الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي

الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

المؤلف:

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-064-3
الصفحات: ٨٣٢

فصل

في ذكر وفاتها عليها‌السلام

قيل : لمّا مرضت فاطمة عليها‌السلام دخل عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها فقلن : كيف أصبحت من علّتك يا بنت رسول الله؟

فقالت : أصبحت والله عائفة (١) لدنياكنّ ، قالية (٢) لرجالكنّ ، لفظتهم (٣) بعد أن عرفتهم ، وشنأتهم بعد أن سبرتهم (٤) ، فقبحا لفلول الحدّ (٥) وخطل الرأي وخور القناة (٦) ، لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم (٧) ، لقد قلّدتهم ربقتها (٨) وشنت عليهم غارتها (٩) ، فجدعا وعقرا (١٠) وبعدا للقوم الظالمين.

__________________

(١) عائفة : أي كارهة ، يقال : عاف الرجل الطعام يعافه عيافا إذا كرهه.

(٢) القالية : المبغضة ، قال تعالى : ( ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى ).

(٣) لفظت الشيء من فمي : أي رميته وطرحته.

(٤) شنأه : أبغضه. وسبرتهم : أي اختبرتهم. والمعنى : إنّي كنت عالمة بقبح سيرتهم وسوء سريرتهم فطرحتهم ، ثمّ لمّا اختبرتهم شنأتهم وأبغضتهم ، أي تأكّد إنكاري بعد الاختبار.

(٥) قبحا بالضمّ : مصدر حذف فعله ، إمّا من قولهم : قبّحه الله قبحا ، أو من قبح ـ بالضمّ ـ قباحة.

والفلول بالضمّ : جمع فلّ بالفتح ، وهو الثلمة والكسر في حدّ السيف. وحدّ الشيء : شباته ، وحدّ الرجل : بأسه.

(٦) الخور بالفتح وبالتحريك : الضعف. والقناة : الرمح.

(٧) اشارة الى قوله تعالى : ( لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ .. ) المائدة : ٨٠.

(٨) الربقة في الأصل : عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها ، ويقال للحبل الذي تكون فيه الربقة : ربق. والضمير في « ربقتها » راجع الى الخلافة المدلول عليها بالمقام ، أو الى فدك ، أو حقوق أهل البيت عليهم‌السلام ، أي جعلها إثمها لازمة لرقابهم كالقلائد.

(٩) الشن : رشّ الماء رشّا متفرّقا ، والسنّ بالمهملة : الصبّ المتصل ، ومنه قولهم : شنّت عليهم الغارة إذا فرّقت عليهم من كلّ وجه.

(١٠) الجدع : قطع الأنف أو الاذن أو الشفة ، وهو بالأنف أخصّ ، ويكون بمعنى الحبس. والعقر بالفتح : الجرح ، ويقال في الدعاء على الإنسان : عقرا له وحلقا ، أي عقر الله جسده وأصابه بوجع في حلقه ، وأصل العقر : ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف ثمّ اتّسع فيه فاستعمل في القتل والهلاك.

٤٨١

يحهم أنّى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوّة (١) ومهبط الروح الأمين ، ما الذي نقموا (٢) من أبي حسن؟ نقموا والله شدّة وطئته (٣) ، ونكال وقعته (٤) ، ونكير سيفه (٥) ، وتنمّره في ذات الله (٦).

وأيم الله لو تكافّوا (٧) على زمام نبذه (٨) إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسار بهم سيرا سجحا (٩) لا يكلم خشاشة (١٠) ، ولا يتعتع راكبه (١١) ، ولاوردهم منهلا نميرا فضفاضا (١٢) ، تطفح ضفتاه (١٣) ، ولأصدرهم بطانا (١٤) ، قد يحترق بهم الري غير منجلي منه بطائل (١٥) ، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض.

ألا هلمّ فاعجب وما عشت أراك الدهر عجبا ، فرغما لمعاطس قوم يحسبون

__________________

(١) ويح كلمة تستعمل في الترحّم والتوجّع والتعجّب. والزحزحة : التنحية والتبعيد.

والزعزعة : التحريك. والرواسي من الجبال : الثوابت الرواسخ. وقواعد البيت : أساسه.

(٢) يقال : نقمت على الرجل : أي عتبت عليه وكرهت شيئا منه.

(٣) الوطأة : الأخذة الشديدة والضغطة ، وأصل الوطء : الدوس بالقدم ويطلق على الغزو والقتل لأنّ من يطأ الشيء برجليه فقد استقصى في هلاكه وإهانته.

(٤) النكال : العقوبة التي تنكل الناس. والوقعة : صدمة الحرب.

(٥) التنكير : الإنكار ، أي إنكار سيفه فإنّه عليه‌السلام كان لا يسلّ سيفه إلاّ لتغيير المنكرات.

(٦) تنمّر فلان : أي تغيّر وتنكّر وأوعد ، لأنّ النمر لا تلقاه أبدا إلاّ متنكرا غضبان. والمراد بقولها عليها‌السلام في ذات الله أي في الله ولله.

(٧) التكافّ تفاعل من الكفّ : وهو الدفع والصرف. والزمام ككتاب : الخيط الذي يشدّ في البرة والخشاش ثم يشدّ في طرفه المقود ، وقد يسمّى المقود زماما.

(٨) نبذه : طرحه.

(٩) السجح بضمتين : اللّين السهل.

(١٠) الكلم : الجرح. والخشاش بكسر الخاء المعجمة : ما يجعل في أنف البعير من خشب ويشدّ به الزمام ليكون أسرع لانقياده.

(١١) تعتعت الرجل : أي اقلقته وأزعجته.

(١٢) المنهل : المورد ، وهو عين ماء ترده الإبل في المراعي ، وتسمّى المنازل التي في المفاوز على طرق السفّار مناهل لأنّ فيها ماء. قاله الجوهري. وقال : ماء نمير : أي ناجع ، عذبا كان أو غيره. والفضفاض : الواسع ، يقال عيش فضفاض وثوب فضفاض.

(١٣) تطفح : تمتلئ حتى تفيض. وضفتا النهر : جانباه.

(١٤) بطن كعلم : عظم بطنه من الشبع ، ومنه الحديث : تغدو خماصا وتروح بطانا ، والمراد عظم بطنهم من الشرب ..

(١٥) الطائل : الغناء والمزيّة والسعة والفضل.

٤٨٢

أنّهم يحسنون صنّعا (١) ولعمر الله لقحت (٢) ، فنظرة ريثما تنتج (٣) ، ثمّ احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا (٤) ، وذعافا ممقرا (٥) ، فهنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غبّ (٦) ما أسّس الأوّلون ، فطيبوا عن أنفسكم نفسا (٧) ، وطأمنوا الفتنة جأشا (٨) ، وابشروا بسيف صارم (٩) ، وهرج شامل (١٠) ، يدع فيئكم زهيدا (١١) ، وجمعكم فيكم حصيدا (١٢) ، فيا حسرة عليكم ، فإنّي بكم (١٣) وقد عميت عليكم (١٤) ( أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ ) (١٥).

قال ابن عبّاس : فلمّا اشتدّت علّتها عليها‌السلام قال عمر لأبي بكر : اذهب بنا حتى نعود فاطمة بنت محمّد عليها‌السلام. فجاءا الى أمير المؤمنين عليه‌السلام فسلّما عليه وقالا له :

__________________

(١) رغما مثلّثة : مصدر رغم أنفه أي لصق بالرّغام وهو التراب ، ورغم الأنف يستعمل في الذلّ والعجز عن الانتصار والانقياد على كره. والمعاطس جمع معطس بالكسر والفتح وهو الأنف.

(٢) لقحت : حملت ، والفاعل فعلتهم أو فعالهم ، أو الفتنة أو الأزمنة.

(٣) النظرة بفتح النون وكسر الظاء : التأخير. وريثما تنتج : أي قدر ما تنتج.

(٤) القعب : قدح من خشب يروي الرجل واحتلاب طلاع القعب : هو أن يمتلئ من اللبن حتى يطلع عنه ويسيل. العبيط : الطري.

(٥) الذعاف : السمّ. والمقر بكسر والقاف : الصبر ، وأمقر : أي صار مرّا.

(٦) غبّ كلّ شيء : عاقبته.

(٧) طاب نفس فلان بكذا : أي رضي به من دون أن يكرهه عليه أحد ، وطابت نفسه عن كذا أي رضي ببذله.

(٨) طأمنته : سكّنته فاطمأن. والجأش مهموزا : النفس والقلب ، أي اجعلوا قلوبكم مطمئنة لنزول الفتنة.

(٩) الصارم : القاطع.

(١٠) الهرج : الفتنة والاختلاط.

(١١) الفيء : الغنيمة والخراج وما حصل للمسلمين من أموال الكفّار من غير حرب. والزهيد :

القليل.

(١٢) الحصيد : المحصود ، ويدع جمعكم حصيدا كناية عن قتلهم واستئصالهم.

(١٣) أي وأنّى تلحق الهداية بكم.

(١٤) عميت عليكم بالتخفيف : أي خفيت والتبست ، وبالتشديد على صيغة المجهول أي لبّست.

(١٥) كشف الغمّة : ج ١ ص ٤٩٢ ـ ٤٩٤ ، بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ١٥٨ ـ ١٥٩ باب ٧ ح ٨ وقد أخذنا شرح الألفاظ منه.

٤٨٣

استأذن لنا على بنت محمّد.

قال : افعل. ودخل إليها فقال لها : يا بنت عمّي هذا أبو بكر وعمر قد جاءا يعودانك.

فقالت : لا والله لا آذن لهما قال : فإنّي قد ضمنت لهما ذلك عليك. قالت : أمّا أنا فلا آذن لهما والبيت بيتك ، والنساء مع الرجال ، فابدر من أحببت. فأذن لهما فدخلا ، فسلّما عليها فلم تردّ عليهما‌السلام ، وقالت : انشدكما الله هل سمعتما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « فاطمة بضعة منّي فمن آذاها فقد آذاني » قالا : نعم. قالت : فانشدكما الله هل سمعتما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « فاطمة بضعة منّي فمن أسخطها فقد أسخطني » قالا : نعم. فقالت : انشدكما الله هل سمعتما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « فاطمة بضعة منّي من أرضاها فقد أرضاني » قالا : نعم. قالت : فإنّي اشهد الله تعالى أنّكما قد آذيتماني وأسخطتماني وما أرضيتماني ، والله لا انازعكما الفضيع من فعلكما حتى ألقى ربّي وألقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأشكوكما إليهما فإنّه أخبرني أبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّي أوّل لاحق به من أهله (١).

وقبضت من ليلتها صلّى الله عليها. وتولّى أمير المؤمنين عليه‌السلام غسلها ودفنها في بيتها بعد أن صلّى عليها فأصبحا عائدين لها والناس معهما ليحضروا جنازتها والصلاة عليها. فلمّا طال عليهما الجلوس قال عمر : يا أبا الحسن قد حبست الناس.

فقال له : إنّا قد دفنّاها البارحة فقال عمر : والله لو لا أنّها تصير سنّة لنبشناها وصلّينا عليها ، هذا أيضا كاستيثارك علينا في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال عليّ : والله يا عمر لو رمت ذاك لقلعت أثرك. ثمّ أخذهما غير بعيد وقال لهما : أتراكما إن حلفت لكما تصدّقاني؟ قالا : نعم. قال : والله إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرني بغسلها وأمرني أن لا يبصرها أحد غيري ، وهي أمرتني أن لا تصلّيا عليها ، وقبضت وهي ساخطة عليكما ، فكنتما تريان أن اخالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة عليها‌السلام.

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس الهلالي : ص ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

٤٨٤

فانصرفا وانصرف الناس معهما ، وجزع أبو بكر من ذلك جزعا شديدا وقال : يا ليت امّي لم تلدني. فقال له عمر : عجبا للناس كيف ولّوك أمرهم وأنت تجزع لغضب امرأة وتفرح لرضاها! وما الذي بلغ من سخط امرأة (١).

قال الشيخ المفيد رضي‌الله‌عنه : إنّها توفّيت اليوم الثالث من ذي الحجّة سنة إحدى عشر من الهجرة.

وقال الشيخ أبو عليّ محمّد بن همام الكاتب : إنّها توفّيت عليها‌السلام ولها ثماني عشر سنة وخمس وثمانون يوما.

وقال الشيخ أبو جعفر محمّد بن رستم بن جرير الطبري : إنّها توفّيت يوم الثالث لثلاث خلون من جماد الآخر سنة إحدى عشرة من الهجرة (٢).

وقال عبد الله بن الخشاب : إنّها توفّيت عليها‌السلام ولها ثماني عشر سنة وخمس وسبعون يوما.

وفي رواية صدقة : ثمانية عشرة سنة وشهر وخمسة عشر يوما.

وقال ابن شهرآشوب : إنّها عليها‌السلام توفّيت ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة من الهجرة وقبرها بالبقيع. وقالوا : إنّها دفنت في بيتها وقيل : بين قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين منبره (٣).

__________________

(١) علل الشرائع : ص ١٨٧ باب ١٤٩ ح ٢.

(٢) دلائل الإمامة : ص ٤٥.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٣ ص ٣٥٧.

٤٨٥
٤٨٦

الباب الرابع

في ذكر مولانا الحسن بن عليّ عليهما السّلام

٤٨٧
٤٨٨

وامّه : فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فصل

في ذكر مولده عليه‌السلام

قال أبو جعفر محمّد بن رستم بن جرير الطبري في كتاب دلائل الإمامة : ولد أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام يوم النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة (١).

وقال محمّد بن يعقوب الكليني في كتاب الحجّة : ولد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام في شهر رمضان في سنة اثنتين من الهجرة. وروي أنّه ولد في سنة ثلاث (٢).

وقال الشيخ المفيد : إنّه ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة. وجاءت به امّه فاطمة بنت محمّد عليهما‌السلام الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنّة كان نزل بها جبرئيل عليه‌السلام الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسمّاه حسنا ، وعقّ عنه كبشا. وكان أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلقا وهيئة وسؤددا (٣).

وحدّث يحيى بن عبد الحميد ، قال : حدّثنا شريك ، عن شمال بن حرب ، عن قابوس بن مخارق ، عن أمّ الفضل زوجة العبّاس أنّها قالت : قلت : يا رسول الله صلّى الله عليك رأيت في المنام كأنّ عضوا من أعضائك في حجري. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) دلائل الإمامة : ص ٦٠.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٤٦١.

(٣) الإرشاد : ص ١٨٧.

٤٨٩

تلد فاطمة غلاما إن شاء الله تعالى فتكفليه. فولدت فاطمة عليها‌السلام الحسن عليه‌السلام فدفعه إليها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرضعته بلبن قثم بن العبّاس (١).

وحدّث عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا وكيع ، عن اسماعيل ، قال : سمعت وهبا أبا جحيفة ، قال : رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان الحسن ابن عليّ يشبهه (٢).

وحدّث أيضا عبد الله ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا محمّد بن عبد الله بن الزبير ، قال : حدّثنا عمر بن سعيد ، عن أبي مليكة ، قال : أخبرني عقبة بن الحارث ، قال : خرجت مع أبي بكر من صلاة العصر بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بليال وعليّ عليه‌السلام يمشي الى جنبه ، فمرّ بحسن بن عليّ يلعب مع غلمان ، فاحتمله أبو بكر على رقبته وهو يقول :

وآبائي شبيه النبيّ

ليس شبيها بعليّ.

قال : وعليّ عليه‌السلام يضحك (٣).

فصل

في ذكر بعض فضائله وأخباره

وحدّث عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا سفيان ، قال : حدّثني عبد الله بن أبي بريدة ، عن نافع ، عن ابن جبير ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لحسن : اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه (٤).

وحدّث عبد الله أيضا ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا وكيع ، حدّثنا حمّاد ابن سالم ، عن محمّد ، عن أبي هريرة ، قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاملا الحسن

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٢٤٢ باب ١١ ح ١٤ نقلا عن كتاب العدد.

(٢) مسند أحمد بن حنبل : ج ٤ ص ٣٠٧.

(٣) مسند أحمد بن حنبل : ج ١ ص ٨.

(٤) مسند أحمد بن حنبل : ج ٢ ص ٢٤٩.

٤٩٠

ابن عليّ عليهما‌السلام ولعابه يسيل عليه عليهما‌السلام (١).

وحدّث عبد الله ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا ابن أبي غدي ، عن ابن عون عن عمير بن إسحاق ، قال : كنت مع الحسن بن عليّ عليه‌السلام فلقينا أبو هريرة فقال : أرني اقبّل منك حيث رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّل. قال : فقال بقميصه كذا فكشفه ، فقبّل سرّته (٢).

وحدّث عبد الله ، قال حدّثني أبي ، قال : حدّثنا وكيع بن أبي ليلى ، عن أخيه عيسى بن عبد الله ، عن أبيه عبد الرحمن ، عن جدّه ، قال : كنّا عند النبيّ فجاء الحسن بن عليّ يحبو حتى صعد على صدره فبال عليه ، فابتدرناه لنأخذه ، فقال النبيّ : ابني ابني ، ثمّ دعا بماء فصبّه عليه (٣).

وحدّث الزبير بن بكّار ، قال : حدّثني عمّي مصعب بن عبد الله ، قال : ذكر عن البهي مولى الزبير قال : تذاكرنا من أشبه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهله ، فدخل علينا عبد الله بن الزبير فقال : أنا احدّثكم بأشبه أهله إليه الحسن بن عليّ ؛ رأيته يجيء وهو ساجد فيركب ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل. ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر. وقال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هو ريحاني من الدنيا وأنّ ابني هذا سيّد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين ، وقال : اللهمّ إنّي احبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه (٤).

وحدّث الزبير ، قال : حدّثني عمّي ، قال : وروى ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، قال : ما تكلّم أحد كان أحبّ إليّ إذا تكلّم أن لا يسكت من الحسن بن عليّ ، وما سمعت منه كلمة فحش قطّ ، فإنّه كان بين الحسين بن عليّ وعمر بن عثمان خصومة في أرض ، فعرض الحسين عليه‌السلام أمرا لم يرضه عمر ، فقال الحسن عليه‌السلام : ليس له عندنا إلاّ ما أرغم أنفه ، فإنّ هذه أشدّ كلمة فحش سمعتها منه قطّ (٥).

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل : ج ٢ ص ٤٤٧.

(٢) مسند أحمد بن حنبل : ج ٢ ص ٢٥٥.

(٣) مسند أحمد بن حنبل : ج ٤ ص ٣٤٨.

(٤) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٣١٧ باب ١٢ ذيل ح ٧٤ نقلا عن كتاب العدد.

(٥) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٣٤٥ باب ١٦ ذيل ح ١٧ مختصرا.

٤٩١

حدّث قاضي المدينة الرضي القرشي وهب بن عبد الرحمن عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه : انّ الحسن بن عليّ عليهما‌السلام دخل المتوضّأ فأصاب كسرة (١) أو قال : لقمة في مجرى الغائط والبول ، فأخذها وغسلها غسلا نعمّا ، ثمّ قال : يا غلام اذكرني بها إذا توضّأت. فلمّا توضّأ قال : يا غلام ناولني اللقمة أو الكسرة. فقال الغلام : يا مولاي أكلتها. قال له : اذهب فأنت حرّ لوجه الله تعالى. قال : فقال الغلام : يا مولاي لأيّ شيء عتقتني؟ قال : لأنّي سمعت فاطمة عليها‌السلام امّي بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تروي عن أبيها عليه‌السلام قال : من أخذ كسرة أو لقمة من مجرى الغائط أو البول فأماط عنها الأذى وغسلها غسلا نعمّا فأكلها لم تستقر في بطنه حتى يغفر له ، فما كنت لأستخدم رجلا من أهل الجنّة (٢).

وحدّث الزبير ، قال : حدّثني عمّي ، قال : ذكر عن عليّ بن زياد بن جذعان التيمي قال : حجّ الحسن عليه‌السلام خمس عشر حجّة ماشيا ، وخرج من ماله مرّتين ، وقاسم الله ثلاث مرّات حتى أن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا ويعطي خفّا ويمسك خفّا (٣).

وحدّث أبو يعقوب يوسف بن الجراح ، قال : حدّثني أبي وعبد الله بن سعيد ، قال : أخبرني سعد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن ابن شهاب الزهري ، قال : كنت مع حذيفة بن اليمان رضي‌الله‌عنه قال : وأظنّ أبي حدّث بهذا الحديث ، عن ابن سبرة وعن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جبل أظنّه ذكر حراء أو غيره ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ عليه‌السلام وجماعة من المهاجرين والأنصار ، وأنس حاضر لهذا الحديث وحذيفة يحدّث به إذ أقبل الحسن بن عليّ عليهما‌السلام يمشي على هدوّ ووقار ، فنظر إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورمقناه معه ، فقال بلال : يا رسول الله أما ترى مأخذه؟

__________________

(١) كسرة : قطعة صغيرة من الخبز.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ص ٢٣ ح ١٥٤ ، رواه عن الإمام الحسين عليه‌السلام.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ١٤.

٤٩٢

فقال عليه‌السلام : إنّ جبرئيل يهدّيه ، وميكائيل يهدّيه ، وهو ولدي ، والطاهر من نفسي ، وضلع من أضلاعي ، هذا سبطي ، وقرّة عيني ، بأبي هو.

وقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقمنا معه وهو يقول له : أنت تفاحتي وأنت حبيبي ومهجة قلبي ، وأخذ بيده فمشى معه ونحن نمشي حتى جلس وجلسنا حوله ننظر الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو لا يرفع بصره عنه ، ثمّ قال : إنّه سيكون بعدي هاديا مهديّا ، هذا هديّة من ربّ العالمين لي ينبئ عنّي ، ويعرّف الناس آثاري ، ويحيي سنّتي ، ويتولّى أمري في فعله ، ينظر الله إليه فيرحمه ، رحم الله من عرف له ذلك ، وبرّني فيه ، وأكرمني فيه. فما قطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلامه حتى أقبل إلينا أعرابيا يجرّ هراوة له ، فلمّا نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : قد جاءكم رجل يكلّمكم بكلام غليظ تقشعرّ منه جلودكم ، وأنّه ليسألكم عن امور ، ألا انّ لكلامه جفوة.

فجاء الأعرابي فلم يسلّم فقال : أيّكم محمّد؟

قلنا : وما تريد؟

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مهلا. فقال : يا محمّد لقد كنت أبغضك ولم أرك والآن فقد ازددت لك بغضا. قال : فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغضبنا لذلك وأردنا بالأعرابي إرادة. فأومأ إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن اسكتوا. فقال الأعرابي : يا محمّد إنّك تزعم أنّك نبيّ وأنّك قد كذبت على الأنبياء وما معك من (١) شيء قال له : يا أعرابي وما يدريك؟ قال الأعرابي : فخبّرني ببرهانك. قال : إن أحببت أخبرك عضو من أعضائي فيكون ذلك أوكد لبرهاني. قال الأعرابي : أو يكلّم العضو؟ قال : نعم ، يا حسن قم.

فازدرى الأعرابي نفسه (٢) وقال : هو يأباني ويقيم صبيّا ليكلّمني. قال : إنّك ستجده عالما بما تريد. فابتدره الحسن عليه‌السلام وقال : مهلا يا أعرابي تنظر هذا الشعر :

__________________

(١) في الأصل كلمة غير مقروءة ، وفي البحار : من برهانك شيء.

(٢) أي احتقر الأعرابي نفسه.

٤٩٣

ما غبيّا سألت وابن غبيّ

بل فقيها إذن وأنت الجهول

فإن تك قد جهلت فإنّ عندي

شفاء الجهل ما سأل السئول

وبحرا لا تقسّمه الدوالي

تراثا كان أورثه الرسول

لقد بسطت لسانك ، وعدوت طورك ، وخادعتك نفسك ، غير أنّك لا تبرح حتّى تؤمن إن شاء الله تعالى. فتبسّم الأعرابي وقال : هيه (١). فقال له الحسن عليه‌السلام : نعم اجتمعتم في نادي قومك ، وتذاكرتم ما جرى بينكم على جهل وخرق منكم ، فزعمتم أنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صنبور (٢) والعرب قاطبة تبغضه ، ولا طالب له بثأره ، وزعمت أنّك قاتله وكافي قومك مئونته ، فحملت نفسك على ذلك ، وقد أخذت قناتك بيدك تؤمّه تريد قتله ، فعسر عليك مسلكك ، وعمي عليك بصرك ، وأبيت إلاّ ذلك ، فأتيتنا خوفا من أن يستهزءوا بك ، وإنّما جئت لخير يراد بك انبئك عن سفرك : خرجت في ليلة ضحياء إذ عصفت ريح شديدة واشتدّ منها ظلماؤها ، وأطبقت سماؤها ، وأعصر سحابها ، فبقيت محرنجما كالأشقر إن يقدّم نحر (٣) وإن تأخّر عقر ، لا تسمع لواطئ حسّا ، ولا لنافخ نار جرسا ، تداكّت عليك غيومها ، وتوارت عنك نجومها ، فلا تهتدي بنجم طالع ، ولا بعلم لامع ، تقطع محجّة وتهبط لجّة في ديمومة قفرة ، بعيدة القعر ، مجحفة بالسفر ، إذا علوت مصعدا ازددت بعدا ، الريح تخطفك ، والشوك يخبطك ، في ريح عاصف ، وبرق خاطف قد أوحشتك آكامها ، وقطعتك سلامها ، فأبصرت فإذا أنت عندنا ، وقرّت عينك ، فطهر رينك وذهب أنينك. قال : من أين قلت يا غلام هذا كأنك كشفت عن سويداء قلبي ،

__________________

(١) هيه : كلمة تقال لشيء يطرد ، وهي أيضا كلمة استزاده.

(٢) قال الجزري : إنّ قريشا كانوا يقولون انّ محمّدا صنبور ، أي ابتر لا عقب له وأصل الصنبور سعفة تنبت في جذع النخلة لا في الأرض. وقيل : هي النخلة المنفردة التي يدق أسفلها أرادوا أنّه اذا قطع انقطع ذكره كما يذهب أثر الصنبور لأنّه لا عقب له.

(٣) من كلام لقيط بن زرارة يوم جبلة وكان على فرس أشقر ، يقول : إن جريت على طبعك فتقدّمت الى العدو قتلوك وإن أسرعت فتأخّرت منهزما أتوك من ورائك فعقروك ، فاثبت والزم الوقار. مجمع الأمثال : ج ٢ ص ١٤٠.

٤٩٤

ولقد كنت كأنّك شاهدتني وما خفي عليك شيء من أمري ، وكأنّه علم الغيب عندك ، يا غلام لقّني الإسلام. فقال الحسن عليه‌السلام : الله أكبر قل : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. فأسلم وحسن إسلامه ، وعلّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا من القرآن. فقال : يا رسول الله أرجع الى قومي فاعرّفهم ذلك. فأذن له ، فانصرف ، ورجع ومعه جماعة من قومه فدخلوا في الإسلام.

فكان الناس إذا نظروا الى الحسن عليه‌السلام قالوا : لقد اعطي ما لم يعط أحد من الناس (١).

وقيل : جرى بين الحسن بن عليّ وأخيه محمّد بن الحنفيّة عليهم‌السلام كلام ثمّ انصرفا ، فلمّا وصل محمّد الى منزله أخذ رقعة وكتب فيها :

بسم الله الرحمن الرحيم. من محمّد بن عليّ بن أبي طالب الى أخيه الحسن بن عليّ بن أبي طالب. أمّا بعد فإنّ لك شرفا لا أبلغه وفضلا لا ادركه ، فإذا قرأت رقعتي هذه فصر إليّ فترضّني ، وإيّاك أن أسبقك الى الفضل الذي أنت أولى به منّي والسلام.

فلما قرأ الحسن عليه‌السلام الرقعة قال : يا غلام ردائي ونعلي ، ثمّ جاء الى أخيه فترضّاه وصالحه.

قال : وكان بين الحسن والحسين عليهما‌السلام كلام ، فقيل للحسين عليه‌السلام : لو أتيت أخاك متفضّلا. فقال : إنّ الفضل للمبتدئ بالتفضّل ، ولست أرى أن يكون لي على أخي فضل. فبلغ ذلك الحسن فأتاه.

وقيل : سأل رجل الحسن بن عليّ عليهما‌السلام حاجة ، فقال له : يا هذا حقّ سؤالك إيّاي يعظم لديّ ، ومعرفتي بما يجب لك يكبر عليّ ، ويدي تعجز عن نيلك ما أنت أهله ، والكثير في ذات الله تعالى قليل ، وما في ملكي وفاء لشكرك ، فإن قبلت الميسور ورفعت عنّي مئونة الاحتيال والاهتمام لما اتكلّف من واجبك فعلت. قال : يا ابن رسول الله أقبل القليل وأشكر العطيّة واعذر [ على ] المنع.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٣٣٣ باب ١٦ ح ٥ نقلا عن كتاب العدد.

٤٩٥

فدعا الحسن عليه‌السلام بوكيله وجعل يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها فكانت ثلاثمائة ألف درهم ، ثمّ قال له : هات الفاضل عن الثلاثمائة ألف. فأحضر خمسين ألفا. ثمّ قال : فما فعلت بالخمسمائة دينار؟ قال : هي عندي. قال : فأحضرها. فأحضرها ، ودفع الدراهم والدنانير الى الرجل وقال : هات من يحملها. فأتاه بحمّالين ، فدفع إليهما الحسن عليه‌السلام رداءه باجرة الحمل.

فقال له مواليه : والله ما بقي عندنا درهم. فقال : لكنّي أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم (١).

وقيل : إنّ الحسن بن عليّ عليهما‌السلام كان يخرج كلّ ليلة إذا انتصف الليل حتى يأتي المسجد فيصلّي ويدعو ويتضرّع الى الله تعالى ، فتبعه بعض شيعته ليلة من الليالي. قال : فلمّا بلغ الحسن عليه‌السلام باب المسجد رمى بطرفه نحو السماء ثمّ قال : اللهمّ غلّقت الملوك أبوابها ، وقام عليها حرّاسها ، وبابك مفتوح لمن دعاك. ثمّ دخل المسجد وصلّى ركعتين ، ورفع رأسه الى السماء وقال :

يا ذا المعالي عليك معتمدي

طوبى لمن كنت أنت مولاه

طوبى لمن كان خائفا وجلا

يشكو الى ذي الجلال بلواه

وما به علّة ولا سقم

أكثر من حبّه لمولاه

إذا خلا في الظلام مبتهلا

أكرمه الله ثمّ أدناه

إذا شكا بثّه وحاجته

أجابه الله ثمّ لبّاه

قال : فسمع صوتا وهو يقول :

سلني عبدي وأنت في كنفي

فكلّما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي

فحسبك الصوت قد سمعناه

لو هبّت الريح من جوانبه

خرّ صريعا لما تغشّاه

دعاءك عبدي (٢) في حجبي

وذنبك اليوم قد غفرناه

وقال سليم بن قيس الهلالي : سمعت عبد الله بن جعفر يقول : قال لي معاوية :

__________________

(١) كشف الغمّة : ج ١ ص ٥٥٨ ـ ٥٥٩.

(٢) كلمة غير مقروءة.

٤٩٦

ما أكثر تعظيمك للحسن والحسين وما هما (١) بخير منك ، ولا أبوهما خير من أبيك ، ولو لا أنّ امّهما فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقلت ما امّك أسماء بنت عميس بدون منها؟

قال : فغضبت من مقالته وأخذني ما لا أملك معه نفسي فقلت : إنّك لقليل المعرفة بهما وبأبيهما وامّهما ، والله لهما خير منّي وأبوهما خير من أبي ، وامّهما خير من امّي ، ولقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيهما وفي أبيهما وأنا غلام فحفظته منه ووعيته.

فقال معاوية وليس في المجلس غير الحسن والحسين عليهما‌السلام وأنا وابن عبّاس وأخوه الفضل رضي‌الله‌عنه : هات ما سمعت فو الله ما أنت بكذّاب. قلت له : إنّه أعظم ممّا في نفسك. قال : ولئن كان أعظم من احد وحرّاء ما لم يكن أحد من أهل الشام فاذكره ، وأمّا إذ قتل الله طاغيتكم وفرّق جمعكم وصار الأمر في أهله ما نبالي ما قلتم ولا يضرّنا ما ادّعيتم. قلت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن كنت أولى به من نفسه (٢) ـ وعليّ بين يديه عليهما‌السلام والحسن والحسين وعمرو بن أمّ سلمة واسامه بن زيد وفي البيت فاطمة وأمّ أيمن وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام ـ وضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عضد عليّ وأعادها ثلاثا ثمّ نصّ بالإمامة على الأئمّة تمام الاثني عشر عليهم‌السلام. ثمّ قال : لامّتي اثنا عشر إمام ضلالة كلّهم ضالّ مضلّ ، عشرة من بني أميّة ورجلان من قريش ، وزر جميع الاثني عشر وما أضلّوا في أعناقهما ، ثمّ سمّاهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمّى العشرة معهما. قال : فسمّ لنا. فقلت : فلان وفلان وصاحب السلسلة وابنه من آل أبي سفيان وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص أوّلهم مروان. فقال معاوية : لئن كان ما قلت حقّا لقد هلكت وهلك الثلاثة قبلي ومن تولاّهم من هذه الامّة ، ولقد هلك أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المهاجرين والأنصار والتابعين غيركم أهل البيت وشيعتكم. قلت : فإنّ الذي قلته والله حقّ سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال معاوية للحسن

__________________

(١) في الأصل : « هو ».

(٢) لا يخفى أنّ في العبارة نقص يختلّ المعنى بدونها وتقديرها : فهذا أولى به من نفسه.

٤٩٧

والحسين وابن عبّاس : أحقّ ما يقول ابن جعفر؟ قال ابن عبّاس وكان معاوية بالمدينة أوّل سنة اجتمع عليه الناس بعد قتل عليّ عليه‌السلام : أرسل الى الذين قد سمّاهم عبد الله. فأرسل إلى عمرو بن أمّ سلمة ومن معه جميعا فشهدوا أنّ الذي قال ابن جعفر قد سمعوه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما سمعه ابن جعفر. ثمّ أقبل معاوية على الحسن والحسين وابن عبّاس والفضل وابن أمّ سلمة فقال لهم : كلّكم على ما قال ابن جعفر؟ قالوا : نعم. فقال معاوية : فإنّكم يا بني عبد المطّلب تدّعون أمرا عظيما وتحتجّون بحجّة قويّة وإنّكم تصرّون على أمر وتسترونه والناس في غفلة وغمار ، لئن كان ما تقولون حقّا لقد هلكت الامّة ورجعت عن دينها وكفرت بربّها وجحدت نبيّها إلاّ أنتم أهل البيت ومن قال بقولكم ، واولئك قليل في الناس.

فأقبل ابن عبّاس رضي الله عنهما على معاوية وقال : قال الله تعالى : ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) (١) وقال : ( وَقَلِيلٌ ما هُمْ ) (٢) وما تعجب منّا يا معاوية أعجب من بني إسرائيل انّ السحرة قالوا لفرعون ( فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ) (٣) وآمنوا بموسى عليه‌السلام وصدّقوه ، ثمّ سار بهم وبمن اتّبعهم من بني اسرائيل فأقطعهم البحر وأراهم العجائب وهم مصدّقون بموسى والتوراة يقرّون له بدينه ، ثمّ مرّوا بأصنام تعبد فقالوا : ( اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) (٤) وعكفوا على العجل غير هارون ( فَقالُوا : هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى ) (٥) وبعد ذلك دخلوا الأرض المقدّسة فكان من جوابهم ما قصّ الله عنهم ، فقال موسى ( رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ) (٦) فأمّا اتّباع هذه الامّة رجالا سوّدوهم وأطاعوهم لهم سوابق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنازل قريبة منه ، واظهار مقرّون بدين محمّد وبالقرآن ، حملهم الكبر والحسد أن خالفوا إمامهم ووليّهم. يا عجبا من قوم صاغوا من حليّهم عجلا عكفوا عليه يعبدونه ويسجدون له

__________________

(١) سبأ : ١٣.

(٢) ص : ٢٤.

(٣) طه : ٧٢.

(٤) الأعراف : ١٣٨.

(٥) طه : ٨٨.

(٦) المائدة : ٢٥.

٤٩٨

ويزعمون أنّه ربّ العالمين غير هارون وحده ، وقد بقي مع صاحبنا ـ الذي هو من نبيّنا بمنزلة هارون من موسى ـ اناس منهم سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ، ثمّ رجع الزبير وثبت هؤلاء الثلاثة مع إمامهم حتى لقوا الله. وتعجب يا معاوية من الامّة واحدا بعد واحد وقد نصّ عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خمّ وفي غير موطن وأمر بطاعتهم وأخبر أنّ أوّلهم عليّ بن أبي طالب وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة من بعده وأنّه خليفته فيهم ووصيّه ، وقد بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جيشا يوم مؤتة فقال : عليكم بجعفر ، فإن هلك فزيد ، فإن هلك فعبد الله بن رواحة ، فقتلوا جميعا ، وتراه ترك الامّة جميعا ولم يبيّن لهم الخليفة من بعده ليختاروا هم لأنفسهم الخليفة ، كأنّ رأيهم لأنفسهم أهدى لهم وأشدّ من رأيه واختياره! وما ركب القوم ما ركبوا إلاّ بعد ما بيّنه لهم ولم يتركهم في غمّاء ولا في شبهة. فأمّا ما قال الرهط الأربعة الذين تظاهروا على عليّ عليه‌السلام وكذبوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « إنّ الله تعالى لا يجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة » فقد لبسوا على الناس بشهادتهم بكذبهم ومكرهم. قال معاوية : ما تقول يا حسن؟ فقال : يا معاوية قد سمعت ما قال ابن عبّاس ، ثمّ العجب منك يا معاوية ومن قلّة حيائك ومن جرأتك على الله حين قلت : « قد قتل الله طاغيتكم وردّ الأمر الى معدنه » فأنت يا معاوية معدن الخلافة من دوننا؟! ويل لك يا معاوية وللثلاثة الذين أجلسوك هذا المجلس وسنّوا لك هذه السنّة ، لأقولنّ كلاما ما أنت أهله ولكن أقول يسمع بنو أبي هؤلاء الذين حولي : إنّ الناس قد اجتمعوا على امور كثيرة ليس بينهم اختلاف فيها ولا تنازع ولا فرق على شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله عبده والصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصوم شهر رمضان وحجّ بيت الله الحرام ثمّ أشياء كثيرة لا تحصى ولا يعدّها إلاّ الله ، واجتمعوا على تحريم الزنا والسرق والكذب والقطيعة والخيانة وأشياء كثيرة من معاصي الله عزّ وجلّ ، واختلفوا في سنّة كبيرة ـ اقتتلوا فيها وصاروا فيها فرقا يلعن بعضهم بعضا وهي الولاية ويبرأ بعضهم من بعض ويقتل بعضهم بعضا ـ أنّهم أحقّ بها وأولى إلاّ فرقة تتّبع كتاب الله وسنّة نبيّه عليه‌السلام ، فمن

٤٩٩

أخذ بما عليه أهل القبلة الذي ليس فيه اختلاف وردّ علم ما اختلفوا فيه الى الله سلم ونجا من النار وادخل الجنّة ، ومن وفّقه الله ومنّ عليه واحتجّ عليه بأن نوّر قلبه بمعرفة ولاة الأمر من أئمّتهم ومعدن العلم أين هو فهو عند الله سعيد ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رحم الله امرأ عرف حقّا فقال ، أو سكت فسلم ».

نحن نقول أهل البيت : إنّ الأئمّة منّا ، وانّ الخلافة لا تصلح أن تكون إلاّ فينا ، وانّ الله جعلنا أهلها في كتابه وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ العلم فينا ونحن أهله وهو عندنا مجموع ، وأنّه لا يحدث شيء الى يوم القيامة حتى أرش الخدش إلاّ وهو عندنا مكتوب إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بيده وزعم قوم أنّهم أولى بذلك منّا حتى أنت يا ابن هند تدّعي ذلك ، وزعم كلّ صنف من مخالفينا من أهل هذه القبلة أنّهم معدن الخلافة والعلم دوننا فلنستعن بالله على من ظلمنا وجحدنا حقّنا وركب رقابنا وسنّ للناس علينا ما يحتجّ به مثلك ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

إنّما الناس ثلاثة : مؤمن يعرف حقّنا ومسلّم لنا ومؤتمّ بنا فذاك ناج يحبّ الله ورسوله ، وناصب لنا العداوة يتبرأ منّا ويلعننا ويستحلّ دماءنا ويجحد حقّنا ويدين لله بالبراءة منّا فهذا كافر مشرك وإنّما كفر وأشرك من حيث لا يعلم كما يسبّوا الله تعالى عدوا بغير علم ، ورجل أخذ بما لم يختلف فيه وردّ علم ما أشكل عليه الى الله مع ولايتنا والائتمام بنا ولا يعادينا ولا يعرف حقّنا فنحن نرجو أن يغفر الله له ويدخله الجنّة فهذا مسلم ضعيف.

وقال الحسين بن قيس : قال : قام الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام على المنبر حين اجتمع الناس مع معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال :

أيّها الناس إنّ معاوية زعم أنّي رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا ، وكذب معاوية ، أنا أولى الناس في كتاب الله عزّ وجلّ وعلى لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اقسم بالله لو أنّ الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما طمعت فيها يا معاوية ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما ولّت

٥٠٠