مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٤

ولا ينال ما عند الله إلا بجهة أسبابه ولا يقبل الله أعمال العباد إلا بمعرفته فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى ومعميات السنن ومشبهات الفتن فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليه‌السلام من عقب كل إمام يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم كلما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماما علما بينا وهاديا نيرا وإماما قيما وحجة عالما أئمة من الله « يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ » حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه يدين بهديهم العباد وتستهل بنورهم البلاد وينمو ببركتهم التلاد جعلهم الله حياة للأنام

______________________________________________________

وبين سماء المعرفة والقرب والكمال سببا يرتفع به إليها من روح القدس ، والإلهامات والتوفيقات قال الله تعالى : « مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ » (١) قيل : أي فليمدد حبلا إلى سماء الدنيا ثم ليقطع به المسافة حتى يبلغ عنانه « لا ينقطع عنه موادة » أي الزيادات المقررة له من الهدايات والإلهامات ، والضمير راجع إلى الإمام أو إلى الله أو إلى السبب على بعد في الأخير « من ملتبسات الدجى » التباس الأمور : اختلاطها على وجه يعسر الفرق بينها ، والدجى جمع الدجية وهي الظلمة الشديدة ، أي عالم بالأمور المشتبهة في ظلم الجهالة والفتن « ومعميات » بتشديد الميم المفتوحة يقال : عميت الشيء أي أخفيته ، ومنه المعمى « ومشبهات الفتن » أي الفتن المشبهة بالحق أو الأمور المشبهة بالحق بسبب الفتن.

والقيم على الشيء : المتولي عليه ، والمتولي لأموره ومصالحه ، ومنه : قيم الخان ، ومنه أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، أي الذي يقوم بحفظها ومراعاتها يؤتي كل شيء ما به قوامه « وبه يعدلون » أي بالحق ، والرعاة جمع الراعي وهو الحافظ والحامي « يدين » أي يعبد « بهديهم » بضم الهاء وفتح الدال أو بفتح الهاء وسكون الدال وهو السيرة الحسنة « وتستهل » أي تتنور وتستضيء « بنورهم البلاد » أي أهلها « وتنمو ببركتهم التلاد » التألد والتليد والتلاد : كل مال قديم وخلافه الطارف والطريف ، والتخصيص به لأنه أبعد من النمو ، أو لأن الاعتناء به

__________________

(١) سورة الحج : ١٥.

٤٠١

ومصابيح للظلام ومفاتيح للكلام ودعائم للإسلام جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها.

فالإمام هو المنتجب المرتضى والهادي المنتجى والقائم المرتجى اصطفاه الله بذلك واصطنعه على عينه في الذر حين ذرأه وفي البرية حين برأه ظلا قبل

______________________________________________________

أكثر ، ويحتمل أن يكون كناية عن تجديد الآثار القديمة المندرسة ، وفي القاموس : التألد كصاحب والتلد بالفتح والضم والتحريك والتلاد والتليد والاتلاد والمتلد : ما ولد عندك من مالك أو نتج.

« جرت بذلك » الباء للسببية ، وذلك إشارة إلى مصدر جعلهم أو إلى جميع ما تقدم فيهم « مقادير الله » أي تقدير الله « على محتومها » حال عن المقادير أي كائنة على محتومها ، أو متعلق بجرت أي جرت بسبب تلك الأمور المذكورة الحاصلة فيهم تقديرات الله على محتومها ، أي قدرها الله تقديرا حتما لا بداء فيها ولا تغيير « والهادي المنتجي » أي المخصوص بالمناجاة ، وإيداع الأسرار ، قال الجوهري : انتجى القوم وتناجوا أي تساروا وانتجيته أيضا إذا اختصصته بمناجاتك « والقائم » أي بأمر الإمامة « المرتجي » أي للخير والشفاعة في الدنيا والآخرة « واصطنعه على عينه » أي خلقه ورباه وأحسن إليه ، متعينا بشأنه ، عالما بكونه أهلا لذلك قال الله تعالى : « وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي » (١) قال البيضاوي : أي ولتربي ويحسن إليك وأنا راعيك وراقبك ، وقال غيره : على عيني أي بمرأى مني ، كناية عن غاية الإكرام والإحسان ، وقال تعالى : « وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي » (٢) قال البيضاوي : أي واصطفيتك لمحبتي مثله فيما خوله من الكرامة بمن قربه الملك واستخلصه لنفسه.

« في الذر حين ذرأه » الذر بالفتح صغار النمل ، الواحدة ذرة ، أستعير هنا لما يشبهها من الأجسام الصغار التي تعلقت بها الأرواح في الميثاق كما سيأتي ، وذرأه بالهمز كمنعه إذا خلقه ، وربما يقرأ بالألف المنقلبة عن الواو ، أي فرقه وميزه حين أخرجه من صلب آدم « والبرية » بتشديد الياء : المخلوقون من برأه كمنعه إذا خلقه ، وهو

__________________

(١) سورة طه : ٣٩.

(٢) سورة طه : ٤١.

٤٠٢

خلق نسمة عن يمين عرشه محبوا بالحكمة في علم الغيب عنده اختاره بعلمه وانتجبه لطهره بقية من آدم عليه‌السلام وخيرة من ذرية نوح ومصطفى من آل إبراهيم وسلالة من إسماعيل وصفوة من عترة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يزل مرعيا بعين الله يحفظه و

______________________________________________________

في الأصل مهموز وقد تركت العرب همزها ، وربما يجعل من البري كالرمي وهو نحت السهم ونحوه ، فأصلها غير مهموز.

وقوله : « ظلا » حال أو مفعول ثان لبراءة ، بتضمين معنى الجعل ، والمراد بالظل الروح قبل تعلقه بالبدن « قبل خلقه نسمة (١) » أي قبل تعلقه بالجسد ، ومن يقول بتجرد الروح يأول كونه عن يمين العرش إما بتعلقه بالجسد المثالي ، أو العرش بالعلم ، أو العظمة والجلال ، واليمين بأشرف جهاته « محبوا بالحكمة » على صيغة المفعول ، أي منعما عليه ، وهو حال مقدرة لظلا بقرينة قوله : « في علم الغيب » أي كان يعلم أنه يحبوه العلم والحكمة ، أو المراد أعطاه الحكمة [ لعلمه ] بأنه أهل لها.

ثم اعلم أن ظاهر اللفظ أن الذر في عالم الأرواح والبرء في عالم الأجساد ، فقوله : ظلا ، متعلق بالأول وفيه بعد ، ويحتمل أن يكون كلاهما في عالم الأرواح ، ويكون المراد بالذر تفريقهم في الميثاق وبالبر أخلق الأرواح ، والحبوة العطية.

« اختاره بعلمه » أي بأن أعطاه علمه أو بسبب علمه بأنه يستحقه « وانتجبه لطهره » أي لعصمته أو لأن يجعله مطهرا ، وعلى أحد الاحتمالين الضميران لله ، وعلى الآخر للإمام « بقية من آدم » أي انتهى إليه خلافة الله التي جعلها لآدم حيث قال : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ».

والخيرة بكسر الخاء وسكون الياء وفتحها : المختار « ومصطفى من آل إبراهيم » إشارة إلى قوله تعالى : « إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ » (٢) الآية ، والسلالة ـ بالضم ـ : الذرية وصفوة الشيء مثلثة ما صفا منه « لم يزل مرعيا بعين الله » أي

__________________

(١) وفي المتن « قبل خلق نسمة » بدون الضمير ، وما اختاره الشارح أظهر.

(٢) سورة آل عمران : ٢٣.

٤٠٣

يكلؤه بستره مطرودا عنه حبائل إبليس وجنوده مدفوعا عنه وقوب الغواسق ونفوث كل فاسق مصروفا عنه قوارف السوء مبرأ من العاهات محجوبا عن الآفات معصوما من الزلات مصونا عن الفواحش كلها معروفا بالحلم والبر في يفاعه.

______________________________________________________

بحفظه وحراسته أو بعين عنايته ، والكلاءة : الحراسة ، والطرد : الدفع ، والحبائل جمع الحبالة بالكسر : المصائد ، والوقوب : الدخول ، والغسق : أول ظلمة الليل ، والغاسق : ليل عظم ظلامه ، ولعله إشارة إلى قوله تعالى : « وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ » وفسر بأن المراد به ليل دخل ظلامه في كل شيء ، وتخصيصه لأن المضار فيه يكثر ويعسر الدفع ، فالمعنى أنه يدفع عنه الشرور التي يكثر حدوثها بالليل غالبا ، أو المراد دفع شرور الجن والهوام المؤذية ، فإنها تقع بالليل غالبا كما تدل عليه الأخبار ، أو المراد عدم دخول مظلمات الشكوك والشبه والجهالات عليه.

« ونفوث كل فاسق » أي لا يؤثر فيه سحر الساحرين من قوله تعالى : « وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ » أو يكون كناية عن دفع وساوس شياطين الإنس والجن والأول أظهر ، وما ورد من تأثير السحر في النبي والحسنين صلوات الله عليهم فمحمول على التقية ، وردها أكثر علمائنا ، ويمكن حمله على أنه لا يؤثر فيهم تأثيرا لا يمكنهم دفعه ، فلا ينافي تلك الأخبار لو صحت « مصروفا عنه قوارف السوء » من اقتراف الذنب بمعنى اكتسابه ، أو المراد الاتهام بالسوء ، من قولهم : قرف فلانا عابه أو اتهمه ، وأقرفه وقع فيه وذكره بسوء ، وأقرف به عرضه للتهمة.

والمراد بالعاهات والآفات : الأمراض التي توجب نفرة الخلق وتشويه الخلقة ، كالعمى والعرج (١) والجذام والبرص وأشباهها ، ويحتمل أن يراد بالثاني الآفات النفسانية وأمراضها « في يفاعه » أي في صغره وبدو شبابه ، يقال : يفع الغلام : إذا راهق ، وفي بعض النسخ : بالباء الموحدة والقاف أي في بلاده التي نشأ فيها ، أو في جميع

__________________

(١) وفي نسخة « القرح » بدل « العرج ».

٤٠٤

منسوبا إلى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه مسندا إليه أمر والده صامتا عن المنطق في حياته.

فإذا انقضت مدة والده إلى أن انتهت به مقادير الله إلى مشيئته وجاءت الإرادة من الله فيه إلى محبته وبلغ منتهى مدة والدهعليه‌السلامفمضى وصار أمر الله إليه من بعده وقلده دينه وجعله الحجة على عباده وقيمه في بلاده وأيده بروحه وآتاه علمه وأنبأه فصل بيانه واستودعه سره وانتدبه لعظيم أمره وأنبأه فضل بيان علمه ونصبه علما لخلقه وجعله حجة على أهل عالمه وضياء لأهل دينه والقيم على عباده رضي الله به إماما لهم استودعه سره واستحفظه

______________________________________________________

البلاد ، فإنها كلها له والأول أظهر للمقابلة بقوله « عند انتهائه » أي كماله في السن أو عند إمامته « مسندا إليه أمر والده » أي يكون وصيه.

« إلى أن انتهت » في غيبة النعماني ليس « إلى أن » فيكون « انتهت » جزاء الشرط وهو أصوب ، وعلى هذه النسخة « فمضى » جزاء الشرط ، « وإلى » متعلق بمقدر ، أي تسببت الأسباب إلى أن انقضت ، أو يضمن الانقضاء معنى الانتهاء « إلى مشيته » الضمير راجع إلى الله والضمير في قوله : « به » راجع إلى الولد ، ويحتمل الوالد أي انتهت مقادير الله بسبب الولد إلى ما شاء وأراد من إمامته « وجاءت الإرادة من عند الله فيه إلى محبته » الضمير راجع أيضا إلى الله أي إلى ما أحب من خلافته « وأيده بروحه » أي بروح القدس كما سيأتي « وأنبأه فصل بيانه » أي البيان الفاصل بين الحق والباطل ، كما قال تعالى : « إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ » (١) وفي بعض النسخ بالضاد المعجمة أي زيادة بيانه « وانتدبه » أي دعاه وحثه ، وفي أكثر كتب اللغة أن الندب الطلب ، و

__________________

(١) سورة الطارق : ١٣.

٤٠٥

علمه واستخبأه حكمته واسترعاه لدينه وانتدبه لعظيم أمره وأحيا به مناهج سبيله وفرائضه وحدوده فقام بالعدل عند تحير أهل الجهل وتحيير أهل الجدل بالنور الساطع والشفاء النافع بالحق الأبلج والبيان اللائح من كل مخرج على طريق المنهج الذي مضى عليه الصادقون من آبائه عليهم‌السلام فليس يجهل حق هذا العالم إلا شقي ولا يجحده إلا غوي ولا يصد عنه إلا جري على الله جل وعلا.

______________________________________________________

الانتداب الإجابة ، ويظهر من الخبر أن الانتداب أيضا يكون بمعنى الطلب كما في مصباح اللغة ، حيث قال : انتدبه للأمر فانتدب يستعمل لازما ومتعديا.

« واستخبأه » بالخاء المعجمة والباء الموحدة مهموزا أو غير مهموز تخفيفا أي استكتمه ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أي طلب منه أن يحبوا الناس الحكمة « واسترعاه لدينه » أي طلب منه رعاية الناس وحفظهم لأمور دينه ، أو اللام زائدة « عند تحيير أهل الجهل (١) » أي عند ما يحير أهل الجهل الناس بشبههم ، وفي بعض النسخ تحير على التفعل وهو أنسب « وتحبير أهل الجدل » أي تزيينهم الكلام الباطل عند المناظرة ، في القاموس : تحبير الخط والشعر وغيرهما : تحسينه « بالنور الساطع » الباء للسببية أو بدل أو عطف بيان لقوله : « بالعدل » وكذا قوله : « بالحق » بالنسبة إلى قوله : بالنور ، أو متعلق بالنافع ، والباء للسببية « الأبلج » الأوضح « من كل مخرج » « من » تعليلية.

__________________

(١) وفي نسخة الأصل من الكافي « عند تحيّر أهل الجهل وتحقير أهل الجدل ».

٤٠٦

باب

أن الأئمة عليهم‌السلام ولاة الأمر وهم الناس المحسودون

الذين ذكرهم الله عزوجل

١ ـ الحسين بن محمد بن عامر الأشعري ، عن معلى بن محمد قال حدثني الحسن بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن أذينة ، عن بريد العجلي قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ

______________________________________________________

باب أن الأئمة عليهم‌السلام ولاة الأمر وهم الناس المحسودون الذين

ذكرهم الله عز وجل

الحديث الأول : ضعيف.

« وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » قد تقدم القول فيه في باب فرض طاعة الأئمة عليهم‌السلام ، وقال ابن شهرآشوب رحمه‌الله في المناقب : الأمة على قولين في معنى « أولي الأمر » في هذه الآية :

أحدهما : أنها في أئمتنا عليهم‌السلام « والثاني » أنها في أمراء السرايا ، وإذا بطل أحد الأمرين ثبت الآخر ، وإلا خرج الحق عن الأمة ، والذي يدل على أنها في أئمتنا صلوات الله عليهم أن ظاهرها يقتضي عموم طاعة أولي الأمر من حيث عطف الله تعالى الأمر بطاعتهم على الأمر بطاعته وطاعة رسوله ، ومن حيث أطلق الأمر بطاعتهم ولم يخص شيئا من شيء لأنه سبحانه لو أراد خاصا لبينه ، وفي فقد البيان منه تعالى دليل على إرادة الكل ، وإذا ثبت ذلك ثبتت إمامتهم ، لأنه لا أحد تجب طاعته على ذلك الوجه بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا الإمام ، وإذا اقتضت وجوب طاعة أولي الأمر على العموم لم يكن بد من عصمتهم ، وإلا أدى إلى أن يكون قد أمر بالقبيح ، لأن من ليس بمعصوم لا يؤمن منه وقوع القبيح ، فإذا وقع كان الاقتداء به قبيحا ، وإذا ثبت

٤٠٧

مِنْكُمْ » (١) فكان جوابه :

______________________________________________________

دلالة الآية على العصمة ووجوب الطاعة بطل توجهها إلى أمراء السرايا ، لارتفاع عصمتهم ، وقال بعضهم هم علماء الأمة وهم مختلفون وفي طاعة بعضهم عصيان بعض ، وإذا أطاع المؤمن بعضهم عصى الآخر ، والله تعالى لا يأمر بذلك ، ثم إن الله تعالى وصف أولي الأمر بصفة تدل على العلم والإمرة جميعا في قوله : « وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ » (٢) فرد إليهم الأمن أو الخوف للأمراء ، والاستنباط للعلماء ، ولا يجتمعان إلا لأمير عالم ، انتهى.

قوله عليه‌السلام : كان جوابه ، قيل : سئل عليه‌السلام عن معنى أولي الأمر فأجاب السائل ببيان آية أخرى ليفهم به ما يريد مع إيضاح وتشييد ولا يخفى ما فيه.

وأقول : سوء الفهم وإشكال الحديث إنما نشأ من أن المصنف (ره) أسقط تتمة الحديث وذكرها في موضع آخر ، وفي تفسير العياشي بعد قوله : « إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً » (٣) « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً » قال : قلت : قوله : في آل إبراهيم : « وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً » ما الملك العظيم؟ قال : أن جعل منهم أئمة ، من أطاعهم أطاع الله ، ومن عصاهم عصى الله ، فهو الملك العظيم قال : ثم قال « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً » قال : إيانا عنى ، أن يؤدى الأول منا إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح « وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ » الذي في أيديكم ثم قال للناس : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » إيانا عنى خاصة ، فإن خفتم تنازعا في الأمر فارجعوا إلى الله وإلى الرسول وأولي

__________________

(١) سورة النساء : ٥٩.

(٢) سورة النساء : ٨٣.

(٣) أي في آخر الحديث.

٤٠٨

« أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً » (١) يقولون لأئمة الضلالة والدعاة إلى النار « هؤُلاءِ أَهْدى » من آل محمد « سَبِيلاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ » يعني الإمامة والخلافة

______________________________________________________

الأمر منكم ، هكذا نزلت ، وكيف يأمرهم بطاعة أولي الأمر ويرخص لهم في منازعتهم ، إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم : « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ».

أقول : فظهر أنه عليه‌السلام شرع في تفسير الآيات المتقدمة على تلك الآية وبين نزولها فيهم عليه‌السلام ليتضح نزول هذه الآية فيهم أشد إيضاح وأبينه.

« أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ » قال البيضاوي : نزلت في يهود كانوا يقولون إن عبادة الأصنام أرضى عند الله مما يدعو إليه محمد ، وقيل : في حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وفي جمع من اليهود خرجوا إلى مكة يحالفون قريشا على محاربة رسول الله ، فقالوا : أنتم أهل كتاب ، وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا ، فلانا من مكركم فاسجدوا آلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا ، والجبت في الأصل اسم صنم فاستعمل في كل ما عبد من دون الله ، وقيل : أصله الجبس وهو الذي لا خير فيه ، فقلبت سينه تاء.

والطاغوت يطلق لكل باطل من معبود أو غيره « وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا » لأجلهم وفيهم « هؤلاء » إشارة إليهم « أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً » أي أقوم دينا وأرشد طريقا « فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً » يمنع العذاب عنه بشفاعة أو غيرها ، انتهى.

أقول : وعلى تأويله عليه‌السلام الجبت والطاغوت : الأول والثاني ، « والذين كفروا » سائر خلفاء الجور ، ولا ينافي ذلك ما مر من نزول الآية ، لأن الله تعالى لما ذم المخالفين للرسول ولعنهم فهو جار فيمن خالف أهل بيته ، لأنهم القائمون مقامه.

« أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ » قال البيضاوي « أم » منقطعة ، ومعنى الهمزة إنكار

__________________

(١) سورة النساء : ٥١.

٤٠٩

« فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً » نحن الناس الذين عنى الله والنقير النقطة التي في وسط النواة « أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ » (١) نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله أجمعين « فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً » يقول جعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف

______________________________________________________

أن يكون لهم نصيب من الملك ، أو جحد لما زعمت اليهود من أن الملك سيصير إليهم « فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً » أي لو كان لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون أحدا ما يوازي نقيرا ، وهو النقرة في ظهر النواة ، وهذا هو الإغراق في بيان شحهم ، فإنهم بخلوا بالنقير وهم ملوك فما ظنك بهم إذا كانوا أذلاء متفاقرين.

أقول : ويحتمل أن يكون المراد بالنقطة في كلامه عليه‌السلام النقرة ، وقال الطبرسي رحمه‌الله : قيل : المراد بالملك هنا النبوة.

« أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ » قال الطبرسي : معناه بل أيحسدون الناس ، واختلف في معنى الناس هنا فقيل : أراد به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حسدوه على ما أعطاه من النبوة وإباحة تسعة نسوة وميلة إليهن ، وقالوا لو كان نبيا لشغلته النبوة عن ذلك ، فبين الله سبحانه أن النبوة ليست ببدع في آل إبراهيم « وثانيها » أن المراد بالناس النبي وآله عليهم‌السلام عن أبي جعفر عليه‌السلام ، والمراد بالفضل فيه النبوة ، وفي آله الإمامة ، انتهى.

وأقول : روى ابن حجر في صواعقه قال : أخرج أبو الحسن المغازلي عن الباقر عليه‌السلام أنه قال في هذه الآية : نحن الناس والله ، ولا يخفى أن تفسيرهم عليهم‌السلام أنسب بلفظ الناس.

« فكيف يقرون به في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمد » ومحمد أفضل من إبراهيم ، فكيف يستبعدون ذلك ، أو آل محمد من آل إبراهيم فلم لا يشملهم؟

« يقول جعلنا منهم الرسل » إما تفسير لإيتاء مجموع الكتاب والحكمة والملك

__________________

(١) سورة النساء : ٥٤.

٤١٠

يقرون به في آل إبراهيم عليه‌السلام وينكرونه في آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله « فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً »

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى : « أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ » قال نحن المحسودون.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن محمد الأحول ، عن حمران بن أعين قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قول الله عز وجل : « فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ » فقال النبوة قلت « الْحِكْمَةَ » قال الفهم والقضاء قلت « وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً » فقال الطاعة.

______________________________________________________

العظيم ، أو على اللف والنشر المرتب ، ويؤيد الأخير ما سيأتي.

« فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ » أي بالإيتاء أو بالملك العظيم ، وضمير « منهم » للأمة ، ويقال صد صدودا أي أعرض ، وصد فلانا عن كذا صدا أي منعه وصرفه « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا » أي الآيات النازلة في الأئمة أو هم عليهم‌السلام كما سيأتي « بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها » أي في الصفة « إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً » أي قويا غالبا على جميع الأشياء « حَكِيماً » يعاقب ويثيب على وفق حكمته.

الحديث الثاني : مجهول.

الحديث الثالث : حسن.

وفسر الكتاب بالنبوة لاستلزامه لها ، ولعل المراد بالفهم الإلهام وبالقضاء العلم بالحكم بين الناس ، أو الفهم فهم مطلق العلوم ، والمعارف إشارة إلى الحكمة النظرية ، والقضاء إلى الحكمة العلمية « قال الطاعة » أي فرض طاعته على الخلق.

٤١١

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي الصباح قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ » فقال يا أبا الصباح نحن والله الناس المحسودون.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن بريد العجلي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى « فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً » قال جعل منهم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يقرون في آل إبراهيم عليه‌السلام وينكرونه في آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قال قلت « وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً » قال الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم.

باب

أن الأئمة عليهم‌السلام هم العلامات التي ذكرها الله عز و

جل في كتابه

١ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن أبي داود المسترق قال حدثنا داود الجصاص قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول « وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ

______________________________________________________

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : حسن.

باب أن الأئمة عليهم‌السلام هم العلامات التي ذكرها الله عز وجل

في كتابه

الحديث الأول : ضعيف.

« وَعَلاماتٍ » قال الطبرسي (ره) أي وجعل لكم علامات أي معالم يعلم بها الطرق ، وقيل : العلامات الجبال يهتدى بها نهارا « وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » ليلا والمراد بالنجم الجنس ، وقيل : إن العلامات هي النجوم أيضا لأن من النجوم ما يهتدى بها ، ومنها ما يكون علامة لا يهتدى بها ، وقيل : أراد بها الاهتداء في القبلة ، انتهى.

٤١٢

يَهْتَدُونَ » (١) قال النجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والعلامات هم الأئمة عليهم‌السلام.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أسباط بن سالم قال سأل الهيثم أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن قول الله عز وجل : « وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النجم والعلامات هم الأئمة عليهم‌السلام.

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء قال سألت الرضا عليه‌السلام عن قول الله تعالى « وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » قال نحن العلامات والنجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

______________________________________________________

وعلى تأويله عليه‌السلام ضمير « هم » وضمير « يهتدون » راجعان إلى العلامات وهو أظهر ، لأن قبل هذه الآية « وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » فكان الظاهر على التفسير المشهور « وأنتم تهتدون » فعلى تأويله عليه‌السلام لا يحتاج إلى تكلف الالتفات ، وهذه المعاني بطون للآيات لا تنافي كون ظواهرها أيضا مرادة ، فإنه كما أن لأهل الأرض جبالا وأنهارا ونجوما وعلامات يهتدون بها إلى طرقهم الظاهرة ، وبها تصلح أمور معاشهم ، فكذا لهم رواسي من الأنبياء والأوصياء والعلماء بهم تستقر الأرض وتبقى ، ومنابع للعلوم والمعارف بها يحيون الحياة المعنوية وشمس وقمر ونجوم من الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام بهم يهتدون إلى مصالحهم الدنيوية والأخروية ، وقد تضمنت الآيات ظهرا وبطنا ، الوجهين جميعا.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث : كذلك.

__________________

(١) سورة النحل : ١٦.

٤١٣

باب

أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة عليهم‌السلام

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن أحمد بن هلال ، عن أمية بن علي ، عن داود الرقي قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى : « وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ » (١) قال الآيات هم الأئمة والنذر هم الأنبياء عليهم‌السلام.

٢ ـ أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن موسى بن محمد العجلي ، عن يونس بن يعقوب رفعه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عز وجل « كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها » (٢) يعني الأوصياء كلهم.

______________________________________________________

باب أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة عليهم‌السلام

الحديث الأول : ضعيف.

« الآيات » جمع الآية وهي العلامة ، وهم عليهم‌السلام علامات لسبيل الهداية ودلائل لعظمة الله سبحانه وقدرته وحكمته ، والنذر جمع النذير بمعنى المنذر ، والمشهور في تفسير الآيات : الحجج والبينات أو المعجزات ، أو ما خلقه الله في الآيات والأنفس دالا على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته.

وفي الصحاح : ما يغني عنك هذا ، أي ما يجدي عنك وما ينفعك.

الحديث الثاني : ضعيف.

« يعني الأوصياء » أي هم المقصودون في بطن الآية أو هم داخلون فيها.

فإن قيل سابق الآية : « وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ، كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ » وآل فرعون إنما كذبوا بموسى؟

قلنا : وإن كذبوا بموسى لكن تكذيبهم بموسى يوجب تكذيبهم بأوصيائه

__________________

(١) سورة يونس : ١٠١.

(٢) سورة القمر : ٤٢.

٤١٤

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن أبي عمير أو غيره ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قلت له جعلت فداك إن الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية « عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » قال ذلك إلي إن شئت أخبرتهم وإن

______________________________________________________

كهارون ويوشع ، بل الأنبياء والأوصياء المتقدمين عليه ، لأن كلهم أخبروا بموسى ، أو المعنى أن نظير ذلك التكذيب في هذه الأمة التكذيب بالأوصياء عليهم‌السلام ، مع أنه ورد في تفسير الإمام عليه‌السلام أن موسى عليه‌السلام كان يخبر قومه بالنبي وأوصيائه عليهم‌السلام ، ويأمرهم بالإيمان بهم ، وقيل : التكذيب بواحد من الأئمة تكذيب بالجميع لاشتراكهم في الحق والصدق والدين.

الحديث الثالث : مجهول.

« عَمَّ يَتَساءَلُونَ » قال البيضاوي : أصله « عما » فحذف الألف ، ومعنى هذا الاستفهام تفخيم شأن ما يتساءلون عنه ، كأنه لفخامته خفي جنسه فيسأل عنه ، والضمير لأهل مكة كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم ، أو يسألون الرسول والمؤمنين عنه استهزاء أو للناس « عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » بيان للشأن المفخم أو صلة يتساءلون ، وعم متعلق بمضمر مفسر به « كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ » ردع عن التساؤل « ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ » تكرير للمبالغة ، انتهى.

وأقول : تأويله عليه‌السلام مذكور في بعض كتب المخالفين ، روى السيد في الطرائف نقلا من تفسير محمد بن مؤمن الشيرازي بإسناده عن السدي يرفعه قال : أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد هذا الأمر لنا من بعدك أم لمن؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا صخر الأمر بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى عليهما‌السلام ، فأنزل الله : « عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » يعني يسألك أهل مكة عن خلافة علي بن أبي طالب « الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ » منهم المصدق بولايته وخلافته ، ومنهم المكذب قال « كلا » وهو ردع عليهم « سيعلمون » أي سيعرفون خلافته بعدك أنها حق [ تكون ] « ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ » أي يعرفون خلافته وولايته إذ يسألون عنها في قبورهم ، فلا

٤١٥

شئت لم أخبرهم ثم قال لكني أخبرك بتفسيرها قلت « عَمَّ يَتَساءَلُونَ » قال فقال هي في أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول ما لله عز وجل آية هي أكبر مني ولا لله من نبإ أعظم مني.

باب

ما فرض الله عز وجل ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الكون

مع الأئمة عليهم‌السلام

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن أذينة ، عن بريد بن معاوية العجلي قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل :

______________________________________________________

يبقى ميت في شرق ولا غرب ولا في بر ولا في بحر إلا ومنكر ونكير يسألان عن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد الموت ، يقولان له : من ربك؟ ومن نبيك؟ ومن إمامك؟

وروى مثله ابن شهرآشوب عن تفسير القطان بإسناده عن السدي مثله.

وروى محمد بن العباس بن مروان في تفسيره بإسناده إلى علقمة قال : خرج يوم صفين رجل من عسكر الشام وعليه سلاح وفوقه مصحف ، وهو يقرأ « عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » فأردت البراز إليه فقال علي عليه‌السلام : مكانك ، وخرج بنفسه فقال له : أتعرف النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون؟ قال : لا ، فقال عليه‌السلام : أنا والله النبإ العظيم الذي فيه اختلفتم ، وعلى ولايتي تنازعتم ، وعن ولايتي رجعتم بعد ما قبلتم وببغيكم [ هلكتم ] بعد ما بسيفي نجوتم ، ويوم الغدير قد علمتم ويوم القيامة تعلمون ما علمتم ، ثم علاه بسيفه فرمى رأسه ويده.

باب ما فرض الله عز وجل ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الكون

مع الأئمة عليهم‌السلام

الحديث الأول : ضعيف.

« وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » قال الطبرسي (ره) في مصحف عبد الله وقراءة ابن

٤١٦

« اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » (١) قال إيانا عنى.

______________________________________________________

عباس : من الصادقين ، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ثم قال : أي مع الذين يصدقون في أخبارهم ولا يكذبون ، ومعناه كونوا على مذهب من يستعمل الصدق في أقواله ، وصاحبوهم ورافقوهم ، وقد وصف الله الصادقين في سورة البقرة بقوله : « وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ » إلى قوله « أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ » (٢) فأمر سبحانه بالاقتداء بهؤلاء ، وقيل : المراد بالصادقين هم الذين ذكرهم الله في كتابه وهو قوله : « رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » يعني حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب عليه‌السلام « وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » (٣) يعني علي بن أبي طالب ، وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كونوا مع الصادقين ، مع علي وأصحابه ، وروى جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : « كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » قال : مع آل محمد عليهم‌السلام ، انتهى.

وأقول : التمسك بتلك الآية لإثبات الإمامة في المعصومين بين الشيعة معروف ، وقد ذكره المحقق الطوسي طيب الله روحه القدوسي في كتاب التجريد ، ووجه الاستدلال بها أن الله أمر كافة المؤمنين بالكون مع الصادقين ، وظاهر أن ليس المراد به الكون معهم بأجسادهم بل المعنى لزوم طرائقهم ومتابعتهم في عقائدهم وأقوالهم وأفعالهم ، ومعلوم أن الله تعالى لا يأمر عموما بمتابعة من يعلم صدور الفسق والمعاصي عنه ، مع نهيه عنها ، فلا بد من أن يكونوا معصومين لا يخطئون في شيء حتى تجب متابعتهم في جميع الأمور ، وأيضا اجتمعت الأمة على أن خطاب القرآن عام لجميع الأزمنة لا يختص بزمان دون زمان ، فلا بد من وجود معصوم في كل زمان ليصح أمر مؤمني كل زمان بمتابعتهم.

فإن قيل : لعلهم أمروا في كل زمان بمتابعة الصادقين الكائنين في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يتم وجود المعصوم في كل زمان.

قلنا : لا بد من تعدد الصادقين أي المعصومين لصيغة الجمع ، ومع القول بالتعدد

__________________

(١) سورة التوبة : ١٢٠.

(٢) سورة : البقرة ١٧٧.

(٣) سورة الأحزاب : ٢٣.

٤١٧

______________________________________________________

يتعين القول بما تقول الإمامية ، إذ لا قائل بين الأمة بتعدد المعصومين في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مع خلو سائر الأزمنة عنهم ، مع قطع النظر عن بعد هذا الاحتمال عن اللفظ وسيأتي تمام القول في ذلك في أبواب النصوص على أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

والعجب من إمامهم الرازي كيف قارب ثم جانب وسدد ثم شدد وأقر ثم أنكر وأصر حيث قال في تفسير تلك الآية : أنه تعالى أمر المؤمنين بالكون مع الصادقين فلا بد من وجود الصادقين لأن الكون مع الشيء مشروط بوجود ذلك الشيء فهذا يدل على أنه لا بد من وجود الصادقين في كل وقت ، وذلك يمنع من إطباق الكل على الباطل ، فوجب أن أطبقوا على شيء أن يكونوا محقين فهذا يدل على أن إجماع الأمة حجة.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال المراد بقوله : كونوا مع الصادقين ، أي كونوا على طريقة الصادقين الصالحين كما أن الرجل إذا قال لولده كن مع الصالحين لا يفيد إلا ذلك ، سلمنا ذلك لكن نقول : إن هذا الأمر كان موجودا في زمان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فقط وكان هذا أمرا بالكون مع الرسول فلا يدل على وجود صادق في سائر الأزمنة ، سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن يكون ذلك الصادق هو المعصوم الذي يمتنع خلو زمان التكليف عنه كما تقول الشيعة.

فالجواب عن الأول : أن قوله : كونوا مع الصادقين أمر بموافقة الصادقين ونهى عن مفارقتهم ، وذلك مشروط بوجود الصادقين ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فدلت هذه الآية على وجود الصادقين ، وقوله : إنه محمول على أن يكونوا على طريقة الصادقين ، فنقول : إنه عدول عن الظاهر من غير دليل ، قوله : هذا الأمر مختص بزمان الرسول قلنا : هذا باطل لوجوه « الأول » أنه ثبت بالتواتر الظاهر من دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن التكاليف المذكورة في القرآن متوجهة على المكلفين إلى قيام

٤١٨

______________________________________________________

القيامة فكان الأمر في هذا التكليف كذلك « والثاني » أن الصيغة تتناول الأوقات كلها ، بدليل صحة الاستثناء « والثالث » لما لم يكن الوقت المعين مذكورا في لفظ الآية لم يكن حمل الآية على البعض أولى من حملها علي الباقي ، فإما أن لا يحمل على شيء فيفضي إلى التعطيل وهو باطل ، أو على الكل وهو المطلوب « والرابع » أن قوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ » أمر لهم بالتقوى وهذا الأمر إنما يتناول من يصح منه أن لا يكون متقيا وإنما يكون كذلك لو كان جائز الخطأ ، فكانت الآية دالة على أن من كان جائز الخطإ وجب كونه مقتديا بمن كان واجب العصمة ، وهم الذين حكم الله بكونهم صادقين وترتب الحكم في هذا يدل على أنه إنما وجب على جائز الخطإ كونه مقتديا به ، ليكون مانعا لجائز الخطإ عن الخطإ وهذا المعنى قائم في جميع الأزمان ، فوجب حصوله في كل الأزمان ، قوله : لم لا يجوز أن يكون المراد هو كون المؤمن مع المعصوم الموجود في كل زمان ، قلنا : نحن معترف بأنه لا بد من معصوم في كل زمان إلا أنا نقول إن ذلك المعصوم هو مجموع الأمة ، وأنتم تقولون أن ذلك المعصوم واحد منهم ، فنقول : هذا الثاني باطل ، لأنه تعالى أوجب على كل من المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين ، وإنما يمكنه ذلك لو كان عالما بأن ذلك الصادق من هو ، لأن الجاهل بأنه من هو لو كان مأمورا بالكون معه كان ذلك تكليف ما لا يطاق ، لأنا لا نعلم إنسانا معينا موصوفا بوصف العصمة ، والعلم بأنا لا نعلم هذا الإنسان حاصل بالضرورة ، فثبت أن قوله « كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » ليس أمرا بالكون مع شخص معين ، ولما بطل هذا بقي أن المراد منه الكون مع جميع الأمة ، وذلك يدل على أن قول مجموع الأمة صواب وحق ولا نعني بقولنا الإجماع حجة إلا ذلك ، انتهى كلامه.

والحمد لله الذي حقق الحق بما جرى على أقلام أعدائه ، ألا ترى كيف شيد ما ادعته الإمامية بغاية جهده ثم بأي شيء تمسك في تزييفه والتعامي عن رشده ،

٤١٩

______________________________________________________

وهل هذا إلا كمن طرح نفسه في البحر العجاج رجاء أن يتشبث للنجاة بخطوط الأمواج ، ولنشر إلى شيء مما في كلامه من التهافت والاعوجاج.

فنقول كلامه فاسد عن وجوه :

أما أو لا فلأنه بعد ما اعترف أن الله تعالى إنما أمر بذلك لتحفظ الأمة عن الخطإ في كل زمان ، فلو كان المراد ما زعمه من الإجماع كيف يحصل العلم بتحقق الإجماع في تلك الأعصار مع انتشار علماء المسلمين في الأمصار ، وهل يجوز عاقل إمكان الاطلاع على جميع أقوال آحاد المسلمين في تلك الأزمنة ، ولو تمسك بالإجماع الحاصل في الأزمنة السابقة ، فقد صرح بأنه لا بد في كل زمان من معصوم محفوظ عن الخطإ.

وأما ثانيا : فبأنه على تقدير تسليم تحقق الإجماع والعلم به في تلك الأزمنة فلا يتحقق ذلك إلا في قليل من المسائل ، فكيف يحصل تحفظهم عن الخطإ بذلك.

وأما ثالثا : فبأنه لا يخفى على عاقل أن الظاهر من الآية أن المأمورين بالكون ، غير من أمروا بالكون معهم ، وعلى ما ذكره يلزم اتحادهما.

وأما رابعا : فبأن المراد بالصادق إما الصادق في الجملة ، فهو يصدق على جميع المسلمين فإنهم صادقون في كلمة التوحيد لا محالة ، أو في جميع الأقوال ، والأول لا يمكن أن يكون مرادا لأنه يلزم أن يكونوا مأمورين باتباع كل من آحاد المسلمين كما هو الظاهر من عموم الجمع المحلى باللام ، فتعين الثاني وهو لازم العصمة ، وأما الذي اختاره من إطلاق الصادقين على المجموع من حيث المجموع ، من جهة أنهم من حيث الاجتماع ليسوا بكاذبين ، فهذا احتمال لا يجوزه كردي لم يأنس بكلام العرب قط.

وأما خامسا : فبأن تمسكه في نفي ما يدعيه الشيعة في معرفة الإمام لا تخفى سخافته ، إذ كل جاهل وضال ومبتدع في الدين يمكن أن يتمسك بهذا في عدم وجوب اختيار الحق والتزام الشرائع ، فلليهود أن يقولوا : لو كان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله نبيا

٤٢٠