الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي

الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

المؤلف:

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-064-3
الصفحات: ٨٣٢

جمال العلماء أبو جعفر محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الرازي رحمة الله عليه بمدينة السلام في داره بدرب البصريين في منتصف ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ، قال : حدّثنا الإمام الكبير السيّد الأمير جمال الدين عزّ الإسلام فخر العشيرة علم الهدى شرف آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو محمّد إبراهيم بن علي بن محمّد العلوي الحسيني الموسوي بكازرون في التاسع عشر من رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة ، قال : حدّثنا الشيخ العارف شهريار بن تاج الفارسي ، قال : حدّثني القاضي أبو القاسم أحمد بن طاهر الثوري ، قال : حدّثنا شيخ الإسلام شرف العارفين أبو المختار الحسن بن عبد الوهّاب ، قال : حدّثني أبو النجيب علي بن محمّد بن إبراهيم ، عن الأشعث بن مرّة ، عن البتّي بن (١) سعيد ، عن هلال بن كيسان ، عن الطيّب القواصري ، عن عبد الله بن سلمة المنتجي ، عن سفارة بن الاصيمد البغدادي ، عن ابن حريز ، عن أبي الفتح المغازلي ، عن عمّار بن ياسر ، قال : كنت بين يدي مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وإذا بصوت قد أخذ جامع الكوفة ، فقال لي : يا عمّار ائت بذي الفقار الباتر الأعمار ، فجئته بذي الفقار.

فقال : اخرج يا عمّار وامنع الرجل عن ظلامة هذه المرأة فإن انتهى وإلاّ منعته بذي الفقار.

قال عمّار : فخرجت فإذا أنا برجل وامرأة قد تعلّقا بزمام جمل والمرأة تقول الجمل لي والرجل يقول الجمل لي ، فقلت : إنّ أمير المؤمنين ينهاك عن ظلم هذه المرأة.

فقال : يشتغل عليّ بشغله ويغسل يده من دماء المسلمين الذين قتلهم بالبصرة ويريد أن يأخذ جملي ويدفعه الى هذه المرأة الكاذبة.

فقال عمّار رضي‌الله‌عنه : فرجعت لاخبر مولاي وإذا به قد خرج وقد لاح الغضب في وجهه وقال له : ويلك خلّ جمل المرأة.

فقال : هو لي.

__________________

(١) في « اليقين » للعلامة الحلّي : الليثي عن سعيد.

٣٠١

فقال أمير المؤمنين : كذبت يا لعين.

قال : فمن يشهد أنّه للمرأة يا عليّ؟

فقال : الشاهد الذي لا يكذّبه أحد من أهل الكوفة.

فقال الرجل : إذا شهد شاهد وكان صادقا سلّمته الى المرأة.

فقال عليّ عليه‌السلام : تكلّم أيّها الجمل لمن أنت؟

فقال بلسان فصيح : يا أمير المؤمنين وخير الوصيّين أنا لهذه المرأة منذ بضع عشرة سنة.

فقال عليّ عليه‌السلام : خذي جملك ، وعارض الرجل بضربة قسمه نصفين (١).

وقيل : قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حبر من أحبار اليهود ، فقال : يا رسول الله إنّ قومي أرسلوني إليك وقالوا إنّ نبيّهم موسى بن عمران عليه‌السلام عهد إليهم أنّه يبعث بعده نبيّ من العرب ، فإذا بعث فامضوا إليه وسلوه أن يخرج لكم من الجبل سبع نوق سود الحدق حمراء الوبر ، فإن أخرجها فآمنوا به واتّبعوه وصدّقوه.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله أكبر الله أكبر قم بنا يا أخا اليهود ، فخرج الى ظاهر المدينة وجاء الى جبل فصلّى عنده ركعتين وتكلّم بكلام خفيّ فانصدع الجبل وسمعنا حنين النوق.

فقال اليهودي : صبرا يا محمّد حتى أمضي الى قومي وأحضرهم ليقضوا عدتهم ويؤمنوا بك. فمضى ولم يعد.

فلمّا قبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجلس أبو بكر وصل اليهودي مع قومه ، فدخلوا عليه وطلبوا عدتهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال لهم : عليكم بعليّ عليه‌السلام ، ونهض ومعه الصحابة واليهود إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام. فلمّا نظر إليهم سار أمامهم قاصدا إلى الجبل فصلّى عنده ركعتين وتكلّم بكلام خفيّ فانصدع الجبل وانشقّ وخرجت النوق السبعة ، فقال : دونكم يا جماعة اليهود عدتكم. فقالوا : نشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا

__________________

(١) أوردها العلاّمة الحلّي في اليقين : ص ٧٢ الباب الثالث والتسعون وص ١٤٤ الباب الرابع والأربعون بعد المائة ، نقلا عن كتاب الأربعين.

٣٠٢

شريك له وأنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ ما جاء به هو الحقّ من عند ربّنا وأنّك وصيّه وخليفته وأحقّ بالأمر بعده. وعادوا الى بلادهم مسلمين موحّدين (١).

وقيل : إنّ الماء طغى في فرات الكوفة حتى أشفق أهل الكوفة من الغرق ، ففزعوا الى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فركب بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخرج والناس معه حتى أتى شاطئ الفرات ، فنزل عليه فأسبغ الوضوء وصلّى منفردا بنفسه والناس يرونه ، ثمّ دعا الله بدعوات سمعها أكثرهم ، ثمّ تقدّم نحو الفرات متوكّئا على قضيب بيده حتى ضرب به صفحة الماء وقال : انقص بإذن الله ومشيئته ، فغاض الماء حتى بدت الحيتان في قعر الفرات ، فنطق كثير منها بالسلام عليك يا أمير المؤمنين ولم ينطق منها أصناف من السمك وهي الجرّي والمارماهي والزمير ، فتعجّب الناس لذلك وسألوه عن علّة نطق ما نطق وصموت ما صمت. فقال : أنطق الله تعالى لي منها ما طهر من السمك وأصمت عنّي ما حرّمه ونجّسه وبعّده (٢).

وذكر المفيد رحمه‌الله تعالى في كتاب الإرشاد أنّ هذا الخبر مشتهر بالنقل والرواية كشهرة كلام الذئب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتسبيح الحصى في كفّه وحنين الجذع إليه وإطعام الخلق الكثير من الطعام القليل وغير ذلك (٣).

وقال المفيد رحمه‌الله تعالى في كتاب الإرشاد أنّه روى حملة الآثار ورواة الأخبار من حديث الثعبان والآية فيه والاعجوبة مثل ما رووه من حديث كلام الحيتان ونقصان ماء الفرات ، فرووا أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان ذات يوم يخطب على منبر الكوفة إذ ظهر ثعبان من جانب المنبر فجعل يرقى حتى دنا من أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فارتاع الناس لذلك وهمّوا بقصده ودفعه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأومى إليهم بالكفّ عنه.

فلمّا صار على المرقاة التي عليها أمير المؤمنين عليه‌السلام قائم انحنى الى الثعبان ،

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤١ ص ٢٧٠ باب ١١٢ ح ٢٤.

(٢) الخرائج والجرائح : ج ٢ ص ٨٢٤ الباب السادس عشر ح ٣٨ ، الإرشاد : ص ١٨٣.

(٣) الإرشاد : ص ١٨٣ في تكلّم الحيتان معه عليه‌السلام.

٣٠٣

فتطاول الثعبان إليه حتى التقم اذنه ، وسكت الناس وتحيّروا لذلك ، فنقّ نقيقا سمعه كثير منهم ، ثمّ إنّه زال عن مكانه وأمير المؤمنين عليه‌السلام يحرّك شفتيه والثعبان كالمصغي إليه ثمّ انساب وكأنّ الأرض ابتلعته ، وعاد أمير المؤمنين عليه‌السلام الى خطبته فتمّمها.

فلمّا فرغ منها ونزل اجتمع الناس إليه فسألوه عن حال الثعبان والاعجوبة فيه ، فقال لهم : ليس ذلك كما ظننتم وإنّما هو حاكم من حكّام الجنّ التبس عليه قضية فصار إليّ يستفهمني عنها فأفهمته إيّاها ودعا لي بخير وانصرف (١).

وربما استبعد كثير من الناس ظهور الجنّ في صور الحيوان ، وذلك معروف عند العرب قبل البعثة وبعدها. وقد أجمع اهل القبلة أنّ إبليس ظهر لأهل الندوة في صورة شيخ نجدي وشاركهم في الرأي على المكر برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢). وما ظهور الجنّ في صور الحيوان بأبعد من هذا.

قيل : لمّا توجّه أمير المؤمنين عليه‌السلام الى صفّين لحق أصحابه عطش فأخذوا يمينا وشمالا يلتمسون الماء فلم يجدوا له أثرا ، فعدل بهم أمير المؤمنين عليه‌السلام الى الجادة وسار قليلا فلاح لهم دير في صدر البرّية ، فسار بهم نحوه حتى إذا صار في فنائه أمر من ينادي ساكنه بالاطلاع إليهم ، فنادوه فأطلع عليهم ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : هل قرب قائمك هذا ماء يتغوّث به هؤلاء القوم؟

فقال : هيهات بيني وبين الماء أكثر من فرسخين وما بالقرب منّي شيء من الماء ، ولو لا أنّني اوتي بما يكفيني في كلّ شهر على التقتير لتلفت عطشا.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أسمعتم ما قال الراهب؟

قالوا : نعم فتأمرنا بالمسير الى حيث أومى إليه لعلّنا ندرك الماء وبنا قوّة.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا حاجة لكم الى ذلك ، ولوى عنق بغلته نحو القبلة وأشار الى مكان بالقرب من الدير فقال لهم : اكشفوا الأرض في هذا المكان ، فعدل

__________________

(١) الإرشاد : ص ١٨٣ ـ ١٨٤ في تكلّم الحيتان معه عليه‌السلام.

(٢) الإرشاد : ص ١٨٤.

٣٠٤

جماعة منهم الى الموضع فكشفوه بالمساحي فظهر لهم صخرة عظيمة تلمع ، قالوا : يا أمير المؤمنين هاهنا صخرة ، لا تعمل فيها المساحي.

فقال لهم : إنّ هذه الصخرة على الماء فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء فاجتهدوا في قلبها. واجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا الى ذلك سبيلا.

واستصعبت عليهم ، فلوى رجله عن سرجه حتى صار على الأرض ثمّ حسر عن ذراعه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحرّكها ثمّ قلعها بيده ودحى بها أذرعا كثيرة. فلمّا زالت عن مكانها ظهر لهم بياض الماء فبادروا إليه ، وكان أعذب ماء شربوا منه في سفرهم وأبرده وأصفاه.

فقال لهم : تزوّدوا وارتووا. ففعلوا. ثمّ جاء الى الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت وأمر أن يعفى أثرها بالتراب ، والراهب ينظر من فوق ديره ، فلمّا استوفى علم ما جرى نادى : يا معشر الناس أنزلوني. فاحتالوا في إنزاله ، فوقف بين يدي أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : يا هذا أنت نبيّ مرسل؟ قال : لا. قال : فملك مقرّب؟ قال : لا. قال : فمن أنت : قال : أنا وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محمّد بن عبد الله خاتم النبيين. قال : ابسط يدك أسلم لله تعالى على يدك. فبسط أمير المؤمنين عليه‌السلام يده وقال له : اشهد الشهادتين. فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله وأشهد أنّك وصيّ رسول الله وأحقّ الناس من بعده بالأمر. فأخذ عليه‌السلام عليه شرائط الإسلام.

ثمّ قال له : ما الذي دعاك الآن الى الإسلام بعد طول مقامك على الخلاف في هذا الدين (١)؟

قال : اخبرك يا أمير المؤمنين ، هذا الدير بني على طلب قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها ، وقد مضى عالم قبلي لم يدركوا ذلك ، وقد رزقنيه الله عزّ وجلّ.

* * *

__________________

(١) والعبارة في الارشاد هكذا : بعد طول مقامك في هذا الدير على الخلاف : ص ١٧٦ ـ ١٧٧.

٣٠٥

فصل

في ذكر فضائله عليه‌السلام

حدّث عن عطية بن أبي زيد الباهلي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخى بين المسلمين ثمّ قال : يا علي أنت أخي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي. يا عليّ إنّ أوّل من يدعى يوم القيامة يدعى بي فأقوم عن يمين العرش في ظلّه فاكسي حلّة خضراء من حلل الجنّة ، ثمّ يدعى بالنبيين فيقومون سماطين عن يمين العرش فيكسون حللا من حلل الجنّة ، وإنّي اخبرك يا عليّ انّ أمّتي أوّل الامم يحاسبون ، وأوّل من يدعى بك (١) لقرابتك منّي ومنزلتك عندي ، ويدفع إليك لوائي ، وهو لواء الحمد ، فتسير به بين السماطين ، آدم وجميع خلق الله يستظلّون بظلّ لوائي يوم القيامة ، طوله مسيرة ألف سنة ، سنانه ياقوتة بيضاء ، وزجّه درّة خضراء ، قصبته فضّة بيضاء ، له ثلاث ذوائب من نور مكتوب عليها ثلاثة أسطر ، الأول : بسم الله الرحمن الرحيم ، الثاني : الحمد لله ربّ العالمين ، والثالث : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله. فتسير باللواء والحسن عن يمينك والحسين عن شمالك حتى تقف بين يدي إبراهيم عليه‌السلام في ظلّ العرش ثمّ تكسى حلّة من الجنّة ، ثمّ ينادي مناد من تحت العرش : نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك علي ، أبشر يا علي إنّك تكسى إذا كسيت وتدعى إذا دعيت ، وتحيى إذا حييت (٢).

وحدّث سعيد بن الحجاج ، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب. ثمّ قال : يا عليّ أنا المدينة وأنت الباب ، كذب من زعم أنّه يصل الى المدينة إلاّ من الباب (٣).

وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان يوم القيامة أمر

__________________

(١) كذا ، وفي البحار : أنت أوّل من يدعى لقرابتك.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ٣٤١ باب ٦٨ ح ١٧.

(٣) مناقب ابن المغازلي : ص ٨٥ ح ١٠٦ بسند آخر.

٣٠٦

الله عزّ وجلّ جبريل عليه‌السلام أن يجلس على باب الجنّة فلا يدخلها إلاّ من معه براءة من عليّ عليه‌السلام (١).

وحدّث قيس بن حفص ، عن عبيدة ، عن ابن مسعود ، قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من منزل عائشة ويده في يد علي عليه‌السلام وهو يقول : معاشر الناس حبّوا عليّا فإنّ لحمه من لحمي ودمه مختلط بدمي ، ألا ويل لأقوام من أمّتي يضيّعون فيه وصيّتي ، وينقضون فيه عهدي ، ويقطعون فيه صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة (٢).

وحدّث إسماعيل بن محمّد ، عن إبراهيم بن محمّد ، عن نافع ، عن ابن عمر أنّه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : عليّ بن أبي طالب صاحب لوائي ، وأميني على الحوض ، ومعيني على مفاتيح خزائن الجنّة يوم القيامة.

وحدّث أبو الهندي عن أنس بن مالك أنّه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

خير من اخلّف بعدي علي بن أبي طالب ، إنّ الله عزّ وجلّ لمّا أنزل القرآن جعل لعليّ فيه حظّا ونصيبا ، فمن أحبّه أحبّه الله ، ومن أبغضه أبغضه الله ، ومن أحبّني وأحبّه أسكنه الله الفردوس الأعلى ، وجمع بينه وبين القرآن صباحا ومساء في الجنّة كهاتين ، وأشار باصبعيه.

وقيل : لمّا فتح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكّة قال له العبّاس بن عبد المطّلب : يا رسول الله أليس أنا عمّك وصنو أبيك؟

قال له : بلى فما حاجتك يا عمّ؟

قال : تعطيني مفتاح الكعبة.

فقال : هاك يا عمّ ، فهبط جبريل عليه‌السلام وقال : إنّ الله عزّ وجلّ يقرؤك السلام وقال لك : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) فاستعاد المفتاح من العبّاس وأعاده الى شيبة. ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الكعبة فإذا هو بصورة

__________________

(١) مناقب الخوارزمي : ص ٣١٩ ـ ٣٢٠ ح ٣٢٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٩ ص ٢٦٥ باب ٨٧ ح ٣٨.

٣٠٧

إبراهيم عليه‌السلام فقال : لا تعبدوا الى الصورة والتماثيل فإنّ الله يبغضها ويبغض صانعها ، وجعل يحكّها بطرف ردائه.

فلمّا خرج قال لشيبة : اغلق ، ثمّ رفع رأسه فإذا هو بصنم على ظهر الكعبة فقال لعلي عليه‌السلام : يا عليّ كيف لي بهذا الصنم؟

فقال : يا رسول الله أنكبّ لك على أربع فارق على ظهري فتناوله.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ لو جهدت أمّتي من أوّلها الى آخرها أن يحملوا عضوا منّي ما قدروا على ذلك ، ولكن ادن منّي يا عليّ.

قال : فدنوت منه فضرب بيده الى ساقي فاقتلعني من الأرض وانتصب بي ، فإذا أنا على كتفيه ، وقال : يا عليّ سمّ وخذه. فأخذت الصنم فضربت به الأرض ، فبقيت ثلاثا.

فقال النبي عليه‌السلام : يا عليّ ما ترى وأنت على كتفي؟

قلت : خيرا فداك أبي وامّي يا رسول الله ، لو أردت أن أمسّ السماء بيدي لقدرت.

فقال : يا عليّ زادك الله شرفا ، ثمّ انحسر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تحتي ، فوقعت على الأرض ، فضحكت ، فقال لي : ما يضحكك يا عليّ؟

قلت : فداك أبي وامّي يا رسول الله وقعت من أعلى الكعبة الى الأرض فلم آلم.

فقال : يا عليّ كيف تألم وقد حملك محمّد وأنزلك جبريل (١).

وقال جابر بن عبد الله : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله جعل ذرية كلّ نبيّ من صلبه ، وأنّ الله جعل ذرية محمّد من صلب عليّ بن أبي طالب (٢).

وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبريل عليه‌السلام بدرنوك (٣) من الجنّة فجلست عليه ، فلمّا صرت بين يدي ربّي علّمني وناجاني ،

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ٨٦ باب ٦٠ ح ٦ ولم يرو صدر الحديث.

(٢) مناقب المغازلي : ص ٤٩ ح ٧٢.

(٣) الدرنوك : ستر له خمل وجمعه درانك. النهاية الأثيرية : ج ١ ص ١١٥.

٣٠٨

فما علّمني شيئا إلاّ علّمته عليّ بن أبي طالب ، فهو باب مدينة علمي. ثمّ دعاه إليه وقال له : يا عليّ سلمك سلمي ، وحربك حربي ، وأنت العالم العلم فيما بيني وبين أمّتي بعدي (١).

وقال أنس بن مالك : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما لأبي بكر وعمر : امضيا الى عليّ بن أبي طالب حتّى يحدّثكما ما كان منه في ليلته. وجاء النبيّ عليه‌السلام على أثرنا.

قال أنس : فمضيا ومضيت معهما ، فاستأذنا على عليّ عليه‌السلام ، فخرج إليهما ، فقال : يا أبا بكر حدث شيء؟

قال : لا ، بل قال لنا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : امضيا الى عليّ حتّى يحدّثكما ما كان منه في ليلته. وجاء النبيّ عليه‌السلام فقال : يا عليّ حدّثهما ما كان منك في ليلتك.

فقال : أستحي يا رسول الله.

فقال : حدّثهما انّ الله لا يستحي من الحقّ.

فقال عليّ عليه‌السلام : أردت الماء للطهارة فأصبحت وخفت أن تفوتني الصلاة ، فوجّهت الحسن في طريق والحسين في طريق في طلب الماء ، فأبطيا عليّ ، فأحزنني ذلك ، فرأيت السقف وقد انشقّ ونزل عليّ منه سطل مغطّى بمنديل ، فلمّا صار في الأرض نحّيت المنديل عنه وإذا فيه ماء ، فتطهّرت للصلاة واغتسلت وصلّيت ، ثمّ ارتفع السطل والمنديل ، والتأم السقف.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : أمّا السطل فمن الجنّة ، والماء من نهر الكوثر ، والمنديل فمن استبرق الجنّة ، من مثلك يا عليّ في ليلته وجبريل عليه‌السلام يخدمه (٢).

وقال أنس بن مالك : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ عليّ بن أبي طالب يضيء في الجنّة لأهل الجنّة كما يظهر كوكب الصبح لأهل الدنيا (٣).

وحدّث عكرمة عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه أنّه قال : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وصلّى أربع ركعات ثمّ رفع رأسه الى السماء وقال : اللهمّ سألك

__________________

(١) مناقب المغازلي : ص ٥٠ ح ٧٣.

(٢) مناقب ابن المغازلي : ص ٩٤ ح ١٣٩.

(٣) بحار الأنوار : ج ٤٠ ص ٧٦ باب ٩١ ح ١١٣.

٣٠٩

موسى بن عمران بأن تشرح له صدره وتيسّر له أمره وتحلل عقدة من لسانه وأن تجعل له وزيرا من أهله ، وأنّ محمّدا يسألك بأن تشرح لي صدري وتيسّر لي أمري وتحلل عقدة من لساني ليفقه قولي واجعل لي وزيرا من أهلي عليّا اشدد به أزري وأشركه في أمري.

قال ابن عبّاس : فسمعت مناديا ينادي : يا أحمد قد اوتيت ما سألت. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبا الحسن ارفع يديك الى السماء وادع ربّك وسل يعطك. فرفع يده إلى السماء وقال : اللهمّ اجعل لي عندك عهدا ، واجعل لي عندك ودّا. فأنزل الله تعالى على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا ) (١) فتلاها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أصحابه فتعجّبوا من ذلك. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ممّن تتعجّبون! إنّ القرآن أربعة أرباع : ربع فينا أهل البيت خاصّة ، وربع حلال وحرام ، وربع قصص ، وربع فرائض وأحكام ، وقد أنزل الله تعالى في عليّ كرائم القرآن (٢).

وحدّث سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعنا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام إذ جاء أعرابي فقال : يا رسول الله سمعتك تقول : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) [ من ] الذي يعتصم به؟ فضرب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على يد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وقال : بهذا تمسّكوا (٣).

وقال عليّ بن حوشب ، عن مكحول أنّه قال : لمّا نزلت هذه الآية : ( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (٤) قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهمّ اجعلها اذن عليّ. قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فما سمعت باذني شيئا فنسيته قطّ (٥).

وقال الأشج أبو عمرو عثمان : سمعت علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : لمّا نزلت ( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) قال لي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جعلها الله اذنك يا عليّ (٦).

__________________

(١) مريم : ٩٦.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٣٥٥ باب ١٤ ح ٦.

(٣) قريب منه ما رواه النعماني في كتاب الغيبة : الباب الثاني ص ٤٢.

(٤) الحاقة : ١٢.

(٥) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٣٢٩ باب ١١ ح ٨.

(٦) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٣٢٦ باب ١١ ح ٢ وص ٣٢٧ ح ٤ بأسانيد اخرى.

٣١٠

وقال مجاهد عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه في قوله عزّ وجلّ : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) (١) قال : سبق يوشع بن نون الى موسى عليهما‌السلام ، وسبق شمعون الصفا الى عيسى بن مريم عليهما‌السلام ، وسبق عليّ بن أبي طالب الى محمّد صلّى الله عليهما (٢).

حدّث الشيخ الواعظ أبو المجدين رشادة ، قال : حدّثني شيخي الإمام الغزالي رحمة الله عليه ، قال : لمّا انتهى الى النجاشي ملك الحبشة خبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأصحابه : إنّي مختبر هذا الرجل بهدايا ارسلها إليه. فأعدّ له تحفا فيها فصوص ياقوت وفصوص عقيق ، فلمّا وصلت الهدايا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسّمها على أصحابه ولم يأخذ لنفسه سوى فصّ عقيق أحمر وأعطاه لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقال له : يا عليّ امض فاكتب لي عليه ما احبّ سطرا واحدا : لا إله إلاّ الله. فمضى أمير المؤمنين عليه‌السلام وأعطاه للنقاش وقال له : اكتب عليه ما يحبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا إله إلاّ الله ، وما احبّ أنا : محمّد رسول الله سطرين. فلمّا جاء بالفصّ الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجده عليه ثلاث أسطر. فقال : يا علي أمرتك أن تكتب عليه سطرا واحدا كتبت عليه ثلاثة أسطر! فقال : وحقّك يا رسول الله ما أمرته أن يكتب عليه إلاّ ما أحببت : لا إله إلاّ الله ، وما أحببت أنا : محمّد رسول الله سطرين. فهبط جبرئيل عليه‌السلام وقال : يا محمّد ربّ العزّة يقرئ عليك السلام ويقول لك : أنت أمرت عليّا أن يكتب ما تحبّ ، وعليّ كتب ما يحبّ ، وأنا كتبت ما احبّ : عليّ ولي الله (٣).

حدّث الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحبّ أن يتمسّك بالقضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله عزّ وجلّ في جنّة عدن فليتمسّك بحبّ عليّ بن أبي طالب (٤).

وقال محمّد بن إسحاق : حدّثنا عبد الرحمن بن سهل ، عن أبي خيثمة ، عن أبيه أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان يوم القيامة ضرب الله تعالى لي عن يمين

__________________

(١) الواقعة : ١٠.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٣٣٣ باب ١٢ ح ٥.

(٣) قريب منه ما رواه المجلسي في بحار الأنوار : ج ٤٠ ص ٣٧ باب ٩١ ح ٧٢.

(٤) كشف الغمة : ج ١ ص ٩٠ ـ ٩١ مع اختلاف يسير.

٣١١

العرش قبّة من ذهب حمراء ، وضرب لإبراهيم عليه‌السلام قبّة من ذهب ، وضرب لعليّ بن أبي طالب قبّة من زبرجد خضراء ، فما ظنّك بحبيب بين خليلين (١)؟

وحدّث عدي بن ثابت قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المسجد وقال : إنّ الله عزّ وجلّ أوحى الى نبيّه موسى عليه‌السلام أن ابن لي مسجدا طاهرا لا يسكنه إلاّ موسى وهارون ، وإنّ الله قد أوحى إليّ أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلاّ أنا وعليّ وابنا عليّ عليهما‌السلام (٢) وسدّ أبواب الصحابة التي كانت الى المسجد وترك باب عليّ عليه‌السلام.

وحدّث جعفر بن محمّد ، عن أبيه : عن نافع مولى ابن عمر قال : قلت لابن عمر : من خير الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : ما أنت وذاك لا أمّ لك. ثمّ قال : أستغفر الله خيرهم بعده من كان يحلّ له ما كان يحلّ له ويحرم عليه ما يحرم عليه. قلت : من هو؟ قال : عليّ بن أبي طالب ، سدّ باب الصحابة وترك بابه ، وقال له : لك في هذا المسجد ما لي وعليك فيه ما عليّ ، وأنت وارثي ووصيّي ، تقضي ديني ، وتنجز عدتي ، وتقتل على سنّتي ، كذب من زعم أنّه يبغضك يا عليّ ويحبّني (٣).

وقال عبد الكريم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : جاع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جوعا شديدا فأتى الكعبة فأخذها بأشطرها وقال : اللهمّ لا تجع محمّدا أكثر ممّا أجعته قال : فهبط جبريل عليه‌السلام ومعه لوزة ، فقال له : إنّ الله تعالى يقرئ عليك السلام ويقول لك : فكّ عنها ، وإذا فيها ورقة خضراء مكتوب فيها : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أيّدته بعليّ ونصرته به ، ما أنصف من نفسه من اتّهمه في قضائه واستبطاه في رزقه (٤).

وحدّث سعيد بن طهمان القفرائي ، قال : سمعت أبا معاوية هشيما يقول :

__________________

(١) مناقب ابن المغازلي : ص ٢٢٠ ح ٢٦٦.

(٢) مناقب ابن المغازلي : ص ٢٥٢ ح ٣٠١ ، ص ٢٩٩ ، ح ٣٤٣.

(٣) بحار الأنوار : ج ٣٩ ص ٣٣ باب ٧٢ ح ١٢.

(٤) مناقب ابن المغازلي : ص ٢٠١ ح ٢٤٠ ، ميزان الاعتدال : ج ٣ ص ٥٤٩ رقم ٧٥٣٣ ، ينابيع المودة : ج ١ ص ١٣٦ الباب السادس والأربعون.

٣١٢

أدركت خطباء أهل الشام بواسط في زمن بني اميّة ، وكان إذا مات لهم ملك وقام مقامه آخر قام خطيبهم فذكر القائم فيهم ثمّ ذكر عليّ بن أبي طالب فسبّه ، فحضرت يوما في المسجد الجامع وقد قام خطيبهم فحمد الله وذكر القائم فيهم وذكر طاعتهم له وذكر عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فسبّه ، فدخل ثور من باب المسجد فشقّ الصفوف حتى صعد المنبر فوضع قرنيه في صدر الخطيب وألزقه بالحائط وعصره فقتله ، ثمّ نزل فشقّ راجعا شقّا وخرج لا يهيج أحدا ، فتبعوه الى دجلة ، فنزلها وعبر ، فنزلوا في السفن وعبروا خلفه ليعاينوه أين يمضي ، فصعد من الماء وفقدوه (١).

وقال حريث ، عن داود بن الشليلي ، عن أنس بن مالك أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يدخل من أمّتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ، ثمّ التفت الى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فقال له : هم من شيعتك وأنت إمامهم (٢).

وحدّث عبد الكريم ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليلة عرج بي الى ربّي عزّ وجلّ وصرت الى السماء الرابعة رأيت فيها قبّة مجوفة من لؤلؤة بيضاء يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها ، ذات شرف ، بين كلّ شرفتين مكتوب : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدنوت من القبّة فرأيت فيها سريرا من نور مرصّعا بأنواع الجواهر ، وإذا عليّ بن أبي طالب على ذلك السرير ، فقلت : يا جبرائيل هذا عليّ قد سبقني! قال : لا ، هذا ملك خلقه الله تعالى على صورة عليّ عليه‌السلام ، فإذا اشتاقت الملائكة الى عليّ عليه‌السلام نظرت الى هذا الملك ، فو الذي بعثك بالحقّ لو اجتمع أهل الأرض على محبّته كما اجتمع أهل السماء لما عذّب الله تعالى أحدهم بالنار.

وقيل : لمّا بلغ الحارث بن النعمان الفهري قيام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم وأخذه بيد عليّ عليه‌السلام وقوله فيه : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » أتى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في

__________________

(١) مناقب ابن المغازلي : ص ٣٩١ ح ٤٤٥.

(٢) مناقب ابن المغازلي : ص ٢٩٣ ح ٣٣٥ وفيه « داود بن سليك » بدل « داود بن الشليلي ».

٣١٣

ملأ من أصحابه فقال : يا رسول الله أمرتنا عن الله تعالى بأن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك محمّد رسول الله فقبلنا ، وأمرتنا بالحجّ فقبلنا ، ثمّ لم ترض حتى رفعت بضبع ابن عمّك ففضّلته علينا وقلت « من كنت مولاه فعليّ مولاه » فهذا شيء منك أو من الله عزّ وجلّ؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي لا إله غيره أنّه أمر من الله تعالى. فولّى الحارث يريد راحلته وهو يقول : ( إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) ، فلمّا ركب راحلته وخرج الى ظاهر المدينة رماه الله بحجر من السماء فسقط على هامته فخرج من دبره ، فوقع يفحص الأرض برجله.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجماعة من الصحابة : اخرجوا انظروا الى الحارث ما صنع الله به. فخرجوا إليه فوجدوه مطروحا يفحص الأرض برجله ، فقال واحد من الجماعة وقد رأى ضبّا : والله لولاية هذا الضبّ علينا أجود من ولاية عليّ بن أبي طالب ، ثمّ رجعوا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبروه خبر الحارث. فقال لهم : إنّه يأتي يوم القيامة قوم وإمامهم ضبّ (١).

حدّث أبو عمر عمر بن عبد الله بن شوذب ، قال : حدّثنا محمّد بن أحمد العسكري الدقّاق ، قال : حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدّثنا عبادة ، قال : حدّث عمر بن ثابت ، عن محمّد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس أنّه قال : كان عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام راكعا فجاءه مسكين فأعطاه خاتمه ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعطاك هذا الخاتم؟ فقال له : أعطاني هذا الراكع. فانزلت هذه الآية : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

وحدّث يحيى بن كثير ، عن أبي عوانة ، عن أبي الجارود ، عن زيد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنّه قال : أمرني

__________________

(١) انظر موسوعة الغدير : ج ١ ص ٢٣٩ ـ ٢٤٦ ح ١ ـ ٢٤ رواه بطرق مختلفة وهي قريبة ممّا ذكر في المتن.

(٢) مناقب ابن المغازلي : ص ٣١٣ ح ٣٥٧.

٣١٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقال زيد : وأيم الله لو أمره بقتال الرابعة لقاتلها (١).

وقال أبو عليّ بن هاشم ، عن عبد الله بن عمران أنّه قال : لمّا اتّصل بأمير المؤمنين عليه‌السلام أنّ الناس قالوا ما له لم ينازع أبا بكر وعمر وعثمان كما كان نازع طلحة والزبير وعائشة ، فخرج مغضبا ثمّ نادى الصلاة جامعة ، فلمّا اجتمع الناس قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبيّ فصلّى عليه وآله ، ثمّ قال : معاشر الناس بلغني عن قوم أنّهم قالوا ما له لم ينازع أبا بكر وعمر وعثمان كما نازع طلحة والزبير وعائشة؟ اعلموا أنّ لي في سبعة من أنبياء الله عزّ وجلّ اسوة :

أوّلهم : نوح عليه‌السلام حيث قال : ربيّ ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) (٢) فإن قلتم انّه ما كان مغلوبا فقد كذّبتم القرآن ، وإن كان ذلك كذلك فعليّ أعذر.

والثاني : إبراهيم عليه‌السلام حيث قال : ( وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) (٣) فإن قلتم إنّه اعتزلهم من غير مكروه فقد كذّبتم القرآن ، وإن قلتم بل رأى المكروه منهم فعليّ أعذر.

والثالث : لوط عليه‌السلام حيث قال لقومه : لو كان ( لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) (٤) فإن قلتم قد كانت له قوّة فقد كذّبتم القرآن ، وإن قلتم لم يكن له بهم قوّة فاعتزلهم فعليّ أعذر.

والرابع : يوسف عليه‌السلام حيث قال : ( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) (٥) فإن قلتم إنّه دعي من غير مكروه يسخط الله فقد كذّبتم القرآن [ وإن قلتم أنّه دعي الى مكروه يسخط الله ] فعليّ أعذر.

والخامس : موسى بن عمران عليه‌السلام حيث يقول : ( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه ومذكور بالمعنى ، راجع مناقب الخوارزمي : ص ١٨٩ ـ ١٩٤.

(٢) القمر : ١٠. الآية هكذا ، فدعا ربّه أنّى مغلوب فانتصر.

(٣) مريم : ٤٨.

(٤) هود : ١١٣.

(٥) يوسف : ٣٣.

٣١٥

فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (١) فإن قلتم إنّه فرّ منهم من غير خوف على نفسه فقد كذّبتم القرآن ، وإن قلتم إنّه فرّ منهم خوفا فعليّ أعذر.

والسادس : هارون عليه‌السلام حيث قال : ي ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ ) (٢) فإن قلتم إنّه لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كذّبتم القرآن ، وإن قلتم بل استضعفوه وأشرفوا على قتله فعليّ أعذر.

والسابع : محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث هرب الى الغار ، بل إن قلتم إنّه هرب من غير خوف أخافوه به فقد كذّبتم القرآن ، وإن قلتم بل أخافوه فلم يسعه إلاّ الهرب فعليّ أعذر.

فقال الناس بأجمعهم : صدق أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذا هو الحقّ ، والعذر واضح.

حدّث القاضي الأمير أبو عبد الله محمّد بن عليّ الجلابي المغازلي بواسط سنة أربعين وخمسمائة ، قال : حدّثني أبي ، قال : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن يعقوب الديّاس ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد بن مخلّد ، قال : حدّثنا جعفر بن حفص ، قال : حدّثنا سوادة بن محمّد ، قال : حدّثنا عبد الله بن صالح ، عن محمّد بن مسلم الانطاعي ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى الأنصاري ، عن عمّه حارثة بن زيد أنّه قال : شهدت مع عمر بن الخطّاب حجّته في خلافته فسمعته يقول : اللهمّ قد عرفت محبّتي لنبيّك وكنت تطلعه من سرّك (٣) ما صدّقناه عنك ، اللهمّ فحبّبني الى وصيّه وصاحب سرّه. فلمّا رآني أمسك ، وحفظت الكلام منه.

فلمّا انقضى الحجّ وانصرفنا الى المدينة تعمدت الخلوة به ، فرأيته يوما على راحلته يسير وحده ، فقلت له : يا أمير المؤمنين بالذي هو إليك أقرب من حبل الوريد إلاّ أخبرتني عمّا اريد أن اسألك عنه.

فقال : سل عمّا شئت.

فقلت له : سمعتك تقول كذا وتقول كذا ، فكأنّما فتّ في وجهه الرمّان.

فقلت له : لا تغضب فو الذي استنقذني من الجهالة وأدخلني في الإسلام ما

__________________

(١) الشعراء : ٢١.

(٢) الأعراف : ١٥٠.

(٣) كذا ، في البحار : اللهمّ قد تعلم جيئتي لبيتك وكنت مطّلعا من سترك.

٣١٦

أردت بما سألتك عنه إلاّ الله وحده لا شريك له.

فضحك وقال : يا حارثة دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد اشتدّ وجعه فأحببت الخلوة به ، وكان عنده العبّاس ، فجلست حتى نهض وتبيّن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أردت ، فالتفت إليّ وقال : يا عمر أردت أن تسألني لمن يصير هذا الأمر بعدي.

قلت : نعم يا رسول الله. فقال : هذا وصيّي من بعدي ، وهو خليفتي وكاتم سرّي ، من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى الله عزّ وجلّ ، ألا ومبغضه مبغضي ، ومبغضي مبغض الله ، يا علي والى الله من والاك وخذل من يخذلك. ثمّ علا بكاؤه ، فانهملت عبرته ، فجعلت آخذها بيدي وهي تنهدر على لحيته وعلى خدّه عليه‌السلام وأنا أمسح بيدي وجهه ، ثمّ التفت إليّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا عمر إذا نكث الناكثون وقسط القاسطون ومرق المارقون قام هذا مقامي حتى يفتح الله عليه وهو خير الفاتحين.

قال حارثة : فتعاظمني ذلك ، فقلت : يا عمر فقد فقدتموه وقد سمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال : يا حارثة بأمر كان ذلك.

قلت : بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بأمر عليّ عليه‌السلام؟

قال : بأمر عليّ (١).

حدّث الأعمش ، عن عتابة الأسدي أنّه قال : كان عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما جالسا بمكّة يحدّث الناس على شفير زمزم ، فلمّا انقضى حديثه نهض إليه رجل فسلّم عليه وقال : يا ابن عبّاس إنّي رجل من أهل الشام.

فقال ابن عبّاس : أعوان كلّ ظالم إلاّ من عصم الله منهم ، سل عمّا بدا لك.

قال : يا ابن عبّاس أسألك عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وقتله أهل لا إله إلاّ الله.

قال له ابن عبّاس : ثكلتك امّك سل عمّا يعنيك ودع ما لا يعنيك.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٠ ص ١٢١ باب ٩٢ ح ١١.

٣١٧

فقال الرجل : يا عبد الله ما جئت أضرب إليك من حمص لحجّة ولا لعمرة ولكن جئت لتشرح لي أمر عليّ بن أبي طالب.

فقال له : ويحك انّ علم العالم صعب لا يحتمل ولا تقربه القلوب ، أخبرك أنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كان في هذه الامّة كمثل موسى عليه‌السلام والعالم ، وذاك أنّ الله عزّ وجلّ قال في كتابه لموسى عليه‌السلام : ( إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) وقال عزّ وجلّ : ( وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ) فكان موسى عليه‌السلام يرى أن قد جمعت له الأشياء ، فلمّا انتهى موسى الى شاطئ البحر لقي العالم فاستنطقه ، فأقرّ له بفضل علمه ولم يحسده كما حسدتم أنتم عليّا عليه‌السلام. فقال له موسى ورغب إليه :

( هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ) فعلم العالم أنّ موسى لا يطيق صحبته ولا يصبر على علمه ، فقال له ( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ) قال له موسى عليه‌السلام واعتذر إليه : ( سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً ) فعلم العالم أنّ موسى لا يستطيع ولا يصبر على علمه ، فقال له : ( فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ) فركبا السفينة فخرقها العالم ، وكان خرقها لله رضى ، وأسخط ذلك موسى ، ووكز الغلام فقتله ، وكان قتله لله رضى ، وأسخط ذلك موسى ، وأقام الجدار ، وكانت إقامته لله رضى ، وأسخط ذلك موسى ، ولم يقتل عليّ عليه‌السلام إلاّ من كان قتله لله رضى وعند الناس من الجهّال خطأ.

ثمّ قال له : اجلس حتى اخبرك بالذي سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوّج النبيّ عليه‌السلام زينب بنت جحش وأولم ، وكان يدعو الناس عشرة عشرة من المؤمنين ، وكانوا إذا أصابوا من الطعام استأنسوا إلى حديث النبيّ عليه‌السلام واشتهوا النظر الى وجهه ، وكان النبيّ عليه‌السلام يشتهي أن يخفّفوا ليخلو منزله لأنّه كان قريب عهد بعرس ، وكان يحبّ زينب ويكره أذى المسلمين ، فأنزل الله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ

٣١٨

فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ ) فكان الناس إذا أصابوا من طعام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدروا عنه ولم يلبثوا أن يخرجوا ، فمكث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند زينب سبعة أيّام بلياليها ، ثمّ تحول الى أمّ سلمة رضي الله عنها بنت أبي اميّة ، وكانت ليلتها وصبيحتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا تعالى النهار جاء عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام الى الباب فدقّه ، فأنكرته أمّ سلمة ، فقال لها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أمّ سلمة قومي فافتحي الباب. فقالت : يا رسول الله من هذا الذي قد بلغ من حدّه الى أن ينظر إليّ فقال لها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو كهيئة المغضب : قومي وافتحي الباب فإنّ على الباب رجلا ليس بالنزق ولا بالعجل يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، يا أمّ سلمة إنّه آخذ بعضادتي الباب ولا يدخل حتى يختفي عليه الوطء. فقامت أمّ سلمة وهي لا تدري من بالباب إلاّ انّها قد حفظت النعت والمدح فمشيت نحو الباب وهي تقول : بخ بخ لرجل يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، وفتحت الباب فلم يدخل حتى رجعت الى خدرها ، ففتح الباب ودخل ، فسلّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال النبيّ : يا أمّ سلمة أتعرفينه؟ قالت : نعم هنيئا له هذا عليّ بن أبي طالب. قال : نعم لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي. يا أمّ سلمة اسمعي واشهدي هذا عليّ أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وعيبة علمي ، ونائبي الذي ما أحد أولى منه ، وخليفتي من بعدي ، وقريني في الآخرة ، ومعيني في السنام الأعلى ، اشهدي يا أمّ سلمة أنّه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

فقال الرجل : فرّجت عنّي يا ابن عبّاس أشهد أنّ عليّ بن أبي طالب مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه (١).

قال أبو بكر : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أيّها الناس إنّ الإسلام ستقطع عراه فلا يبقى منه إلاّ عروة واحدة كتاب الله المنزل وعترة نبيّه المرسل ، ألا وإنّه لا يدخل الجنّة إلاّ مؤمن ، وانّ هذه أيّام أكل وشرب وذكر الله.

__________________

(١) اليقين : ص ١٠٥ ـ ١٠٨ الباب الخامس والعشرون بعد المائة.

٣١٩

فقام إليه أبو ذر الغفاري رضي‌الله‌عنه فقال : يا رسول الله وما الإيمان؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الإيمان عريان لباسه التقوى ، وزينته الحياء ، ورأس ماله العفّة ، وعموده العمل الصالح ، ألا وإنّ للأشياء أساسا وأساس الإسلام أهل بيتي ، ألا أدلّكم على أمر إن تمسّكتم به لم تضلّوا بعدي؟

فقالوا : بلى يا رسول الله صلّى الله عليك.

قال : فأخذ بيدي عليّ عليه‌السلام وقال : هذا أخي ، وهو صاحبي ، والمؤدّي عنّي ديني ، وأكرم من أتركه بعدي ، فأحبّوه لحبّي وأكرموه لكرامتي ، فانّ جبرائيل أمرني بما أمرتكم به.

وقال عمّار بن ياسر رضي‌الله‌عنه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من آمن بي وصدّقني فليتمسّك بولاية عليّ بن أبي طالب (١) ، ومن تولاّه فقد تولاّني ، ومن أحبّه فقد أحبّني ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله فقد ادخل النار (٢).

وذكر صاحب كتاب الأجواد (٣) : أنّ الليلة التي بات فيها عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوحى الله عزّ وجلّ إلى جبرائيل وميكائيل عليهما‌السلام : إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة وأحبّاها. فأوحى الله تعالى إليهما : أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمّد نبيي فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا الى الأرض فاحفظاه من عدوّه. فكان جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجبرائيل ينادي : بخ بخ من مثلك يا ابن

__________________

(١) في الأصل زيادة : فقد تولاّه.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ١٣٩ باب ٦١ ح ١٠٠.

(٣) « كتاب الأجواد » لابي عبد الله محمّد بن زكريا بن دينار البصري الغلابي مولى بني غلاب قبيلة بالبصرة إمام اهل السير والتاريخ بها وكان أخباريا واسع العلم توفّي بها سنة ٣٩٨ ذكره النجاشي. الذريعة ج ١ ص ٢٧٥.

٣٢٠