الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي

الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

المؤلف:

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-064-3
الصفحات: ٨٣٢

الامّة رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم في سفال حتى يرجعوا إلى ملّة عبدة العجل » فقد ترك بنو اسرائيل هارون وعكفوا على العجل وهم يعلمون أنّ هارون خليفة موسى عليهما‌السلام ، وقد تركت الامّة عليّا عليه‌السلام وقد سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي عليه‌السلام : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير النبوّة فلا نبيّ بعدي » وقد هرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قومه وهو يدعوهم الى الله تعالى حتى فرّ الى الغار ، ولو وجد عليهم أعوانا ما هرب ، ولو وجدت أعوانا ما بايعتك يا معاوية ، وقد جعل الله تعالى هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلوه ولم يجد أعوانا عليهم ، وقد جعل الله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سعة حين فرّ من قريش ولم يجد أعوانا عليهم ، وكذلك أنا فإنّي في سعة من الله تعالى حين تركتني الامّة وبايعت غيري ولم أجد أعوانا ، وإنّما هي الئيض. (١) والأمثال يتبع بعضها بعضا. أيّها الناس إنّكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب أن تجدوا ولد نبيّ غيري وغير أخي الحسين لن تجدوا (٢).

سئل عليه‌السلام ما ذا سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قال : سمعته يقول لرجل : دع ما يريبك الى ما لا يريبك ، فإنّ الشرّ ريبة وإنّ الخير طمأنينة (٣).

وعقلت عنه عليه‌السلام أنّي بينما أنا أمشي الى جنب جرن (٤) من الصدقة ، فتناولت تمرة فألقيتها في فمي ، فأدخل اصبعه فأخرجها بلعابها وقال : إنّا آل محمّد لا تحلّ علينا صدقة (٥).

وعقلت عنه الصلوات الخمس. وعلّمني كلمات أقولهنّ عند انقضائهن وهي : اللهمّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولّنا فيمن تولّيت ، وبارك لنا فيما

__________________

(١) وآض يئيض أي رجع ( لسان العرب ٧ / ١١٦ ).

(٢) أمالي الطوسي : ج ٢ ص ١٧٤ نقلا بالمضمون.

(٣) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٣٩٤ ح ٤٠ ، وج ٣ ص ٣٣٠ ح ٢١٤ وليس فيهما عن الحسن عليه‌السلام.

(٤) جرن : موضع التمر الذي يجفف فيه ( لسان العرب ١٣ / ٨٧ ).

(٥) تاريخ اليعقوبي : ج ١ ص ٢٢٦ ، مسند أحمد بن حنبل : ج ١ ص ٢٠٠.

٥٠١

أعطيت ، وقنا شرّ ما قضيت ، إنّك تقضي ولا يقضى عليك ، إنّه لا يذلّ من واليت ، تباركت وتعاليت (١).

وقال أبو عبد الله الزبير بن بكّار : المنهزمين الذين بالبصرة كان أبوهم بالمدينة يشتم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال له الحسن عليه‌السلام : اسكت عن هذا واعطيك داري التي بالمصلّى. فقال : نعم فهي دارهم اليوم بالمصلّى. فترفّض أولاده ليدفعوا ما كان من أبيهم ، فهم اليوم بالبصرة على ذلك.

فصل

في معجزات الحسن عليه‌السلام

روي عن أبي سعيد الخدري أنّه قال : رأيت الحسن بن عليّ عليهما‌السلام وهو طفل والطير تظلّه ، ورأيته يدعو الطير فتجيبه.

وقال ثقيف البكّاء : رأيت الحسن بن عليّ عليهما‌السلام عند منصرفه من معاوية وقد دخل عليه حجر بن عدي فقال : السلام عليك يا مذلّ المؤمنين. فقال له : ما كنت مذلّهم ، بل أنا معزّ المؤمنين ، وإنّما أردت البقيا عليهم. ثمّ ضرب برجله في فسطاطه فأرانا في ظهر الكوفة وقد خرج الى دمشق ومضى حتى رأينا عمرو بن العاص بمصر ومعاوية بدمشق ، فقال : لو شئت لنزعتهما ولكن هاه هاه مضى محمّد على منهاج وعليّ على منهاج وأنا اخالفهما ، لا يكون ذلك منّي (٢).

وحدّث الأعمش بن مسروق ، عن جابر ، قال : قلت للحسن بن عليّ عليهما‌السلام : احبّ أن تريني معجزة نتحدّث بها عنك ونحن في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضرب برجله الأرض حتى أراني البحور وما يجري فيها من السفن ، ثمّ أخرج منها سمكا فأعطانيه فقلت لابني محمّد : احمل الى المنزل ، فحمل وأكلنا منه ثلاثا (٣).

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل : ج ١ ص ١٩٩.

(٢) دلائل الإمامة : ص ٦٤.

(٣) دلائل الإمامة : ص ٦٥.

٥٠٢

وحدّث إبراهيم بن كثير بن محمّد بن جبرئيل الشيباني ، قال : رأيت الحسن بن عليّ عليهما‌السلام وقد استسقى ماء فأبطأ عليه الرسول ، فاستخرج من سارية المسجد ماء فشرب وسقى أصحابه. ثمّ قال : لو شئت لسقيتكم لبنا وعسلا. قلنا : فاسقنا. فسقانا لبنا وعسلا من سارية مقابلة الروضة التي فيها قبر فاطمة عليها‌السلام (١).

وقال إبراهيم بن سعيد : سمعت محمّد بن إسحاق يقول : كان الحسن والحسين عليهما‌السلام طفلين يلعبان فرأيت الحسن وقد صاح بنخلة فأجابته بالتلبية ، وسعت إليه كما يسعى الولد الى والده (٢).

وحدّث الأعمش عن كثير بن سلمة ، قال : رأيت الحسن عليه‌السلام في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أخرج من صخرة عسلا ماذيّا ، فأتينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرناه. فقال : أتنكرون لا بني هذا أنّه سيّد وابن سيّد يصلح الله به بين فئتين ويطيعه أهل السماء في سمائهم وأهل الأرض في أرضهم (٣).

وحدّث مجاهد ، عن الأشعث أنّه قال : كنت مع الحسن بن عليّ عليهما‌السلام حين حوصر عثمان في الدار ، فأرسله أبوه ليدخل عليه الماء ، فقال لي : يا أشعث الساعة يدخل عليه من يقتله وأنّه لا يمسي. فكان كذلك ما أمسى يومه ذلك (٤).

وروى أبو اسامة زيد الشحّام ، عن أبي عبد الله ، قال : خرج الحسن بن عليّ عليهما‌السلام الى مكّة سنة من السنين فورمت قدماه ، فقال له بعض مواليه : لو ركبت لسكن عنك هذا الورم الذي برجليك فقال : كلاّ إذا أتينا المنزل يستقبلك أسود معه دهن لهذا الورم فاشتره منه ولا تماكسه. فقال مولاه : بأبي أنت وامّي ليس قدّامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء. قال : بلى انّه أمامك دون المنزل ، فسار أميالا فإذا الأسود ، فأتاه الغلام ، فقال الأسود : يا غلام لمن تريد هذا الدهن؟ قال : للحسن بن عليّ عليهما‌السلام. فقال : انطلق بي إليه. فأخذ بيده حتى أدخله عليه ، فقال : بأبي أنت وامّي لم أعلم أنّك تحتاج إليه ، ولا أنّه دواء لك ، ولست آخذ له ثمنا إنّما أنا مولاك ،

__________________

(١) دلائل الإمامة : ص ٦٦.

(٢) دلائل الإمامة : ص ٦٣.

(٣) دلائل الإمامة : ص ٦٤.

(٤) دلائل الإمامة : ص ٦٥.

٥٠٣

ولكن ادع أن يرزقني ذكرا سويّا يحبّكم أهل البيت فإنّي خلّفت امرأتي وقد أخذها الطلق فقال : انطلق الى منزلك فإنّ الله قد وهب لك ذكرا سويّا وهو لنا شيعة. فرجع الأسود من فوره فإذا أهله قد وضعت غلاما ، فرجع الى الحسن فأخبره بذلك ، ومسح الحسن رجليه بذلك الدهن فسكن ما به (١).

فصل

في كلام الحسن عليه‌السلام

حدّث عبد الله بن محمّد بن عبد الوهّاب ، قال : حدّثنا أحمد بن الفضل ، قال : حدّثنا عيسى الهمداني ، قال : حدّثنا مسلم الثقفي عن حبّة العرني ، قال : طعن أقوام من أهل الكوفة في الحسن بن عليّ عليه‌السلام فقالوا : إنّه لا يقوم بحجّة. فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام فدعا الحسن عليه‌السلام فقال له : يا بن رسول الله إنّ أهل الكوفة قد قالوا فيك مقالة اكرهها. قال : وما يقولون يا أمير المؤمنين؟ قال : يقولون إنّ الحسن بن عليّ عيّ اللسان لا يقوم بحجّة ، فاعل هذه الأعواد وأخبر الناس. فقال : يا أمير المؤمنين لا أستطيع الكلام وأنا أنظر إليك. فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّي متخلّف عنك فناد أنّ الصلاة جامعة ، فاجتمع المسلمون ، فصعد عليه‌السلام المنبر فخطب خطبة بليغة وجيزة ، فضجّ المسلمون بالبكاء ثمّ قال : أيّها الناس اعقلوا عن ربّكم ، إنّ الله عزّ وجلّ اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم ، فنحن الذرّية من آدم ، والاسرة من نوح ، والصفوة من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والآل من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن فيكم كالسماء المرفوعة والأرض المدحوّة ، وكالشمس الضاحية ، وكالشجرة الزيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة التي بورك زيتها ، النبيّ أصلها ، وعليّ فرعها ، ونحن والله ثمر تلك الشجرة ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومن تخلّف عنا فإلى النار هوى.

__________________

(١) دلائل الإمامة : ص ٦٨.

٥٠٤

فقام أمير المؤمنين عليه‌السلام من أقصى الناس يسحب رداءه من خلفه حتى علا المنبر مع الحسن عليه‌السلام فقبّل بين عينيه ثمّ قال : يا ابن رسول الله أثبتّ على القوم حجّتك ، وأوجبت عليهم طاعتك ، فويل لمن خالفك (١).

وقيل : سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنه الحسن عليه‌السلام فقال : يا بني ما العقل؟ قال : حفظ قلبك ما استودعته. قال : فما الحزم؟ قال : أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك. قال : فما المجد؟ قال : حمل المغارم وإيتاء المكارم. قال : فما السماحة؟ قال : إجابة السائل وبذل النائل. قال : فما الشحّ؟ قال : أن ترى القليل سرفا وما أنفقت تلفا. قال : فما الرقّة؟ قال : طلب اليسير ومنع الحقير. قال : فما الكلفة؟ قال : التمسّك بمن لا يواتيك والنظر فيما لا يعنيك. قال : فما الجهل؟ قال : سرعة الوثوب على الفرصة قبل الاستمكان منها ، والامتناع عن الجواب ، ونعم العون الصمت في مواطن كثيرة وإن كنت فصيحا (٢).

وقال عليه‌السلام : ما فتح الله عزّ وجلّ على أحد باب مسألة فخزن عنه باب الإجابة ، ولا فتح لعبد باب عمل فخزن عنه باب القبول ، ولا فتح لعبد باب شكر فخزن عنه باب المزيد (٣).

وقال عليه‌السلام : إنّ الله تعالى أدّب نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحسن الأدب فقال : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ) (٤) فلمّا وعى الذي أمره قال تعالى : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٥).

فقال لجبرائيل عليه‌السلام : وما العفو؟

قال : أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك ، وتعف عمّن ظلمك. فلمّا فعل

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٣٥٨ باب ١٧ من تاريخ الإمام الحسن عليه‌السلام ح ٣٧ نقلا عن كتاب العدد ( مخطوط ).

(٢) معاني الأخبار : ص ٤٠١ باب نوادر المعاني ح ٦٢.

(٣) بحار الأنوار : ج ٧٨ ص ١١٣ باب ١٩ ح ٧ نقلا عن كتاب العدد ( مخطوط ).

(٤) الأعراف : ١٩٩.

(٥) الحشر : ٧.

٥٠٥

ذلك أوحى الله تعالى له : ( إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (١) (٢).

وقال الحارث الأعور : إنّ عليّا عليه‌السلام سأل ابنه الحسن عليه‌السلام عن أشياء من أمر المروّة. فقال : يا بنيّ ما السداد؟ قال : السداد دفع المنكر بالمعروف. قال : فما الشرف؟ قال : اصطناع العشيرة (٣) وحمل الجريرة (٤). قال : فما المروّة؟ قال : العفاف وإصلاح المرء حاله. قال : فما الرقّة؟ قال : النظر في اليسير ومنع الحقير. قال : فما اللؤم (٥)؟ قال : إحراز المرء نفسه وبذل عرسه. قال : فما السماحة؟ قال : البذل في اليسر والعسر. قال : فما الشحّ؟ قال : أن ترى ما في يدك سرفا وما أنفقته تلفا. قال : فما الإخاء؟ قال : الوفاء في الشدّة والرخاء. قال : فما الجبن؟ قال : الجرأة على الصديق والنكول عن العدوّ. قال : فما الغنيمة؟ قال : المرغّبة في التقوى والزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة. قال : فما الحلم؟ قال : كظم الغيظ وملك النفس. قال : فما الغنى؟ قال : رضى النفس بما قسّم الله عزّ وجلّ لها وإن قلّ. فإنّما الغنى غنى النفس. قال : فما الفقر؟ قال : شره النفس في كلّ شيء. قال : شره النفس في كلّ شيء. قال : فما المنعة (٦)؟ قال : شدّة البأس ومنازعة أشدّ الناس. قال : فما الذلّ؟ قال : الفزع عند الصدوقة (٧). قال : فما الجرأة؟ قال : موافقة الأقران قال : فما الكلفة؟ قال : كلامك فيما لا يعنيك. قال : فما المجد؟ قال : تعطي في العدم وأن تعفو عن الجرم. قال : فما العقل؟ قال : حفظ القلب كلّما استرعيته. قال : فما الخرق؟ قال : معاداتك لإمامك ورفعك عليه كلامك. قال : فما السناء (٨)؟ قال : إتيان الجميل وترك القبيح قال : فما الحزم؟ قال : طول الأناة ، والرفق بالولاة ، والاحتراس من الناس بسوء الظنّ هي الحزم. قال : فما السترة (٩)؟ قال : مرافقة الإخوان ، وحفظ الجيران. قال : فما السفه؟ قال : اتّباع الدناءة

__________________

(١) القلم : ٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ٧٨ ص ١١٤ باب ١٩ ح ١٠ نقلا عن كتاب العدد.

(٣) اصطناع العشيرة : الإحسان إليهم.

(٤) الجريرة : الذنب والجناية.

(٥) اللؤم : مصدر من لؤم الرجل لؤما وملامة : ومن كان دني الأصل شحيح النفس فهو لئيم.

(٦) المنعة : العزّ والقوة.

(٧) المصدوقة خ ل. والمصدوقة : الصدق.

(٨) السناء : الرفعة.

(٩) كذا ، وفي تحف العقول : فما الشرف.

٥٠٦

ومصاحبة الغواة. قال : فما الغفلة؟ قال : تركك المسجد وطاعتك المفسد. قال : فما الحرمان؟ قال : تركك حظّك وقد عرض عليك قال : فما السيّد (١)؟ قال : السيّد الأحمق في ماله المتهاون في عرضه ، يشتم فلا يجيب ، المتحزّم بأمر عشيرته هو السيّد (٢).

قال : ثمّ قال عليّ عليه‌السلام : يا بنيّ سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لا فقر أشدّ من الجهل ، ولا مال أعود من العقل ، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا عقل كالتدبير ، ولا حسب كحسن الخلق ، ولا ورع كالكفّ عن محارم الله ، ولا عبادة كالتفكّر ، ولا إيمان كالحياء والصبر ، آفة الحديث الكذب ، وآفة العلم النسيان ، وآفة الحلم السفه ، وآفة العبادة الفترة ، وآفة الظرف الصلف (٣) ، وآفة الشجاعة البغي ، وآفة السماحة المنّ ، وآفة الجمال الخيلاء ، وآفة الحسب الفخر (٤).

يا بنيّ لا تستخفنّ برجل تراه أبدا ، فإن كان أكبر منك فعدّ أنّه أبوك ، وإن كان مثلك فهو أخوك ، وإن كان أصغر منك فاحسب أنّه ابنك والسلام.

وحدّث أبو الطفيل عامر بن واثلة ، قال : خطبنا الحسن بن عليّ عليهما‌السلام بعد وفاة أمير المؤمنين عليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ تلا : ( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ) (٥) ثمّ أخذ في كتاب الله عزّ وجلّ ثمّ قال : أيّها الناس أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي الى الله بإذنه ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين ، أنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، أنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل ينزل فيهم ويعرج

__________________

(١) كذا ، وفي تحف العقول : ما السفاه؟ قال : الأحمق في ماله المتهاون في عرضه.

(٢) تحف العقول : ص ٢٢٥ مع اختلاف وتقديم وتأخير.

(٣) الظرف ـ بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء ككتف ـ أي البليغ. والصلف ـ بفتح الصاد واللام ـ هو الغلو في الظرف والزيادة على المقدار مع تكبّر.

(٤) الى هنا في تحف العقول : ص ٦.

(٥) يوسف : ٣٨.

٥٠٧

منهم ، أنا من أهل البيت الذين افترض الله عزّ وجلّ ولايتهم ومودّتهم فقال عزّ وجلّ فيما انزل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) (١) فالحسنة مودّتنا أهل البيت. ثمّ جلس (٢).

وكتب الحسن بن عليّ عليهما‌السلام الى معاوية : أمّا بعد فإنّك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال ، وأرصدت العيون كأنّك تحبّ اللقاء ، وما أوشك ذلك ، فتوقّعه إن شاء الله تعالى ، وبلغني أنّك تشمت بما لا يشمت به ذوو الحجى ، وإنّما مثلك في ذلك كما قال الأوّل :

فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى

تجهّز لاخرى مثلها فكان قد

فإنّا ومن قد مات منّا لكالذي

يروح ويمسي في المبيت ويغتدي (٣).

كتب الحسن البصري الى الحسن بن عليّ عليهما‌السلام : أمّا بعد فأنتم أهل بيت النبوّة ، ومعدن الحكمة ، وأنّ الله تعالى جعلكم الفلك الجارية في اللجج الغامرة ، يلجأ إليكم اللاجئ ، ويعتصم بحبلكم القالي ، من اقتدى بكم اهتدى ونجا ، ومن تخلّف عنكم هلك وغوى ، وأنّي كتبت إليك عند الحيرة واختلاف من الامة في القدر ، فتقضي إلينا ما أقضاه الله إليكم أهل البيت فنأخذ به.

فكتب إليه الحسن بن عليّ عليهما‌السلام : أمّا بعد فإنّا أهل بيت كما ذكرت عند الله وعند أوليائه ، فأمّا عندك وعند أصحابك فلو كنّا كما ذكرت ما تقدّمتمونا ولا استبدلتم بنا غيرنا ، ولعمري لقد ضرب الله مثلكم في كتابه حيث يقول : ( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) (٤) هذا لأولئك فيما سألوا ولكم فيما استبدلتم ، ولو لا ما اريده من الاحتجاج عليك وعلى أصحابك ما كتبت إليك بشيء ممّا نحن عليه ، ولئن وصل كتابي إليك لتجدنّ الحجّة عليك وعلى أصحابك مؤكّدة حيث يقول الله عزّ وجلّ : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٥) فاتّبع ما كتبت إليك في القدر ،

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) تفسير فرات : ص ٧٢.

(٣) الإرشاد : ص ١٨٨ ـ ١٨٩.

(٤) البقرة : ٦١.

(٥) يونس : ٣٥.

٥٠٨

فانّه من لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه فقد كفر ، ومن حمل المعاصي على الله فقد فجر ، إنّ الله عزّ وجلّ لا يطاع بإكراه ، ولا يعصى بغلبة ، ولا يهمل العباد من الملكة ، ولكنّه المالك لما ملّكهم ، والقادر على ما أقدرهم ، فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن عنهم صادّا مثبّطا ، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ما ائتمروا به فعل وإن لم يفعل فليس هو جبلهم عليها ولا كلّفهم إيّاها جبرا ، بل تمكينه إيّاهم وإعذاره إليهم طرقهم ومكّنهم ، فجعل لهم السبيل إلى أخذ ما أمرهم وترك ما نهاهم عنه ، ووضع التكليف عن أهل النقصان والزمانة والسلام (١).

وقيل : لمّا فرغ عليّ عليه‌السلام من الجمل عرض له مرض وحضرت الجمعة فتأخّر عنها وقال لابنه الحسن عليهما‌السلام : انطلق يا بنيّ فجمّع بالناس.

فأقبل الحسن عليه‌السلام الى المسجد فلمّا استقلّ على المنبر حمد الله وأثنى عليه وتشهّد وصلّى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ قال : أيّها الناس إنّ الله اختارنا بالنبوّة ، واصطفانا على خلقه ، وأنزل علينا كتابه ووحيه ، وأيم الله لا ينتقصنا أحد من حقّنا شيئا إلاّ ينقصه الله في عاجل دنياه وآجل آخرته ، ولا يكون علينا دولة إلاّ كانت لنا العاقبة ، ولتعلمنّ نبأه بعد حين (٢).

قال محمّد بن مسلم : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كتب الى الحسن بن عليّ عليهما‌السلام قوم من أصحابه يعزّونه عن ابنة له ، فكتب إليهم : أمّا بعد فقد بلغني كتابكم تعزّونني بفلانة ، فعند الله احتسبها تسليما بقضائه ، وصبرا على بلائه ، فإن أوجعتنا المصائب (٣) ، وفجعتنا النوائب بالأحبّة المألوفة التي كانت بنا حفيّة (٤) ، والإخوان المحبّين الذين كان يسرّ بهم الناظرون ، وتقرّبهم العيون ، أضحوا قد اخترمتهم (٥)

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠ ص ١٣٦ باب ٩ ح ٣ نقلا عن كتاب العدد.

(٢) أمالي الطوسي : ج ١ ص ٨٠ ـ ٨١.

(٣) فجعته المصيبة : أي أوجعته ، وكذلك التفجّع.

(٤) الحفاوة : المبالغة في السؤال عن الرجل والعناية في أمره.

(٥) اخترمهم الدهر : أي اقتطعهم واستأصلهم.

٥٠٩

الأيّام ونزل بهم الحمام (١) ، فخلفوا الخلوف (٢) ، وأودت بهم الحتوف (٣) ، فهم صرعى في عساكر الموتى ، متجاورون في غير محلّة (٤) التجاور ، ولا صلة بينهم ولا تزاور ، ولا يتلاقون عن قرب جوارهم (٥) ، وأجسامهم نائية من أهلها ، خالية من أربابها ، قد أخشعها (٦) إخوانها ، فلم أر مثل دارها دارا ، ولا مثل قرارها قرارا ، في بيوت موحشة ، وحلول (٧) مخضعة ، قد صارت في تلك الديار الموحشة ، وخرجت عن الدار المؤنسة ، فارقتها عن غير قلى (٨) ، فاستودعتها البلاء ، فكانت أمة مملوكة ، سلكت سبيلا مسلوكة ، صار إليها الأوّلون ، وسيصير إليها الآخرون ، والسلام (٩).

وقال عليه‌السلام وقد خطب الناس بعد البيعة له بالأمر ، فقال : نحن حزب الله الغالبون ، وعترة رسوله الأقربون ، وأهل بيته الطيّبون الطاهرون ، وأحد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمّته ، والثاني كتاب الله فيه تفصيل كلّ شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فالمعوّل علينا في تفسيره لانتظنّا (١٠) تأويله بل نتيقن حقائقه ، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة ، إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة ، قال الله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ

__________________

(١) الحمام : بالكسر قدر الموت.

(٢) الخلف : بالتحريك والسكون كلّ من يجيء بعد من مضى إلاّ أنّه بالتحريك في الخير وبالتسكين في الشر. والخلوف : جمع خلف.

(٣) أودى به الموت : ذهب به. والحتوف : بالضمّ جمع الحتف وهو الموت.

(٤) كذا ، والظاهر : غير محل التجاور.

(٥) « عن قرب جوارهم » لعلّها للتعليل ، أي لا يقع منهم الملاقاة الناشئة عن قرب الجوار ، بل أرواحهم يتزاورون بحسب درجاتهم وكمالاتهم.

(٦) كذا في النسخة وفي أكثر نسخ المصدر ، وهو لا يناسب المقام ، وفي بعض نسخ البحار بالجيم ، والجشع : الجزع لفراق الأحبّة.

(٧) الحلول : بالضمّ جمع حالّ ، من قولهم حلّ بالمكان أي نزل فيه.

(٨) القلى : بالكسر البغض.

(٩) أمالي الطوسي : ج ١ ص ٢٠٥ المجلس السابع ح ٤٧.

(١٠) لانتظرنا ( خ ل ).

٥١٠

وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) (١) ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٢) واحذّركم الإصغاء لهتاف الشيطان فإنّه لكم عدوّ مبين ، ولا تكونوا كأوليائه الذين قال لهم : ( لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ ) (٣) فيلقون إلى الرماح وزرا ، وإلى السيوف جزرا ، وللعمد حطما ، وللسهام عرضا ، ثم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا (٤).

فصل

في ذكر وفاة الحسن بن عليّ عليهما‌السلام

وكان سبب وفاته أنّ معاوية سمّه مرارا فلم يعمل فيه السمّ ، فأرسل الى امرأته جعدة ابنة محمّد (٥) بن الأشعث بن قيس الكندي وبذل لها عشرين ألف دينار وإقطاع عشر ضياع من شعب سوراء وسواد الكوفة وضمن لها أن يزوّجها يزيد ابنه ، فسقت الحسن عليه‌السلام السمّ في برادة الذهب في السويق المقنّد ، فلمّا استحكم فيه السمّ قاء كبده في الطشت.

ودخل عليه أخوه الحسين عليهما‌السلام فقال : كيف أنت يا أخي؟ فقال : كيف يكون من قاء (٦) كبده في الطشت ، ولقد سقيت السمّ مرارا ما سقيته مثل هذه المرّة. فقال له أخوه الحسين عليه‌السلام : ومن سقاكه؟ فقال : وما تريد منه؟ أتريد قتله؟! إن يك هو هو فالله أشدّ نقمة منك ، وإن لم يكن هو فما احبّ أن يؤخذ بي بريء (٧).

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) النساء : ٨٣.

(٣) الأنفال : ٤٨.

(٤) أمالي الطوسي : ج ١ ص ١٢١ المجلس الخامس ح ١.

(٥) كذا والمعروف بنت الأشعث.

(٦) في الأصل : قلب.

(٧) الإرشاد : ص ١٩٢.

٥١١

قال : فلمّا حضرته الوفاة قال عليه‌السلام لأخيه الحسين عليهما‌السلام : إذا قضيت فغمّضني ، وغسّلني ، وكفّنّي ، واحملني على سريري الى قبر جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاجدّد به عهدا ، ثمّ ردّني الى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد رحمة الله عليها فادفنّي هناك ، وستعلم يا ابن أمّ إنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيجلبون في منعكم عن ذلك ، وبالله اقسم عليك أن تهرق في أمري محجمة دم (١).

ثمّ وصّى عليه‌السلام إليه بأهله وولده وتركاته وبما كان وصّى به أمير المؤمنين عليه‌السلام حين استخلفه وأهله بالإمامة ، ودلّ شيعته على استخلافه ونصبه لهم علما من بعده.

فلمّا مضى عليه‌السلام لسبيله غسّله الحسين عليه‌السلام وكفّنه وحمله على سريره ولم يشكّ مروان بن الحكم طريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في أنّه يريد دفنه عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوافى مسرعا على بغلة حتى دخل على عائشة وقال لها : يا أمّ المؤمنين إنّ الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن عند قبر جدّه ، ولئن دفنه عنده ليذهبنّ فخر أبيك وصاحبه الى يوم القيامة. فقالت له : فما أصنع يا مروان؟ قال : تلحقين به وتمنعينه من الدخول إليه. قالت : فكيف ألحقه؟ قال : هذا بغلي فاركبيه والحقي القوم. فنزل لها عن بغله وركبته وأسرعت الى القوم ، وكانت أوّل امرأة ركبت السرج هي ، فلحقتهم وقد صاروا الى حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرمت بنفسها بين القوم والقبر وقالت : والله لا يدفن الحسن هاهنا أو يحلق هذه وأخرجت ناصيتها بيدها.

وكان مروان لمّا ركبت بغلته جمع كلّ من كان عنده من بني اميّة وحشّمهم وأقبل هو وأصحابه وهو يقول : يا ربّ هيجاء هي خير من دعة ، أيدفن عثمان في أقصى البقيع ويدفن الحسن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السلاح.

وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبني اميّة ، وعائشة تقول : والله لا يدخل

__________________

(١) الخرائج والجرائح : ج ١ ص ٢٤٢ ح ٨.

٥١٢

داري من أكره. فقال لها الحسين عليه‌السلام : هذه دار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنت حشية من تسع حشايا خلّفهنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّما نصيبك من الدار موضع قدميك. ثمّ بادر ابن عبّاس رضي الله عنهما الى مروان فقال : ارجع يا مروان من حيث جئت فإنّا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنّا نريد أن يجدّد به عهدا بزيارته ثمّ نردّه الى جدّته فاطمة بنت أسد فندفنه عندها بوصيّته بذلك ، ولو كان وصّى بدفنه مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلمت أنّك أقصر باعا من ردّنا عن ذلك ، لكنّه عليه‌السلام كان أعلم بالله ورسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره ودخل بيته بغير إذنه. ثمّ أقبل على عائشة فقال لها : وا سوأتاه يوما على بغل ويوما على جمل ، تريدين أن تطفئي نور الله وتقاتلي أولياء الله ، ارجعي فقد كفيت الذي تخافين ، وبلغت الذي تحبّين ، والله تعالى منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين.

قال الحسين عليه‌السلام : والله لو لا عهد الحسن إليّ بحقن الدماء وأن لا اهرق في أمره محجمة من دم لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها ، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم ، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا.

ومضوا بالحسن عليه‌السلام حتّى دفنوه بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها (١).

وكانت مدّة مرض الحسن عليه‌السلام أربعين يوما.

وقال الأعمش ، عن سالم بن الجعد ، قال : حدّثني رجل منّا ، قال : أتيت الحسن بن عليّ عليهما‌السلام فقلت له : يا ابن رسول الله أذللت رقابنا وجعلتنا بعد الشيعة (٢) عبيدا ما بقي معك رجل. قال : وممّ ذلك؟ قلت : بتسليمك الأمر لهذا الطاغية. قال : والله ما سلّمت الأمر إليه إلاّ لأنّي لم أجد ناصرا ، ولو أجد ناصرا لقاتلته ليلي ونهاري حتّى يحكم الله بيني وبينه ، ولكنّي عرفت أهل الكوفة وبلوتهم وأنّه لا يصلح منهم ما كان فاسدا وأنّهم لا وفاء لهم ولا ذمّة في قول ولا فعل ، أنّهم لمختلفون ، وتقولون لنا إنّ قلوبهم معنا وإنّ سيوفهم لمشهورة علينا.

__________________

(١) الإرشاد : ص ١٩٢ ـ ١٩٣.

(٢) كذا ، وفي الاحتجاج : معشر الشيعة.

٥١٣

قال : وهمّ أن يكلّمني إذ تنخّع الدم ، فدعا بطشت فحمل بين يديه وهو ملآن ممّا خرج من جوفه من الدم. فقلت له : ما هذا يا ابن رسول الله إنّى أراك وجعا؟ قال : أجل دسّ عليّ هذا الطاغية من سقاني سمّا ، وقد وقع على كبدي فهي تخرج قطعا كما ترى. فقلت : ألا تتداوى له؟ فقال : قد سقاني مرّتين وهذه الثالثة لا أجد لها دواء ، ولقد أومأ إليّ أنّه أرسل الى ملك الروم يسأله أن يوجّه له من السمّ القاتل شربة. فكتب إليه أنّه لا يسوغ لنا في ديننا أن نعين على قتل من لا يقاتلنا. فكتب إليه : إنّ ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة قد خرج بطلب ملك أبيه وأنا اريد أن أدسّ عليه من يسقيه ذلك فاريح العباد والبلاد منه. ووجّه إليه بهدايا وألطاف. فوجّه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دسّ بها فسقيتها (١).

وروي أنّ قثم بن عبّاس رضي الله عنهما وفد على معاوية فأطال عنده المكث ، ثمّ دخل عليه يوما فرأى وجه معاوية يتهلّل بالسرور والبشرى ووجوه أهله وهو ظاهر عليهم ، فلمّا جلس ابن عبّاس رضي الله عنهما قال له معاوية : أتدري يا ابن عبّاس ما حدث في أهلك؟ قال : الله العالم غير أنّي أرى السرور في وجهك ووجوه جلسائك وأهلك ، فما هو؟ فقال : مات الحسن بن عليّ. فقال له ابن عبّاس : ما زاد ما نقص من أجله في عمرك ، ولا سدّ حفرتك ، ولقد رزيناه بأعظم رزيّة بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما ضيّعنا الله بعده ، وو الله لا دخلت المدينة بعده أبدا. وقام فخرج كئيبا محزونا. ثمّ دخل بعد ذلك الى معاوية فقال له : تدري ما حدث في أهلك. قال : الله أعلم. قال : مات اسامة. فنهض من عنده وهو يقول :

أصبح اليوم ابن هند شامتا

يظهر الفرحة إذ مات الحسن

لست بالباقي فلا تشمت به

كلّ حيّ للمنايا مرتهن

سوف يبدو في الموازين غدا

منكم من فاز منها بالغين

__________________

(١) الاحتجاج : ص ٢٩١ ـ ٢٩٢.

٥١٤

رحم الله عليّا انّه

طالما أشجى ابن هند وأرن (١)

فاربع اليوم ابن هند إنمّا

إنمّا نغمض بالعين السمن

ثمّ أتى منزله وقال : والله لئن جلست لهذا المنافق لينعى إليّ في كلّ يوم رجلا من أهلي وأهل بيتي ويظهر شماتته ، ثمّ استأذن في الانصراف ، فأحضره معاوية وأكرمه وقرّبه وأجلسه معه على السرير وقضى حوائجه وأحسن جائزته وصلته وألحقه بأهله. وكانت وفاته سنة تسع وأربعين.

[ صفة الحسن عليه‌السلام ]

وحدّث عن أحمد بن محمّد بن أيّوب المغيريّ أنّه قال : كان الحسن عليه‌السلام أبيض مشربا حمرة ، أدعج العينين (٢) ، سهل الخدّين ، دقيق المسربة (٣) ، كثّ اللحية ، ذا وفرة ، وكأنّ عنقه إبريق فضّة ، عظيم الكراديس (٤) ، بعيد ما بين المنكبين ، ربعة ليس بالطويل ولا القصير ، مليحا ، من أحسن الناس وجها ، وكان يخضّب بالسواد ، جعر الشعر ، حسن البدن. وتوفّي وهو ابن خمس وأربعين سنة (٥).

فصل

في ذكر زوجاته وولده عليه‌السلام

روي أنّه عليه‌السلام تزوّج سبعين حرّة ، وملك مائة وستّين أمة في سائر عمره (٦).

وأمّا أولاده عليه وعليهم‌السلام فهم خمسة عشر ولدا ذكرا وانثى.

منهم : زيد بن الحسن ، واختاه أمّ الحسن وأمّ الحسين ، امّهم أمّ بشير بنت

__________________

(١) أرن فلان لكذا : ألهاه ( لسان العرب ١٣ / ١٨٧ ).

(٢) الدعج : شدّة السواد مع سعتها.

(٣) المسربة : بضمّ الراء الشعر المستدقّ الذي يأخذ من الصدر الى السرّة.

(٤) الكردوس : كلّ عظمين التقيا في مفصل مثل المنكبين والركبتين.

(٥) كشف الغمة : ج ١ ص ٥٢٥.

(٦) بحار الأنوار : ج ٤٤ ص ١٧٣ باب ٢٣ ح ١٠ نقلا عن كتاب العدد.

٥١٥

أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجية.

والحسن بن الحسن ، امّه خولة بنت منظور بن زيّان الفزاريّة.

وعمرو بن الحسن ، وأخواه القاسم وعبد الله ابنا الحسن ، امّهم أمّ ولد.

وعبد الرحمن بن الحسن ، امّه أمّ ولد.

والحسين بن الحسن الملقّب بالأثرم لأمّ ولد ، وأخوه طلحة بن الحسن ، واختهما فاطمة بنت الحسن ، امّهم أمّ إسحاق بنت طلحة بن عبد الله التيمي.

وأمّ عبد الله وفاطمة وأمّ سلمة ورقيّة بنات الحسن عليهم‌السلام لامّهات أولاد شتى.

فصل

في ذكر زيد بن الحسن عليه‌السلام

أمّا زيد فكان جليل القدر ، كريم الطبع ، كثير البرّ ، مدحه الشعراء ، وقصده الناس من الآفاق لطلب فضله.

وذكر أصحاب السير أنّ زيد بن الحسن كان يلي صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا ولي سليمان بن عبد الملك كتب الى عامله بالمدينة : أمّا بعد فإذا جاءك كتابي هذا فاعزل زيدا عن صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وادفعها الى فلان بن فلان ـ رجلا من قومه ـ وأعنه على ما استعانك عليه ، والسلام.

فلمّا استخلف عمر بن عبد العزيز إذا كتاب قد جاء منه : أمّا بعد فإنّ زيد بن الحسن شريف بني هاشم وذو سنّهم فإذا جاءك كتابي هذا فاردد إليه صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعنه على ما استعانك عليه ، والسلام (١).

وفي زيد بن الحسن يقول محمّد بن بشير الخارجي :

إذا نزل ابن المصطفى بطن تلعة

نفى جدبها واخضرّ بالنبت عودها

وزيد ربيع الناس في كلّ شتوة

إذا أخلفت أنواؤها ورعودها

__________________

(١) الإرشاد : ص ١٩٤.

٥١٦

حمول لأشناق الديات (١) كأنّه

سراج الدجى إذ قارنتها سعودها (٢)

ومات زيد بن الحسن وله تسعون سنة. ورثاه جماعة من الشعراء وذكروا مآثره وبكوا فضله ، فممن رثاه قدامة بن موسى الجمحيّ حيث يقول :

فإن يك زيد غالت الأرض شخصه

فقد بان معروف هناك وجود

وأن يك أمسى رهن رمس فقد ثوى

به ، وهو محمود الفعال فقيد

سميع الى المعترّ يعلم أنّه

سيطلبه المعروف ثمّ يعود

وليس بقوّال وقد حطّ رحله

لملتمس المعروف أين تريد

إذا قصّر الوغد الدنيّ نما به

الى المجد آباء له وجدود

مناكيد (٣) للمولى محاشيد للقرى

وفي الروع عند النائبات اسود

إذا انتحل العزّ الطريف فانّهم

لهم إرث مجد ما يرام تليد

إذا مات منهم سيّد قام سيّد

كريم يبني بعده ويشيد (٤)

والعقب من ولد زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام من رجل واحد وهو الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام.

والعقب من ولد الحسن بن زيد بن الحسن في سبعة رجال ، أسماؤهم : القاسم بن الحسن بن زيد ، وعليّ بن الحسن بن زيد ، وإسماعيل بن الحسن بن زيد ، وإبراهيم بن الحسن بن زيد ، وزيد بن الحسن بن زيد ، وعبد الله بن الحسن بن زيد ، وإسحاق بن الحسن بن زيد.

فصل

في ذكر الحسن بن الحسن

وأمّا الحسن بن الحسن فكان جليلا رئيسا فاضلا ورعا ، وكان يلي صدقات

__________________

(١) قال الجوهري : الشنق : ما دون الدية وذلك أن يسوق ذو الحمالة الدية كامله ، فإذا كانت معها ديات جراحات فتلك هي الأشناق كانّها متعلّقة بالدية العظمى.

(٢) الإرشاد : ص ١٩٥.

(٣) في الإرشاد : مباذيل.

(٤) الإرشاد : ص ١٩٥.

٥١٧

أمير المؤمنين عليه‌السلام في وقته.

روى الزبير بن بكّار قال : كان الحسن بن الحسن واليا صدقات أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فساير يوما الحجّاج في موكبه وهو إذ ذاك أمير المدينة فقال له الحجّاج : أدخل عمر بن عليّ معك في صدقات أبيه فإنّه عمّك وبقيّة أهلك. فقال له الحسن : لا اغيّر شرط عليّ ولا ادخل فيه من لم يدخله. فقال الحجّاج : إذا ادخله أنا معك. فنكص الحسن بن الحسن عنه ، ثمّ توجّه الى عبد الملك حتى قدم عليه فوقف ببابه يطلب الإذن ، فمرّ به يحيى بن أمّ الحكم ، فلمّا رآه يحيى مال إليه وسلّم عليه وسأله عن مقدمه ، فخبّره ، فقال له : إنّي سأنفعك عند أمير المؤمنين ـ يعني عبد الملك ـ.

فلمّا دخل الحسن بن الحسن على عبد الملك رحّب به وأحسن مساءلته ، وكان الحسن قد أسرع إليه الشيب ويحيى بن أمّ الحكم في المجلس ، فقال عبد الملك : لقد أسرع إليك الشيب يا أبا محمّد. فقال يحيي : وما يمنعه من شيبه أمانيّ أهل العراق تفد عليه يمنّونه الخلافة. فأقبل عليه الحسن بن الحسن وقال له : بئس والله الرفد رفدت ، ليس كما قلت ، ولكنّا أهل بيت يسرع إلينا الشيب. وعبد الملك يسمع ، فأقبل عليه وقال : هلمّ ما قدمت له. فأخبره بقول الحجّاج.

فقال : له ليس ذلك اكتب إليه كتابا لا يجاوره. فكتب إليه ووصل الحسن بن الحسن فأحسن صلته.

فلمّا خرج من عنده لقيه يحيى بن أمّ الحكم فعاتبه الحسن على سوء محضره وقال له : ما هذا الذي وعدتني به؟

فقال له يحيى : إيها عنك ، فو الله إنّه لا يزال يهابك ، ولو لا هيبتك ما قضى لك حاجة ، وما أنا لك رفدا (١).

وكان الحسن بن الحسن مع عمّه الحسين بن عليّ عليهم‌السلام يوم الطفّ ، فلمّا قتل الحسين عليه‌السلام واسر الباقون من أهله جاءه أسماء بن خارجة فانتزعه من بين

__________________

(١) الإرشاد : ص ١٩٦.

٥١٨

الاسارى وقال : والله لا يوصل الى ابن خولة أبدا.

فقال عمر بن سعد : دعوا لأبي حسّان ابن اخته.

ويقال : انّه اسر وكان به جراح قد اشفي منها.

وروي أنّ الحسن بن الحسن خطب الى عمّه الحسين عليهم‌السلام إحدى ابنتيه ، فقال له الحسين عليهم‌السلام : اختر يا بنيّ أحبّهما إليك. فاستحى الحسن ولم يحر جوابا. فقال له الحسين عليه‌السلام : فإنّي قد اخترت لك ابنتي فاطمة وهي أكثر شبها بامّي فاطمة بنت محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وقبض الحسن بن الحسن وله خمس وثلاثون سنة ، وأخوه زيد بن الحسن حيّ ، ووصّى الى أخيه من امّه إبراهيم بن محمّد بن طلحة.

ولمّا مات الحسن بن الحسن ضربت زوجته فاطمة بنت الحسين بن عليّ عليهم‌السلام على قبره فسطاطا وكانت تقوم الليل وتصوم النهار ، فلمّا كان رأس السنة قالت لمواليها : إذا أظلم الليل قوّضوا هذا الفسطاط فلمّا أظلم الليل سمعت قائلا يقول : هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه آخر : بل يئسوا فانقلبوا (٢).

وخلّف الحسن بن الحسن : عبد الله والحسن المثلّث وإبراهيم الغمر وامّهم فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام ، ومحمّدا وجعفرا وداود لأمّ ولد له.

وكان عبد الله بن الحسن بن الحسن مع أبي العبّاس السفّاح ، وكان مكرما له وله به انس. وأخرج أبو العبّاس يوما سفط جوهر فقاسمه إيّاه وأراه بناء قد بناه وقال له : كيف ترى هذا؟ فقال عبد الله :

ألم تر حوشبا أمسى يبني

قصورا نفعها لبني بقيلة (٣)

يؤمّل أن يعمّر عمر نوح

وأمر الله يحدث كلّ ليلة

فقال له السفّاح : تتمثل بهذا وقد رأيت صنعي بك.

__________________

(١) الإرشاد : ص ١٩٧.

(٢) الإرشاد : ص ١٩٧.

(٣) في المصدر : نفيلة.

٥١٩

قال : والله ما أردت سوء لكنّها أبيات حضرت ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يحتمل ما كان منّي. قال : قد فعلت. ثمّ ردّه الى المدينة (١).

فلمّا ولّي أبو جعفر المنصور لحّ في طلب ابنيه محمّد وإبراهيم ابني عبد الله فتغيّبا بالبادية ، فأمر أبو جعفر أن يؤخذ أبوهما عبد الله واخوته حسن وداود وإبراهيم ويشدّون وثاقا ، وبعث بهم إليه فوافوه في طريق مكّة بالربذة مكتّفين ، فسأله عبد الله أن يأذن له عليه فأبى أبو جعفر ذلك ، فلم يره حتى فارق الدنيا ، ومات في الحبس وماتوا.

وخرج ابناه محمّد وإبراهيم وغلبا على المدينة ومكّة والبصرة ، فبعث إليهما المنصور بعثا فقتل محمّد بالمدينة ، وقتل إبراهيم بعد ذلك بباخمرا على ستّة عشر فرسخا من الكوفة.

وإدريس بن عبد الله أخوهما هو الذي صار الى الاندلس والبربر وغلب عليهما ، وكان معه أخوه سليمان بن عبد الله بن الحسن. وامّهما عاتكة بنت عبد الملك بن الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم ، وعقبهما بالغرب.

والعقب من ولد عبد الله بن الحسن بن الحسن في ستّة : من محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن النفس الزكيّة القتيل بالمدينة ، وإبراهيم بن عبد الله قتيل باخمرا ، وموسى الجون صاحب سويقة وامّهم هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ، ويحيى صاحب الديلم مات في حبس الرشيد ، وسليمان وإدريس عقبهما بالغرب.

والعقب من محمّد النفس الزكيّة من رجل واحد وهو عبد الله الأشتر وحده ، قتل بكابل ، وامّه أمّ سلمة بنت أبي محمّد بن الحسن بن الحسن المثنّى.

والعقب من عبد الله الأشتر بن محمّد بن عبد الله وحده.

والعقب من ولد إبراهيم قتيل باخمرا من الحسن بن إبراهيم وحده.

__________________

(١) قريب منه ما في مقاتل الطالبيّين : ص ١١٩.

٥٢٠