وقد رأينا ، كيف حاول «كانت» ـ إنطلاقا من الفكرة القائلة بأنّ جوهر العمل الخير أنّه حقّ بالنسبة إلى جميع الإرادات ـ أن يولّد من هذا المبدأ بعض الصّيغ الأقل تجريدا ، ثم من هذه بعض القواعد الأكثر مادية.
وأخيرا ، فإنّه بمجرد أن كشف عن هذه الصّيغة ثبّتها إلى الأبد في أطرها الصّارمة الثّابتة ، وأغلق بعضها على بعض ، كأنّها أعداد ليبنزية (١).
فمشكلة صراع الواجبات لم تواجهه إذن ، لأنّ كلّ شيء مرّ تحت نظره ، كأنّه محكوم بصيغة معينة واحدة.
ولقد كان «روه» على حقّ حين أعلن عجز جميع القواعد المجردة عن أن تحكم بنفسها واقعا ماديا ، وكما أنّ من المستحيل أن نحدد نقطة خريطة ، دون الرّجوع إلى نقط أخرى كثيرة ، أو أن نفسر كلمة في نصّ ، دون أن نرعى السّياق ، أو أن يملك فن العلاج ضمان فاعلية دواء معين ، دون أن يلاحظ مزاج المريض ، وسائر إتجاهات مرضه ـ فكذلك رجل الأخلاق ، لا يستطيع أن يغفل في السّلوك الإنساني عامل المكان ، والزّمان ، لأنّ السّلوك في جوهره مكاني ـ زماني.
وسلوكنا خلق واقعيّ يتجه إلى الإندماج في عالم الواقع ، فليس يكفي إذن أن يكون ممكنا من النّاحية المنطقية ، بل يجب أيضا أن يكون قابلا للتحقق من النّاحية العملية ، وأن يجد مكانه وسط الوقائع الّتي تحوطه ، بحيث لا يكون ممنوعا بواسطة الأحداث الّتي تسبقه ، ولا مدفوعا بالأحداث الّتي تلحقه. فلا
__________________
(١) نسبة إلى الفيلسوف الألماني جوتفريد ليبنز [Gottfrid leibniz] المولود في ليبزج (١٦٤٦ م ـ ١٧١٦ م) ، وهو أحد الذين نادوا بالفلسفة المثالية ، ويرى أنّ جميع الكائنات قد نشأت على أساس أعداد يوجد فيما بينها توافق سبق إقراره ، وقد انته إلى فلسفة تفاؤلية. «المعرب».