الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي

الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

المؤلف:

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-064-3
الصفحات: ٨٣٢

أبي طالب يباهي الله عزّ وجلّ بك الملائكة ، فأنزل الله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) (١).

وقال صالح بن ميثم ، عن زاذان بن سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه أنّه قال : كنّا جلوسا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجده بعد قدومه من حجّة الوداع ، إذ جاءه أعرابي فحيّاه بتحيّة الإسلام ، ثمّ قال : وأيم الله لقد آمنّا بك يا رسول الله قبل أن نلقاك ، واتّبعناك قبل أن نراك ، جاءتنا رسلك فدعتنا الى أن نعبد الله وحده ونذر ما ألفينا عليه آباءنا من عبادة أوثانها وطواغيتها ، فعرفنا حقّ ذلك فآمنّا ، وأمرتنا عنك بالصلاة فصلّينا ، وبالزكاة فزكّينا ، وبالصيام فصمنا ، واستنهضتنا الى جهاد من يلينا من قومنا فسمعنا وأطعنا ، ثمّ نبّأتنا أنّ الله كتب علينا الحجّ الى بيته الحرام ، فأردت أن أقبل إليك مع من أقبل إليك من قومي فمرضت فلم استطع مسيرا ، فلمّا ذهب عنّي ما كنت أجد أقبلت إليك فتوجّه معي من شهد المنسك معك ، فنبّئني بأبي أنت وامّي من الحجّ هل هو في كلّ عام أم نقطع بحجّتك هذه يا نبيّ الله؟

قال : بل هو قائم أجرها في كلّ عام.

قال : فهل كتب على الناس ذلك أم تجزيهم حجّة واحدة؟

قال : الله أرحم بخلقه في ذلك ، لا بل تجزيهم حجّة واحدة.

قال : فأنا منطلق لوجهي هذا فحاجّ الى بيت الله الحرام.

قال له : لا بل أقم ببلاد قومك أو حيث شئت من بلاد الله حتى تأتي أشهر الحج ، فإذا جاءت فسر حتى تشهد الإفاضتين من عرفة ومزدلفة في شهر ذي الحجّة ، فانّ الله جعل للحجّ ميقاتا.

قال : فإذا دنا الشهر فإنّي قادم فمطلعك يا نبيّ الله على ما احدثه في حجّتي فإنّي امرؤ نسيّ.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف قد نعيت إليّ نفسي واوحي إليّ انّي غير لابث في الناس

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٢ ص ٦٥.

٣٢١

إلاّ قليلا ، فإن قدمت فلم تجدني فاسأل هذا ، وأخذ بكتف (١) عليّ عليه‌السلام فاشتالها وكان الى جانبه.

فقال الأعرابي : ومن هذا بأبي أنت وامّي؟

فقال : هذا عليّ بن أبي طالب ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، فهو منّي ومن شجرتي ، ومن قد آتاه الله حلمي وعلمي ، وجعل منزلته منّي بمنزلتي من ربّي ، وهو وليّ المؤمنين بعدي.

قال : فنحنح الأعرابي ثمّ قال عن عليّ عليه‌السلام : والله أردت أن أسأل عنه مع الذي سألت فإنّ حجيج قومي ممّن شهد ذلك أخبرونا أنّك أقمت عليّا بعد قفولك من الحجّ بالشجرات من خمّ ، فافترضت على المسلمين محبّته وطاعته وأوجبت عليهم جميعا ولايته ، وقد أكبروا علينا في ذلك فبيّن لنا يا نبيّ الله فذلك فريضة علينا من الأرض لما ادنته الرحم منك أم الله افترض ولايته على أهل السماوات والأرض جميعا ، فانّي راض مسلّم لله ولرسوله؟

قال : أفلا اخبرك عن فضل عليّ؟

قال : بلى بأبي أنت وامّي.

قال : إنّه لمّا كان يوم احد وانقضّت علينا قريش فيمن أجلبت به علينا من حلفائها وانهزم المسلمون بعد ما اصيب منهم وقتل عمّي حمزة ، فانّي وعليّ على الصخرة من سلع ولم يبق معي غيره الاّ من صعد الجبل ، وقد قتل الله بيده يومئذ من المشركين من قتل وردّ به منهم من ردّ ، إذ هبط عليّ جبرائيل عليه‌السلام فقال : يا أحمد إنّ الله يقرئ عليك السلام ويقول لك : إنّي عن عليّ راض وانّي آليت على نفسي أن لا يحبّه عبد إلاّ أحببته ، ومن أحببته لم اعذبه بناري ، وأن لا يبغضه عبد إلاّ أبغضته ، ومن أبغضته لم يكن له في الجنّة نصيب. وكان الأعرابي قد اعتزى الى بني عامر ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا اخبرك يا أخا بني عامر عن فضل عليّ بفضيلة ثانية؟

__________________

(١) كذا في ظاهر الأصل.

٣٢٢

قال : بلى يا نبيّ الله انّي احبّ أن أسمع ذلك في من أحبّه الله ورسوله.

قال له : غزتنا الأحزاب من قريش ومن ظاهرهم علينا من قبائل العرب ، والمشركون يومئذ كما قال الله تعالى : ( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ ) فتلا عليه‌السلام الى قوله عزّ وجلّ : ( وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً ) ففضّ الله بيد عليّ عليه‌السلام المشركين وحصد شوكتهم وقتل عمرا فارسهم ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان لله يومئذ جندان عليّ والريح ، فضرب بهما وجوه المشركين وردّهم على أعقابهم ما نالوا خيرا ، وهبط عليّ بقية اليوم جبرائيل عليه‌السلام فقال : يا أحمد إنّ الله تعالى يقرئ عليك السلام ويقول لك : إنّي افترضت الصلاة على عبادي فوضعتها عن العليل الذي لا يستطيعها ، وافترضت الزكاة فوضعتها عن المقلّ ، وافترضت الصوم فوضعته عن المريض والمسافر ، وافترضت الحجّ فوضعته عن المعدم وعن من لم يجد السبيل إليه ، وافترضت حبّ عليّ بن أبي طالب ومودّته على أهل السماوات والأرض فلم أعذر في حبّه أحدا من أمّتك ، فمن أحبّه فبحبّي وحبّك احبّه ، ومن ابغضه فببغضي وبغضك ابغضه. ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أولا اخبرك له بمنقبة ثالثة؟

قال : بلى فداك أبي وامّي.

قال : أما انّه ما أنزل الله كتابا ولا خلق خلقا إلاّ وجعل له سيّدا ، فالقرآن سيّد الكتب ، وآية الكرسي سيّدة آي القرآن ، وشهر رمضان سيّد الشهور ، وليلة القدر سيّدة الليالي ، والفردوس سيّد الجنان ، وبيت الله الحرام سيّد البقاع ، وجبرائيل عليه‌السلام سيّد الملائكة ، وأنا سيّد الأنبياء ، وعليّ سيّد الأوصياء ، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، ولكلّ امرئ من عمله سيّد ، وحبّي وحبّ عليّ بن أبي طالب سيّد الأعمال ممّا يتقرّب به المتقرّبون من طاعة ربّهم. يا أخا بني عامر ألا انبئك بالرابعة؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : إذا كان يوم القيامة نصب لأبي إبراهيم عليه‌السلام منبر عن يمين العرش ، ونصب لي منبر عن شمال العرش ، ثمّ يدعى بكرسي يزهو نورا فينصب بين

٣٢٣

المنبرين فيكون أبي إبراهيم عليه‌السلام على منبره وأكون أنا على منبري ويكون أخي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام على ذلك الكرسي ، فما رأيت أحسن منه حبيبا بين خليلين.

ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا انبئك بالخامسة؟

قال : بلى يا نبيّ الله.

قال : إنّ حبّ عليّ بن أبي طالب إيمان وبغضه نفاق ، حبّه شجرة أصلها في الجنّة وأغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصن منها أخذته الى الجنّة. وبغضه شجرة في النار وأغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصن منها أخذته الى النار. يا أخا بني عامر ما هبط عليّ جبرائيل عليه‌السلام إلاّ سألني عن عليّ ، ولا عرج الى السماء إلاّ قال : اقرأ عليّا منّي السلام (١).

وفضائله عليه‌السلام أكثر من أن تحصى كثيرا ، إنّما اقتصرنا منها على ما لا يطول بها الكتاب. ومن ذلك : سبقه الى الإسلام ، وقرباه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي الكتاب العزيز : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢) وعناؤه في صدر الإسلام الذي شرف عن كلّ ملام ، وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أمره ان يخلّفه في المدينة لمّا خرج إلى تبوك : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى » (٣) وإنّما أراد قول الله تعالى : ( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (٤) ، ونومه على الفراش ، وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » (٥) وقوله عنه يوم احد وأعطاه الراية (٦) ، وحديث الطائر (٧) وزواجه بفاطمة عليها‌السلام ، وولداه الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له وتربيته على قدر أخلاقه ، وآمن به قبل كلّ أحد ،

__________________

(١) الفضائل لابن شاذان : ص ١٤٧ ـ ١٤٨ ، بحار الأنوار : ج ٤٠ ص ٤٦ باب ٩١ ح ٨٣. مع اختلاف.

(٢) الشورى : ٢٣.

(٣) بحار الأنوار : ج ٣٧ ص ٢٥٤ باب ٥٣.

(٤) الأعراف : ١٤٢.

(٥) بحار الأنوار : ج ٣٧ ص ١٠٨ باب ٥٢.

(٦) مناقب ابن المغازلي : ص ٤٤١ ح ٢٧.

(٧) مناقب ابن المغازلي : ص ١٥٦ ح ١٨٩.

٣٢٤

وصلّى معه سبع سنين قبل أن يصلّي أحد من الرجال. قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ الله تعالى جعل لأخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا تحصى كثرة ، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّا بها غفر الله له ما تقدّم من ذنوبه التي اكتسبها بلسانه ، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة أثر ، ومن استمع الى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع ، ومن نظر الى كتاب فيه فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر ، والنظر الى عليّ عبادة ، وذكره عبادة ، ولا يقبل الله إيمان عبد إلاّ بولايته والبراءة من أعدائه » (١).

قال عبد الله بن العبّاس رضي الله عنهما : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أيّها الناس نحن في القيامة ركبان أربعة ليس غيرنا. فقال له قائل : بأبي أنت وامّي يا رسول الله من الركبان؟

قال : أنا على البراق ، وأخي صالح على ناقة الله التي عقرها قومه ، وابنتي فاطمة على ناقتي العضباء ، وعليّ بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنّة ، خطمها من اللؤلؤ الرطب ، وعيناها من ياقوتتين حمراوتين ، وبطنها من زبرجد أخضر ، عليها قبّة من لؤلؤة بيضاء يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها ، ظاهرها من رحمة الله وباطنها من عفو الله ، إذا أقبلت رفّت ، وإذا أدبرت زفّت ، وهو أمامي ، على رأسه تاج من نور يضيء لأهل الجمع ، ذلك التاج له سبعون ركنا ، كلّ ركن يضيء كالكوكب الدريّ في افق السماء ، وبيده لواء الحمد وهو ينادي في القيامة : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، فلا يمرّ بملإ من الملائكة إلاّ قالوا نبيّ مرسل ، ولا يمرّ بنبيّ إلاّ يقول : ملك مقرّب. فينادي مناد من بطنان العرش : يا أيّها الناس ليس هذا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا حامل عرش ، هذا عليّ بن أبي طالب (٢) ، وتجيء شيعته من بعده فينادي مناد لشيعته من أنتم؟ فيقولون : نحن العلويّون.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ١٩٦ باب ٦٤ ح ٤.

(٢) اليقين : ص ١٨٤ ـ ١٨٥ الباب التاسع والثمانون بعد المائة ، بحار الأنوار : ج ٤ ص ٢٣ باب ٩١ ح ٤٣.

٣٢٥

فيأتيهم النداء : يا أيّها العلويّون أنتم آمنون ادخلوا الجنّة مع من كنتم توالون.

وقال جابر بن عبد الله : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّها الناس اتّقوا الله واسمعوا.

قالوا : لمن السمع والطاعة بعدك يا رسول الله؟

قال : لأخي وابن عمّي ووصيّي عليّ بن أبي طالب.

قال جابر بن عبد الله : فعصوه والله وخالفوه وحملوا عليه بالسيوف (١).

وقال هاشم بن عروة ، عن أبيه أنّه قال : قالت عائشة : كنت جالسة عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : يا عائشة أيسرّك أن تنظري الى سيّد العرب فانظري إلى عليّ بن أبي طالب.

فقالت : يا رسول الله ألست سيّد العرب؟

قال : أنا سيّد ولد آدم وعليّ سيّد العرب (٢).

وقال مجاهد : قال ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : يا عليّ إنّ الله عزّ وجلّ كان ولا شيء ، فخلقني وخلقك من نور جلاله ، فكنّا أمام عرش ربّ العالمين نسبّح الله ونقدّسه ، وذلك قبل أن يخلق الله السماوات والأرض. فلمّا أراد الله أن يخلق آدم عليه‌السلام خلقني وإيّاك من طينة واحدة ، من طينة علّيين ، وعجنت بذلك النور وغمست في جميع الأنوار وأنهار الجنّة ، ثمّ خلق آدم واستودع صلبه تلك الطينة والنور ، فلمّا خلقه استخرج ذرّيته من ظهره واستنطقهم وقرّرهم بربوبيته ، فأوّل خلق أقرّ له بالربوبية والتوحيد أنا ، ثمّ أنت ، ثمّ النبيّون على قدر منازلهم وقربهم من الله تعالى ، فقال الله تبارك وتعالى : قد صدقتما وأقررتما يا محمّد ويا عليّ وسبقتما خلقي الى طاعتي فكذلك كنتما في سابق علمي فيكما ، وأنتما صفوتي من خلقي وذرّيتكما وشيعتكما ، ولذلك خلقتكما. يا عليّ فكانت الطينة في آدم عليه‌السلام ونوري ونورك بين عينيه ، تنتقل بين أعين النبيّين والمنتجبين حتى وصل النور والطينة الى صلب عبد المطّلب ، فافرق نصفين ، فخلقني الله من

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ١١٠ باب ٦١ ح ٤٣.

(٢) مناقب ابن المغازلي : ص ٢١٣ ح ٢٥٧.

٣٢٦

نصفه فاتّخذني نبيّا ورسولا وخلقك من النصف الآخر فاتّخذك خليفة على خلقه ووليّا ، فلمّا كنت من ربّي قاب قوسين أو أدنى قال : يا محمّد ، عليّ أطوع خلقي لك فاتّخذه خليفة ووصيّا فقد اتّخذته صفيّا ووليّا ، يا محمّد كتبت اسمك واسم عليّ على عرشي من قبل أن أخلق خلقي محبّة لكما منّي ولمن أحبّكما ووالاكما وأطاعكما ، فمن أحبّكما وتولاّكما كان عندي من المقرّبين ، ومن جحد حقّكما وولايتكما وعدل عنكما كان عندي من الكافرين الضالّين.

يا عليّ فمن ذا يلج بيني وبينك وأنا وأنت من نور واحد ومن طينة واحدة ، وأنت أحقّ الناس بي في الدنيا والآخرة ، ولدك ولدي ، وشيعتك شيعتي ، وأولياؤك أوليائي وهم معك غدا في الجنّة جيراني (١).

وحدّث في كتاب الشرواني من كتب العامّة ما هذا صورته : روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ عليه‌السلام : يا عليّ قف اليوم على الباب ولا تمكّن أحدا يدخل عليّ فإنّ عندي زوّارا من الملائكة استأذنوا ربّهم أن يزوروني.

فوقف عليّ عليه‌السلام على الباب ، فجاء عمر بن الخطاب فقال : يا عليّ استأذن لي على رسول الله. فقال : ما عليه إذن ، فرجع كئيبا محزونا. ثمّ إنّه عاد وقال : يا عليّ استأذن لي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال : ما عليه إذن.

فقال : ولم ذلك؟

فقال : لأنّ عنده زوّارا من الملائكة استأذنوا ربّهم أن يزوروه.

قال : وكم هم؟

قال : ثلاثمائة وستّون ملكا.

قال : فطابت نفس عمر عند ذلك. ثمّ أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفتح الباب ، فدخل عليّ عليه‌السلام وعمر ، فأخبره عمر بما قال له عليّ عليه‌السلام ، ثمّ قال : يا رسول الله وأخبرني أيضا بعددهم.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٣ باب ١ ح ٥.

٣٢٧

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بكم أخبرك يا عمر؟

قال : ثلاثمائة وستّين ملكا.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ أنت أخبرت عمر بعدد الملائكة؟

قال : نعم.

قال : وما علّمك بهذا؟

قال : يا رسول الله سمعت ثلاثمائة وستّين نغمة ، فعرفت أنّ كلّ نغمة ملكا.

قال : فضرب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على صدر عليّ عليه‌السلام وقال له : زادك علما ويقينا (١).

وقال الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أنّه قال : كنت عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال لي النبيّ عليه‌السلام : تدري من هذا؟

قلت : هذا عليّ بن أبي طالب.

فقال النبي عليه‌السلام : هذا البحر الزاخر ، هذا الشمس الطالعة ، أسخى من الفرات كفّا ، وأوسع من الدنيا قلبا ، فمن بغضه فعليه لعنة الله (٢).

وروى النطنزي في كتاب الخصائص ما ذكره بحذف الإسناد ، قال : حدّث أبو حسين التيمي اسماعيل بن إبراهيم ، عن سيف بن هارون ، عن ابي الطفيل عامر ابن واثلة ، قال : أصاب رجلا منّا صداع كثير فأتى به أبوه الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأجلسه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومدّ جلدة ما بين عينيه حتى سمع لها صوت وسكن عن الرجل الصداع ، ونبت مكان أصابع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شعرات مثل شعرات القنفذ ، فلمّا كان من أمر عليّ عليه‌السلام ما كان من أمر صفّين والخوارج همّ الرجل بالخروج على عليّ عليه‌السلام فسقطت الشعرات من بين عينيه.

قال : فجزع من ذلك جزعا شديدا وجزع أهله ، فقيل له : إنّ هذا ممّا هممت بالخروج على عليّ عليه‌السلام ، فاستغفروا (٣) الله وتاب وجلس. قال : فرجعت الشعرات الى بين عينيه ونبتت.

__________________

(١) لم نقف على هذا الكتاب.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٩ ص ٣١٠ باب ٨٧ ذيل ح ١٢٣ ، نقلا عن كنز الفوائد للكراجكي.

(٣) كذا في الأصل ، والظاهر : فاستغفر.

٣٢٨

قال أبو الطفيل : رأيتها حين سقطت ورأيتها حين رجعت.

ومن الكتاب المذكور بحذف الإسناد : حدّث إبراهيم بن محمّد بن يوسف الفرياني ، عن محمّد بن أيّوب بن سويد ، عن أبيه ، عن الضحّاك بن عثمان ، عن امّه ستته (١) ، قالت : قدمت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان المدينة فدخلت عليها عاتكة بنت الحسين ، فأدنتها وأجلستها معها وذرفت عيناها وقالت : رحمه‌الله ـ يعني عمر بن عبد العزيز ـ سمعته على المنبر يقول : حدّثني عراك بن مالك ، عن أمّ سلمة قالت : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فقال : دخل عليّ جبريل عليه‌السلام فقال : إنّي مررت بعليّ عليه‌السلام وهو نائم في النخل قد انكشف بعضه فسترته بجناحي (٢).

وحدّث يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن يزيد بن نتيع قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن تستخلفوا أبا بكر تجدوه ضعيفا في بدنه قويّا في أمره ، وإن تستخلفوا عمر تجدوه قويّا في بدنه قويّا في أمره ، وإن تستخلفوا عليّا تجدوه هاديا مهديّا يسلك بكم الطريق المستقيم ، ولن يفعلوا.

وقد أورد هذا الحديث أبو الفرج بن الخوري في جامع الأسانيد الذي جمعه (٣).

* * *

فصل

في مناشداته عليه‌السلام

حدّث أبو المظفّر عبد الواحد بن حمد بن محمّد بن شيدة المقرئ ، قال : حدّثنا عبد الرزّاق بن عمر الطهراني ، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن موسى الحافظ ، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن أبي دارم ، قال : حدّثنا المنذر بن محمّد ،

__________________

(١) كذا.

(٢) رواه ابن شهرآشوب في المناقب نقلا عن كتاب الخصائص : ج ٢ ص ٢٣٦.

(٣) لا يوجد لدينا كتاب جامع الأسانيد.

٣٢٩

قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني عمّي ، قال : حدّثني أبي ، عن أبان بن تغلب ، عن عامر بن واثلة ، قال : كنت على الباب يوم الشورى وعليّ عليه‌السلام في البيت فسمعته يقول : استخلف أبو بكر وأنا في نفسي أحقّ بها منه فسمعت وأطعت ، وأنتم تريدون أن تستخلفوا عثمان إذن لا أسمع ولا اطيع ، جعلني عمر في خمسة أنا سادسهم ولا يعرف لهم عليّ فضل ، أفنحن سواء؟ أما والله لاحاجّنّهم بخصال لا تستطيع عربهم ولا عجمهم المعاهد منهم والمشرك أن ينكر منها خصلة واحدة.

ثمّ قال : انشدكم بالله أيّها النفر جميعا أمنكم من أمنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أيّها النفر جميعا أمنكم أحد وحّد الله عزّ وجلّ قبلي؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أيّها النفر جميعا أمنكم أحد هو المصلّي القبلتين قبلي؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أيّها النفر جميعا أمنكم أحد له عمّ مثل عمّي حمزة بن عبد المطّلب أسد الله وأسد رسول الله غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : أمنكم من سيّد الشهداء عمّه غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله هل فيكم من له ابن عمّ مثل ابن عمّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله سيّدة نساء هذه الامّة غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد له سبطان مثل الحسن والحسين سبطي هذه الامّة ابني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيري؟

قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد غسّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد أمر الله بمودّته غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

٣٣٠

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد سكن المسجد يمرّ فيه جنبا غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد ردّت عليه الشمس بعد غروبها غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : أمنكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قرّب إليه الطائر المشويّ فأعجبه : اللهمّ آتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : أمنكم أحد كان أقتل للمشركين عند كلّ شديدة نزلت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّي؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : أمنكم أحد له مثل الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : أمنكم أحد كان أعظم غناء منّي عن رسول الله حتى اضطجعت على فراشه ووقيته بنفسي وبذلت له دمي؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد كان يأخذ الخمس غيري وغير فاطمة؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم من كان له سهم في الخاصّ وسهم في العامّ غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد تطهّر بآية غيري حين سدّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبواب المهاجرين جميعا وفتح بابي حتى قام إليه عمّاه حمزة والعبّاس فقالا : يا رسول الله سددت أبوابنا وفتحت باب عليّ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما أنا فتحت بابه ولا أنا سددت أبوابكم بل الله فتح بابه وسدّ أبوابكم »؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد تمّم الله تعالى نوره من السماء حتى قال ( فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد ناجى الله ستّ عشرة مرّة غيري حين قال :

٣٣١

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً )؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد ولّى تغميض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد تولّى دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى وضعه في روضته غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم من نصبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خمّ للولاية غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم من جعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نفسه كهارون من موسى غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد من أعطاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الراية ففتح الله على يده خيبر غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : أمنكم أحد نادى عليه جبرائيل عليه‌السلام أن لا فتى إلاّ عليّ ولا سيف إلاّ ذو الفقار غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : أمنكم أحد كان أخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووزيره غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : أمنكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « هو منّي وأنا منه » غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : أمنكم أحد أنزل الله تعالى فيه ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : أمنكم أحد هو قسيم الجنّة والنار غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : أمنكم أوّل وارد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الحوض غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم أحد يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

٣٣٢

قال : انشدكم بالله أمنكم المؤدّي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم من نزل فيه ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) فكنت سابق هذه الامّة تدرون غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم من يقضي دين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله أمنكم من نزل فيه : ( وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ ) بعليّ بن أبي طالب هل تدرون ذلك غيري؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : انشدكم بالله هل تعلمون تفسير هذه الآية : ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً ) فالفاسق الوليد بن عتبة والمؤمن أنا غيري؟ قالوا : اللهمّ لا (١).

وقد أورد النطنزي لكلّ منقبة من هذه المناقب في كتابه المعروف بالخصائص إسنادا وسببا تركنا إيراده هاهنا مخافة التطويل ، فمن أراد ذلك فليأخذه من الكتاب المذكور.

* * *

فصل

في حروبه وقتل الناكثين والقاسطين والمارقين

حدّث أبو منصور بن مندويه المعدّل ، قال : حدّثنا أبو نعيم الحافظ ، قال : حدّثني أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاّد ، قال : حدّثنا محمّد بن يونس بن موسى القرشي ، قال : حدّثنا عبد العزيز بن الخطّاب ، قال : حدّثنا عليّ بن غراب ، عن عليّ بن أبي فاطمة الغنوي ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن أبي أيّوب الأنصاري ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ليقاتلن بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والسعفات والنهروانات.

قال أبو أيّوب : فقلت : يا رسول الله مع من يقاتل هؤلاء القوم؟

__________________

(١) رواه الطبرسي في الاحتجاج : ج ١ ص ١٢٤ بسند آخر وباختلاف في المتن.

٣٣٣

قال : مع عليّ بن أبي طالب (١).

وحدّث أبو عليّ الحسن بن أحمد بن الحسن ، قال : حدّثنا أبو نعيم الحافظ ، قال : حدّثنا أحمد بن القاسم الريان ، قال : حدّثنا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط الأشجعي ، قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : لمّا فرغ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام من قتال أهل النهر أقبل أبو قتادة الأنصاري ومعه ستّون أو سبعون من الأنصار ، قال : فبدأ بعائشة ، فقال أبو قتادة : لمّا دخلت عليها قالت : ما وراءك؟ فأخبرتها أنّه لمّا تفرّقت المحكّمة من عسكر المؤمنين لحقناهم فقتلناهم.

فقالت : أما كان معك غيرك من الوفد؟ قلت : بلى ستّون أو سبعون.

قالت : أو كلّهم يقولون مثل الذي تقول؟ قلت : نعم.

فقالت : قصّ عليّ القصّة.

فقلت : يا أمّ المؤمنين تفرّقت الفرقة وهم نحو اثني عشر ألفا ينادون لا حكم إلاّ لله ، فقال عليّ عليه‌السلام : كلمة حقّ يراد بها باطل ، فقاتلناهم بعد أن ناشدناهم بالله وكتابه ، وقالوا : كفر عثمان وعليّ وعائشة ومعاوية ، فلم نزل نحاربهم وهم يتلون القرآن ، فقاتلناهم وقاتلونا وولّى منهم من ولّى ، فقال عليّ عليه‌السلام : لا تتبعون مولّيا ، فأقمنا ندور على القتلى حتى وقفت بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ عليه‌السلام راكبها ، فقال : اقلبوا القتلى ، فأتينا وهو على نهر فيه قتلى فقلبناهم حتى خرج في آخرهم رجل أسود على كتفيه مثل حلمة الثدي ، فقال عليّ عليه‌السلام : الله أكبر والله ما كذّبت ولا كذّبت ، كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قسّم فيئا فجاء هذا فقال : يا محمّد اعدل ، فو الله ما عدلت منذ اليوم. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثكلتك امّك ومن يعدل عليك إذا لم أعدل أنا.

فقال عمر بن الخطّاب : يا رسول الله ألا أقتله؟ فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا دعه فإنّ له من يقتله. فقال : صدق الله ورسوله.

فقالت عائشة : ما يمنعني ما بيني وبين عليّ أن أقول الحقّ ، سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) ذكر الخوارزمي نظيره في المعنى بسند آخر : ص ١٨٩ ـ ١٩٠ ح ٢٢٤.

٣٣٤

يقول : تفترق أمّتي على فرقتين ، تمرق بينهما فرقة محلّقون رءوسهم ، محفّون شواربهم ، ... (١) الى أنصاف سوقهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يقتلهم أحبّهم الى الله ورسوله.

قال : فقلت يا أمّ المؤمنين فأنت تعلمين هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم كان الذي كان منك؟

فقالت : يا أبا قتادة ( وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً ) وللقدر سبب ، إنّ الناس قالوا في قصّة الإفك ما قالوا ، وكان أكثر المهاجرين والأنصار لما يرون من قلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحزنه يقولون له : أمسك عليك زوجك حتى يأتيك أمر ربّك ، وعليّ عليه‌السلام يقول : لك يا رسول الله في نساء قريش من هي أبهى منها وأجلّ نسبا ، وكنت امرأة لي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حظّ ومنزلة ، وجدت لذلك كما يجد النساء ، فكانت أشياء استغفر الله من اعتقادها.

وقال محمّد بن عليّ العسقلاني عن بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسّم قسما ذات يوم فقال له ذو الخويصرة رجل من بني تميم : يا رسول الله اعدل.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ويحك إذا لم أعدل فمن يعدل؟

فقال عمر : أتأذن لي فأضرب عنقه.

فقال : لا إنّ له أصحابا يحقّر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية ، ينظر الى نضله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر الى قذذه فلا يوجد فيها شيء ، وقد شقّ الفرث والدم ، يخرجون على خير فرقة من الناس ، بينهم رجل أدعج على أحد كتفيه مثل ثدي المرأة ومثل البضعة تدرّ قيرا.

قال أبو سعيد : أشهد لسمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأشهد أنّي كنت

__________________

(١) كلمة غير واضحة ، والظاهر مئزرهم.

٣٣٥

مع عليّ عليه‌السلام حين قتلهم فالتمس في القتلى ، فاوتي به على النعت الذي نعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وفي رواية أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : صاحب اليد المخدوجة شرّ [ البريّة ] يقتله خير البريّة ، أو قال : أبو الثدية (٢).

وقال أبو بكر بن أبي قحافة : دخلت أنا وعمر بن الخطّاب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : انّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن مثلما قاتلت على تنزيله؟

فقلت : أنا هو يا رسول الله؟

فقال : لا.

فقال عمر : أنا هو يا رسول الله؟

فقال : لا ، لكنّه خاصف النعل وراء الحجرة. فلمّا خرجنا وجدناه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٣).

وسئل أبو المجدين رشادة الواعظ بواسط في ذي الحجّة سنة ستّة وأربعين وخمسمائة عن قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّك يا عليّ تقضي ديني وتنجز عدتي » أكان على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دين قضاه عليّ عليه‌السلام عنه والأمر في يد غيره؟ قال : نعم. حدّثني شيخي الزاهد العالم الغزالي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بعثني ربّي بقتل المشركين والناكثين والقاسطين والمارقين بعهد عهده إليّ فقتلت المشركين وبقي قتل الناكثين والقاسطين والمارقين دينا عليّ يقضيه عنّي ابن عمّي ووصيّي عليّ بن أبي طالب عهدا معهودا.

وقعة الجمل

وهم الناكثون ، وقيل : لمّا قتل عثمان بن عفان مرّ الأحنف بن قيس بعائشة

__________________

(١) مناقب الخوارزمي : ص ٢٥٩ ح ٢٤٢ ، صحيح البخاري : ج ٤ ص ٢٠٠ ، كنز العمال : ج ١١ ص ٣٠٧.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ١٦ ذيل باب ٥٦ ح ٢٤ نقلا بالمعنى.

(٣) مناقب ابن المغازلي : ص ٥٤ ح ٧٨ بسند آخر ، مستدرك الحاكم : ج ٣ ص ١٢٣.

٣٣٦

فقالت له : ما صنع الناس يا أحنف؟

قال : قتلوا عثمان.

قالت : بذنبه. ثمّ قالت : فمن بايعوا؟

قال : بايعوا عليّا.

قالت : قتل عثمان مظلوما رحمه‌الله. فأنشأ الأحنف يقول :

فمنك البداة ومنك الغير

ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الإمام

وقلت لنا انّه قد كفر

فهبنا أطعناك فيما مضى

وقاتله عندنا من أمر

فقد ولى الأمر ذو مرّة

يردّ الشنا ويقيم الصّغر

ويلبس للحرب أثوابها

وفى من وفى وطغى من فجر

فلم يسقط السقف من فوقنا

ولم تنكسف شمسنا والقمر (١)

وكان طلحة يرجو أن يولّيه عليّ عليه‌السلام اليمن ، وكان الزبير يرجو أن يولّيه العراق ، فلمّا أبى أن يولّيهما سألاه الإذن في العمرة. فقال لهما : ما العمرة تريدان لكن تريدان الغدر.

فلمّا صارا الى مكّة واستغويا عائشة بلغ ذلك سعيد بن العاص ابن اميّة وأنّ عائشة قد أزمعت على الخروج معهما ، فكتب إليها بهذه الأبيات :

يا امتي لا تطيعي أمر من سلفت

منه الظلامة في قتل ابن عفّان

صبّا عليه من المكشوح بائقة

شنعاء قاصمة أودت بعثمان

لم يعلقا من عليّ بعد بيعته

شبحي العدو له شأن من الشأن

وبايعاه منافيا له خطر

مثل الفتيل ولا ما جرّه الجان

أمّا الزبير فمنّته سفاهته

ملك العراق كذاك الهادم الباني

والمرء طلحة ممدود أعنّته

تجري الى ملك صنعاء جري وسنان

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٣ ص ٤٧٧ مع اختلاف في رواية الأبيات ، وهي منسوبة الى عبد بن أم كلاب.

٣٣٧

ولم يشهد سعيد بن العاص يوم الجمل ، وصدّ عائشة بجهده فلم تقبل.

ولمّا حصل طلحة والزبير في البصرة تناقشا (١) في الصلاة بالناس ، فخاف كلّ واحد منهما أن يصلّي خلف صاحبه فيصير ذلك له حجّة عليه ، فأصلحت بينهما على أن يصلّي بالناس مرّة محمّد بن طلحة ومرّة عبد الله بن الزبير.

فقال العوام بن مالك الأزدي : تالله ما رأيت كاليوم قطّ شيخان يصلّي بهما غلامان ، وفارقهما الأزدي ولحق بعليّ عليه‌السلام ، وأنشأ يقول :

تبارى الغلامان إذ صلّيا

وشحّ على الملك محياهما

فصال ابن طلحة وابن الزبير

لقدّ الشراك هما ما هما

فكلّ يرتضيها لابنه

ولم يضبط الأمر ابناهما

فهذا الإمام وهذا الإمام

ويعلى بن منية دلاّهما

يعلى بن منية هو الذي اشتري منه جمل عائشة ، وكان جملا منكرا ، وكان يلقّب عسكرا لشدّته.

قالت امرأة من ضبّة قبل أيّمها يوم الجمل.

شهدت الحروب فشيّبنني

فلم أر يوما كيوم الجمل

أشدّ على مؤمن فتنة

وأقتل منه لخرق بطل

فليت الظعينة في بيتها

وليتك عسكر لم ترتحل

وقال بعض الشعراء :

ألا أيّها الناس عندي الخبر

بأنّ أخاكم زبيرا غدر

وطلحة أيضا حذا نعله

ويعلى بن منية فيمن أمر (٢)

وبعض الناس يصحّف فيقول : نعلى بن منية (٣) والصحيح ما ثبت في هذا الشعر.

وقال أبو الأسود الدؤلي : لمّا استقامت البصرة لطلحة والزبير أرسلا الى ناس من وجوه البصرة وأنا فيهم ، فدخلا بيت مال البصرة فدخلت معهما ، فلمّا رأوا

__________________

(١) كذا ، والظاهر : تنافسا.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٣ ص ١٤٩. في المناقب ، نفر بدل « أمر ».

(٣) كذا في ظاهر الأصل ، وما أثبته في الشعر أيضا غير واضح ، وفي المناقب : يعلى بن منبه.

٣٣٨

ما فيه من الأموال قالا : وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه فنحن أحقّ بها منكم يا أهل البصرة ، فأخذا ذلك المال. فلمّا غلب عليّ عليه‌السلام على البصرة أمر بردّ تلك الأموال الى بيت المال. وقال : أصفر وأبيض.

وفي غير رواية أبي الأسود أنّه قال : يا صفراء اصفرّي ويا بيضاء ابيضّي وغرّي غيري.

وفي رواية اخرى ، وهي الصحيحة أنّه قال : ابيضّي واصفرّي وغرّي غيري ، صلصلي صلصالك لست من أشكالك :

هذا جناي وخياره فيه

إذ كلّ جان يده الى فيه

وقسّم عليّ عليه‌السلام تلك الأموال كلّها على المساكين حتى لم يبق شيء.

وبعث طلحة والزبير الى الأحنف بن قيس فأتاهما ، فقال له : اخلع عليّا وبايعنا.

فقال لهما : لا أخلع عليّا ولا ابايعكما ، ألم آتكما فسألتكما عن عثمان فزعمتما أنّ الله قتله بذنبه وأقاده بعمله ، وسألتكما عن عليّ فقلتما بايعه فإنّه أحقّ الناس بها اليوم وفيما قبل اليوم. وأنا قد بايعته وبايعه المهاجرون والأنصار.

قالا : بلى قد كان ذلك.

قال الأحنف : فما ردّ اللبن في الضرع.

وقال عبد الله بن جنادة : أقبلت مع عليّ عليه‌السلام من المدينة حتى انتهينا الى الربذة ونزلنا بها ، فلمّا خرج عليّ عليه‌السلام منها متوجّها إلى ذي قار ، قلت في نفسي : ألا أمضي مع هذا الرجل القريب القرابة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الفقيه في دين الله الحسن البلاء لعلّ الله أن يأجرني ، فخرجت معه على غير طمع ولا ديوان ، فما سرت يوما واحدا حتى لحق بنا المحاربيّ فسألته عمّا جاء به فحدّثني أنّه جاء به الذي جاء بي. فقلت له : هل لك في الصحبة والمرافقة؟ قال : نعم ، فو الله ما صحبت من الناس أحدا قطّ كان خير صحبة منه ولا مرافقة ، فانتهينا الى ماء من مياه العرب فعرضت علينا غنم نشتريها ، فاشتريت أنا وصاحبي في رجال معنا كبشا سمينا ، واشترى طائفة اخرى من تلك الغنم ، فوقع لي ولصاحبي كبش ساج ، واشترى آخرون من أصحابنا كبشا سمينا.

٣٣٩

فقال قائل من القوم لم أعرفه : إنّ كبشنا هذا طلحة وكبشكم الزبير فاذبحوهما يرح الله منهما الامّة ، ثمّ وثب على كبشه فذبحه ، ووثب بعض أصحابنا على كبشنا فذبحه.

فقال المحاربي : بالله ما رأيت عجبا كاليوم قطّ أي اخي ، اسمع منّي ما أقول لك ، والله ما نرجع من وجهنا هذا حتى يقتل الرجلان. فقال رجل من ناحية القوم : صدق قولك وسعد طائرك قتلا ثمّ لا عذرا.

ولمّا نزل أمير المؤمنين عليه‌السلام بذي قار وجّه محمّد بن جعفر بن أبي طالب ومحمّد بن أبي بكر الى أهل الكوفة يدعوهم الى مظاهرته ، فلمّا وصل إليهم المحمّدان ووالي الكوفة يومئذ أبو موسى الأشعري ، فدخل عليه الكوفيون فقالوا : له : يا أبا موسى أشر علينا برأيك في الخروج مع هذين الرجلين الى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. قال : أمّا سبيل عليّ فسبيل الآخرة وأمّا سبيل طلحة والزبير فسبيل الدنيا ، فشيموا (١) سيوفكم ، والزموا بيوتكم ، وخلّوا بين قريش وبين ما جنت.

فمنع الناس من الشخوص الى عليّ عليه‌السلام ، فبلغ ذلك المحمّدين فأغلظا الحديث لأبي موسى ، فقال لهما أبو موسى : والله إنّ بيعة عثمان في عنق عليّ وعنقي وأعناقكما ، ولو أردنا قتالا ما كنّا لنبدأ بأحد قبل قتلة عثمان. فخرجا من عنده ولحقا بعليّ عليه‌السلام فأخبراه الخبر ، فبعث عليّ عليه‌السلام هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص الى أبي موسى ، وكتب إليه كتابا نسخته :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس ، السلام عليك. أمّا بعد فإنّي قد بعثت إليك هاشم بن عتبة لينهض إليّ من قبلك من المؤمنين والمسلمين لنتوجّه الى قوم نكثوا بيعتي وقتلوا شيعتي وأحدثوا في هذه الامّة الحدث العظيم ، فأشخص إليّ بالناس معه حين يقدم إليك ، ولا تحبسه فانّي لم اولّك المصر الذي أنت فيه ولم اقرّك على عملك إلاّ لتكون من أعواني على الحقّ ومن أنصاري على هذا الأمر والسلام (٢).

__________________

(١) شام السيف : أغمده ( لسان العرب ).

(٢) مصنّفات الشيخ المفيد ج ١ ص ٢٤٨.

٣٤٠