بالدخول في السّبب ، صار مترقبا له ، ناظرا إلى ما يؤول إليه تسببه ، وربما كان ذلك سببا إلى إعراضه عن تكميل السّبب ، استعجالا لما ينتجه ، فيصير توجهه إلى ما ليس له ، وقد ترك التّوجه إلى ما طلب بالتوجه إليه.
وهنا تساق لنا حكاية التّقي المخدوع الّذي «سمع : (أنّ من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) ، فأخذ ـ بزعمه ـ في الإخلاص لينال الحكمة ، فتم الأمد ، ولم تأته الحكمة ، فسأل عن ذلك فقيل له : إنّما أخلصت للحكمة ، ولم تخلص لله» (١).
هذا إلى جانب أنّ الإنسان يبرهن بالإنقطاع الذّهني بين العمل ، ونتائجه على أنّه يؤمن بالله أعظم من إيمانه بنفسه ، لأنّه حين يفصل السّبب عن نتيجته فلن يرى بعد ذلك هذه النّتيجة شيئا بدهيا ، لوجود سببها ، بل سيراها صادرة عن إرادة الخالق وحدها.
ولسوف تكون محاسن هذا الموقف العاقل مضاعفة : فتبدو أوّلا ، وبشكل مباشر ، على ذواتنا ، ثمّ في طريقة أدائنا لواجبنا ، ثمّ يكون لها إنعكاسات على موقفنا في المستقبل. وحسبنا لكي نقدر الحالة النّفسية حقّ قدرها ، لدى من
__________________
(١) انظر ، الموافقات : ١ / ٢١٩ ـ ٢٢٠. والأثر أخرجه أبو نعيم في الحلية عن أبي أيوب : ٥ / ١٨٩ ، وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات ، وضعفه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء ، (فيض القدير : ٦ / ٤٤). (المعرب).
وانظر ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٧ / ٨٠ ح ٣٤٣٤٤ ، مسند الشّهاب : ١ / ٢٨٥ ح ٤٦٥ ، الزّهد لابن المبارك : ١ / ٣٥٩ ح ١٠١٤ ، التّرغيب والتّرهيب : ١ / ٢٤ ح ١٣ ، الزّهد لهناد : ٢ / ٣٥٧ ح ٦٧٨ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٣ / ٥٦٤ ح ٥٧٦٧ ، شرح سنن ابن ماجه : ١ / ٥٨ ح ٧٩٨ ، فيض القدير : ٤ / ٢٧٣ ، كشف الخفاء : ١ / ١٢٦ ح ٣٢٠.