الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي

الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

المؤلف:

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-064-3
الصفحات: ٨٣٢

خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. ونهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار الى منزله.

وادخل عيال الحسين عليه‌السلام على ابن زياد لعنه الله وفيهم عليّ بن الحسين عليهما‌السلام ، فقال له : من أنت؟

قال : أنا عليّ بن الحسين قال : أليس قتل الله عليّ بن الحسين؟ فقال له عليّ عليه‌السلام : قد كان لي أخ يسمّى عليّا قتله الناس. فقال ابن زياد : بل الله قتله. فقال عليّ عليه‌السلام : الله يتوفّى الأنفس حين موتها. فغضب ابن زياد وقال : وبك حراك لجوابي ، وفيك بقية للردّ عليّ؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه فتعلّقت به زينب عمّته وقالت : يا بن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته ، وقالت : لا والله لا افارقه فإن قتلته فاقتلني معه. فنظر ابن زياد لعنه الله إليها وإليه ساعة ثمّ قال : عجبا للرحم ، والله إنّي لأظنّها ودّت إنّي قتلتها معه ، دعوه فإنّي أراه لما به.

ولمّا أصبح ابن زياد لعنه الله بعث برأس الحسين عليه‌السلام فدير به في سكك الكوفة كلّها وقبائلها ، فروي عن زيد بن أرقم أنّه قال : مرّوا به عليّ وهو عليّ رأس رمح وأنا في غرفة لي ، فلمّا حاذاني سمعته يقرأ : ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) فقفّ والله شعري عليّ ، وناديت : رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب (١).

فصل

ولما فرغ القوم من التطواف برأس الحسين عليه‌السلام بالكوفة ردّوا الى باب القصر ، فدفعه ابن زياد الى زجر بن قيس ، ودفع إليه رءوس أصحابه ، وسرّحه الى يزيد بن معاوية ، وأنفذ معه جماعة (٢).

وروى النطنزي في كتاب الخصائص ، عن جماعة ، عن سليمان بن مهران

__________________

(١) الإرشاد : ص ٢٣٣ ـ ٢٤٥.

(٢) الإرشاد : ص ٢٤٥.

٥٦١

الأعمش ، قال : بينا أنا في الطواف أطوف بالبيت وكنّا بالموسم إذ رأيت رجلا يدعو ويقول في دعائه : اللهمّ اغفر لي وأنا أعلم أنّك لا تغفر لي قال : فارتعت لذلك ، ثمّ دنوت الى الرجل فقلت : يا هذا أنت في حرم الله عزّ وجلّ وهذه أيّام حرم في شهر عظيم ، فلم تأيس من المغفرة؟

فقال : يا هذا إنّ ذنبي عظيم. فقلت : أعظم من تهامة؟ قال : نعم. قلت أعظم من الجبال الرواسي؟ قال : نعم وإن شئت أخبرتك. فقلت : أخبرني : قال : اخرج بنا عن الحرم الى الحلّ. فخرجنا من الحرم حتى أتينا شعب أبي طالب ، فقلت له : يا هذا حدّثني بحديثك فقد كادت نفسي تتلف شوقا. فقال : اخرج عن شعب أبي طالب فإنّي ما كنت لأقعد في شعب رجل سعيت في قتل ولده. فخرجنا عن الشعب وجلسنا في ظاهر مكّة ، فقال لي : أنا أحد من كان في العسكر المشؤوم عسكر عمر بن سعد حين قتل الحسين عليه‌السلام ، وكنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس الى يزيد قبّح الله وجهه ، وكان السبب في ذلك انّا فارقنا الكوفة وحملناه على طريق الشام فنزلنا على دير النصارى ، وكان الرأس معنا مركوز على رمح ومعه الأحراس ، فوضعنا الطعام وجلسنا لنأكل ، وإذا بكفّ تكتب على حائط الدير :

أترجو أمّة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

قال : فجزعنا لذلك جزعا شديدا ، وأهوى بعضنا الى الكفّ ليأخذها فغابت. ثمّ عاد أصحابي الى الطعام ليأكلوا فإذا الكفّ قد عادت تكتب مثل الأوّل ، فقام أصحابنا إليها فغابت ، فامتنعت من الطعام وما هنأني أكله.

ثمّ أشرف علينا راهب من الدير فرأى نورا ساطعا من فوق الرأس ، فأشرف فرأى عسكرا ، فقال الراهب للحرس : من أين جئتم؟ قالوا : من العراق حاربنا الحسين بن عليّ عليه‌السلام. فقال الراهب : ابن فاطمة الزهراء ابن بنت رسولكم وابن عمّ نبيّكم. قالوا : نعم. قال : تبّا لكم يا معاشر القوم ، والله لو كان لعيسى ابن لحملناه على أحداقنا ، ولكن لي إليكم حاجة. قالوا : وما هي؟ قال : قولوا لرئيسكم عندي عشرة آلاف دينار ورثتها عن أبي وورثها أبي عن جدّي ليأخذها ويعطيني الرأس يكون

٥٦٢

عندي الى وقت الرحيل ، فإذا رحل رددته إليه.

فاخبروا عمر بن سعد بذلك فقال : خذوا منه الدنانير واعطوه الرأس الى وقت الرحيل.

فجاءوا الى الراهب فقالوا : هات المال حتى نعطيك الرأس. فأدلى الراهب جرابين في كلّ جراب خمسة آلاف دينار. فدعا عمر بالناقد والوزّان فانتقدا ووزنا ودفعها الى جارية له ، وأمر أن يعطى الرأس. فأخذ الراهب الرأس فغسّله ونظّفه وحشّاه بمسك وكافور كان عنده ثمّ جعله في حرير ووضعه في حجره ، ولم يزل ينوح ويبكي عليه حتى نادوه وطلبوا منه الرأس ، وقال : يا رأس والله ما أملك إلاّ نفسي فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدّك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله أسلمت على يديك وأنا مولاك. ثمّ قال لهم : إنّي أحتاج أن اكلّم رئيسكم بكلمة واعطيكم الرأس.

فدنا عمر بن سعد منه فقال له : سألتك بالله وبحقّ محمّد أن لا تعود الى ما كنت تفعله بهذا الرأس ، ولا يخرج هذا الرأس من هذا الصندوق.

فقال له : أفعل. فأعطاهم الرأس ونزل من ديره ، ولحق ببعض الجبال يعبد الله تعالى.

ومضى عمر بن سعد لعنة الله عليه ففعل بالرأس مثل ما كان يفعل في الأوّل ، فلمّا دنا من دمشق قال لأصحابه : انزلوا هذه اللّيلة حتى ندخل غدا دمشق. قال : ففعلوا ، فلمّا نزل عمر بن سعد لعنه الله قال للجارية : عليّ بالجرابين ، فاحضرا بين يديه ، فنظر الى خاتمه ، ثمّ أمر أن يفتحهما فإذا الدنانير قد تحوّلت خرقا ، فنظروا الى سكّتها فإذا على جانب مكتوب : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) (١) وعلى الوجه الآخر مكتوب : ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (٢) فقال : إنا لله وإنّا إليه راجعون خسرت الدنيا والآخرة. ثمّ قال لغلمانه : اطرحوها في النهر ،

__________________

(١) ابراهيم : ٤٢.

(٢) الشعراء : ٢٢٧.

٥٦٣

فطرحوها. ودخل دمشق من الغد ، وأدخل الرأس الى يزيد اللعين ، ودخل عليه رأس اليهود فرأى الرأس بين يديه ، فقال : يا أمير المؤمنين ما هذا الرأس؟ فقال : رأس خارجيّ خرج علينا بالعراق. قال : من هو؟ قال : الحسين. قال : ابن من؟ قال : ابن عليّ بن أبي طالب. قال : ومن امّه؟ قال : فاطمة. قال : ومن فاطمة؟ قال : بنت محمّد. قال : نبيّكم؟ قال : نعم. قال : لا جزاكم الله خيرا ، بالأمس كان نبيّكم واليوم قتلتم ابن ابنته ، ويحك أنّ بيني وبين داود عليه‌السلام نيفا وثلاثين أبا فإذا رأتني اليهود سجدوا لي. ثمّ مال الى الطشت فأخذ الرأس فقبّله وقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله ، وخرج. فأمر به يزيد اللعين فضربت عنقه.

واستفظع ذلك يزيد فأمر بالرأس فادخل القبّة التي بإزاء مجلسه الذي كان يأكل فيه ويشرب ، ووكّل بالرأس ، وكنّا تسعة وثلاثين رجلا ما خلا عمر بن سعد ، وأخذ عمر في قصف واكل وشرب وفي قلبي ما رأيت من أمر الكفّ والدنانير ، ولم يحملني النوم في تلك الليلة. فلمّا كان الليل سمعت دويّا من السماء وقعقعة الخيل وصهيلها ، وإذا مناد ينادي : يا آدم اهبط ، فهبط آدم عليه‌السلام ومعه خلق كثير من الملائكة ، فجلس وأحدقت الملائكة بالقبّة ثمّ سمعت دويّا كدويّ الأوّل فاذا مناد ينادي : يا ابراهيم اهبط فهبط ابراهيم عليه‌السلام ومعه خلق كثير من الملائكة ، فأحدقت الملائكة بالقبّة. ثمّ سمعت دويّا فاذا مناد ينادي : يا موسى اهبط فهبط موسى عليه‌السلام ومعه خلق كثير من الملائكة ، فأحدقت الملائكة بالقبّة. ثمّ سمعت دويا آخر فإذا مناد ينادي : يا عيسى اهبط ، قال : فهبط عيسى عليه‌السلام ومعه خلق كثير من الملائكة ، فأحدقت الملائكة بالقبّة. ثمّ سمعت دويّا عظيما فإذا بقعقعة اللجم وصهيل الخيل ومناد ينادي : يا محمّد اهبط ، قال : فهبط النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه خلق كثير من الملائكة ، فأحدقت الملائكة بالقبّة.

ثمّ إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل القبّة فأخذ الرأس منها وجمع بين البدن والرأس ، وأخذه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجاء به الى آدم عليه‌السلام ، وقال : يا أبي يا آدم ما ترى ما فعلت أمّتي بولدي بعدي. فاقشعرّ لذلك جلدي.

ثمّ قام جبرائيل الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : يا محمّد أنا صاحب الزلازل مرنى

٥٦٤

لازلزل بهم الأرض فأصيح بهم صيحة يهلكون فيها. فقال : لا. فقال : يا محمّد فدعني وهؤلاء الأربعين الموكّلين بالرأس. قال : دونك وإيّاهم. فجاء جبرائيل عليه‌السلام فجعل ينفخ في واحد واحد منّا نفخة فيهلك. فدنا منّي فجلست ، فقال : قبّحك الله وأنت جالس تسمع وترى؟ فقلت : نعم ، يا محمّد أدركني. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعوه دعوه والله لا يغفر الله له ، فتركني. فأخذوا الرأس وافتقدوا الرأس من تلك الليلة فما يعرف له خبر.

ولحق عمر بن سعد بالريّ ، فلمّا لحق سلطانه محق الله عمره فتوفي فلم يدخلها.

فقال الأعمش : فقلت للرجل : تنحّ عنّي لا تحرقني بنارك. فوليّت منصرفا ولا أدري ما كان من خبره (١).

وقال المنهال بن عمرو : أنا والله رأيت الحسين عليه‌السلام حين حمل وأنا بدمشق وبين يديه رجل يقرأ الكهف حتى بلغ قوله : ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) (٢) فأنطق الله الرأس بلسان ذلق ذرب وقال : أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي (٣).

قيل : ولمّا وضعت الرءوس بين يدي يزيد لعنه الله وفيها رأس الحسين عليه‌السلام قال :

يفلّق هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

ثمّ قال لعلّي بن الحسين عليه‌السلام : يا ابن حسين أبوك قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت. فقال عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : ( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) (٤).

فقال يزيد لابنه خالد : اردد عليه. فلم يدر خالد ما يردّ. عليه فقال له يزيد :

__________________

(١) الخرائج والجرائح : ج ٢ ص ٥٧٨ ـ ٥٨٢ ح ٢ مع اختلاف يسير.

(٢) الكهف : ٩.

(٣) الخرائج والجرائح : ج ٢ ص ٥٧٧ ح ١.

(٤) الحديد : ٢٢.

٥٦٥

قل له : ( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) (١).

ثمّ دخل بالنساء والصبيان واجلسوا بين يديه ، فرأى هيئة قبيحة ، فقال : قبّح الله ابن مرجانة لو كانت بينكم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم على هذا. ثمّ أمر بالنسوة أن ينزلن في منزل على حدة معهنّ أخوهنّ عليّ بن الحسين عليهم‌السلام ، فأفرد لهم دار تتصل بدار يزيد ، وأقاموا أيّاما.

ثمّ ندب يزيد النعمان بن بشير وقال له : تجهّز لتخرج بهؤلاء النسوة الى المدينة ، وتقدّم بكسوتهم ، وأنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولا تقدّم إليه أن يسير بهم في الليل ويكونون أمامه ، فإذا نزلوا تنحّى عنهم. وفرّق أصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم ، فسار معهم في جملة النعمان بن بشير ولم يزل ينازلهم في الطريق كما وصّاه يزيد وترفق بهم حتّى دخلوا المدينة (٢).

فصل

في الحوادث التي حدثت عند قتل الحسين عليه‌السلام

ممّا رواه السمعاني في أماليه والنطنزي في الخصائص : روى عليّ بن عاصم ، عن حصين ، قال : كنت بالكوفة فجاءنا قتل الحسين عليه‌السلام ، فمكثنا ثلاثا كأنّ وجوهها وجدرانها طليت رمادا. قلت : مثل من كنت يومئذ؟ قال : رجل متأهّل (٣).

وحدّث رزين ، قال : حدّثتني سلمى ، قالت : دخلت على أمّ سلمة رضى الله عنها وهي تبكي ، فقلت : ما يبكيك؟ قالت : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب. فقلت : مالك يا رسول الله؟ قال : شهدت قتل الحسين عليه‌السلام آنفا (٤).

ومن ذلك : ما رواه حمّاد عن عمّار بن أبي عمّار : أنّ ابن عبّاس رأى

__________________

(١) الشورى : ٣٠.

(٢) الإرشاد : ص ٢٤٧.

(٣) روي هذا المعنى في الفصول المهمة : ص ١٩٧.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٥٥.

٥٦٦

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامه يوما بنصف النهار وهو أشعث أغبر وفي يده قارورة فيها دم. قلت : يا رسول الله ما هذا الدم؟ قال : دم الحسين لم أزل ألتقطه منذ اليوم. فاحصي ذلك اليوم فوجد قتل فيه (١).

حدّث عليّ بن زيد بن جذعان ، قال : استيقظ ابن عبّاس من نومه فاسترجع وقال : قتل الحسين والله. فقال له أصحابه : حلاء يا ابن عبّاس. قال : حلاء ، رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النوم ومعه زجاجة من دم فقال : ألا تعلم ما صنعت أمّتي من بعدي ، قتلوا ابني الحسين ، وهذا دمه ودماء أصحابه أرفعه الى الله تعالى.

قال : فكتب ذلك اليوم والذي قال فيه وتلك الساعة ، فما لبثوا إلاّ أربعة وعشرين يوما حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنّه قتل ذلك اليوم وتلك الساعة (٢).

ومن ذلك : ما رواه عامر بن سعد البجلي ، قال : لمّا قتل الحسين عليه‌السلام رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام فقال لي : ائت البرّاء بن عازب فاقرأه منّي السلام ، وأخبره أنّ قتلة الحسين في النار ، وإن كاد الله تبارك وتعالى أن يسحت الناس كلّهم بعذاب. فأتيت البرّاء ، قال : خيرا رأيت ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من رآني في المنام فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتصوّر بصورتي.

ومن ذلك : عن أبي قبيل قال : لمّا قتل الحسين عليه‌السلام انكسفت الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف النهار ، حتى ظنّنا أنّها هي ، يعني القيامة (٣).

حدّث سفيان بن عيينة ، قال : حدّثتني جدّتي أمّ عيينة أنّ جمّالا كان يحمل ورسا وهو في قتله الحسين عليه‌السلام ، فصار ورسه رمادا (٤).

ومن ذلك : انّ آفاق السماء احمرّت ، فالحمرة التي ترى الى الآن منه.

حدّث هشام ، عن محمّد ـ يعني ابن سيرين ـ قال : لم تر هذه الحمرة في آفاق السماء حتى قتل الحسين عليه‌السلام (٥).

__________________

(١) اسد الغابة : ج ٢ ص ٢٢.

(٢) روي هذا المعنى في تذكرة الخواص : ص ٢٦٨ ، واسد الغابة : ج ٢ ص ٢٢.

(٣ ـ ٤ ـ ٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٥٤.

٥٦٧

ومن ذلك : انّهم رأوا النيران في لحم الجزور.

حدّث جرير ، عن يزيد بن أبي زياد ، قال : قتل الحسين عليه‌السلام ولي أربع عشرة سنة ، فصار الورس رمادا الذي كان في عسكرهم ، واحمرّت آفاق السماء ، ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها النيران (١).

ومن ذلك : انّ السماء مطرت دما.

قالت نضرة الأزديّة : لمّا قتل الحسين عليه‌السلام مطرت السماء دما ، فأصبحنا وحبابنا وجرارنا مملوءة دما (٢).

قال سليم القاصّ : لمّا قتل الحسين عليه‌السلام لم نرفع حجرا إلاّ وجدنا تحته دما عبيطا ، وصار الورس رمادا (٣).

حدّث محمّد بن سباع ، عن أبيه قال : لمّا انتهب متاع الحسين عليه‌السلام كان فيما انتهبوا ورس ، فما امتشطت به امرأة إلاّ برصت (٤).

وقال عمرو الكندي : حدّثتني أمّ حيان ، قالت : يوم قتل الحسين عليه‌السلام أظلمت علينا ثلاثا ، ولم يمسّ أحد شيئا من زعفرانهم فجعله على وجهه إلاّ احترق ، ولم تقلب حجر ببيت المقدس إلاّ أصبح تحته دما عبيطا (٥).

وقال عبد الملك بن كردوس : حدّثني حاجب ابن زياد ، قال لعنه الله : لمّا قتل الحسين عليه‌السلام صلّى المغرب ثمّ دخل فإذا نار في وجهه ، فقال : هكذا واتّقى بيده عن وجهه ، ثمّ التفت فقال : هل رأيت الذي رأيت؟ قلت : نعم. قال : لا تحدّث به أحدا (٦).

__________________

(١) روى أخطب خوارزم هذا المعنى سندا آخر في مقتل الحسين : ج ٢ ص ٩١.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٥٤. والحباب جمع الحب ، والجرار جمع الجرة : إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع.

(٣) روى أخطب خوارزم هذا المعنى بسند آخر في مقتل الحسين : ج ٢ ص ٩٠.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٥٦ مع اختلاف السند.

(٥) بحار الأنوار : ج ٤٥ ص ٢١٦ ذيل ح ٣٩ نقلا عن بعض كتب المناقب.

(٦) بحار الأنوار : ج ٤٥ ص ٣٠٨ باب ٤٦ ح ١١ عن بعض كتب المناقب.

٥٦٨

وقال داود بن سرحان : حدّثني عبيدة المكتب ، قال : كان لنا جار في بني سعيدة جسده أبيض لا ينكره ، ورأسه رأس زنجي ، فقلت له ذات يوم : يا عبد الله ما هذا الذي أرى بك؟ فقال : أما انّي ما أخبرت به أحدا وسأخبرك ، انّي كنت في عسكر عمر بن سعد لعنه الله ، وإنّى أخذت رأسا من رءوس أصحاب الحسين عليه‌السلام فأصبحت وبي ما ترى ، ثمّ لست أنام إلاّ رأيت ذلك الرأس في النوم يأخذني فيكبّني على وجهي في النار ، وقد عرف أهلي ذلك ، فإذا نمت أيقظوني وأنبهوني.

وقال قرّة بن خالد ، عن أبي رجاء العطارديّ ، قال : لا تسبّوا أهل هذا البيت فإنّ خالي من بني الهجيم حين قتل الحسين عليه‌السلام قال : ألم تروا الى هذا الفاسق ابن الفاسق ، فرماه الله تعالى بكوكبين من السماء فطمسا بصره (١).

حدّث أبو حباب الكلبيّ ، قال : أتيت كربلاء فقلت لرجل من أشراف العرب بها : بلغنا أنّكم تسمعون نوح الجنّ. فقال : ما تلقى حرّا ولا عبدا إلاّ أخبرك أنّه سمع ذاك. قلت : فأخبرني ما سمعت أنت؟

قال : سمعتهم يقولون :

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش

وجدّه خير الجدود (٢)

وحدّث ابن جابر الحضرمي ، عن امّه ، قالت : سمعت الجنّ تنوح على الحسين عليه‌السلام فتقول :

أنعي حسينا هبلا

كان حسين جبلا

وقال السدي : أتيت كربلاء أبيع البرّ بها ، فعمل لنا شيخ من طي طعاما فتعشّينا عنده ، فذكرنا قتل الحسين عليه‌السلام فقلنا : ما شرك في قتله أحد إلاّ مات بأسوإ ميتة. فقال : ما أكذبكم يا أهل العراق فأنا ممّن شرك في ذلك. فلم نبرح حتّى دنا من المصباح وهو يتّقد بنفط فذهب يخرج الفتيلة بإصبعه فأخذت النار فيها ، فذهب

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٥٨ مع اختلاف.

(٢) كامل الزيارات : ص ٩٤.

٥٦٩

يطفئها بريقه فأخذت النار في لحيته ، فعدا فألقى نفسه في الماء فرأيته كأنّه حمهة (١).

وحدّث عبد الرحمن بن مسلم ، عن أبيه ، قال : غزونا بلاد الروم فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من القسطنطنيّة وعليها شيء مكتوب ، فسألنا اناسا من أهل الشام يقرءون بالروميّة فإذا فيها مكتوب :

أترجو أمّة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

فسألنا من في أيدينا من الروم ، فقالوا : هذا مكتوب قبل أن يبعث نبيّكم بزمان طويل (٢).

وقال ابن جبير ، عن ابن عبّاس رضى الله عنهما ، قال : أوحى الله تعالى الى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وأنّي قاتل بابن بنتك سبعين ألفا (٣).

ومن ذلك : ما انفرد به النطنزي في كتاب الخصائص : روي عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، قال : لمّا قتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام بعث برأسه الى يزيد ، وشربوا في أوّل مرحلة فجعلوا يشربون ويتحيون بالرأس فيما بينهم ، فخرجت عليهم كفّ من حائط معها قلم من حديد وكتبت سطرا بدم :

أترجو أمّة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب (٤)

وفي رواية اخرى كذلك : الا انّ يزيدا كان يشرب إذ خرجت إليه يد من حائط وهو في شرب له مكتوب فيها بدم :

أترجو أمّة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

وقيل : سمع خاطب في المدينة في الهواء يقول :

يا من يقول بفضل آل محمّد

بلّغ رسالتنا بغير توان

__________________

(١) يعني : رمادا.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٦١ قريب منه.

(٣) بحار الأنوار : ج ٤٥ ص ٣١٤ باب ٤٦ ذيل ح ١٤ نقلا عن بعض كتب الأصحاب ، مقتل الخوارزمي : ج ٢ ص ٩٦.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٦١.

٥٧٠

قتلت شرار بني اميّة سيّدا

خير البريّة ماجدا ذا شأن

ابن المفضّل في السماء وأرضها

سبط النبيّ وهادم الأوثان

بكت المشارق والمغارب بعد ما

بكت الأنام له بكلّ مكان

فابكوا الغريب بكربلاء ورماله

ابن النبيّ وخيرة النسوان

فجاء فأخبروا به أمّ سلمة ، فأبصرت القارورة صارت دما.

حدّث عليّ بن محمّد بن مهرويه وإسماعيل بن عبد الوهاب ، قالا : حدّثنا أبو أحمد داود بن سليمان بن يوسف بن عبد الله الرازي ، قال : سمعت عليّ بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن جعفر الصادق عليهم‌السلام ، قال : لمّا قتل الحسين بن عليّ عليهما‌السلام مرّ بقبره أربعة آلاف (١) ملك فصعدوا الى السماء ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليهم : يا ملائكتي مررتم بأهل بيت نبيّي ولم تنصروه! اهبطوا الى قبره فقوموا عليه شعثا غبرا الى أن تقوم الساعة (٢).

وحدّث يحيى بن سالم ، عن أبي اسامة ، عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، قال : هبط على قبر الحسين عليه‌السلام يوم اصيب ـ يعني يوم عاشوراء ـ سبعون ألف ملك يبكون عليه الى يوم القيامة (٣).

وحدّث عليّ بن مسهر ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، قال : لمّا قتل عبيد الله بن زياد لعنه الله اتي المختار برأسه ورءوس أصحابه فالقيت في الرحبة ، فقام الناس إليها ، فبينا هم كذلك إذ جاءت حيّة عظيمة فتفرّق الناس من فزعها ، فجاءت تتخلّل الرءوس حتّى دخلت في منخر عبيد الله بن زياد لعنه الله ثمّ خرجت من فيه ، ثمّ دخلت في فيه وخرجت من أنفه ، ففعلت به ذلك مرارا ، ثمّ ذهبت ، ثمّ عادت وفعلت مثل ذلك ، فجعلوا يقولون : قد جاءت قد جاءت قد ذهبت قد ذهبت ، لا يدرى من أين جاءت ولا أين ذهبت (٤).

__________________

(١) في الأصل : ألف.

(٢) كامل الزيارات : ص ١١٩.

(٣) كامل الزيارات : ص ٨٤.

(٤) ثواب الأعمال : ص ٢٦٠ ح ٩ ، تذكرة الخواص : ص ٢٨٦ مختصرا.

٥٧١

وحدّث محمّد بن زكريا ، قال : حدّثنا عبد الله بن الضحّاك ، قال : حدّثنا هشام بن محمّد ، قال : لمّا اجري الماء على قبر الحسين عليه‌السلام نضب بعد أربعين يوما وامتحى أثر القبر ، فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمّه حتى وقع على قبر الحسين عليه‌السلام ، فبكى حين شمّه وقال : بأبي وأمي ما كان أطيبك وأطيب قبرك وتربتك ، ثمّ أنشأ يقول :

أرادوا ليخفوا قبره عن وليّه

فطيب تراب القبر دلّ على القبر

وهذا القتل أفظع وأشنع ما وقع في الإسلام. قيل للحسن البصري : يا با سعد قتل الحسين بن عليّ عليهما‌السلام. فبكى حتى اختلج جبناه (١) ثمّ قال : وا ويلاه قتل ابن دعيّها ابن نبيّها (٢).

وروي أنّ الله تعالى أهبط إليه أربعة ألف ملك ، وخيّر النصر على أعدائه أو لقاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاختار لقاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمرهم عزّ وجلّ بالمقام عند قبره ، فهم شعث غبر ينتظرون قيام القائم عليه‌السلام (٣).

وقال أبو عبد الله جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : وجد بالحسين عليه‌السلام ثلاث وثلاثون طعنة ، وأربع وعشرون ضربة (٤). ووجد في جبّة خزّ دكناء كانت عليه مائة خرق وبضعة عشر خرقا ما بين طعنة وضربة ورمية. وروي : مائة وعشرون.

وصار الى كرامة الله تعالى يوم السبت العاشر من المحرّم. وقيل : الاثنين سنة إحدى وستّين من الهجرة. وسنّة يومئذ ثمان وخمسون سنة.

وقد جاءت روايات كثيرة في فضل زيارته ، بل في وجوبها ، قال الصادق عليه‌السلام : زيارة الحسين عليه‌السلام واجبة على كلّ من يقرّ للحسين بالإمامة من الله عزّ وجلّ (٥).

__________________

(١) كذا في أنساب الأشراف ، وفي الأصل : اجبناه ـ أو ـ اجبتاه.

(٢) أنساب الأشراف : ج ٣ ص ٢٢٧.

(٣) ورد هذا المضمون في روايتين ملفّقا : انظر اللهوف : ص ٤٤ ، وكامل الزيارات : ص ٨٤.

(٤) اللهوف : ص ٥٦ وفيه : واربع وثلاثون ضربة ..

(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ١٢٨.

٥٧٢

فصل

في بعض ما رثي به الحسين عليه‌السلام

قيل : وقف سليمان بن قبة بمصارع الحسين عليه‌السلام وأصحابه بكربلاء ، فاتّكأ على قوسه وجعل يبكي ويقول :

وإنّ قتيل الطفّ من آل هاشم

أذلّ رقابا من قريش فذلّت (١)

مررت على أبيات آل محمّد

فلم أرها أمثالها يوم حلّت

فلا يبعد الله الديار وأهلها

وان أصبحت منهم برغمي تخلّت (٢)

ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضة

لفقد حسين والبلاد اقشعرّت

وكانوا رجاء ثمّ عادوا رزيّة

لقد عظمت تلك الرزايا وجلّت (٣)

وهو أوّل من رثى الحسين عليه‌السلام.

وقال احمد الصنوبريّ في مثل ذلك :

هل أصاخ كما عهدنا أصاخا

حبّذا ذلك المناخ مناخا

ذكر يوم الشهيد بالطف أودى

بصماخي فلم يدع لي صماخا

ذي الدماء التي تطيل مواليه

اختضابا بطيبها والتطاخا

متبعات نساؤه النوح نوحا

رافعات اثر الصّراخ صراخا

منعوه ماء الفرات وظلّوا

يتعاطونه زلالا نقاخا

ابن بنت النبيّ أكرم به ابنا

واسناخ جدّه أسناخا

ابن من وازر النبيّ وو الى

ابن من خادن النبيّ وواخى

ابن من كان للكريهة ركّابا

وفي وجه هولها رسّاخا

للطلي تحت قسطل الحرب ضرّابا

وللهام في الوغى شدّاخا

بأبي عترة النبيّ وامّي

صدّ عنّي معاندا وأصاخا

__________________

(١) في المناقب : أذلّ رقاب المسلمين فذلّت.

(٢) هذا البيت غير موجود في المناقب.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ١١٧.

٥٧٣

خير ذا الخلق صبية وشبابا

وكهولا وخيرهم أشياخا

أخذوا صدر مفخر العزّ مذ كانوا

وخلّوا للعالمين المخاخا

التقيين حيث كانوا جيوبا

حين لا تأمن الجيوب اتساخا

يألفون الطوى إذا ألف الناس

استواء من فيئهم واطّباخا

بهواهم يزهو ويشمخ من قد

كان في الناس زاهيا شمّاخا

خلقوا أسخياء لا متساخين

وليس السخيّ من يتساخى

أهل فضل تناسخوا الفضل شيبا

وشبابا أكرم بذاك انتساخا

ما عليهم أناخ كلكله الدّهر

ولكن على الأنام أناخا

وعليك السلام يا ابن رسول الله

ما لاح ضوء نجم وباخا

وقال أبو السعادات : اجتمعت بالمعرّي فجرى بيننا كلام ، فقال أبو العلاء : ما سمعت في مراثي الحسين بن عليّ عليهما‌السلام مرثية تكتب.

قال : فقلت له : قد قال رجل من فلاّحي بلدنا أبياتا يعجز عنها شيخ تنوخ.

فقال لي : أنشد. فأنشدته :

رأس ابن بنت محمّد ووصيّه

للمسلمين على قناة ترفع (١)

والمسلمون بمنظر وبمسمع

لا جازع فيهم ولا متوجّع (٢)

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصمّ رزؤك كلّ اذن تسمع

أيقظت أجفانا وكنت لها كرى

وأنمت عينا لم يكن بك تهجع

ما روضة إلاّ تمنّت أنّها

لك تربة (٣) ولخط قبرك مضجع (٤)

وقيل : إنّ أوّل من رثى الحسين عليه‌السلام عقبة بن عميق السهمي من بني سهم بن عوف بن غالب ، وهو قوله :

إذا العين قرّت في الحياة وأنتم

تخافون في الدنيا فأظلم نورها

__________________

(١) في المناقب : للناظرين على قناة يرفع.

(٢) في المناقب : لا منكر منهم ولا متفجع.

(٣) في المناقب : منزل.

(٤) لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ١٢٦ والأبيات منسوبة الى دعبل.

٥٧٤

مررت على قبر الحسين بكربلاء

ففاض عليه من دموعي غزيرها

فما زلت أبكيه وأرثي لشجوه (١)

ويسعد عيني دمعها وزفيرها

وبكيت من بعد الحسين عصائبا

أطافت به من جانبيها قبورها

سلام على أهل القبور بكربلاء

وقل لها منّي سلام يزورها

سلام بآصال العشيّ وبالضحى

تؤدّيه نكباء الرّياح ومورها (٢)

ولا يبرح الوفّاد زوّار قبره

يفوح عليهم مسكها وعبيرها (٣)

فصل

في ذكر ولد الحسين عليهم‌السلام

وكان للحسين عليه‌السلام ستة أولاد : عليّ بن الحسين الأكبر ، كنيته : أبو محمّد ، وامّه : شاه زنان بنت كسرى يزدجرد.

وعليّ بن الحسين الأصغر قتل مع أبيه بالطفّ ، وقد تقدّم ذكره ، وامّه : ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفيّة.

وجعفر بن الحسين ، وامّه : قضاعيّة ، وكانت وفاته في حياة الحسين عليه‌السلام.

وعبد الله بن الحسين قتل مع أبيه صغيرا ، جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه.

وسكينة بنت الحسين ، وامّها : الرباب بنت امرؤ القيس بن عديّ ، وهي أمّ عبد الله أيضا.

وفاطمة بنت الحسين ، وامّها : أمّ إسحاق بن طلحة بنت عبيد الله تيميّة.

__________________

(١) في المناقب : فما زلت أرثيه وأبكي لشجوه. والشجو : الهم والحزن.

(٢) في المصدر : نكباء الصبا ودبورها.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ١٢٣.

٥٧٥
٥٧٦

الباب السادس

في ذكر أبي محمّد

عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام

وذكر مولده وشيء من أخباره

ومعجزاته ووقت وفاته وسببها

وموضع قبره وعدد أولاده

وشيء من أخبارهم

٥٧٧
٥٧٨

فصل

في ذكر مولده وبعض صفاته عليه‌السلام

هو عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما‌السلام. ـ

وكنيته : أبو محمّد ، وكان يكنّى أيضا أبا الحسن.

وكان مولده بالمدينة سنة ثمان وثلاثين من الهجرة.

امّه : شاه زنان بنت كسرى يزدجرد بن شهريار. ويقال : إنّ اسمها شهربانويه.

وفيها روايتان : أمّا المفيد رضي‌الله‌عنه فإنّه قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام ولّى حريث بن جابر جانبا من المشرق ، فبعث إليه ببنتي يزدجرد بن شهريار ، فنحل ابنه الحسين بن عليّ عليهما‌السلام شاه زنان منهما ، فأولدها زين العابدين ، ونحل الاخرى محمّد بن أبي بكر فولدت له القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، فهما ابنا خالة (١).

وأمّا أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري ـ ليس التاريخي ـ فإنّه قال : لمّا ورد سبي الفرس الى المدينة أراد عمر بن الخطّاب بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيدا. فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال : « أكرموا كريم كلّ قوم » فقال عمر : قد سمعته يقول : « إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وإن خالفكم » فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلم ورغبوا

__________________

(١) الإرشاد : ص ٢٥٣.

٥٧٩

في الإسلام ، ولا بدّ من أن يكون لي منهم ذرّيّة ، وأنا اشهد الله واشهدكم انّي قد عتقت نصيبي منهم لوجه الله تعالى. فقال جميع بني هاشم : قد وهبنا حقّنا أيضا لك. فقال : اللهمّ اشهد انّى قد عتقت ما وهبوني لوجه الله. فقال المهاجرون والأنصار : وقد وهبنا حقّنا لك يا أخا رسول الله. فقال : اشهد أنّهم قد وهبوا لي حقّهم وقبلته ، واشهدك أنّي قد عتقتهم لوجهك. فقال عمر : لم نقضت عليّ عزمي في الأعاجم؟ وما الذي رغّبك عن رأيي فيهم؟ فأعاد عليه ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إكرام الكرماء. فقال عمر : فقد وهبت لله ولك يا با الحسن ما يخصّني وسائر ما لم يوهب لك. فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اللهمّ اشهد على ما قالوه وعلى عتقي إيّاهم.

فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : هؤلاء لا يكرهن على ذلك ولكن يخيّرن فما اخترنه عمل به.

فأشار جماعة الى شهربانويه بنت كسرى ، فخيّرت وخوطبت من وراء حجاب والجمع حضور ، فقيل لها : من تختارين من خطّابك؟ وهل أنت ممّن تريدين بعلا؟ فسكتت. فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قد أرادت وبقي الاختيار. فقال عمر : وما علمك بإرادتها البعل؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا أتته كريمة قوم لا وليّ لها وقد خطبت يأمر أن يقال لها : أنت راضية بالبعل ، فإن استحيت وسكتت جعل إذنها صماتها وأمر بتزويجها ، فإن قالت « لا » لم تكره على ما تختاره. وإنّ شهربانويه اريت الخطّاب فأومت بيدها فاختارت الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، فاعيد القول عليها في التخيير فأشارت بيدها وقالت بلغتها : هذا إن كنت مخيّرة ، وجعلت أمير المؤمنين وليّها. وتكلّم حذيفة بالخطبة.

فقال لها أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما اسمك؟ قالت : شاه زنان بنت كسرى.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : نه شاه زنان نيست مگر دختر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، وهي سيّدة النساء ، أنت شهربانويه ، واختك مرواريد بنت كسرى.

__________________

(١) في الأصل : نه شاه زنان بنت بر امر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٥٨٠