الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي

الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

المؤلف:

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-064-3
الصفحات: ٨٣٢

١
٢

نبذة من حياة المؤلّف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اسمه :

هو الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم بن فوز بن مهنّد الشاميّ المشغريّ العامليّ.

مشايخه : له على ما يظهر من الإجازات وغيرها ثلاثة مشايخ :

أحدهم : المحقّق الحلّيّ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد المتوفّى سنة ٦٧٦ ه‍ ، كما صرّح به الشيخ الحرّ في أمل الآمل.

وثانيهم : الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن سعيد الحلّي صاحب الجامع في الفقه ، المولود سنة ٦٠١ ه‍ ، والمتوفّى سنة ٦٩٠ ه‍ ، قرأ عليه كتابه الجامع ومعه جمع آخر ، هم : الشيخ شمس الدين محمّد بن أحمد بن صالح القسيني ، والسيّد جلال الدين محمّد بن السيّد رضي الدين علي بن طاوس الحلّيّ ، والوزير شرف الدين علي بن الوزير مؤيّد الدين محمّد بن أحمد بن العلقمي ، كما ذكرهم الشيخ شمس الدين القسيني المذكور في إجازته للشيخ نجم الدين طومان ابن أحمد العامليّ المتوفّى بطيبة حدود ٧٣٨ ه‍ ، وقد أدرج صاحب المعالي إجازة القسيني في إجازته الكبيرة والسيّد نجم ، المطبوعة في آخر مجلدات البحار.

وثالث مشايخه : السيّد رضيّ الدين عليّ بن طاوس الحلّيّ المتوفّى سنة ٦٦٤ هـ

٣

صاحب التصانيف الكثيرة. وقد كتب السيّد للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم إجازتين إحداهما مشتركة بينه وبين جمع آخر ، هم : الشيخ شمس الدين القسيني واولاده الثلاثة جعفر وإبراهيم وعلي والفقيه أحمد بن محمّد العلوي النسّابة والفقيه نجم الدين محمّد الموسوي والسيّد صفي الدين محمّد بن بشير العلويّ الحسينيّ وصدرت تلك الإجازة من السيّد ابن طاوس المذكور في سنة وفاته بعد قراءة هؤلاء عليه كتابه « الأسرار المودعة في ساعات الليل والنهار » وكتاب « محاسبة الملائكة » باستدعاء الشيخ شمس الدين القسيني المذكور ، كما صرّح هو في إجازته لطومان المذكور ، والثانية إجازة مختصّة للشيخ جمال الدين يوسف ، وهي كبيرة ذات فصول كثيرة ، سمّاها السيّد بـ « كتاب الإجازات لكشف طرق المفازات ».

وقطعة من أوائل كتاب الإجازات هذا موجودة ، أدرجها العلاّمة المجلسي في إجازات البحار ، وليس في هذه القطعة اسم للمجاز لأنّها ناقصة ، ولكن في البحار بعد ذكر هذه القطعة حكى صورة استجازة الشيخ جمال الدين يوسف المذكور عن السيّد رضي الدين علي بن طاوس عن مجموعة شمس الدين محمّد الجبعيّ جدّ الشيخ البهائي ، وهو نقلها عن خط الشيخ محمّد بن مكي الشهيد ، إلى أن قال الشهيد : ثمّ إنّ السيّد أجاز الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم إجازة عظيمة ذكر فيها مصنّفاته ومشايخه ، وذكر في أثناء الإجازة ما صورته : « فصل » واعلم انّني إنمّا اقتصرت على تأليف كتاب ... إلى آخر الفصل الذي هو بعين ألفاظه موجود في تلك القطعة من كتاب الإجازات ، فيظهر منه أنّ تمام كتاب الإجازات كان عند الشهيد ونقل عنه خصوص هذا الفصل ، وأنّه كان فيه التصريح بأنّه إجازة للشيخ جمال الدين يوسف الشاميّ.

وإليك ـ عزيزنا القارئ ـ نصّ استجازة الشيخ يوسف بن حاتم الشاميّ من السيّد النقيب الطاهر رضيّ الملّة والحقّ والدين عليّ بن طاوس.

« بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلواته على سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين. إن رأى مولانا وسيّدنا فريد عصره ووحيد دهره ، السيّد الامام العالم الفاضل الكبير الفقيه الزاهد العابد الزكيّ الورع ، سلالة النبيّ صلوات الله عليه وآله وسلّم

٤

رضيّ الدين حجّة الإسلام والمسلمين ، قدوة العلماء والعارفين ، سلف السلف وبقيّة الخلف ، زين العترة الطاهرة أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد الطاوس عضد الله الكافّة بطول بقائه بمحمّد وآله الطاهرين [ صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ] أن يجيز لأصغر خدّامه وربيب نعمته يوسف بن حاتم بن فوز بن مهنّد الشاميّ جميع ما صنّفه أو ألّفه أو نظمه أو نثره أو اختاره أو حرّره أو قرأه أو سمعه أو اجيز له أو كتبه أو كان له طريق إلى روايته أو يكون ممّا يعدّ من سائر درايته أو يمكن أن يرويه أحد عن خدمته ، فينعم بذلك على ما يليق بفضله وسجاياه ». (١)

أقوال العلماء فيه :

قال الميرزا محمّد باقر الموسويّ الخوانساري في روضات الجنّات :

« وفي رجال المحدّث النيسابوريّ أنّه كان فقيها محدّثا ، وأنّ له أيضا كتابا سمّاه « الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم » ، ينقل فيه من كتاب مدينة العلم وغيره من الكتب المعتبرة وكتاب الأربعين من الأربعين » (٢).

وقال العلامة الميرزا محمّد علي المدرّس في ريحانة الأدب :

« صاحب الدرّ النظيم الشيخ يوسف بن حاتم الشاميّ العامليّ من علماء الإماميّة في أواخر القرن السابع الهجري أو أوائل القرن الثامن الهجري. فقيه جليل ، فاضل نبيل ، ملقّب بجمال الدين ، كان من تلامذة المحقّق الحلّيّ ( المتوفّى سنة ٦٧٦ ) وأيضا اجيز من السيّد ابن طاوس ( المتوفّى سنة ٦٦٤ ). ومن تأليفاته : الأربعون حديثا ، والدرّ النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم » (٣).

وقال الحرّ العامليّ في أمل الآمل :

« الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشاميّ العامليّ : كان فاضلا ، فقيها ، عابدا ، له كتب منها : كتاب الأربعين في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، عندنا منه

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠٧ ص ٤٥ فائدة (١٠).

(٢) روضات الجنّات : ج ٨ ص ١٩٩ تحت رقم (٧٤٨).

(٣) ريحانة الأدب : ج ٣ ص ٣٦٢.

٥

نسخة. يروي عن المحقّق جعفر بن الحسن بن سعيد ، وعن ابن طاوس » (١).

وقال الميرزا عبد الله الأفنديّ الأصبهانيّ في رياض العلماء :

« الشيخ الفقيه جمال الدين يوسف بن حاتم الشاميّ العامليّ المشغريّ كان من أجلّة فقهاء تلامذة المحقّق والسيّد ابن طاوس أيضا » (٢).

منزلته العلمية :

لم يترك المترجم له أثرا فقهيّا ، ومع ذلك فقد عبّر عنه جلّ من ترجم له بأنّه كان فقيها بالإضافة الى كونه محدّثا ، كالحرّ العاملي صاحب الوسائل وصاحب رياض العلماء وغيرهما.

وقد نقل الشهيد في ذكرى الشيعة في مسألة الجمع بين الصلاتين ما نصّه : « وأورد على المحقّق نجم الدين تلميذه جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي المشغري ، وكان أيضا تلميذ السيّد ابن طاوس أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجمع بين الصلاتين فلا حاجة الى الاذان الثاني إذ هو للإعلام وللخبر المتضمّن أنّه عند الجمع بين الصلاتين وإن كان قد يفرّق فلم ندبتم إلى الجمع وجعلتموه أفضل؟ فأجابه المحقّق أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجمع تارة ويفرّق اخرى ، ثمّ ذكر الروايات كما ذكرنا ـ يعني في الذكرى ـ وقال : إنّما استحببنا في الوقت الواحد إذا اتى بالنوافل والفريضتين فيه لأنّه مبادرة الى تفريغ الذمّة من الفرض حيث ثبت دخول وقت الصلاة ، ثمّ ذكر خبر عمر بن حريث عن الصادق عليه‌السلام وسألته عن صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : كان رسول الله يصلّي ثماني ركعات الزوال ثمّ يصلّي أربعا للاولى وثماني بعدها وأربعا العصر وثلاثا المغرب وأربعا بعدها والعشاء أربعا وثماني الليل وثلاثا الوتر وركعتي الفجر والغداة ركعتين ». (٣)

وتقرير الشهيد الأوّل قدس‌سره هذه المسألة في الذكرى واسم المترجم له وتتلمذه على يد المحقّق الحلّي والسيّد ابن طاوس ، وإشكاله على المحقّق وجواب

__________________

(١) أمل الآمل : ج ١ ص ١٩٠.

(٢) رياض العلماء : ج ٥ ص ٣٨٩.

(٣) ذكرى الشيعة : ص ١١٩ س ٢١ ـ ٢٥.

٦

المحقّق له دليل على علوّ شأنه وعظم منزلته العلميّة.

وقد وجّه الشيخ يوسف بن حاتم (٤٢) مسألة في فروع فقهية متفرّقة عرفت بالمسائل البغدادية قال المحقّق الحلّيّ في جوابها : « فإنّا مجيبون عمّا تضمّنته هذه الأوراق من المسائل لدلالتها على فضيلة موردها ومعرفة ممهّدها ، فهو حقيق أن نحقّق أمله ونجيبه إلى ما سأله ، وبالله التوفيق ». (١)

ومن هذا التقريض الفريد يتّضح لك منزلة المترجم له عند استاذه المحقّق الحلّيّ ( قدّس الله روحه الطاهرة ) صاحب كتاب شرائع الإسلام والمعتبر والمختصر النافع والذي هو علم من أعلام الطائفة على مرّ العصور.

وكانت جلّ هذه المسائل في فروع فقهيّة مبتكرة لم يتعرّض لها أحد قبله ، وقد صرّح بذلك نفس المحقّق قدس‌سره في جواب المسألة السادسة والثلاثين قائلا : « وليس هذه الفروع ممّا تعرّض لها أوائلنا فيذكر عنهم فيها خلاف ، بل هو في التفاريع المحدثة ، وعلى الباحث استفراغ وسعه في إصابة الحقّ » وفي هذا النصّ اعتراف واضح من المحقّق رحمه‌الله للسائل بأنّه من أصحاب النظر وعليه استفراغ جهده في استنباط الأحكام.

والبعض الآخر من هذه المسائل كان استفسارا عن مواضع من كلام الشيخ الطوسي قدس‌سره في النهاية ، وقد أيّده المحقّق رحمه‌الله على تلك الإشكالات وهو يدلّ على أنّه كان من أصحاب النظر والرجوع الى الأدلّة ولكنّه كان يتوقّف عن الفتوى. قال المحقّق في جواب المسألة العاشرة : « لا ريب أنّ في كلام الشيخ رحمه‌الله إشكالا ... وبعد هذا التقدير فلا ضرورة لبيان الفرق الذي ذكره الشيخ في النهاية ، وينزّل الحكم على ظواهر هذه النصوص » وقال رحمه‌الله في جواب المسألة الثالثة عشر : « لا ريب أنّ في كلام الشيخ رحمه‌الله اضطرابا ، ولم يستقم إلاّ أن يجعل موضع « أقلّ » « أكثر » ، والظاهر أنّه من زوغ القلم » وغير ذلك من الشواهد المبثوثة في أثناء أجوبة هذه المسائل.

ونستعرض الآن هذه المسائل الفقهيّة المعروفة بالمسائل البغدادية لتقف

__________________

(١) الرسائل التسع : ص ٢٣٥ المسائل البغدادية.

٧

بنفسك ـ عزيزي القارئ ـ على دقّة عبارة المترجم له الفقهيّة ودقّة أسئلته ، ولئن المرء تعرف منزلته من سؤاله أكثر ممّا تعرف من جوابه.

« المسألة الاولى : إذا أتلف الإنسان على غيره دابّة أو جارية هل يلزمه المثل أو القيمة وما الحكم في ذلك؟

المسألة الثانية : في امرأة دخل إليها صبيّ دون البلوغ فأمرته بالصعود إلى سطحها ليكشف كنيسة الدار وعليها لحاف فصعد الصبيّ ليكشف اللحاف عن الكنيسة فوقع الى وسط الدار فمات في الحال ، فهل على المرأة دية الصبيّ وما الحكم في ذلك شرعا؟

المسألة الثالثة : في رجل اشترى من شخص حيوانا فوجد فيه عيبا سابقا على العقد وقد انقضت الثلاثة الأيّام ولم يتصرّف ، فهل له الردّ بعد انقضاء الأيّام؟ وهل إن حصل فيه عيب بعد العقد وقبل التصرّف وانضاف الى العيب السابق ما الحكم في الجميع؟

المسألة الرابعة : ما يصطفيه الإمام عليه‌السلام من الغنيمة التي توجد في دار الحرب هل فيها خمس أم لا؟ وكذا ما يجب له من رءوس الجبال وبطون الأودية والآجام إذا كانت في الأرض التي تملك رقبتها هل يكون فيها خمس أم لا؟ وهل الأرض التي تملك رقبتها تصير له عليه‌السلام أم لا؟

المسألة الخامسة : في شخص ادّعي عليه أنّه قتل رجلا وتعذّرت البيّنة وثبت اللوث وأحلف المدّعي خمسين يمينا فلمّا تكملت الأيمان أقرّ شخص آخر بأنّه الذي قتله ، فما الحكم في ذلك؟

المسألة السادسة : في رجل قتله خمسة أنفس عمدا فاختار وليّ الدم قتل ثلاثة أنفس منهم فكيف حكم الردّ على ورثة المقتولين وما الحكم فيه؟

المسألة السابعة : في رجل له على رجل دين الى أجل معلوم فجاء شخص وضمن ما عليه لربّ الدين بإذن من عليه المال ، فهل يكون للمضمون له مطالبة الضامن بالمال قبل حلول الأجل أم لا؟ وهل اذا صانع المضمون له بأقلّ ممّا ضمن يكون له الرجوع على المضمون عنه بما ضمنه أم لا أو بما صانع المضمون له؟

٨

المسألة الثامنة : قوله في النهاية : « ولا يجوز أن يبيع الإنسان متاعا مرابحة بالنسبة الى أصل المال بأن يقول : أبيعك هذا المتاع بربح عشرة واحدا أو اثنين ، بل يقول بدلا من ذلك : هذا المتاع عليّ بكذا وأبيعك إيّاه بكذا بما أراد » فما الفرق؟

وهل قوله : « لا يجوز » على التحريم أو الكراهية؟ وما العلّة في كراهيّة ذلك إن كان مكروها أو محرّما؟

الى آخر المسائل ، وهي مطبوعة بتمامها مع أجوبتها في كتاب الرسائل التسع للمحقّق الحلّي.

ولعلّ السبب في إعراض المترجم له عن التأليف في الفقه هو عين السبب الذي ترك لأجله استاذه السيّد ابن طاوس قدس‌سره التأليف في هذا الباب. ويشير لذلك قول السيّد ابن طاوس في إجازته لصاحب الترجمة :

« واعلم أنّني إنّما اقتصرت على تأليف كتاب غياث سلطان الورى لسكّان الثرى من كتب الفقه في قضاء الصلوات ، ولم اصنّف غير ذلك من الفقه وتفريغ المسائل والجوابات لانّني كنت قد رأيت مصلحتي ومعاذي في دنياي وآخرتي من التورّع عن الفتوى في الأحكام الشرعيّة ، لأجل ما وجدت من الاختلاف في الرواية بين فقهاء أصحابنا من التكاليف النفليّة ، وسمعت كلام الله جلّ جلاله يقول عن أعزّ موجود من الخلائق عليه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ ) ولو صنّف كتبا في الفقه يعمل بعدي عليها كان ذلك نقضا لتورّعي عن الفتوى ودخولا تحت خطر الآية المشار إليها ، لأنّه جلّ جلاله إذا كان هذا تهديده للرسول العزيز الأعظم لو تقوّل عليه ، فكيف كان يكون حالي إذا تقوّلت عنه جلّ جلاله ، وأفتيت أو صنّفت خطأ أو غلطا يوم حضوري بين يديه ». (١)

مؤلّفاته :

١ ـ كتاب الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم. وهو هذا الكتاب الذي بين يديك.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠٧ ص ٤٦.

٩

٢ ـ كتاب الأربعين حديثا عن الأربعين رجلا في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام. وقد أورد هذا الكتاب بتمامه السيّد هبة الله بن أبي محمّد الحسن الموسوي في كتابه « المجموع الرائق » مخطوط. وقال عنه العلاّمة المجلسي « أخذ منه أكثر علمائنا واعتمدوا عليه ». (١)

كتاب الدرّ النظيم ونسخه الخطّية :

عنوان الكتاب « الدرّ النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم » والنظيم بمعنى المنظوم ، واللهاميم قال في مجمع البحرين : لهاميم العرب أي ساداتهم جمع لهموم وهو الجواد من الناس. وهو كتاب في مناقب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم‌السلام على منوال كتاب المناقب لابن شهرآشوب السابق عليه تاريخيا.

قال عنه الشيخ الطهراني في الذريعة : « كتاب جليل في بابه ، ينقل عن مدينة العلم للشيخ الصدوق وكتاب النبوّة له أيضا ، فيظهر وجودهما عنده ، كانت نسخة منه عند العلاّمة المجلسي ينقل عنه في البحار » (٢) ثمّ ذكر وجود ثلاث نسخ من الكتاب إحداها بسامراء والاخريان بكربلاء ، وجميعها متّفقة في النقص في مواضع أوّلا ووسطا وآخرا.

وقال العلاّمة المجلسي في البحار : « وكتاب الدرّ النظيم كتاب شريف كريم مشتمل على أخبار كثيرة من طرقنا وطرق المخالفين في المناقب. وقد ينقل من كتاب مدينة العلم وغيره من الكتب المعتبرة ، وكان معاصرا للسيّد علي بن طاوس رحمه‌الله وقلّما رجعنا إليه (٣) لبعض الجهات » (٤) ولم يذكر تلك الجهات.

وأمّا النسخة الخطّية الوحيدة التي اعتمدنا عليها في تحقيق هذا الكتاب فهي نسخة خطية في همدان كتابخانه غرب مدرسة الآخوند تحت رقم (١٥٥٣) بخط النسخ وهي نسخة كاملة رتّبها المؤلّف على ثلاثة أجزاء. ولم نعثر على نسخة خطّية اخرى لهذا الكتاب الجليل.

مؤسّسة النشر الإسلامي

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١ ص ٤٠.

(٢) الذريعة : ج ٨ ص ٨٦.

(٣) ممّا عثرنا عليه : ج ٧٨ ص ٣٥٥ ب ٢٦ ح ٩.

(٤) بحار الأنوار : ج ١ ص ٤٠.

١٠

١١

١٢

[ الباب الأول ]

[ في ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ]

١٣
١٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[ قال عفكلان الحميري ] (١) لعبد الرحمن بن عوف : ألا ابرّك (٢) ببشارة نبيّ خير لك من التجارة؟ أنبّئك بالمعجبة وابشّرك بالمرغبة ، إنّ الله قد بعث في الشهر الأوّل من قومك نبيّا ارتضاه صفيّا ، أنزل عليه كتابا جعل له ثوابا ، ينهى عن الأصنام ويدعو إلى الاسلام ، أخفّ الوقعة وعجل الرجعة.

وكتب الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

اشهد بالله ربّ موسى

إنّك ارسلت بالبطاح

فكن شفيعي الى مليك

يدعو البرايا الى الفلاح

فلمّا دخل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أحملت إليّ وديعة أم أرسلك إليّ مرسل برسالة فهاتها (٣) وبشّر أوس بن حارثة بن ثعلبة بن قبل مبعثه بثلاث مائة عام وأوصى أهله باتّباعه في حديث طويل وهو القائل :

إذا بعث المبعوث من آل غالب

بمكّة فيما بين زمزم والحجر

هنالك فاشروا (٤) نصره ببلادكم

بني عامر إنّ السعادة في النصر (٥)

__________________

(١) ما بين المعقوفتين أضفناه من كتاب المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٢.

(٢) في المناقب : ألا ابشّرك.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٢.

(٤) في ظاهر الأصل : فاسروا ، وما أثبتناه من المناقب والبحار.

(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٢ ـ ٢٣.

١٥

وفيه يقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رحم الله أوسا أنّه مات في الحنيفيّة ، وحثّ على نصرنا في الجاهلية (١).

وقيل : إنّ عامر بن الطفيل كان من جملة العشرة الذين أوفدهم النعمان بن المنذر على كسرى ، فتكلّم كلّ واحد منهم بكلام ، الى أن قام عامر بن الطفيل فقال : كثر فنون المنطق ، وليس القول أعمى من حندس الظلماء ، وإنّما العجز في الفعال والعجز في النجدة ، والسؤدد مطاوعة القدرة ، ما أعلمك بقدرنا وأبصرك بفضلنا ، وبالحرا إن أدالت الأيّام وثابت الأحلام أن تحدث امور لها أعلام.

قال : وما تلك الأحلام والأيّام؟ قال : تجتمع الأحياء من ربيعة ومضر على أمر يذكر.

قال كسرى : وما الأمر الذي يذكر؟ قال : مالي علم بأكثر ما خبّرت به محمّد.

قال كسرى : متى تكهّنت يا ابن الطفيل؟

قال : لست بكاهن ولكنّي بالرمح طاعن.

قال له كسرى : فإن أتاك آت من ناحية عينك العوراء ما أنت صانع؟

قال : ما هيبتي في قفاي بدون هيبتي في وجهي ، وما أذهب عيني عيث (٢) ولكن مطاعنة العيث (٣).

قيل : كانت تبّع الأوّل من الخمسة الذين ملكوا الدنيا بأسرها ، فسار في الآفاق ، وكان يختار من كلّ بلدة عشرة أنفس من حكمائهم ، فلمّا وصل الى مكّة كان معه أربعة آلاف رجل من العلماء ، فلم يعظّمه أهل مكّة فغضب عليهم وقال لوزيره « عمياريسا » في ذلك. فقال الوزير : إنّهم جاهلون ويعجبون بهذا البيت. فعزم الملك في نفسه بأن يخربها ويقتل أهلها فأخذه الله بالصدام ، وفتح من عينيه واذنيه وأنفه وفمه ماء منتنا عجزت الأطباء عنه ، وقالوا : هذا أمر سماوي وتفرّقوا عنه.

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) العيث : مصدر عاث : أفسد وأخذ بغير رفق. ( لسان العرب ٢ / ١٧٠ ).

(٣) جواهر الأدب : ص ١٩٨. وفيه « مطاوعة العبث » بدل « مطاعنة العيث ».

١٦

فلمّا أمسى جاء عالم من العلماء الى وزيره وأسرّ إليه إن صدق الملك بنيّته عافيته. فاستأذن الوزير له فلمّا خلا به قال له : هل نويت في هذا البيت أمرا؟.

قال : كذا وكذا.

قال العالم : تب من ذلك ولك خير الدنيا والآخرة.

قال : قد تبت ممّا كنت قد نويت فعوفي في الحال ، فآمن بالله وبإبراهيم الخليل عليه‌السلام وخلع على الكعبة سبعة أثواب. وهو أوّل من كسا الكعبة.

وخرج الى يثرب ، ويثرب هي أرض فيها عين ماء ، فاعتزل من بين أربعة الف (١) عالم أربعمائة عالم على أنّهم يسكنون فيها ، وجاءوا الى باب الملك وقالوا : إنّا خرجنا من بلداننا وطفنا مع الملك زمانا وجئنا الى هذا المكان ونريد المقام فيه الى أن نموت فيه.

فقال الوزير : ما الحكمة في ذلك؟

قالوا : اعلم أيّها الوزير أنّ شرف هذا البيت بشرف محمّد صاحب القرآن والقبلة واللواء والمنبر ، مولده بمكّة وهجرته الى هاهنا ، وإنّا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا.

فلمّا سمع الملك ذلك تفكّر أن يقيم معهم سنة رجاء أن يدرك محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمر أن يبنى أربعمائة دار لكلّ واحد دارا ، وزوّج كلّ واحد منهم جارية معتقة ، وأعطى كلّ واحد منهم مالا جزيلا.

ويروى أنّ تبّعا قال للأوس والخزرج : كونوا هاهنا الى أن يخرج هذا النبيّ أمّا أنا لو أدركته لخدمته ولخرجت معه (٢).

وروي أنّه قال :

قالوا بمكّة بيت مال داثر (٣)

وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد

__________________

(١) كذا في الأصل ، وفي المناقب والبحار : آلاف.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ص ١٧٠ ح ٢٦ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ / ص ١٥.

(٣) الدثر ـ بالفتح ـ : المال الكثير.

١٧

بادرت أمرا حال ربّي دونه

والله يدفع عن خراب المسجد

فتركت فيها من رجالي عصبة

نجبا ذوي حسب وربّ محمّد (١)

وقال أيضا :

شهدت على أحمد أنّه

رسول من الله باري النسم

فلو مدّ عمري الى عمره

لكنت وزيرا له وابن عمّ

وكنت عذابا على المشركين

اسقيهم كأس حتف وغمّ

وكتب كتابا الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكر فيه إيمانه وإسلامه وأنّه من امّته فليجعله تحت شفاعته ، وعنوان الكتاب : الى محمّد بن عبد الله خاتم النبيّين ورسول ربّ العالمين من تبّع الأوّل ، ودفع الكتاب الى العالم الذي نصح له.

ثمّ خرج منها وسار حتى مات بغلسان بلد من بلاد الهند ، وكان بين موته ومولد النبيّ عليه‌السلام ألف سنة.

ثمّ إنّ النبيّ عليه‌السلام لمّا بعث وآمن به أكثر أهل المدينة أنفذوا الكتاب إليه على يد أبي ليلى ، فوجد النبيّ عليه‌السلام في قبيلة بني سليم ، فعرفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أنت أبو ليلى.

قال : نعم.

قال : ومعك كتاب تبّع الأوّل؟ فتحيّر الرجل.

فقال : هات الكتاب.

فأخرجه ودفعه الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدفعه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى علي عليه‌السلام ، فقرأه عليه ، فلمّا سمع النبيّ عليه‌السلام كلام تبّع قال : مرحبا بالأخ الصالح ـ ثلاث مرّات ـ وأمر أبا ليلى بالرجوع الى المدينة (٢).

وروى محمّد بن إسحاق : إنّ زيد بن عمرو بن نفيل ضرب في الأرض يطلب الدين الحنيف ، فقال له راهب بالشام : إنّك لتسأل عن دين ذهب من كان يعرفه ،

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة : ص ١٧٠ ح ٢٥.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦.

١٨

ولكنّك قد أظلّك خروج نبيّ يأتي ملّة إبراهيم عليه‌السلام الحنيفيّة وهذا زمانه.

فخرج سريعا حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه. قال النبيّ عليه‌السلام : زيد بن عمرو يبعث أمّة وحده.

وقد رثاه ورقة بن نوفل :

رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنّما

تجنّبت تنوّرا من الله حاميا

بدينك ربّا ليس ربّ كمثله

وتركك أوثان الطواغي كما هيا

وقد تدرك الانسان رحمة ربّه

ولو كان تحت الأرض ستّين واديا (١)

وقال محمّد الفتّال (٢) : إنّه كان عند تربة النبيّ عليه‌السلام جماعة فسأل أمير المؤمنين علي عليه‌السلام سلمان عن مبدأ أمره.

فقال : كنت من أبناء الدهاقين بشيراز عزيزا على والدي ، فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا أنا بصومعة وإذا فيها رجل ينادي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ عيسى روح الله وأنّ محمّدا حبيب الله. قال : فرصف (٣) حبّ محمّد في لحمي ودمي.

فلمّا انصرفت الى منزلي إذا أنا بكتاب معلّق من السقف. فسألت امّي عنه فقالت : لا تقربه فانّه يقتلك أبوك.

فلمّا جنّ الليل أخذت الكتاب فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله الى آدم أنّه خالق من صلبه نبيّا يقال له محمّد يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن عبادة الأوثان ، يا روزبه أنت وصيّ عيسى فآمن واترك المجوسية.

قال : فصعقت صعقة شديدة ، فأخذني أبي وامّي وجعلاني في بئر عميقة وقالا :

__________________

(١) سيرة ابن اسحاق : ص ١١٩.

(٢) وفي هامش الأصل : ( ذكر ابو محمّد عبد الملك بن هشام النحوي في كتاب سيرة النبيّ ٦ في أوّل الجزء الخامس من ... قال ابن اسحاق : وحدّثني عاصم بن عمرو بن قتادة الأنصاري ، عن محمود بن لبيد ، عن عبد الله بن عبّاس ، قال : حدّثني سلمان الفارسي من فيه ، قال : كنت رجلا فارسيّا من أهل اصبهان من أهل قرية يقال لها جيّ وكان أبي دهقان قريته الى آخر القصّة لفظا بلفظ ، هكذا ذكر وكتب من التاريخ المذكور.

(٣) الرصف : المزج والضم.

١٩

إن رجعت وإلاّ قتلناك ، وضيّقوا عليّ الأكل والشرب.

فلمّا طال أمري دعوت الله بحق محمّد ووصيّه أن يريحني ممّا أنا فيه. فأتاني آت عليه ثياب بيض فقال : قم يا روزبه ، فأخذ بيدي وأتى بي الصومعة.

فقلت : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ عيسى روح الله ، وأنّ محمّدا حبيب الله.

فقال الديراني : يا روزبه اصعد ، فصعدت إليه فخدمته حولين.

فقال : إنّي ميّت اوصيك براهب انطاكية فاقرأه منّي السلام وادفع إليه هذا اللوح ، وناولني لوحا.

فلمّا فرغت من دفنه أتيت راهب انطاكية وقلت : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ عيسى روح الله وأنّ محمّدا حبيب الله.

فقال : يا روزبه اصعد فصعدت إليه فخدمته حولين ، فقال : إنّي ميّت اوصيك براهب اسكندرية فاقرأه منّي السلام وادفع إليه هذا اللوح.

فلمّا فرغت منه أتيت الصومعة قائلا : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ عيسى روح الله وأنّ محمّدا حبيب الله.

فقال : يا روزبه اصعد فصعدت فخدمته حولين ، فقال : انّي ميّت.

فقلت له : على من تخلّفني؟

فقال : لا أعرف أحدا يقول بمقالتي في الدنيا وأنّ ولادة محمّد قد حانت ، فإذا أتيته فاقرأه منّي السلام وادفع إليه هذا اللوح.

فلمّا فرغت من دفنه صحبت قوما لمّا أرادوا أن يأكلوا شدّوا شاة فقتلوها بالضرب ، فقالوا : كل.

فقلت : إنّي غلام ديراني وأنّ الديرانيين لا يأكلون اللحم.

ثمّ أتوني بالخمر ، فقلت مثل ذلك ، فضربوني وكادوا يقتلونني ، فأقررت لواحد منهم بالعبودية ، فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من يهودي. فسألني عن قصّتي فأخبرته وقلت : ليس لي ذنب سوى حبّي محمّدا ووصيّه. فقال اليهودي : وانّي

٢٠