عمدة الأصول - ج ٦

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: ولي عصر (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٣

كما أنّ الطائفة الثانية الدالة على البطلان بالزيادة السهوية عامة من حيث الأركان وغيرها وخاصة بالزيادة فالنسبة بينها وبين حديث لا تعاد أيضا هي العموم من وجه فتقع المعارضة في مورد الاجتماع وهو الزيادة السهوية في غير الأركان فان مقتضى الطائفة الاولى والثانية بطلان الصلاة بها ومقتضى حديث لا تعاد عدم البطلان إلّا أنّ حديث لا تعاد حاكم عليهما بل على جميع أدلّة الاجزاء والشرائط والموانع كلها لكونه ناظرا اليها وشارحا لها إذ ليس مفاده انحصار الجزئية والشرطية في هذه الخمس بل مفاده أنّ الاخلال سهوا بالأجزاء والشرائط التي ثبتت جزئيتها وشرطيتها لا يوجب البطلان إلّا الاخلال بهذه الخمس فلسانه لسان الشرح والحكومة فيقدم على أدلّة الأجزاء والشرائط بلا لحاظ النسبة بينه وبينها كما هو الحال في كل حاكم ومحكوم.

فتحصّل : ممّا ذكرناه أنّ الزيادة العمدية موجبة لبطلان الصلاة مطلقا بمقتضى اطلاق الطائفة الأولى وبمقتضى الأولوية القطعية في الطائفة الثانية ولا معارض لهما لاختصاص حديث لا تعاد بالاخلال السهوي لظهوره في اثبات الحكم لمن أتى بالصلاة ثمّ التفت إلى الخلل الواقع فيها فلا يعم العامد وأنّ الزيادة السهوية موجبة للبطلان إن كانت في الأركان بمقتضى إطلاق الطائفتين الاولى والثانية وخصوص حديث لا تعاد.

وأنّ الزيادة السهوية في غير الأركان مورد المعارضة وقد عرفت أنّه لا مناص فيها من تقديم حديث لا تعاد والحكم بعدم البطلان فيها هذا كله في الزيادة.

وأمّا النقيصة العمدية فلا ينبغي الشك في بطلان الصلاة بها بمقتضى اطلاق أدلة الجزئية والشرطية وإلّا لزم الخلف كما هو ظاهر.

وأمّا النقيصة السهوية فهي موجبة للبطلان إن كانت في الأركان دون غيرها من الأجزاء والشرائط بمقتضى حديث لا تعاد هذا كله بالنسبة إلى الصلاة.

وأمّا الطواف فلا إشكال في بطلانه بالزيادة العمدية لما ورد من أنّ الطواف مثل الصلاة فإذا زدت فعليك بالإعادة.

٢٦١

وأمّا الزيادة السهوية فيه فلا توجب البطلان فان تذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه وليس عليه شيء وإن تذكر بعده فلا شيء عليه أيضا إلّا أنّه مخير بين رفع اليد عن الطواف الزائد وبين أن يجعله طوافا مستقلا فيضم إليه ستة أشواط حتى يتم طوافان.

ولا ينافيه ما ورد من عدم جواز اقتران الأسبوعين لاختصاصه بصورة العمد ثمّ إنّ حكم الزيادة العمدية والسهوية في السعي حكم الطواف كما عرفت وأمّا النقيصة العمدية (في الطواف) فلا اشكال في كونها موجبة لبطلان الطواف وأمّا النقيصة السهوية فلا توجب البطلان فإن تذكر وهو في محل الطواف فيأتي بالمنسي ويتم طوافه وإن تذكر وهو ساع بين الصفا والمروة فيقطع السعي ويرجع إلى البيت ويتم طوافه ثمّ يسعى وإن لم يتذكر إلّا وقد أتى أهله فيستنيب من يطوف عنه وكلّ ذلك للنصوص الواردة في المقام فراجع. (١)

يرد عليه أولا بأنّ الحكومة لا تختص بحديث لا تعاد إذ كل واحدة من الطوائف المذكورة ناظرة إلى أدلّة الاجزاء والشرائط وحاكمة بالنسبة إليها ولسان كل واحد منها واحد وهو تعرض أحد الدليلين لما لم يتعرض له الآخر مثلا إنّ أدلّة جزئية الفاتحة للصلاة لا تتعرض لحال تركها أو زيادتها وهذه الطوائف متعرضة لحال زيادتها أو تركها وعليه فهذه الطوائف متعارضة ولا وجه لحكومة بعضها على بعض.

وما ذهب إليه سيّدنا الاستاذ والمحقّق الداماد قدس‌سره من أنّ وجه الحكومة أنّ ما دلّ على وجوب الإعادة على من زاد في صلاته دال في المعنى على اعتبار عدم وجود الزيادة في الصلاة فهو نظير ساير الأدلة في اعتبار بعض الأجزاء والشرائط فيها وكما أنّ الصحيحة حاكمة على تلك الأدلة فكذلك حاكمة على ذلك الدليل. (٢)

لا يخلو عن الاشكال لما عرفت من وحدة لسان الطوائف المذكورة وميزان الحكومة وهو تعرض أحد الدليلين لما لم يتعرض له دليل آخر موجود في كل واحدة من هذه

__________________

(١) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٤٦٨ ـ ٤٧١.

(٢) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤٥١.

٢٦٢

الطوائف وعليه فهذه الطوائف متعارضة فمع عدم الترجيح فإن كان للادلة الدالة على الجزئية والشرطية اطلاق يؤخذ بها في مورد التعارض كالزيادة السهوية في غير الاركان ويحكم بالاعادة وان لم يكن لها إطلاق يرجع إلى مقتضى الاصول على التفصيل الذي مرّ في التنبيه الثاني والثالث هذا كله بناء على عدم ترجيح إحدى هذه الطوائف على الأخرى وتعارضها وتساقطها لكون النسبة بينهما هي العموم من وجه ولكن الترجيح مع قاعدة لا تعاد من جهة ما أشار إليه سيّدنا الامام المجاهد قدس‌سره من اشتمال القاعدة على الحصر المستفاد من الاستثناء وهو موجب لقوة الدلالة ولاشتمالها أيضا على تعليل الحكم بقوله عليه‌السلام القراءة سنّة والتشهد سنّة ولا ينقض السنّة الفريضة وإن شئت قلت إنّ التعليل مشتمل على ملاك الحكومة وهو تعرض أحد الدليلين لسلسلة علل الحكم أعني الإعادة فإنّ الإعادة بالزيادة إنّما هو لورود نقص على الصلاة لأجل الزيادة فإذا قيل لا تنقض الصلاة لأجل الزيادة ينهدم علّة الإعادة فهي هادمة لما يوجب الإعادة ومعدمة لموجبها أعني النقص. (١)

وعليه فمع تقديم القاعدة على غيرها للتعليل المذكور أو قوة الدلالة الحاصلة من ناحية الاستثناء والحصر فارتفع الايراد المذكور لقيام القرينة على حكومة قاعدة لا تعاد كما هو واضح.

نعم يرد هنا إشكال آخر وهو أنّ حديث من زاد الخ بعد تقديم لا تعاد يختص مورده بالزيادة في الخمسة بل يختص بزيادة الركوع والسجود بعد ما عرفت من أنّ الزيادة في الخمسة لا تتصور في غير السجود والركوع ومن المعلوم حينئذ أنّ الزيادة العمدية فيهما نادرة جدا ومن البعيد تأسيس قاعدة كلية بقوله من زاد في صلاته الخ لأجل الزيادة في الركوع والسجود سهوا أو عمدا وهذا عين تخصيص الأكثر أو حمل المطلق على النادر فالأولى أن يقال إنّ قاعدة لا تعاد شمولها للزيادة ضعيف جدا حتى أنكره بعض الفحول وادعى ظهورها في النقيصة فتحمل القاعدة على النقيصة حملا للظاهر على الأظهر فتبقى

__________________

(١) تهذيب الاصول / ج ٢ ، ص ٣٨٨.

٢٦٣

الزيادة تحت حديث من زاد الخ وتكون موجبة للبطلان مطلقا في الركن أو غيره عمدا كان أو سهوا وعليه فلا يكون مورده نادرا ولا معارضة بين الطائفة الثالثة وبين الطائفة الاولى والثانية لاختلاف موضوعهما لأنّ موضوع الثالثة هي النقيصة وموضوع الاولى والثانية هي الزيادة.

وأجاب عنه سيّدنا الإمام المجاهد قدس‌سره بقوله قلت ما ذكر أخيرا من الحمل مخالف لفتاوى الأصحاب (من الصحة في زيادة غير الأركان سهوا) ولا مناص في حل العقدة عن الالتجاء إلى ما ذكره شيخنا العلامة من حمل الحديث (أي من زاد الخ) على زيادة الركن أو الركعة وإن ضعفناه في حد نفسه سابقا فراجع. (١)

ويمكن أن يقال : لا شاهد على الحمل المذكور هذا مع أنّه لا يخرجه عن الحمل على النادر فالأولى أن يقال.

إنّ الزيادة العمدية في غير الأركان لا تكون مشمولة لقاعدة لا تعاد كما لا تشمل النقيصة العمدية لأنّ الحكم بالصحة منصرف عن العمد ولكن لا مانع من أن تكون الزيادة العمدية مشمولة لحديث (من زاد الخ) الدال على البطلان وعليه فلا يلزم حمل حديث (من زاد الخ) على النادر أو تخصيص الأكثر ودعوى عدم شمول الحديث (أي من زاد الخ) للزيادة العمدية معللا بأنّه المناسب لوضع المصلي القاصد لا فراغ ذمته بل يستحيل اتيانه بعنوان أنّه من الصلاة مع العلم بأنّه ليس منها (٢) مندفعة بمنع الاستحالة عن الجاهل المتردد فياتي بها برجاء كونها منها فبان أنّه زاد عمدا في صلاته وممّا ذكرنا يظهر أنّه لا فرق في تقديم القاعدة على حديث (من زاد الخ) بين أن يقال إنّ كلا من المستثنى والمستثنى منه جملتان مستقلتان يقاس كل منهما بالنسبة إلى غيره بعد ورود الاستثناء على المستثنى منه ولكل واحد ظهوره.

وبين أن يقال إنّ المستثنى منه والمستثنى جملة واحدة ولها ظهور واحد بأن يكون

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) تهذيب الاصول / ج ٢ ، ص ٣٨٦.

٢٦٤

الحديث كقضية مرددة المحمول فيكون الملحوظ فيها جميع الاجزاء والشرائط وإن اختلف حكمها.

إذ كما أنّ على الأول يكون النسبة بين مفاد القاعدة في ناحية المستثنى منه وحديث أبي بصير هي عموم وخصوص من وجه لأنّ القاعدة باعتبار المستثنى منه تشمل الزيادة والنقيصة ولا تشمل الأركان لورود الاستثناء عليه وحديث (من زاد في صلاته الخ) يشمل الأركان وغيرها ويختص بالزيادة ولا يشمل النقيصة فيتعارضان في زيادة ما عدا الخمسة وهي زيادة ما ليس بركن فتقدم القاعدة على الحديث المذكور من باب الحكومة أو الأظهرية على التفصيل الذي قدمناه.

فكذلك على الثاني يكون النسبة بين مفاد القاعدة والحديث المذكور هي عموم وخصوص من وجه لأنّ القاعدة تشمل الزيادة والنقيصة ولا تشمل الزيادة والنقيصة العمدية وحديث أبي بصير (من زاد الخ) يشمل السهو والعمد ولا يشمل النقيصة فيتعارضان في الزيادة غير الركنية فتقدم القاعدة على الحديث المذكور في الزيادة غير الركنية للحكومة أو الأظهرية على التفصيل المذكور.

ودعوى كون النسبة على الثاني هي العموم والخصوص المطلق لعدم شمول الحديث (أي من زاد الخ) للزيادة العمدية معللا بانه هو المناسب لوضع المصلي القاصد لا فراغ ذمته بل يستحيل اتيانه بعنوان أنّه من الصّلاة مع العلم بأنّه ليس منها (١) وعليه فتخصيص حديث من زاد الخ بالزيادة السهوية والقاعدة أعم من النقيصة والزيادة وتكون النسبة بينهما هي العموم والخصوص مندفعة بما مرّ من أنّ المستحيل هو الإتيان بشيء مع العلم بأنّه ليس منها وأمّا إتيان الجاهل المتردد بشيء برجاء كونه جزءا ثمّ بان أنّه ليس من الصلاة وزاد في صلاته فليس بمستحيل بل هو واقع كثيرا ما كما لا يخفى وعليه فحديث من زاد الخ أعم من السهو

__________________

(١) تهذيب الاصول / ج ٢ ، ص ٣٨٦.

٢٦٥

والعمد وبهذه الملاحظة تكون النسبة بينه وبين قاعدة لا تعاد الشاملة للزيادة والنقيصة هي العموم من وجه.

وثانيا بأنّ المحكي عن الشيخ قدس‌سره أنّ النسبة بين حديث لا تعاد بناء على اختصاصه بالسهو كما هو المفروض وبين الطائفة الثانية اعني قوله عليه‌السلام إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها فاستقبل صلاته استقبالا بناء على اختصاصه أيضا بالسهو هي العموم والخصوص لأخصيّة الثاني (أي قوله عليه‌السلام إذا استيقن انّه زاد في صلاته الخ لاختصاصه بالزيادة) بالنسبة إلى الأول (أي حديث لا تعاد لأنّه يشمل الزيادة والنقيصة) وعليه فالطائفة الثانية مقدمة على قاعدة لا تعاد ومقتضاه هو أنّ الزيادة السهوية في غير الأركان موجبة للبطلان والإعادة بخلاف النقيصة فإنّ الحكم فيها هو الصحة بمقتضى حديث لا تعاد لكونه أعم من النقيصة والوجه فيما ذكره الشيخ قدس‌سره لعله كما أفاده سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره أنّ هذا الدليل أعني قوله عليه‌السلام إذا استيقن الخ إنّما دل بمنطوقه بالخصوص على اعتبار عدم الزيادة السهوية وبمفهوم الموافقة وإن كان يستفاد حكم الزيادة العمدية أيضا وأنّه إذا كان عدم الزيادة سهوا معتبرا في الصلاة لكان عدمها عمدا معتبرا بطريق أولى فيصير هذا الدليل أيضا كحديث من زاد دالّا على اعتبار عدم الزيادة مطلقا (عمدا كان أو سهوا وبهذه الملاحظة تصير النسبة بين هذا الدليل وقاعدة لا تعاد هي العموم من وجه) إلّا أنّه لما صرح فيه بحكم الزيادة السهوية فقط من دون التعرض للزيادة العمدية وليس حكم سهوها مستفادا من الاطلاق أو العموم بل صرح به كما يحكم عليه حديث لا تعاد لاستلزامه أن لا يبقى له بحسب ما سيق له مورد أصلا (وتخصيص المورد لا يجوز وعليه) فلا بد من تخصيص لا تعاد بهذا الحديث والقول بايجاب الزيادة السهوية للاعادة وعليه فلا وجه لدعوى حكومة قاعدة لا تعاد بالنسبة إلى قوله إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها الخ بل القاعدة مخصصة بالحديث المذكور ولكن أورد سيّدنا الاستاذ عليه بعد التوجيه المذكور لكلام الشيخ قدس‌سره بقوله والانصاف عدم خلوه عن الاشكال لأنّه وإن كان هذا الحديث أخصّ

٢٦٦

مطلقا من جهة سهو الزيادة من الصحيحة فلو أريد تقديمها عليه من هذه الجهة لكان بلا مورد إلّا أنّه أعم منها من جهة إطلاقه أو عمومه للأركان وغيرها فلا يلزم من تقديم الصحيحة عليه من هذه الجهة صيرورته بلا مورد (إذ بقي الأركان بعنوان المورد له) وإذا نقول كما أنّ لسان لا تعاد كان حاكما على حديث من زاد كذلك كان حاكما على هذا الحديث فيخصصه بالزيادة الواقعة في الأركان ويبقى تحته مورد تلك الزيادة (١).

فلا يبقى الحديث بلا مورد كما لا يخفى فتقديم القاعدة على الحديث المذكور من باب الحكومة أو من باب الأظهرية لا محذور فيه ودعوى تخصيص الأكثر مندفعة بأنّ التخصيص عنواني لا أفرادي فلا تغفل.

وثالثا بأنّ المحكي عن الوافي أنّه نقل قوله إذا استيقن انه زاد الخ عن الكافي والتهذيب والاستبصار بغير لفظ «ركعة» لكن رواه الشيخ الحر في الوسائل مع زيادة ركعة. (٢) ورواه المجلسي في شرح الكافي في باب السهو عن الركوع بالسند المذكور لكن مع اسقاط بكير بن أعين ومع زيادة لفظ «ركعة» وهو رواه أيضا بلا زيادة في باب من سها في الأربع والخمس عن زرارة وبكير مع تفاوت يسير في المتن أيضا. (٣)

ومع هذا الاختلاف لا يبقى وثوق بالنسبة إلى (اطلاق هذه) الرواية واحتمال أنّهما روايتان بعيد والقدر المتيقن منه أنّ المراد هو زيادة الركعة ولا يبعد أن يكون المراد منها هو الركوع كما اطلقت عليه في روايات أخر والأصل المسلم عندهم عند دوران الأمر بين الزيادة والنقيصة هو أصالة عدم الزيادة وعليه فلا معارضة بين الحديث والقاعدة (لأنّهما متوافقين في الركن أي الركعة أو الركوع) فاتضح أنّ طريق الحل هو حمل رواية أبي بصير المتقدمة وهذه الرواية لأجل هاتيك القرائن أو بعض العويصات على زيادة الركعة أو

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤٥١.

(٢) الوسائل / الباب ١٩ من ابواب الخلل ، ح ١.

(٣) ونسخة الكافي عندنا المطبوعة في دار الكتب الاسلامية عين نسخة المجلسي في البابين راجع (الكافى / ج ٣ ، ص ٣٤٨ مع زيادة ركعة وج ٣ ، ص ٣٥٤ من دون زيادة ركعة).

٢٦٧

الركوع فتدبّر. (١) فلا معارضة بين الطائفتين وبين قاعدة لا تعاد بل هما متوافقان وعليه فلا مجال للحكومة لأنّها فيما إذا كانا متخالفين كما لا يخفى.

اللهمّ إلّا أن يقال : ان حمل رواية ابي بصير على رواية زرارة في أنّ المقصود هو زيادة الركعة أو الركوع مع انه لا قرينة في رواية أبي بصير على ذلك كما ترى ومجرد كون هذه الرواية منقولة مع الزيادة لا يكون قرينة على أنّ المراد من رواية أبي بصير هو ذلك أيضا وعليه فتبقى رواية أبي بصير على اطلاقها وحيث تكون النسبة بينها وبين حديث لا تعاد هي العموم من وجه فيتعارضان ويحتاج إلى القول بحكومة لا تعاد بالنسبة إليها بالتقريب الماضي فلا تغفل.

مفاد قاعدة لا تعاد :

ولا بأس بالإشارة إلى مفاد القاعدة بامور :

الأوّل : أنّ مفاد قاعدة لا تعاد أنّ وقوع الخلل في الصلاة سواء كان بالزيادة أو النقصان لا يوجب الاعادة في غير الخمسة المذكورة وعليه فلا اشكال في شمولها للسهو أو النسيان سواء كان السهو أو النسيان عن الحكم أو الموضوع بل مقتضى عمومها هو شمولها للجهل بالحكم أو الموضوع كما قال في الدرر إنّ مقتضى العموم المستفاد من الخبر هو الشمول ولكن كلمات الأصحاب لا تلائم ما ذكرنا من العموم فلاحظ (٢) ويؤيّد عدم الملاءمة المذكورة ما أفاده بعض الأعلام من أنّ كثرة الأمر بالاعادة في جواب الأسئلة الكثيرة الواردة في ترك بعض الأجزاء أو الشرائط أو زيادتهما جهلا أمارة على أنّ قاعدة لا تعاد تختص بالساهي والناسي وإلّا فلا مورد للأمر بالإعادة في صورة الجهل وعليه فلا تشمل القاعدة للجاهل مطلقا قاصرا كان أو مقصرا إلّا أنّ هذه الدعوى أعني كثرة الأسئلة في صورة الإخلال بغير

__________________

(١) تهذيب الاصول / ج ٢ ، ص ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

(٢) الدّرر / ص ٤٩٤.

٢٦٨

الأركان جهلا والجواب عنها بالإعادة غير ثابتة ومع عدم ثبوت ذلك لا وجه لرفع اليد عن عموم القاعدة خصوصا إذا كان الجاهل قاصرا وعدم ملائمة ذلك مع كلمات الأصحاب لا يضرّ إذا احتمل أنّه من باب الاجتهاد والاستنباط لا الكشف عن قيد يوجب عدم شمولها للجاهل.

الثاني : أنّ القاعدة لا تشمل العالم العامد لمنافاة ذلك مع أدلة اعتبار الأجزاء والشرائط لكونه خلفا في الجزئية والشرطية إلّا أن يكون المراد من عدم الاعادة في القاعدة عدم بقاء المجال للتدارك بعد ترك الجزء والشرط كما إذا ارتوى من به العطش بالماء الحارّ فإنّه لا يبقى له محل لشرب الماء البارد فيدل القاعدة حينئذ على أنّ مع ترك الجزء أو الشرط أو زيادتهما في الصلاة واتمامها لا يبقى مجال للتكرار لا أنّ عمله صحيح حتى ينافي مع أدلّة اعتبار الأجزاء والشرائط وعليه فلا مانع من شموله للعالم العامد فضلا عن الجاهل المقصّر إذ لا يستلزم من ذلك خلف ولا لغوية جعل الشرط أو الجزء لأنّ اللغوية والخلف فيما إذا كان مفاد القاعدة هو الصحة لا عدم امكان التدارك والاعادة فالعمل ليس بصحيح بمقتضى أدلّة الأجزاء والشرائط وعدم الاعادة لعدم التمكن من التكرار لا الصحة فالعالم العامد عصى في ترك الجزء أو الشرط ولكن لا يجب عليه الاعادة من باب عدم امكان استيفاء مصلحة الصلاة بعد الاتيان بالصلاة الناقصة.

قال بعض الأعلام «دام ظله» كنت في السابق قائلا بذلك ولكن عدلت عنه فإنّ التحقيق أنّ قاعدة لا تعاد تدلّ على الصحة ومع هذه الدلالة لا تشمل العالم العامد للزوم لغوية أدلّة اعتبار الأجزاء والشرائط والقرينة عليه هو ذيل صحيحة زرارة الدال على تقسيم الصلاة إلى الواجبات التي فرضها الله سبحانه وتعالى والواجبات التي سنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ السنة لا توجب نقض الفرائض وفسادها.

روى محمّد بن يعقوب الكليني باسناده عن زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام قال لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ثمّ قال القراءة سنّة والتشهد سنّة

٢٦٩

فلا تنقض السنّة الفريضة. (١)

ومن المعلوم أنّ معنى عدم نقض السنة للفريضة زيادة أو نقصانا هو صحة الصلاة والحكم بالصحة في فرض العمد لا يساعد مع أدلّة اعتبار الأجزاء والشرائط بل يلزم من الحكم بالصحة في مورد العلم والعمد خلف ولغوية تلك الأدلة فالقاعدة لا تشمل مورد العمد.

الثالث : أنّ القاعدة هل تشمل الاستيناف في الأثناء أو لا تشمل قال في الدرر الظاهر من الاعادة هو الاتيان ثانيا بعد تمام العمل فلا يعمّ اللفظ بظاهره الاستيناف في الأثناء ولكن استعماله في الأعم شايع في الأخبار وفي لسان المتشرعة مضافا إلى شهادة تعليل عدم الاعادة في الخبر بأنّ «القراءة سنّة والتشهد سنّة ولا تنقض السنّة الفريضة» فإنّه ظاهر في أنّ تركه سهوا لكونه سنّة لا تنقض الفريضة حين حصوله لا أنّه مراعى بإتمام العمل. (٢)

فالتعبير بالإعادة في الرواية وإن كان ظاهرا في الاتيان بالصلاة بعد اتمامها ولكن العبرة بعموم التعليل ومقتضاه هو الحاق الاستيناف في الأثناء بالاعادة حكما وعليه فلا اشكال في التعميم والحكم بالصحة في الأثناء أيضا فلا يحتاج إلى الاستيناف فتدبّر جيّدا.

الرابع : أنّ مقتضى عموم القاعدة هو شمولها للزيادة والنقيصة وعدم تصور الزيادة في بعض الأقسام كالوقت والقبلة والطهور لا يمنع عن شمول العموم لموارد يمكن تصور الزيادة فيها وعليه فالزيادة داخلة في النفي والاثبات كما أنّ النقيصة كذلك وهو المناسب لمقابلة السنّة بالفريضة في ذيل الرواية وأنّ الفريضة لا تنقض بالسنّة فإنّ الظاهر منه عدم خصوصية للوجودي والعدمي في ذلك كما حكي ذلك عن المحقّق اليزدي في مجلس بحثه (٣) ولكنه ذهب في الدرر إلى اختصاص القاعدة بالنقيصة بدعوى أنّ الحديث ظاهر من حيث

__________________

(١) الوسائل / الباب ١ من ابواب قواطع الصلاة ، ح ٤.

(٢) الدرر / ص ٤٩٤.

(٣) اصول الفقه لشيخنا الاستاذ الأراكي / ج ٣ ، ص ٧٣٢.

٢٧٠

الانصراف في الوجوديات فلا يشمل العدميات. (١)

يمكن أن يقال : أوّلا لا نسلم الانصراف مع ما عرفت من المناسبة المذكورة وثانيا أنّ الانصراف إلى الوجوديات لا يمنع عن شمولها للزيادة لحكم العرف بوجود الزيادة فيما إذا زاد وإن كان عدمها مأخوذا في المأمور به بحسب الدقة العقلية.

ولقد أفاد وأجاد سيّدنا الامام قدس‌سره حيث قال إنّه خلط بين حكم العرف والعقل فإنّ الزيادة في الماهية بشرط لا مضرة عرفا بما أنّها زيادة فيها وإن كانت راجعة إلى النقيصة عقلا فإذا قيل إنّ الصلاة أوّلها التكبير وآخرها التسليم من غير زيادة ونقيصة تكون الزيادة مخلّة بها عرفا من غير توجه إلى أنّ العقل بحسب الدقة يحكم بأنّ عدم الزيادة من قيود المأمور به وترجع الزيادة إلى النقصان كما يشهد بذلك التعبير في الروايات بالزيادة في المكتوبة فإذا قيل لا تعاد الصلاة إلّا من خمس يكون ظهوره العرفي أنّ الزيادة والنقيصة الواردتين عليها من قبل غير الخمسة لا توجبان الاعادة بخلاف الخمسة فإنّ زيادتها أو نقيصتها مخلّة من غير توجه إلى الحكم العقلي المذكور (٢) وفيما ذكره سيّدنا الامام قدس‌سره تامل وبقية الكلام في محله.

التنبيه الخامس : حول قاعدة الميسور بحسب الاصول العملية والأدلة الاجتهادية

واعلم أنّه إذا ثبت جزئية شيء أو شرطيته وتعذّرتا وقع الكلام في سقوط التكليف بالنسبة إلى الباقي وعدمه وحينئذ إمّا أن يكون لدليل المركب إطلاق دون دليل اعتبار الجزء أو الشرط وإمّا أن يكون بالعكس وإما أن يكون لكليهما إطلاق وامّا لا يكون لواحد منهما إطلاق هذه أربعة.

فعلى الأوّل فمقتضى إطلاق دليل المركب المتعذر جزئه أو قيده هو وجوب الإتيان به حال تعذرهما كالصلاة لما ورد فيها الصلاة لا تترك بحال وعلى الثاني فمقتضى إطلاق دليل

__________________

(١) الدرر / ص ٤٩٤ الطبع الجديد.

(٢) تهذيب الاصول / ج ٢ ، ص ٣٨٥ ـ ٣٨٦.

٢٧١

اعتبار الجزء أو الشرط وعدم إطلاق دليل المركب هو سقوط الأمر المتعلق بالمركب لتعذر الجزء أو شرطه مع عدم مطلوبية العمل بدون الجزء أو الشرط وعلى الثالث فإن كان لأحدهما على الآخر ترجيح تقدم ذلك فإن كان التقدم لدليل المركب فيلحق بالأوّل ويجب الاتيان به وإن كان التقدم لدليل الجزء أو القيد فيلحق بالثاني ويسقط الأمر بالمركب وإن لم يكن في أحد الاطلاقين ملاك التقدم على الآخر كان حكمه حكم الرابع اعني ما إذا لم يكن لكل واحد من دليل المركب ودليل الجزء اطلاق وهما المقصودان بالبحث في المقام.

والكلام فيه إمّا في مقتضى القواعد الاصولية من البراءة أو الاستصحاب وإمّا في مقتضى القواعد الفقهية كقاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور.

مقتضى القواعد الاصولية :

واعلم أنّ العجز والتعذر إمّا أن يكون طارئا مع كونه قادرا قبل ذلك وإمّا أن يكون عاجزا من أول الأمر قبل زمان التكليف.

ثمّ إنّ القدرة والعجز تارة يفرضان في واقعة واحدة كما إذا كان في أوّل الظهر قادرا على اتيان الصلاة بتمامها وكمالها فصار عاجزا عن اتيان بعض أجزائه وشرائطه في آخر الوقت.

واخرى في واقعتين كما إذا كان قادرا في الأيام السابقة فطرأ عليه العجز في يومه فصّل في الدرر بين ما إذا كان عاجزا من أوّل الأمر فلم تجر في حقه إلّا قاعدة البراءة إذ قاعدتا الاستصحاب والميسور الآتيان بهما في المسألة الآتية لا تجريان في حقه ضرورة توقفهما على الثبوت في الزمان السابق اللهمّ إلّا أن يكتفى في تحقق قاعدة الميسور بتحقق مقتضى الثبوت وبين ما إذا كان طاريا عليه في واقعة واحدة فالحق وجوب الاتيان بالمقدور عقلا لأنّه يعلم بتوجه التكليف إليه فإن لم يأت بالمقدور لزم المخالفة القطعية. (١)

ولعلّ الأمر في واقعتين بالنسبة إلى الواقعة الثانية كالعجز من أوّل الأمر وكيف كان فقد

__________________

(١) الدّرر ، ص ٤٩٦ ـ ٤٩٨.

٢٧٢

أورد عليه سيّدنا الامام المجاهد قدس‌سره بأنّ الحق فيه البراءة في جميع الصور من غير فرق بين أن يكون العجز من القيد ثابتا قبل زمان التكليف كمن بلغ وهو لا يقدر على القراءة أو كان طارئا عليه كمن إذا كان تمكن أول الوقت عن الاتيان بالجزء لكن طرأ عليه العجز اثناء الوقت أو كان القدرة والعجز في واقعتين كمن كان قادرا في الأيام السابقة وطرأ العجز في يومه أمّا جريانها في الأوّل والثالث فواضح جدا لأنّ مرجع الشك إلى فيه أصل التكليف أمّا في الأوّل (فلأنّ) الشخص كان قاطعا بعدم التكليف قبل البلوغ ويشك بعد ما أصبح مكلفا مع العجز عن الإتيان بالمركب تامّا في أصل الحكم والخطاب ومثله الثالث فلأنّ تمامية الحجة في الأيام الخالية لا تصير حجة للأيام الفعلية فهو في يومه هذا شاك في أصل التكليف.

وأمّا الثاني فلأنّه أوّل الوقت وإن كان مكلفا بالإتيان بالمركب تامّا لكنّه قد ارتفع بارتفاع حكم الجزء وتعذره عقلا بعد العجز والتكليف بالفاقد مشكوك فيه من رأس فيكون المرجح إلى البراءة إلى أن قال هذا كله حال البراءة العقلية وأمّا الشرعية فلا شك في أنّ حديث الرفع لا يثبت وجوب الفاقدة لبعض القيود إلى أن قال لأنّه حديث رفع لا حديث وضع. (١)

وهذا هو المستفاد من الكفاية أيضا حيث قال في المفروض من المسألة من دون تقييد أنّ العقل مستقل بالبراءة عن الباقي فإنّ العقاب على تركه بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان. (٢) وهو باطلاقه يشمل صورة العجز الابتدائي من حين توجه التكليف وصورة العجز الطاري بعد فعلية التكليف بالمركب والوجه فيه كما أفاد المحقّق الاصفهاني قدس‌سره أنّ الخروج عن عهدة المركب بما هو غير لازم قطعا للتعذر والخروج عن عهدة الميسور منه أيضا غير لازم للقطع بأنّ تلك العهدة تابعة لعهدة المركب وكونه بنفسه في العهدة مشكوك

__________________

(١) تهذيب الاصول / ج ٢ ، ص ٣٩٥.

(٢) الكفاية / ج ٢ ، ص ٢٤٥.

٢٧٣

من أوّل الأمر. (١)

لقائل أن يقول لا مجال للبراءة فيما إذا كان العذر طارئا لجريان استصحاب الوجوب النفسي الانحلالي بالنسبة الأجزاء غير المتعذّرة بعد ما عرفت في البراءة من أنّ الوجوب بالنسبة إلى الأجزاء والشرائط المعلومة وجوب نفسي انبساطي وهو معلوم ولذا ينحلّ العلم الإجمالي في الأقل والأكثر إلى المعلوم والمشكوك ويجري البراءة بالنسبة إلى الأجزاء والشرائط المشكوكة.

فعلى هذا المبنى نقول في المقام أنّ الوجوب النفسي المتعلق بالأجزاء والشرائط غير المتعذرة معلوم وإنّما الشك في بقائه ولا يتوقف الوجوب النفسي المذكور على وجوب المركب منه ومن غيره حتى يكون الوجوب وجوبا ضمنيا ويرتفع بارتفاع وجوب الكل بسبب تعذره ولا يكون الوجوب مقدميّا حتى يقال وجوبه مرتفع بوجوب ذي المقدمة لأنّ المفروض انبساط الوجوب على نفس الأجزاء بالأسر ولا مجال للمقدمية كما لا يخفى.

وهكذا ليس وجوب غير المتعذر باعتبار عروضه للمركب حتى يقال بأنّ العرف لا يتسامح في موضوع المستصحب فإنّ ما كان معروضا قبل تعذر الجزء للوجوب النفسي إنّما كان الباقي بشرط انضمام الجزء الآخر معه ولو بحسب الواقع فإذا كان موضوع الوجوب هو المقيّد بما هو لما كان اثبات الوجوب في ظرف الشك لذات المقيّد عاريا عن التقييد من الاستصحاب في شيء بل هو من قبيل إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر (٢) والوجه في أنّه ليس وجوب غير المتعذر باعتبار عروضه للمركب هو ما عرفته في جريان البراءة في الأجزاء غير المعلومة الارتباطية من أنّ الأجزاء في المركبات وإن لوحظت بلحاظ الوحدة ولكن هذه الوحدة لا دخالة لها في تعلق الحكم بل هي عين الكثرة والكثرة عين الوحدة ومعنى العينية هو تعلق الوجوب بنفس الأجزاء بالأسر من دون ملاحظة انضمام سائر

__________________

(١) راجع نهاية الدراية / ج ٢ ، ص ٢٩٦.

(٢) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤٦١.

٢٧٤

الأجزاء إليها وعليه فالأجزاء غير المتعذرة هي التي تعلق بها الوجوب عند تعلقه بالمركب منها ومن غيرها فالوجوب الثابت لها هو وجوب نفسي متعلق بنفسها وعينها وليس هو وجوب المركب منها وغيرها وعليه فاستصحاب الوجوب فيها لا يكون اسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر لأنّه استصحاب وجوب نفسها ومع كون نفس الأجزاء غير المتعذّرة مورد الوجوب النفسي لاتمام المركب منها وغيرها وسراية الوجوب منه إلى الأجزاء الباقية فلا مجال لما قيل من أنّ هذا الوجه يحتاج إلى تصرف في موضوع المستصحب بأن يقال إنّ الواجب بالوجوب النفسي قبل التعذر وإن كان تمام المركب لا خصوص ساير الاجزاء إلّا أنّ العرف كأنّه يرى باقي الأجزاء عين ما كان معروضا للوجوب النفسي قبل ويرى تعذر الجزء من الحالات العارضة على الموضوع كما يرى نقص مقدار يسير من ماء الكر من حالاته لا من مقدمات الموضوع ولذا لم يتردد أحد في جريان استصحاب كرية ماء كان كرا سابقا فاخذ منه مقدار يسير فهذا الأصل مبني على تسامح العرف ويحتاج إلى ذلك التسامح حيث إنّ الموضوع في ظرف الشك غيره قبله بالدقة العقلية فلا يتم الاستصحاب إلّا بتسامح العرف في الموضوع. (١)

وذلك لوضوح أنّ الحاجة إلى التسامح فيما إذا كان متعلق الوجوب هو تمام المركب أو الأجزاء المنضمة إليه سائر الأجزاء لا الأجزاء بالأسر وقد عرفت أنّ الوجوب عارض على نفس الأجزاء بالأسر من دون حاجة إلى ملاحظة انضمام كل جزء مع الآخر حتى يحتاج بقاء الموضوع إلى التسامح العرفي لأنّ الموضوع حينئذ باق بالدقة من دون مسامحة ودعوى أنّ المعروض للوجوب في نفس الأمر والواقع هو الأجزاء المنضمة إليها سائر الأجزاء وإن لم يكن كل واحد من الأجزاء مقيدا بانضمام سائر الأجزاء معه بالتقييد اللحاظي. (٢)

مندفعة بأنّ الموضوع ملحوظ بحسب تعلق الحكم به في مرحلة الانشاء لا الواقع ونفس

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤٥٦ ـ ٤٥٧.

(٢) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤٦١.

٢٧٥

الأمر والموضوع للحكم بحسب مرحلة الإنشاء باق لأنّه هو الأجزاء غير المتعذّرة إذ المفروض عدم دخالة غيرها في تعلق التكليف بها في مقام الإنشاء فالموضوع هو الأجزاء غير المتعذّرة وهو باق من دون حاجة إلى المسامحة حتى يرد عليه أنّه لا يصحّ استصحاب الوجوب النفسي للأجزاء الباقية لعدم تسامح العرف في موضوع المستصحب.

وهذا هو الذي ذكره المحقّق الاصفهاني قدس‌سره في تصوير الاستصحاب بقوله.

ويمكن أن يقال : إنّ الأجزاء الباقية وإن لم يكن لها وجوب غيري ولا وجوب نفسي (١) لكن الوجوب النفسي المتعلق بالمركب له حقيقة ودقة تعلق بالباقي لانبساط الوجوب النفسي على الأجزاء بالأسر فيشك بعد زوال انبساطه وتعلقه عن الجزء المتعذر في ارتفاع تعلقاته وانبساطه على سائر الأجزاء فيستصحب بلا مسامحة في الموضوع ولا في المستصحب ومن دون أخذ الجامع هذا في صورة تعذر الجزء.

وأمّا في صورة تعذّر الشرط فإن اريد به الخصوصية المقومة للجزء فلا استصحاب لما مرّ من عدم انبساط الأمر على الجزء بذاته بل بما هو جزء وهو الخاص.

وإن اريد به الخصوصية الدخيلة في تأثير الأجزاء بالأسر فلا ينبغي الاشكال في جريان الاستصحاب لما مر من أنّ الشرائط غير مرادة في عرض إرادة المشروط بل ينبعث عن أرادته إرادة الشرط والقطع بزوال الارادة المتعلقة بالشرط لا يقتضي القطع بزوال الارادة النفسية المتعلقة بذات المشروط فاستصحاب محض وجوب المشروط بلا مسامحة أصلا ممّا لا ينبغي الارتياب. (٢)

ولقد أفاد وأجاد ولكن عدل عنه بقوله يمكن الاشكال في استصحاب وجوب الأجزاء الباقية بتقريب أنّ الحكم يتشخص بموضوعه فذلك الوجوب النفسي المنبسط على الأجزاء بالأسر لتشخصه بها زال قطعا والتشخص بالأجزاء الباقية لو كان لكان وجوبا آخر فلا بد

__________________

(١) مخصوص به.

(٢) نهاية الدراية / ج ٢ ، ص ٢٩٨ الطبعة الأولى.

٢٧٦

من المسامحة حينئذ. (١)

ويمكن الجواب عن هذا الايراد بأنّ بعد فرض انبساط الأمر وتعدد تعلقاته بتعداد الأجزاء يكون الزائل بتعذر جزء هو أحد التعلقات وأمّا التعلقات الأخرى فهي عين الوجوب النفسي السابق المتعلق بغير المتعذر من الأجزاء وتشخصها باق ببقاء موضوعها والمفروض بقاء موضوع سائر التعلقات فتدبّر.

نعم يرد عليه ما أورده سيّدنا الامام المجاهد قدس‌سره حيث قال وقد أوضحنا عند البحث عن الأقل والأكثر أنّ متعلق الأمر الواحد والارادة الواحدة ليس إلّا أمرا وحدانيا وأنّ الأجزاء بنعت الكثرة لا يعقل أن تقع مصبّا للطلب الواحد إلّا أن يصير الواحد كثيرا أو الكثير واحدا وكلاهما خلف بل المتعلق للبعث الواحد إنّما هي نفس الاجزاء في لحاظ الوحدة والإجمال وفي حالة اضمحلالها وفنائها في صورتها الوحدانية لا بمعنى كون الأجزاء من قبيل المحصّلات لما هو متعلق الأمر بل الأجزاء عين المركب لكن في حالة التفصيل كما أنّ المركب عين الأجزاء لكن في لباس الوحدة وصورة الإجمال فتعلق إرادة أو بعث بالمركب ليس من قبيل تعلق الواحد بالكثير بل من قبيل تعلق واحد بواحد وعليه فالقول بانبساط الإرادة أو البعث الوحداني على موضوعهما ممّا لا محصّل له لأنّ المتعلق بالفتح كالمتعلق ليس إلّا أمرا وحدانيا وإن كانت ذات أجزاء عند التحليل ولحاظه تفصيلا ومعه لا يصح أن يقال إنّه قد علم زوال انبساطه عن المتعذّر وشك في زواله عن غيره إذ كل ذلك فرع أن يكون المتعلق ذات أبعاض وأجزاء عند تعلق الأمر والمفروض أنّ الأمر لا يتعلق بالكثير بما هو كثير ما لم يتخذ لنفسه صورة وحدانية يضمحل فيها الكثرات والأبعاض والأجزاء ومع الاضمحلال لا مجال للتفوه بالانبساط وبذلك يبطل القول بالعلم بارتفاع الوجوب عن جزء والشك في ارتفاعه عن الأجزاء الباقية. (٢)

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) تهذيب الاصول / ج ٢ ، ص ٤٠٠.

٢٧٧

لكن لقائل أن يقول لا فرق بين المقام وبين الأقل والأكثر الارتباطيين وذلك لما مر في البراءة من أنّ المركبات الاعتبارية ليست أمرا مغايرا للأجزاء بالأسر بل هي عينها حقيقة إذ ليس المراد من المركبات إلّا الأجزاء في لحاظ الوحدة وليس المراد من الاجزاء إلّا الأمور المختلفة في لحاظ الكثرة والوحدة والكثرة لا توجبان المغايرة بين الأجزاء والمركبات ولذا لا مجال لكون الأجزاء من المحصّلات للمركبات فعنوان المركّبات مجمل هذه الكثرات ومعصورها كما أنّ عنوان الأجزاء مفصّل ذلك العنوان المجمل المركب.

وعليه فدعوة الأمر نحو ايجاد الأجزاء إنّما هو بعين دعوته إلى المركب لا بدعوة مستقلة عن دعوته ولا بدعوة ضمنية ولا بدعوة مقدمية بحكم العقل الحاكم بأنّ اتيان الكل لا يحصل إلّا باتيان ما يتوقف عليه من الأجزاء.

وذلك لأنّ طبيعة المركب الملحوظة بلحاظ واحد عند تعلق الحكم بها تنحلّ بملاحظة ثانوية إلى الأجزاء انحلال المجمل إلى مفصله والمفروض أنّ الطبيعة عين الأجزاء في لحاظ الوحدة لا شيئا آخر فكما أنّ التكليف هناك منبسط على الأجزاء بالملاحظة الثانوية وبهذا الاعتبار ينحلّ إلى المعلوم والمشكوك ويجري البراءة في المشكوك فكذلك في المقام ينبسط التكليف المتعلق على المركب بالملاحظة الثانوية على المتعذر وغيره ومقتضى الانبساط المذكور هو بقاء التكليف المتعلق بغير المتعذر عند تعذر غيره من الأجزاء فيما إذا لم يكن المتعذر من الأجزاء المقومة فإن كانت وحدانية الصورة التي تضمحل فيها الكثرات تمنع عن تعلق الحكم بالأجزاء المتكثرة من المتعذرة وغيرها فاللازم هو القول بعدم جريان البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين لعدم انبساط التكليف المتعلق بعنوان الأكثر على الأجزاء لمانعية وحدانية صورة المركب الأكثر وإن لم يكن ذلك في البراءة مانعا فيكن في المقام أيضا كذلك فالتفرقة بين المقامين لا وجه لها.

ودعوى : أنّ الشك في بقاء الوجوب للأجزاء الباقية وعدمه مسبب عن الشك في بقاء جزئية المتعذر في حال تعذره فإنّه على تقدير بقاء الجزئية في حال التعذر يقطع بارتفاع

٢٧٨

التكليف عن المركب رأسا فأصالة بقاء الجزئية في حال الاضطرار يقتضي سقوط التكليف عن البقية فلا ينتهي الأمر مع جريان استصحاب جزئية المتعذر حال التعذر إلى استصحاب بقاء وجوب الاجزاء الباقية.

مندفعة : بأنّ ذلك صحيح فيما إذا أردنا من الاستصحاب استصحاب طبيعة الوجوب الجامع بين النفسي والغيري الثابت لما عدا المتعذر قبل طرو الاضطرار ولكن مرّ أنّ الوجوب الذي أردنا استصحابه هو الوجوب النفسي المتعلق بعين الأجزاء ومعه فلا مجال لدعوى السببية بين وجوب الأجزاء الباقية وبين وجوب الأجزاء المتعذرة لأنّ وجوبهما في عرض واحد عين وجوب المركب ومع عدم السببية فلا يكون الشك في بقاء الوجوب للأجزاء الباقية وعدمه مسببا عن الشك في بقاء جزئية المتعذر في حال تعذره حتى يكون استصحاب جزئية المتعذر مقدما على استصحاب وجوب الأجزاء الباقية فلا تغفل.

لا يقال إنّ استصحاب بقاء وجوب الأجزاء غير المتعذرة لو صحّ فإنّما هو فيما لا يكون المتعذر من الأجزاء المقومة وإلّا فيقطع بارتفاع شخص ذلك الحكم ومعه لا بدّ وإن يكون الشك في البقاء متعلقا بحكم آخر محتمل التحقق حين وجود الحكم الأول أو محتمل الحدوث حين ارتفاع الحكم الأوّل بحدوث مناط آخر في البين. (١)

لأنّا نقول : نعم ولكن الكلام ليس في تعذر الأجزاء المقوّمة وإلّا فكما ذكر يحصل القطع بارتفاع شخص ذلك الحكم عن المركب بل الكلام في تعذّر غيرها ممّا يوجب الشك في البقاء لا العلم بالارتفاع وليس المستصحب هو الجامع بين الحكم المرتفع والحكم المحتمل الحدوث أو محتمل التحقق حين وجود الحكم حتى يكون الاستصحاب فيه من باب الاستصحاب من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي بل المستصحب هو شخص الحكم المنبسط على الأجزاء بنفس تعلقه بالمركب.

ودعوى : أنّ مفاد الاستصحاب استصحاب وجوب هذا العمل الناقص ولكن يعارض

__________________

(١) نهاية الافكار / ج ٣ ، ص ٤٥١.

٢٧٩

هذا الاستصحاب استصحاب عدم وجوب الناقص سابقا. (١)

مندفعة : بأنّ استصحاب عدم وجوب الناقص بعد ما عرفت من انبساط الوجوب المتعلق بالمركب على الأجزاء منقوض بالدليل الدال على الوجوب واستصحاب وجوب الناقص كما لا يخفى.

فتحصّل : أنّ استصحاب وجوب الأجزاء غير المتعذرة في صورة العجز الطاري في واقعة واحدة جار فيما إذا لم يكن الجزء المتعذر من المقومات بحيث يتبدل الموضوع بانتفائه ولا يبقى موضوع للاستصحاب عرفا.

لا نقول : بجريان استصحاب الوجوب من جهة كون المركب حيثية تعليلية لعروض الوجوب على الأجزاء بحيث يكون الوجوب حينئذ عارضا على الأجزاء من ناحية سببية المركب لذلك وقابلا للاستصحاب لأنّ مع انتفاء الحيثية التعليلية يجرى الاستصحاب في الموضوع الذى كان واجبا سابقا وإن تغيرت الحيثية التعليلية كالماء المتغير بالنجاسة المحكوم ببقاء نجاسته بعد زوال تغييره.

حتى يشكل بأنّ ذلك يفيد في جريان الاستصحاب عند الشك في كون الحيثية التعليلية لعروض الوجوب دخيلة حدوثا فقط أو حدوثا وبقاء لا فيما إذا كانت الحيثية المذكورة ممّا يعلم بدخالتها في الحكم حدوثا وبقاء بحيث يعلم انتفاء شخص ذلك الحكم ولو لانتفاء علته فلا مجال حينئذ للاستصحاب للقطع بزوال الحكم المتيقن وما نحن فيه من هذا القبيل لأنّ المفروض دخالة الجزء المتعذر في الواجب بحيث يسقط بتعذره شخص ذلك الوجوب يقينا وإنّما يشكّ في حدوث وجوب آخر. (٢)

بل نقول بأنّ الوجوب المتعلق بالأجزاء غير المتعذرة ليس وجوبا معلوليا حتى يرد عليه ذلك بل هو نفس الوجوب المتعلق بالمركب لأنّ وجوب المركب بالملاحظة الثانوية

__________________

(١) اصول الفقه لشيخنا الاستاذ قدس‌سره / ج ٣ ، ص ٧٤٥.

(٢) مباحث الحجج / ج ٢ ، ص ٣٨١.

٢٨٠