يخص الملك الذي لا يريانه بجبرئيل عليه‌السلام ، ويعم الأحوال لكن فيه أيضا منافرة لبعض الروايات ، ومع قطع النظر عن الأخبار لعل الفرق بين الأئمة عليهم‌السلام وغير

٢٨٩

______________________________________________________

أولي العزم من الأنبياء أن الأئمة عليهم‌السلام نواب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يبلغون إلا بالنيابة ، وأما الأنبياء وإن كانوا تابعين لشريعة غيرهم لكنهم مبعوثون بالأصالة وإن كانت تلك النيابة أشرف وأعلى رتبة من تلك الأصالة ، وربما يفرق بينهما بأن الملك يلقي إلى النبي على وجه التعليم ، وإلى الإمام عليه‌السلام للتنبيه.

وبالجملة لا بد لنا من الإذعان بعدم كونهم أنبياء ، وأنهم أفضل وأشرف من جميع الأنبياء سوى نبينا صلوات الله عليه وعليهم ، ومن سائر الأوصياء عليهم‌السلام ، ولا نعرف سببا لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية جلالة خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يصل عقولنا إلى فرق بين بين النبوة والإمامة ، وما دلت عليه الأخبار فقد عرفته والله يعلم حقائق أحوالهم صلوات الله عليهم.

قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرح عقائد الصدوق رحمه‌الله : أصل الوحي هو الكلام الخفي ثم قد تطلق على كل شيء قصد به إلى إفهام المخاطب على السر له من غيره ، والتخصيص له به دون من سواه ، فإذا أضيف إلى الله تعالى كان فيما يخص به الرسل خاصة دون من سواهم على عرف الإسلام وشريعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال الله تعالى : « وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ » الآية (١) ، فاتفق أهل الإسلام على أن الوحي كان رؤيا مناما وكلاما (٢) سمعته أم موسى في منامها على الاختصاص ، وقال تعالى : « وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ » الآية (٣) يريد به الإلهام الخفي إذ كان خاصا بمن أفرده دون من سواه ، فكان علمه حاصلا للنحل بغير كلام جهر به المتكلم فأسمعه غيره.

وساق (ره) الكلام إلى أن قال : وقد يرى الله في المنام خلقا كثيرا ما يصح تأويله ويثبت حقه لكنه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي ، ولا يقال في هذا الوقت لمن أطلعه الله على علم شيء أنه يوحى إليه ، وعندنا أن الله يسمع الحجج بعد نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله كلاما يلقيه إليهم أي الأوصياء في علم ما يكون ، لكنه لا يطلق عليه

__________________

(١) سورة القصص : ٧.

(٢) وفي المصدر « كان رؤيا أو كلاما ».

(٣) سورة النحل : ٦٨.

٢٩٠

______________________________________________________

اسم الوحي لما قدمناه من إجماع المسلمين على أنه لا يوحى لأحد (١) بعد نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنه لا يقال في شيء مما ذكرناه أنه وحي إلى أحد ، ولله تعالى أن يبيح إطلاق الكلام أحيانا ويحظره أحيانا ويمنع السمات بشيء حينا ويطلقها حينا ، فأما المعاني فإنها لا تتغير عن حقائقها على ما قدمناه.

وقال رحمه‌الله في كتاب المقالات (٢) : أن العقل لا يمنع من نزول الوحي إليهم عليهم‌السلام وإن كانوا أئمة غير أنبياء ، فقد أوحى الله عز وجل إلى أم موسى عليه‌السلام « أَنْ أَرْضِعِيهِ » ، الآية ، فعرفت صحة ذلك بالوحي ، وعملت عليه ولم تكن نبيا ولا رسولا ولا إماما ، ولكنها كانت من عباد الله الصالحين ، وإنما منعت من نزول الوحي إليهم والإيحاء بالأشياء إليهم للإجماع على المنع من ذلك والاتفاق على أنه من زعم أن أحدا بعد نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله يوحى إليه فقد أخطأ وكفر ، ولحصول العلم بذلك من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أن العقل لم يمنع من بعثة نبي بعد نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ونسخ شرعه كما نسخ ما قبله من شرائع الأنبياء عليهم‌السلام ، وإنما منع ذلك الإجماع والعلم بأنه خلاف دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من جهة اليقين وما يقارب الاضطرار ، والإمامية جميعا على ما ذكرت ليس بينها فيه على ما وصفت خلاف.

ثم قال رحمه‌الله : « القول في سماع الأئمة عليهم‌السلام كلام الملائكة الكرام وإن كانوا لا يرون منهم الأشخاص (٣) » وأقول بجواز هذا من جهة العقل ، وأنه ليس يمتنع في الصديقين من الشيعة ، المعصومين من الضلال ، وقد جاءت بصحته وكونه للأئمة عليهم‌السلام ومن سميت من شيعتهم الصالحين الأبرار الأخيار واضحة الحجة والبرهان ، وهو مذهب فقهاء الإمامية وأصحاب الآثار منهم ، وقد أباه بنو نوبخت وجماعة من الإمامية لا معرفة لهم بالأخبار ، ولم يتعمقوا (٤) النظر ولا سلكوا طريق الصواب.

__________________

(١) [ لا وحي لأحد ] خ ل.

(٢) وهو المعروف بكتاب أوائل المقالات المطبوع مرتين بتبريز.

(٣) هذا عنوان الباب وبعده من كلام المفيد (ره).

(٤) وفي المصدر « ولم يمنعوا ».

٢٩١

المحدث فهو الذي يحدث فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه.

٤ ـ أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن حسان ، عن ابن فضال ، عن علي بن يعقوب الهاشمي ، عن مروان بن مسلم ، عن بريد ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عز وجل « وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ » ولا محدث قلت جعلت فداك ليست هذه قراءتنا فما الرسول والنبي والمحدث قال الرسول الذي يظهر له الملك فيكلمه والنبي هو الذي يرى في منامه وربما اجتمعت النبوة والرسالة لواحد والمحدث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة قال قلت أصلحك الله كيف يعلم أن الذي رأى في النوم حق وأنه من الملك قال يوفق لذلك حتى يعرفه لقد ختم الله بكتابكم الكتب وختم بنبيكم الأنبياء.

______________________________________________________

ثم قال رحمه‌الله تعالى : وأقول : منامات الرسل والأنبياء والأئمة عليهم‌السلام صادقة لا تكذب ، وأن الله تعالى عصمهم عن الأحلام وبذلك جاءت الأخبار عنهم عليهم‌السلام ، وعلى هذا القول جماعة من فقهاء الإمامية وأصحاب النقل منهم ، وإما متكلموهم فلا أعرف منهم نفيا ولا إثباتا ، ولا مسألة فيه ولا جوابا ، والمعتزلة بأسرها تخالفنا فيه ، انتهى.

الحديث الرابع : ضعيف ، وأحمد بن محمد كأنه العاصمي.

قوله عليه‌السلام : يوفق لذلك ، أي يعطيه أسباب تلك المعرفة ويهيئها له من معجزة مقارنة له أو إفاضة علم ضروري به « لقد ختم الله بكتابكم » الظاهر أن هذا لرفع توهم النبوة في الحجج عليهم‌السلام ، لاشتراكهم مع الأنبياء في سماع صوت الملك ، أو لبيان أنه لا بد من محدثين بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لحفظ الملة وهداية الأمة ، إذ في الأمم السابقة كان في كل عصر جماعة من الأنبياء يحفظون شريعة النبي الذي سبقهم من أولي العزم ، ويدعون الناس إلى ملته ، فلما انقطعت النبوة بعد نبينا فلا بد من محدثين يأتون بما كانوا يأتون به.

وقيل : نبه بذلك على أن كيفية ذلك إنما يحتاج إلى علمه من يكون نبيا ، أو من يحتمل نبوته وهو لكم مفروغ عنه ، لانقطاع النبوة بعد نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يخفى ما فيه.

٢٩٢

باب

أن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام

١ ـ محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن محبوب ، عن داود الرقي ، عن العبد الصالح عليه‌السلام قال إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام حتى يعرف.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء قال سمعت الرضا عليه‌السلام يقول إن أبا عبد الله عليه‌السلام قال إن الحجة لا تقوم لله عز وجل على خلقه إلا بإمام حتى يعرف.

______________________________________________________

باب أن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلابإمام

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : إن الحجة لا تقوم ، أي في الدنيا بحيث يجب عليهم الإتيان بما أمروا به والانتهاء عما نهوا عنه ، فإن التعريف شرط التكليف ، أو في الآخرة بحيث يحتج عليهم لم فعلت كذا؟ ولم تركت كذا؟ « إلا بإمام حتى يعرف » على المعلوم من بناء التفعيل أي حتى يعرف الناس ما يحتاجون إليه ، فيكون دليلا على المدعى أو على بناء المجهول بالتخفيف أو بالتشديد ، والضمير راجع إلى الله أو إلى الدين أو الحق المعلومين بقرينة المقام ، أو إلى الإمام إذ لو لم يكن إماما منصوبا من قبل الله مؤيدا بالمعجزات لم تعرف حقيته وحجيته ، وفي بعض النسخ « حي » مكان « حتى » فالوجوه أيضا محتملة في البناء ، لكن الضمير راجع إلى الإمام ، والتقييد بالحي للرد على العامة القائلين بأن الإمام بعد الرسول القرآن كما قال إمامهم : حسبنا كتاب الله ، وفي بعض النسخ : « حق » مكانه ردا على المخالفين القائلين بإمامة خلفاء الجور.

الحديث الثاني : ضعيف.

٢٩٣

٣ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن عباد بن سليمان ، عن سعد بن سعد ، عن محمد بن عمارة ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام حتى يعرف.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن خلف بن حماد ، عن أبان بن تغلب قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق.

باب

أن الأرض لا تخلو من حجة

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن الحسين بن أبي العلاء قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام تكون الأرض ليس فيها إمام قال لا قلت يكون إمامان قال لا إلا وأحدهما صامت.

______________________________________________________

الحديث الثالث : مجهول.

الحديث الرابع : صحيح ، والحجة : البرهان ، والمراد بها هنا الإمام عليه‌السلام إذ به تقوم حجة الله على الخلق « قبل الخلق » أي قبل جميعهم من المكلفين كآدم عليه‌السلام إذ كان قبل خلق حواء وخلق ذريته « ومع الخلق » لعدم خلو الأرض من الإمام ، وبعدهم إذ القائم أو أمير المؤمنين عليهما‌السلام آخر من يموت من الخلق ، أو يكون الحجة قبل كل أحد ومعه وبعده ، وقيل : حجية الحجة قبل إيجاد الخلق في الميثاق ، ومعهم في الدنيا وبعد موتهم في القيامة ، وأقول : يحتمل على بعد أن يكون المعنى : هو قبل الخلق بالعلية ، ومعهم بالزمان ، وبعدهم بالغائية ، ولعل المصنف (ره) حمله علي المعنى الثالث.

باب أن الأرض لا تخلو من حجة

الحديث الأول : حسن.

« إلا وأحدهما صامت » أي ساكت عن الدعوة والتعريف وادعاء الإمامة ، والناطق إمام عليه في الحال كالسبطين عليهما‌السلام.

٢٩٤

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن منصور بن يونس وسعدان بن مسلم ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول إن الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام كيما إن زاد المؤمنون شيئا ردهم وإن نقصوا شيئا أتمه لهم.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن ربيع بن محمد المسلي ، عن عبد الله بن سليمان العامري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما زالت الأرض إلا ولله فيها الحجة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله.

______________________________________________________

الحديث الثاني : حسن موثق.

« إن الأرض لا تخلو » أي عن إمام سابق « إلا وفيها إمام » أي لا حق بشرط بقاء زمان التكليف ، والواو للحال والاستثناء مفرغ متصل ، أي لا تخلو على حال من الأحوال إلا هذه الحالة ، أو لا تخلو من أحد إلا وفيها إمام ، أو لا تمضي إلا وفيها إمام ، من قولهم خلا الدهر أي مضى ، ونسبة المضي إليها مجاز بل الزمان يمضي عليها ، وهذا عندي أظهر ، أو من الخلق فيكون المراد إن آخر من يموت الحجة « كيما إذا زاد المؤمنون شيئا » أي من العقائد أو الأعمال سهوا أو خطأ « ردهم ، وإن نقصوا شيئا » لقصورهم عن الوصول إليه « أتمه لهم » ويحتمل أن يكون المراد بالمؤمنين المدعين للإيمان المبتدعين في الدين.

الحديث الثالث : مجهول.

قوله عليه‌السلام : ما زالت الأرض ، من زال يزول فعلا تاما أي من حال إلى حال ، فإن الأرض دائما في التغير والتبدل ، أو من زال يزال فعلا ناقصا فكلمة إلا زائدة.

قال ابن هشام في المغني عند ذكر معاني « إلا » والرابع : أن يكون زائدة ، قاله الأصمعي وابن جني ، وحملا عليه قوله :

حراجيج ما تنفك إلا مناخة

على الخسف أو ترمي بها بلدا قفرا (١)

وابن مالك وحمل عليه قوله :

أرى الدهر إلا مجنونا بأهله

وما صاحب الحاجات إلا معذبا

« انتهى » يعرف كيضرب أو على التفعيل.

__________________

(١) الشعر في جامع الشواهد وكذا الشعر الآتي.

٢٩٥

٤ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له تبقى الأرض بغير إمام قال لا.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال قال إن الله لم يدع الأرض بغير عالم ولو لا ذلك لم يعرف الحق من الباطل.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله أجل وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل.

٧ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أسامة وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أسامة وهشام بن سالم ، عن أبي حمزة ، عن أبي إسحاق عمن يثق به من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال اللهم إنك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك.

______________________________________________________

الحديث الرابع : ضعيف.

« تبقى الأرض بغير إمام » أي تبقى صالحة معمورة ، أو تبقى مقرا للناس فأجاب عليه‌السلام بنفي البقاء حينئذ لفقد ما هو المقصود من الخلق من العبادة والمعرفة حينئذ مع فقد الزواجر عن الفساد المنجر إلى الخراب والهلاك ، وقيل : تبقى فعل ناقص بمعنى تكون.

الحديث الخامس : صحيح.

« ولو لا ذلك » استدلال على عدم خلو الأرض من عالم باستلزام الخلو عدم المعرفة المقصودة من الخلق والإيجاد ، وعدم العبادة الموقوفة على المعرفة.

الحديث السادس : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : إن الله أجل وأعظم ، أي أجل وأعظم من أن لا يكون حكيما لطيفا بعبادة ، أو لا يكون قادرا على الإتيان بمقتضى الحكمة واللطف فيخل بمقتضاهما ويترك الأرض بغير إمام عادل.

الحديث السابع : مجهول.

٢٩٦

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال والله ما ترك الله أرضا منذ قبض آدم عليه‌السلام إلا وفيها إمام يهتدى به إلى الله وهو حجته على عباده ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده.

٩ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي علي بن راشد قال قال أبو الحسن عليه‌السلام إن الأرض لا تخلو من حجة وأنا والله ذلك الحجة.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أتبقى الأرض بغير إمام قال لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت.

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال قلت له أتبقى الأرض بغير إمام قال لا قلت فإنا نروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنها لا تبقى بغير إمام إلا أن يسخط الله تعالى على أهل الأرض أو على

______________________________________________________

الحديث الثامن : مجهول.

« ما ترك الله أرضا » التنكير باعتبار تعدد الأزمنة أي الأرض في زمان ، وقيل : « في » في قوله « فيها » بمعنى علي ، والمراد جزءا من الأرض فيها مكلف.

الحديث التاسع : ضعيف ، وأبو الحسن هو الثالث عليه‌السلام.

الحديث العاشر : مجهول.

وقال الفيروزآبادي : ساخت قوائمه ثاخت والشيء رسب ، والأرض بهم سوخا وسووخا وسوخانا : انخسف ، انتهى. والمراد هنا غوصها في الماء إما حقيقة أو كناية عن هلاك البشر وذهاب نظامها.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « لا تبقى » أي ليس مراد أبي عبد الله عليه‌السلام السخط الذي تبقى معه

٢٩٧

العباد فقال لا لا تبقى إذا لساخت.

١٢ ـ علي ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله المؤمن ، عن أبي هراسة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله.

١٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء قال سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام هل تبقى الأرض بغير إمام قال لا قلت إنا نروى أنها لا تبقى إلا أن يسخط الله عز وجل على العباد قال لا تبقى إذا لساخت.

باب

أنه لو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما الحجة

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن الطيار قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لو لم يبق في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الحجة.

______________________________________________________

الأرض وأهله ، بل السخط الذي تصير به الأرض منخسفة ذاهبة غير منتظمة ، ارتفع عنها التكليف.

الحديث الثاني عشر : ضعيف.

الحديث الثالث عشر : ضعيف.

باب أنه لو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما الحجة.

الحديث الأول : ضعيف.

قوله عليه‌السلام « لكان أحدهما الحجة » أقول : نظيره من طرق العامة ما رواه مسلم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان ، وذلك لأنه كما يحتاج الناس إلى الحجة من حيث الاجتماع لأمر له مدخل في نظامهم ومعاشهم ، كذلك يحتاجون إليه من حيث الانفراد لأمر له مدخل في معرفة مبدئهم ومعادهم وعباداتهم ، وأيضا الحكمة الداعية إلى الأمر بالاجتماع وسد باب الاختلاف المؤدي إلى الفساد جارية هيهنا ، وإنما تتم بحجية أحدهما ، ووجوب إطاعة الآخر له.

٢٩٨

٢ ـ أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى جميعا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن سنان ، عن حمزة بن الطيار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لو بقي اثنان لكان أحدهما الحجة على صاحبه.

محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى مثله.

٣ ـ محمد بن يحيى عمن ذكره ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن جعفر بن محمد ، عن كرام قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام وقال إن آخر من يموت الإمام لئلا يحتج أحد على الله عز وجل أنه تركه بغير حجة لله عليه.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن علي بن إسماعيل ، عن ابن سنان ، عن حمزة بن الطيار قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لو لم يبق في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الحجة أو الثاني الحجة الشك من أحمد بن محمد.

٥ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن النهدي ، عن أبيه ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول لو لم يكن في الأرض إلا اثنان لكان الإمام أحدهما.

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف بسنديه.

الحديث الثالث : مرسل.

وآخر من يموت إما القائم عليه‌السلام أو أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجعته ، لما ورد أنه دابة الأرض.

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : مجهول.

٢٩٩

باب

معرفة الإمام والرد إليه

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء قال حدثنا محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال قال لي أبو جعفر عليه‌السلام إنما يعبد الله من يعرف الله فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالا قلت جعلت فداك فما معرفة الله قال تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وموالاة علي عليه‌السلام والائتمام به

______________________________________________________

باب معرفة الإمام والرد إليه

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« إنما يعبد الله من يعرف الله » أي معرفته تعالى كما ينبغي شرط لصحة العبادة ، « فإنما يعبده هكذا » كأنه أشار بذلك إلى عبادة جماهير الناس أو إلى جهة الخلف ، أي يمشون على خلاف جهة الحق أو إلى جهة الشمال ، فإنها طريق أهل الضلال ، أو إشارة إلى العبادة على غير المعرفة ، وقيل : غمض عينيه أو أشار بيده إلى عينه لبيان العمى ، وقوله : « ضلالا » تميز أو حال على المبالغة ، أو بأن يقرأ بضم الضاد وتشديد اللام جمعا ، وإنما أدخل التصديق بالرسول وموالاة الأئمة والبراءة من أعدائهم في معرفة الله تعالى لاشتراط قبول معرفته سبحانه بها ، أو لأن من لم يصدق بتلك الأمور لم يعرف الله بصفاته الكمالية ، من اللطف والحكمة والرحمة كما لا يخفى على من تأمل فيما أسلفنا في الأبواب السالفة ، وموالاة الأئمة متابعتهم بتسليم الأمر إليهم بالإمامة واتخاذهم أئمة والاقتداء بهم والانقياد لهم ، والبراءة من أعدائهم المفارقة عنهم اعتقادا قلبا ولسانا وإطاعة ، وقيل : إنما اعتبر معرفة الإمام فيما لا تتم العبادة إلا به من المعرفة ، لأنه ما لم يعرف استناد الأمر والنهي والطلب إليه سبحانه لا ـ يكون الإتيان بالعمل عبادة له تعالى ، وإنما تحصل تلك المعرفة بالأخذ عن الحجة ، وما لم يعرف الحجة امتنع الأخذ عنه فيجب على من يريد أن يعبده إمام ، فعليه معرفة

٣٠٠