كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

وصلاة الطواف ، حكمها حكم الأربعة ، سواء ، وكذلك طواف النساء.

وكذلك حكم النوم سواء وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة : والأولى ، أن نقول : يصح منه الوقوف بالموقفين ، وإن كان نائما ، لأنّ الغرض الكون فيه ، لا الذكر (١).

قال محمّد بن إدريس مصنف هذا الكتاب : هذا غير واضح ، ولا بدّ له من نية القربة في الوقوف ، بغير خلاف ، لما قدّمناه من الأدلة ، والإجماع أيضا حاصل عليه ، إلا أنّه قال في نهايته : ومن حضر المناسك كلها ، ورتبها في مواضعها ، إلا أنّه كان سكران ، فلا حج له ، وكان عليه الحج من قابل (٢) وهذا هو الواضح الصحيح ، الذي يقتضيه الأصول.

باب مناسك النساء في الحجّ والعمرة

الحج واجب على النساء ، كوجوبه على الرجال ، لأنّ الآية عامة ، والإجماع منعقد عليه ، وشرائط وجوبه عليهن شرائط وجوبه عليهم سواء ، وليس من شرطه عليهن وجود محرم ، ولا زوج ، ولا طاعة للزوج عليها في حجة الإسلام ، ومعنى ذلك ، أنّها إذا أرادت حجة الإسلام ، فليس لزوجها منعها من ذلك ، وينبغي أن يساعدها على الخروج معها ، فإن لم يفعل ، خرجت مع بعض الرجال الثقات ، من المؤمنين ، وإن أرادت أن تحج تطوعا ، لم يكن لها ذلك ، وكان له منعها منه ، وإن نذرت الحج ، فإن كان النذر قبل العقد عليها أو بعد العقد ، وكان بإذن زوجها كان حكمه حكم حجة الإسلام ، وإن كان بغير اذنه لم ينعقد نذرها.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في الجمل والعقود : وما يلزم الرجال بالنذر ، يلزم مثله النساء (٣) وأطلق ذلك ، ولم يقيده ، ولا فصّله ، وقيّد ذلك

__________________

(١) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في ذكر تفصيل فرائض الحج.

(٢) النهاية : كتاب الحج ، باب فرائض الحج.

(٣) الجمل والعقود : كتاب الحج ، فصل في ذكر مناسك النساء.

٦٢١

وفصله ـ على ما فصّلناه وقيدناه ـ في مبسوطة (١) وهو الحق اليقين.

وإذا كانت في عدة الطلاق ، جاز لها أن تخرج في حجة الإسلام ، سواء كانت للزوج عليها رجعة ، أو لم يكن ، وليس لها أن تخرج في حجة التطوع ، إلا في التطليقة التي لا يكون للزوج عليها فيها رجعة.

فأمّا عدة المتوفّى عنها زوجها ، أو عدة الفسخ ، فإنّه يجوز لها أن تخرج ، على كل حال ، فرضا كان الحج ، أو نفلا.

وإذا حجّت المرأة بإذن الزوج ، حجة التطوع ، أو بلا إذنه حجة الإسلام ، كان قدر نفقة الحضر عليه ، وما زاد لأجل السفر عليها ، فإن أفسدت حجّها ، بأن مكنت زوجها من وطئها مختارة ، قبل الوقوف بالمشعر ، لزمها القضاء ، وكان في القضاء مقدار نفقة الحضر على الزوج ، وما زاد على ذلك فعليها ، في مالها ، ويلزمها مع ذلك كفارة ، وهي بدنة ، في مالها خاصّة.

وقد بيّنا كيفية إحرامها ، في باب الإحرام ، وانّ عليها أن تحرم من الميقات ، ولا تؤخره ، فإن كانت حائضا توضّأت ، وضوء الصلاة ، واحتشت ، واستثفرت ، واغتسلت ، وأحرمت ، إلا أنّها لا تصلّي ركعتي الإحرام.

فإن قيل : الحائض لا يصح منها الغسل ، ولا الوضوء.

قلنا : لا يصحّان منها على وجه يرفعان الحدث ، وأمّا على غير ذلك الوجه ، فإنّهما يصحّان منها بغير خلاف ، وغسل الإحرام ، لا يرفع الحدث ، وانّما هو للتنظيف على وجه العبادة.

وكذلك يصح منها غسل الأعياد ، والجمع ، فإن تركت الإحرام ، ظنا منها أنّه لا يجوز لها ذلك ، حتى جازت الميقات ، فعليها أن ترجع إليه ، وتحرم منه مع الإمكان ، فإن لم يمكنها ، أحرمت من موضعها ، ما لم تدخل مكة ، فإن

__________________

(١) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في ذكر حكم النساء في الحج.

٦٢٢

دخلتها ، خرجت إلى خارج الحرم ، وأحرمت من هناك ، فإن لم يمكنها ، أحرمت من موضعها.

وإذا دخلت المرأة مكة ، متمتعة ، طافت بالبيت ، وسعت بين الصفا والمروة ، وقصّرت ، وقد أحلّت من كل شي‌ء أحرمت منه ، مثل الرجال سواء.

فإن حاضت قبل الطواف ، انتظرت ما بينها ، وبين الوقت الذي تخرج إلى عرفات ، وقد بيّنا فيما مضى ، فإن طهرت ، طافت وسعت ، وإن لم تطهر ، فقد مضت متعتها ، وتكون حجة مفردة ، تقضي المناسك كلّها ، ثمّ تأتي بالعمرة بعد ذلك مبتولة ، ويكون حكمها حكم من حج مفردا ، ولا هدي عليها.

وإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ، ثمّ حاضت ، كان حكمها حكم من لم يطف ، وقد قدّمناه.

وإذا حاضت ، وقد طافت أربعة أشواط ، قطعت الطواف ، وسعت ، وقصّرت ، ثم أحرمت بالحجّ وقد تمّت متعتها ، فإذا فرغت من المناسك ، وطهرت ، تمّمت الطواف ، بانية على ما طافت ، غير مستأنفة له ، هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر ، وذهب إليه في كتبه.

والذي تقتضيه الأدلة ، أنّها إذا جاءها الحيض ، قبل جميع الطواف ، فلا متعة لها ، وانّما ورد بما قاله شيخنا أبو جعفر خبران مرسلان ، فعمل عليهما ، وقد بيّنا ، أنّه لا يعمل بأخبار الآحاد ، وإن كانت مسندة ، فكيف بالمراسيل.

وإن طافت الطواف كله ، ولم تصلّ عند المقام ، ثمّ حاضت ، خرجت من المسجد ، وسعت ، وقصّرت ، وأحرمت بالحج ، وقضت المناسك ، كلّها ، ثمّ تقضي الركعتين إذا طهرت.

وإذا طافت بالبيت ، وسعت بين الصفا والمروة ، وقصّرت ، ثم أحرمت بالحج ، وخافت أن يجيئها الحيض ، فيما بعد فلا تتمكن من طواف الزيارة ، وطواف النساء ، جاز لها أن تقدّم الطوافين معا ، والسعي ، ثمّ تخرج فتقضي باقي

٦٢٣

المناسك ، وتمضي إلى منزلها ، على ما روي في شواذ الأخبار (١).

وقد ذهب إلى ذلك ، شيخنا أبو جعفر ، في نهايته (٢) ورجع عنه في مسائل الخلاف (٣) وقال : روى أصحابنا ، رخصة في تقديم الطواف والسعي ، قبل الخروج إلى منى ، وعرفات.

والصحيح أنّه لا يجوز تقديم المؤخّر ، ولا تأخير المقدّم ، من أفعال الحج ، لأنّه مرتب ، هذا هو الذي تقتضيه أصول المذهب ، والإجماع منعقد عليه ، والاحتياط يقتضيه أيضا ، فلا يرجع عن المعلوم إلى المظنون ، وأخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا.

ويجوز للمستحاضة ، أن تطوف بالبيت ، وتصلّي عند المقام ، وتشهد المناسك كلّها ، إذا فعلت ما تفعله المستحاضة ، لأنّها بحكم الطاهرات.

فإذا أرادت الحائض وداع البيت ، فلا تدخل المسجد ، بل تودّع من أدنى باب من أبواب المسجد ، وتنصرف والمراد بأدنى باب يعني أقرب باب من أبواب المسجد إلى الكعبة.

وإذا كانت المرأة عليلة ، لا تقدر على الطواف ، طيف بها ، وإن كان بها علّة تمنع من حملها ، والطواف بها ، طاف عنها وليّها ، وليس عليها شي‌ء.

وليس على النساء رفع الصوت بالتلبية ، لا وجوبا ، ولا استحبابا ، ولا كشف الرأس.

ويجوز لها لبس المخيط ، وقال شيخنا في نهايته : يحرم ، على النساء في الإحرام ، من لبس المخيط ، مثل ما يحرم على الرجال (٤). وقد رجع عن ذلك في مبسوطة ، وقال : يجوز لهن لبس المخيط (٥).

__________________

(١) الوسائل : الباب ٦٤ من أبواب الطواف.

(٢) النهاية : كتاب الحج ، باب مناسك النساء في الحج والعمرة.

(٣) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ١٧٥.

(٤) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم اجتنابه.

(٥) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في ذكر حكم النساء في الحج.

٦٢٤

وكذلك يجوز لها تظليل المحمل وليس عليها حلق ، ولا دخول البيت مؤكدا ، فإن أرادت دخول البيت ، فلتدخله إذا لم يكن زحام.

وقد روي أنّ المستحاضة ، لا يجوز لها دخول البيت على حال (١) وذلك على تغليظ الكراهة ، لا على جهة الحظر ، لأنّا قد بيّنا أنّها بحكم الطاهرات.

وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في الجزء الأول من مسائل خلافه (٢) في كتاب الحج ، فقال : مسألة ، يجوز للمرأة أن تخرج في حجّة الإسلام ، وإن كانت معتدة ، أيّ عدة كانت ، ومنع الفقهاء كلّهم من ذلك ، ثمّ استدل ، فقال : دليلنا إجماع الفرقة ، وعموم الآية ، لم يذكر فيها ، إلا أن تكون في العدة ، فمن منع في هذه الحال ، فعليه الدلالة ، ثمّ ذهب في الجزء الثالث ، في مسائل خلافه ، في كتاب العدد ، فقال : مسألة ، إذا أحرمت المرأة بالحج ، ثم طلّقها زوجها ، ووجب عليها العدة ، فإن كان الوقت ضيّقا بحيث تخاف فوت الحج إن أقامت ، فإنّها تخرج ، وتقضي حجّها ، ثم تعود ، فتقضي باقي العدة ، إن بقي عليها شي‌ء ، وإن كان الوقت واسعا ، أو كانت محرمة بعمرة ، فإنّها تقيم ، وتقضي عدتها ، ثم تحج ، وتعتمر (٣) ثمّ قال : دليلنا قوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٤) ولم يفصّل.

قال محمّد بن إدريس : الصحيح ما قاله وذهب إليه في المسألة الأولى التي ذكرها في كتاب الحج ، لأنّ في حجّة الإسلام تخرج بغير إذن الزوج ، بغير خلاف بيننا ، والآية أيضا دليل على ذلك ، وإجماعنا ، وقوله عليه‌السلام : « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، فإذا خرجن فليخرجن تفلات » بالتاء المنقطة من فوقها نقطتين المفتوحة ، والفاء المكسورة ، أي غير متطيّبات.

__________________

(١) الوسائل الباب ٩١ من أبواب الطواف.

(٢) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٣٢٩.

(٣) الخلاف : كتاب العدة ، مسألة ٢٥

(٤) البقرة : ١٩٦.

٦٢٥

باب الاستيجار للحج ومن يحج عن غيره

من وجب عليه الحج ، لا يجوز له أن يحج عن غيره ، ولا تنعقد الإجارة إلا بعد أن يقضي حجه الذي وجب عليه ، فإذا أتى به ، جاز له بعد ذلك ، أن يحج عن غيره ، سواء وجبت عليه ، واستقرت ، أو وجبت ، ولم تستقر ، وكان متمكنا من المضي ، ثم فرّط ، فأمّا إن وجبت عليه الحجّة ، ولم يفرّط في المضي ، ثم حدث ما يمنعه من المضي ، ولم يتمكن منه ، ثمّ لم يقدر على الحج فيما بعده ، ولا حصلت له شرائطه ، فإنّه يجوز له أن يحج عن غيره ، لأنّه لم تستقر في ذمته ، فأمّا من استقرت حجة الإسلام في ذمته ، بأن فرّط فيها ، فلا يجوز ان يحج عن غيره ، سواء افتقر فيما بعد ، أو لم يفتقر ، تمكن من المضي ، أو لم يتمكن. فأمّا من لم يجب عليه ، ولم يتمكن من الحج ، ولا حصلت له شرائطه ، يجوز له أن يحج عن غيره ، فإن تمكن بعد ذلك من المال ، كان عليه أن يحج عن نفسه.

وينبغي لمن يحج عن غيره ، أن يذكره في المواضع كلّها باللفظ ، مندوبا لا وجوبا ، فيقول عند الإحرام : اللهم ما أصابني من تعب ، أو نصب ، أو لغوب ، فأجر فلان بن فلان ، وآجرني في نيابتي عنه. وكذلك يذكره عند التلبية ، والطواف ، والسعي ، والموقفين ، وعند الذبح ، وعند قضاء جميع المناسك ، فإن لم يذكره في هذه المواضع باللفظ ، وكانت نيته الحج عنه ، ونوى ذلك بقلبه ، دون لسانه ، فقد أجزأ ذلك.

ومن أمر غيره أن يحج عنه متمتعا ، فليس له أن يحج عنه مفردا ، ولا قارنا ، فإن حج عنه كذلك ، لم يجزئه ، وكان عليه الإعادة ، ان كانت الحجة المستأجر لها غير معيّنة بزمان ، بل كانت الإجارة في الذمة غير مقيدة بزمان ، فإن كانت مقيدة بزمان ، انفسخت الإجارة ، ووجب عليه ردّ جميع الأجرة ، وكان المستأجر بالخيار ، بين أن يستأجره هو أو غيره.

٦٢٦

وإن أمره أن يحج عنه مفردا ، أو قارنا ، جاز له أن يحج عنه متمتعا ، لأنّه يعدل إلى ما هو الأفضل ، هكذا رواية أصحابنا (١) وفتياهم.

وتحقيق ذلك ، انّ من كان فرضه التمتع ، فحج عنه قارنا ، أو مفردا ، فإنّه لا يجزيه ، ومن كان فرضه القران ، أو الإفراد ، فحج عنه متمتعا ، فإنّه لا يجزيه إلا أن يكون قد حج المستنيب حجة الإسلام ، فحينئذ يصح إطلاق القول ، والعمل بالرواية ، ويدل على هذا التحرير ، قولهم : وإن أمره أن يحج عنه مفردا ، أو قارنا ، جاز له أن يحج عنه متمتعا ، لأنّه يعدل إلى ما هو أفضل ، فلو لم يكن قد حجّ حجّة الإسلام بحسب فرضه ، وحاله ، وتكليفه ، لما كان التمتع أفضل ، بل كان إن كان فرضه التمتع ، فهو الواجب ، لا يجوز سواه ، وليس لدخول « أفضل » معنى ، لأنّ أفعل ، لا يدخل إلا في أمرين ، يشتركان ثمّ يزيد أحدهما على الآخر ، وكذلك لو كان فرضه القران ، أو الإفراد ، لما كان التمتع أفضل ، بل لا يجوز له التمتع ، فكيف يقال أفضل ، فيخص إطلاق القول ، والأخبار بالأدلة ، لأنّ العموم قد يخصّ بالأدلة ، بغير خلاف.

ومن أمر غيره أن يحج عنه على طريق بعينها ، جاز له أن يعدل عن تلك الطريق إلى طريق آخر.

و (٢) إذا أمره أن يحج عنه بنفسه ، فليس له أن يأمر غيره بالنيابة عنه.

وإن جعل الأمر في ذلك إليه ، ووكله إليه ، إمّا بنفسه ، أو يستأجر عنه ، ويكون وكيلا له في عقد الإجارة مع غيره ، جاز ذلك.

فاما ان أمره أن يستأجر له ، من يحج عنه فلا يجوز للمأمور أن يحجّ عن الآمر وإذا أخذ حجّة عن غيره ، وكانت معينة بسنة معلومة ، فلا يجوز له أن يأخذ حجة أخرى لتلك السنة ، لأنّ الإجارة معينة بزمان ، فلا يصح أن يعمل فيه عملا لغير

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٢ من أبواب النيابة في الحج ، ح ١

(٢) في ط وج : وأما.

٦٢٧

المستأجر ، لأنّ منافعه قد استحقت عليه في ذلك الزمان ، فإن خالف وخرج الزمان ، والسنة المعينة ، ولم يحرم ، انفسخت الإجارة ، لأنّ الوقت الذي عيّنه قد فات ، وإن أخذ حجة ، ليحج في غير تلك السنة ، فلا بأس.

وإن كانت الحجة في الذمة ، لا معيّنة بزمان ، بأن يقول استأجرتك على أن تحج عني ، صح العقد ، واقتضى التعجيل ، في هذا العام.

وإن شرط التأجيل إلى عام ، أو عامين ، جاز ، فإذا وقع مطلقا ، فانقضت السنة قبل فعل الحج ، لم تبطل الإجارة ، ولا ينفسخ العقد ، لأنّ الإجارة في الذمة لا تبطل بالتأخير ، وليس للمستأجر أن يفسخ الإجارة ، لمكان التأخير ، فإذا أحرم في السنة الثانية ، كان إحرامه صحيحا عمّن استأجره.

إذا مات الأجير ، فإن كان قبل الإحرام ، وجب على ورثته أن يردّوا بمقدار اجرة ما بقي من المسافة ، وإن كان موته بعد الإحرام ، لا يلزمه شي‌ء ، وأجزأت عن المستأجر ، وسواء كان ذلك قبل استيفاء الأركان ، أو بعدها ، قبل التحلّل ، أو بعده ، وعلى جميع الأحوال ، لعموم الأخبار في ذلك (١).

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته : فإن مات النائب في الحج ، وكان موته بعد الإحرام ، ودخول الحرم ، فقد سقطت عنه عهدة الحج ، وأجزأ عمن حج عنه ، وإن مات قبل الإحرام ، ودخول الحرم ، كان على ورثته ، إن خلف في أيديهم شيئا مقدار ما بقي عليه من نفقة الطريق ، فراعى دخول الحرم ، والإحرام معا (٢). والصحيح ما ذكرناه واخترناه ، وهو مجرّد الإحرام ، دون دخول الحرم ، وإلى هذا القول ذهب في مبسوطة (٣) وأفتى ، ودلّ على صحّته ، في مسائل خلافه (٤) وهو الصحيح.

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٥ من أبواب النيابة في الحج ، إلا أنّ روايات الباب لا تدل على المطلوب بالصراحة

(٢) النهاية : كتاب الحج ، باب من حج عن غيره.

(٣) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في ذكر الاستيجار للحج.

(٤) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٢٤٤.

٦٢٨

ومن حجّ عن غيره ، قصد عن بعض الطريق ، كان عليه مما أخذه ، بمقدار ما بقي من الطريق ، اللهم إلا أن يضمن الحج فيما يستأنف ، ويتولاه بنفسه ، إن كانت السنة معيّنة ، وإن كانت الإجارة في الذمة ، فعلى ما ذكرناه.

والذي تقتضيه أصول المذهب ، ويشهد بصحته الاعتبار ، انّ المستأجر على الحج ، إذا صدّ ، أو مات قبل الإحرام ، لا يستحق شيئا ، من الأجرة ، لأنّه ما فعل الحج الذي استؤجر عليه ، ولا دخل فيه ، ولا فعل شيئا من أفعاله.

وإلى ما اخترناه ، يذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه (١) ودلّ على صحته ، إلا أنّه قوّى ما ذهب إليه الصيرفي ، والإصطخري ، صاحبا الشافعي ، من أنه (٢) يستحق من الأجرة بمقدار ما قطع من المسافة ، تعليلا منهما ، وتخريجا ، ولا حاجة بنا إلى ذلك ، مع قيام الأدلّة ، على أن المستناب لم يأت بما استنيب فيه ، ولا شيئا من أفعاله. ولا يجوز للإنسان أن يطوف عن غيره ، وهو بمكة ، إلا أن يكون الذي يطوف عنه مبطونا لا يقدر على الطواف بنفسه ، ولا يمكن حمله ، والطواف به ، ومعنى مبطون ، أي به بطن ، وهو الذرب ، وانطلاق الغائط ، وإن كان غائبا ، جاز أن يطاف عنه.

وإذا حج الإنسان عن غيره ، من أخ له ، أو أب ، أو ذي قرابة ، أو مؤمن ، فانّ ثواب ذلك يصل إلى من حج عنه ، من غير أن ينقص من ثوابه شي‌ء.

وإذا حج عمّن يجب عليه الحج ، بعد موته ، تطوعا منه بذلك ، فإنه يسقط عن الميت بذلك ، فرض الحج ، على ما روى أصحابنا في الأخبار (٣).

ومن كان عنده وديعة ، ومات صاحبها ، وله ورثة ، وكان قد وجبت عليه حجة الإسلام ، واستقرت في ذمته ، ولم يحجّها ، جاز له أن يأخذ منها ، بمقدار ما يحج عنه من بلده ، ويرد الباقي ، لأنّ الورثة لا تستحق الميراث ، إلا بعد قضاء

__________________

(١) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٢٤٣

(٢) في ط وج : لأنّه.

(٣) الوسائل : الباب ٢١ من أبواب وجوب الحج.

٦٢٩

الديون ، والحج من جملة الديون (١).

إذا غلب على ظنه أنّ ورثته لا يقضون عنه حجة الإسلام ، فإن غلب على ظنّه أنّهم يتولّون القضاء عنه ، فلا يجوز له أن يأخذ منها شيئا ، إلا بأمرهم. ولا بأس أن تحج المرأة عن المرأة وعن الرجل ، سواء كانت المرأة النائبة حجّت حجة الإسلام ، أو لم تحج صرورة كانت ، أو غير صرورة.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته (٢) ، واستبصاره (٣) ، ولا بأس أن تحج المرأة عن الرجل ، إذا كانت قد حجت حجة الإسلام ، وكانت عارفة ، وإذا لم تكن حجّت حجة الإسلام ، وكانت صرورة ، لم يجز لها أن تحج عن غيرها على حال ، والأوّل هو الصحيح والأظهر ، وبه تواترت عموم الأخبار (٤) ، والإجماع منعقد على جواز الاستنابة في الحج ، فالمخصّص يحتاج إلى دليل ، ولا يجوز أن نرجع في التخصيص إلى خبر واحد ، لا (٥) يوجب علما ، ولا عملا ، وتعارضه أخبار كثيرة ، وانّما شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله خصّ عموم الأخبار المتواترة العامة (٦) ، بأخبار آحاد ، متوسّطا ، وجامعا بينها ، في كتاب الاستبصار (٧) ، ولم يتعرض أحد من أصحابنا لذلك بقول ، ولا تخصيص ، وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي رحمه‌الله في كتابه الأركان ، فإنّه قال : ومن وجب عليه الحج ، فلا يجوز له أن يحج عن غيره ، ولا بأس أن يحج الصرورة عن الصرورة ، إذا لم يكن للصرورة مال يحج به عن نفسه ثم قال في باب مختصر المسائل في الحج ، والجوابات : مسألة أخرى ، فإن سأل سائل ، فقال : لم زعمتم أنّ الصرورة الذي لم يحج حجّة الإسلام ، يجوز له أن يحج عن غيره ، وهو لم يؤدّ فرض نفسه؟ وما الدليل على ذلك؟ جواب ، قيل له :

__________________

(١) ج : الدين

(٢) النهاية : كتاب الحج ، باب من حج عن غيره.

(٣) الاستبصار : كتاب الحج ، الباب ٢٢٠ باب جواز أن تحجّ المرأة عن الرجل.

(٤) الوسائل : الباب ٨ من أبواب النيابة في الحج

(٥) في ط وج : لأنّه لا.

(٦) الوسائل : الباب ٨ من أبواب النيابة في الحج

(٧) الاستبصار : كتاب الحج ، الباب ٢٢٠ باب جواز أن تحجّ المرأة عن الرجل.

٦٣٠

الدليل عليه ، مع ما ورد من النصّ (١) عن أئمة الهدى عليهم‌السلام ، انّ القضاء عن الحاج ، انّما يحتاج فيه إلى العلم بمناسك الحج ، فإذا وجد من يعلم ذلك ، ويتمكن من إقامة الفرض ، ولم يمنعه منه مانع من فساد في الديانة ، أو لزوم فرض ، أو ما وجب (٢) عليه من أداء هذا الفرض ، على وجه القضاء ، فقد لزم القول بجواز ذلك ، وفسد العقد على إبطاله. ثم قال : ويؤيّد هذا ، ما رواه الزهري ، عن سليمان بن بشّار ، عن ابن عبّاس ، قال : حدّثني الفضل بن عباس ، قال : أتت امرأة من خثعم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله إنّ أبي أدركته فريضة الحج ، وهو شيخ كبير ، لا يستطيع أن يثبت على دابته ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فحجّي عن أبيك (٣) فأطلق الأمر لها بالحج ، عن غيرها ، ولم يشترط عليه‌السلام عليها في ذلك ، أن تحج أولا عن نفسها ، ولا جعل الأمر لها بشرط إن كانت حجّت قبل الحال عن نفسها ، فدلّ ذلك على أنّه إذا لم يكن مانع للإنسان من الحج ، وكان ظاهر العدالة ، فله أن يحج عن غيره ، ثم قال : سؤال ، فإن قال قائل : إنّ هذا الخبر يوجب عليكم جواز حج الإنسان عن غيره ، وان كان له مال يستطيع به الحج عن نفسه ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يسألها أيضا عن حالها ، ولا شرط لها في ذلك ، عدم استطاعتها بنفسها ، وهذا نقض مذهبكم قال رحمه‌الله : جواب ، قيل له : ليس الأمر على ما ظننت ، وذلك أنّ توجّه الفرض إلى واجد الاستطاعة بظاهر القرآن ، يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الشرط في ذلك ، وإذا كان المستطيع قد توجّه إليه فرض الحجّ عن نفسه ، ووجب عليه على الفور بما قدمناه ، فقد حظر عليه كل ما أخرجه عن القيام ، بما وجب عليه ، فكانت هذه الدلالة

__________________

(١) الوسائل : الباب ٦ من أبواب النيابة في الحج

(٢) في النسخة المعتمدة : أداء ما وجب.

(٣) مستدرك الوسائل : ج ٢ ، باب ٥ من أبواب النيابة في الحج.

٦٣١

مغنية عن الشرط ، لما ضمنه ، على ما بيّناه ، ولم يشتبه القول في خلافه ، لتعريه من الدلالة بما شرحناه (١) هذا آخر قول شيخنا المفيد رحمه‌الله.

ولا يجوز لأحد أن يحج عن غيره ، إذا كان مخالفا له في الاعتقاد ، من غير استثناء سواء كان أباه ، أو غيره.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته : اللهم إلا أن يكون أباه ، فإنّه يجوز له أن يحج عنه (٢).

وهذه رواية شاذة ، أوردها رضي‌الله‌عنه في هذا الكتاب ، كما أورد أمثالها ، ممّا لا يعمل به ، ولا يعتقد صحّته ، ولا يفتي به ، إيرادا لا اعتقادا ، لأنّه كتاب خبر ، لا كتاب بحث ونظر ، على ما قدّمنا القول في معناه.

ومتى فعل الأجير من محظورات الإحرام ما يلزمه به كفارة ، كان عليه في ماله ، من الصيد ، واللباس ، والطيب ، وغير ذلك.

وإن أفسد الحجة ، وجب عليه قضاؤها عن نفسه ، وكانت الحجة باقية عليه ، ثم ينظر فيها ، فإن كانت معينة بزمان ، انفسخت الإجارة ، ولزم المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه فيها ، وإن لم تكن معينة ، بل تكون في الذمة ، لم تتفسخ ، وعليه أن يأتي بحجة أخرى في المستقبل ، عمن استأجره ، بعد أن يقضي الحجة التي أفسدها عن نفسه ، ولم يكن للمستأجر فسخ هذه الإجارة عليه ، والحجة الأولى مفسودة (٣) ، لا تجزئ عنه ، والثانية قضاء عنها ، عن نفسه ، وانّما يقضي عن المستأجر ، بعد ذلك على ما بيّناه.

ومن استأجر إنسانا ليحج عنه متمتعا ، فإن هذي المتعة تلزم الأجير في ماله ، لأنّه متضمّن (٤) العقد.

إذا كان عليه حجتان ، حجة النذر ، وحجة الإسلام ، وهو مغصوب ، بالعين

__________________

(١) مختصر المسائل في الحج : لا يوجد عندنا.

(٢) النهاية : كتاب الحج ، باب من حج عن غيره

(٣) ج : والحجة الأولة فاسدة

(٤) ج : يتضمن.

٦٣٢

غير المعجمة ، والضاد المعجمة ، وهو الذي خلق نضوا ، ولا يقدر على الثبوت على الراحلة ، جاز له أن يستأجر رجلين ، يحجان عنه ، في سنة واحدة ، يكون فعل كل واحد منهما واقعا بحسب نيته ، سبق أو لم يسبق.

باب العمرة المفردة

العمرة فريضة مثل الحج ، لا يجوز تركها ، ومن تمتع بالعمرة إلى الحج ، سقط عنه فرضها ، وإن لم يتمتع ، كان عليه أن يعتمر ، بعد انقضاء الحج ، إن أراد بعد انقضاء أيام التشريق ، وإن شاء أخّرها ، إلى استقبال المحرّم ، لأنّ جميع أيام السنة وقت لها ، على ما ذكرناه متقدما.

ومن دخل مكة بالعمرة المفردة ، في غير أشهر الحج ، لم يجز له أن يتمتع بها إلى الحج ، فإن أراد التمتع ، كان عليه تجديد عمرة في أشهر الحج ، وإن دخل مكة بالعمرة المفردة ، في أشهر الحج ، جاز له أن يقضيها ، ويخرج إلى بلده ، أو إلى أيّ موضع شاء ، والأفضل له ، أن يقيم حتى يحج ، ويجعلها متعة.

وإذا دخل مكة بعد خروجه ، فإن كان بين خروجه ودخوله أقل من شهر ، فلا بأس أن يدخل مكة بغير إحرام ، ويجوز له أن يتمتع بعمرته الأولى ، وإن كان شهرا فصاعدا ، فلا يجوز له أن يدخل مكة إلا محرما ، ولا يجوز له أن يتمتع بعمرته الأوّلة ، بل الواجب عليه إنشاء عمرة يتمتع بها. والأفضل له أن يقيم حتى يحجّ ويجعلها متعة (١).

وإذا دخلها بنية التمتع ، فينبغي له أن لا يجعلها مفردة ، وإن لا يخرج من مكة ، لأنّه صار مرتبطا بالحج.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته : لم يجز له أن يجعلها مفردة ، وأن يخرج من مكة لأنّه صار مرتبطا بالحج ، والأولى ما ذكرناه ، من كون ذلك مكروها ، لا أنّه محظور ، بل الأفضل له أن لا يخرج من مكة ، والأفضل له أن لا

__________________

(١) في ط وج : عمرة.

٦٣٣

يجعلها مفردة (١) وقد رجع شيخنا عمّا في نهايته ، في مبسوطة (٢) وقال بما اخترناه ، لأنّه لا دليل على حظر الخروج من مكة ، بعد الإحلال من جميع مناسكها ، والاعتبار في رجوعه ما ذكرناه أولا ، من الشهر حرفا فحرفا.

وأفضل العمر ما كانت في رجب ، وهي تلي الحج ، في الفضل على ما روي (٣).

ويستحب أن يعتمر الإنسان في كلّ شهر ، إذا تمكن من ذلك ، وفي كل عشرة أيّام ، وقد بيّنا فيما مضى ، أقل ما يكون بين العمرتين ، وما اخترناه في ذلك ، وهو جواز الاعتمار في سائر الأيّام ، وهو مذهب السيد المرتضى ، لأنّ الإجماع منعقد على جواز الاعتمار ، والحث عليه ، والترغيب فيه ، فمن خصّص ذلك ، يحتاج إلى دليل ، ولا يلتفت إلى أخبار الآحاد في ذلك ، إن وجدت.

وذكر شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مسائل خلافه (٤) مسألة أورد فيها وانس كلّما حمم رأسه ، اعتمر ، يعني نبت شعره. قال محمّد بن إدريس : حمم بالحاء غير المعجمة ، رأسه ، إذا اسود بعد الحلق ، وحمم الفرخ ، إذا طلع ريشه ، فأردت إيراد الكلمة ، لئلا تصحف.

وينبغي إذا أحرم المعتمر ، أن يذكر في دعائه ، أنّه محرم بالعمرة المفردة ، وإذا دخل الحرم ، قطع التلبية ، حسب ما قدمناه ، هذا إذا جاء من بلده ، وأحرم من أحد المواقيت ، فأمّا من خرج من مكة ، إلى خارج الحرم ، ليعتمر ، وأحرم ، فلا يقطع التلبية ، إلا إذا شاهد الكعبة.

فإذا دخل مكة ، طاف بالبيت طوافا واحدا ، وسعى بين الصفا والمروة ، ثم يقصّر إن شاء ، وإن شاء حلق. وفي العمرة المتمتع بها إلى الحج ، لا يجوز له

__________________

(١) النهاية : كتاب الحج ، باب العمرة المفردة.

(٢) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في شرائط الوجوب. والعبارة بعينها عبارة النهاية فما رجع في المبسوط عما في النهاية

(٣) الوسائل : الباب ٣ من أبواب العمرة ، ح ١٦.

(٤) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٢٦.

٦٣٤

الحلق ، بل الواجب المتحتم عليه ، التقصير.

ويجب عليه ـ أعني على المعتمر ـ عمرة مفردة ، بعد تقصيره ، أو حلقه ، لتحلّة النساء ، طواف ، وقد أحلّ من كل شي‌ء أحرم منه.

باب حكم العبيد والمكاتبين والمدبّرين في الحج

لا يجوز للعبد أن يحرم إلا بإذن سيده ، فإن أحرم بغير اذنه ، لم ينعقد إحرامه ، وللسيد منعه منه ، فإن اذن له سيده في الإحرام بالحج ، فأحرم ، لم يكن له فيما بعد منعه ، وهكذا الحكم في المدبر ، والمدبرة ، وأم الولد ، لا يختلف الحكم فيه ، والأمة المزوجة ، لمالكها منعها من الإحرام ، وللزوج أيضا منعها ، والمكاتب لا ينعقد إحرامه ، سواء كان مشروطا عليه ، أو مطلقا ، لأنّه إن كان مشروطا عليه فهو بحكم الرق ، وإن كان مطلقا ، وقد تحرر منه بعضه ، فهو غير متعيّن.

إذا أحرم العبد بإذن سيّده ، ثم أعتق ، فإن أدرك المشعر الحرام بعد العتق ، فقد أدرك حجّة الإسلام ، وإن فاته المشعر ، فقد فاته الحج ، وعليه الحج فيما بعد ، إذا وجدت الشرائط.

وإذا أحرم بغير اذن سيده ، ثم أفسد الحج ، لم يتعلّق به حكم ، لأنّا قد بيّنا أنّ إحرامه ، غير منعقد.

وإن أحرم بإذن سيده ، فأفسد الحج ، لزمه القضاء ، وعلى سيّده تمكينه منه.

وإذا أفسد العبد الحج ، ولزمه القضاء على ما قلناه ، فأعتقه السيد ، فلا يخلو أن يكون بعد الوقوف بالمشعر ، أو قبله ، فإن كان بعده ، كان عليه أن يتم هذه الحجة ، وتلزمه حجة الإسلام فيما بعد ، وحجة القضاء ، ويجب عليه البدأة بحجة الإسلام ، مع وجود الشرائط ، وحصولها ، ثمّ بحجة القضاء ، وإن أعتق قبل الوقوف بالمشعر ، فلا فصل بين أن يفسد بعد العتق أو قبل العتق ، فإنّه يمضي في فاسدة ، ولا تجزيه الفاسدة عن حجّة الإسلام ، ويلزمه القضاء في القابل ،

٦٣٥

ويجزيه القضاء عن حجّة الإسلام ، لأنّ ما أفسده ، لو لم يفسده لكان يجزيه عن حجة الإسلام ، وهذه قضاء عنها.

إذا أحرم بإذن مولاه ، فارتكب محظورا عامدا ، يلزمه به دم ، مثل اللباس ، والطيب ، وحلق الشعر ، وتقليم الأظفار ، واللمس بشهوة ، والوطي في الفرج ، أو فيما دون الفرج ، وقتل الصيد ، أو أكله ، ففرضه الصيام ، وليس عليه دم ، وليس لمولاه منعه من الصيام ، لأنّه دخل في الإحرام بإذنه ، فيلزمه الإذن في توابعه.

ودم المتعة ، فسيّده بالخيار ، بين أن يهدي عنه ، أو يأمره بالصيام ، وليس له منعه من الصيام ، لأنّه بإذنه دخل فيه.

باب حكم الصبيان في الحج

الصبي الذي لم يبلغ ، قد بيّنا أنّه لا حج عليه ، ولا ينعقد إحرامه ، ويجوز عندنا أن يحرم عنه الولي ، والولي الذي يصح إحرامه عنه ، الأب ، والجد ، وإن علا ، فإن كان غيرهما ، فإن كان وصيا ، أوله ، ولاية عليه وليّها ، فهو بمنزلة الأب.

النفقة الزائدة على نفقته في الحضر ، يلزم وليه دونه.

وكلّ ما أمكن الصبي أن يفعله من أفعال الحج ، فعله ، وما لا يمكنه ، فعلى وليّه أن ينوب عنه ، والوقوف بالموقفين ، يحضر على كل حال ، مميّزا كان ، أو غير مميز ، وأمّا الإحرام ، فإن كان مميزا ، أحرم بنفسه ، وإن لم يكن مميزا ، أحرم عنه وليّه ، ورمي الجمار كذلك ، وكذلك الطواف ، ومتى طاف به ، ونوى به الطواف عن نفسه ، أجزأ عنهما ، وحكم السعي مثل ذلك ، وليس كذلك ركعتا الطواف.

وأمّا محظورات الإحرام ، فكلّ ما يحرم على المحرم البالغ ، يحرم على الصبي ، والنكاح إن عقد له ، كان باطلا ، وأمّا الوطي فيما دون الفرج ، واللباس ، والطيب ، واللمس بشهوة ، وحلق الشعر ، وترجيل الشعر ، وتقليم الأظفار ، فالظاهر أنّه لا يتعلق به شي‌ء ، لما روي عنهم عليهم‌السلام ، من أنّ عمد الصبي

٦٣٦

وخطأه سواء (١) والخطأ في هذه الأشياء ، لا يتعلّق به كفارة من البالغين.

وقيل : إنّ قتل الصيد ، يتعلّق به الجزاء ، على كل حال ، لأنّ النسيان يتعلّق به من البالغ ، الجزاء.

والصحيح أنّه لا يتعلق بذلك كفّارة ، وحمله على ما قيل قياس ، لأنّ الخطاب متوجه في الأحكام الشرعيات ، والعقليات ، إلى العقلاء البالغين المكلّفين ، والصبي غير مخاطب بشي‌ء من الشرعيات ، ولو لا الإجماع ، والدليل القاهر ، لما أوجبنا على البالغ في النسيان شيئا ، فقام الدليل في البالغ ، ولم يقم في غير البالغ.

وقال شيخنا أبو جعفر ، في مبسوطة : قتل الصيد يتعلّق به الجزاء ، على كل حال ، قال : لأنّ النسيان يتعلّق به من البالغ الجزاء.

وأمّا الوطي في الفرج ، فإن كان ناسيا ، لا شي‌ء عليه ، ولا يفسد حجه ، مثل البالغ سواء ، وإن كان عامدا ، فعلى ما قلناه ، من أنّ عمده وخطأه سواء ، لا يتعلّق به أيضا فساد الحج ، ثم قال : ولو قلنا أنّ عمده عمد ، لعموم الأخبار ، فيمن وطأ عامدا في الفرج ، من أنّه يفسد حجه ، فقد فسد حجه ، ويلزمه القضاء ، ثم قال ، والأقوى الأوّل ، لأنّ إيجاب القضاء يتوجه إلى المكلّفين ، وهذا ليس بمكلّف (٢) هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطة ، وهو الأصحّ ، بل الحق اليقين ، وقد قلنا ما عندنا في ذلك.

باب في حكم المحصور والمصدود

الحصر عند أصحابنا لا يكون إلا بالمرض ، والصد يكون من جهة العدو ، وعند الفقهاء ، الحصر والصد واحد ، وهما من جهة العدو ، والصحيح الأوّل ،

__________________

(١) الوسائل : كتاب الديات الباب ١١ من أبواب العاقلة ، ح ٢.

(٢) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في ذكر حكم الصبيان في الحج.

٦٣٧

فالمحصور هو الذي يلحقه المرض في الطريق ، فلا يقدر على النفوذ إلى مكة ، فإذا كان كذلك ، فإن كان قد ساق هديا ، فليبعث به إلى مكة ، ويجتنب هو جميع ما يجتنبه المحرم ، إلى أن يبلغ الهدي محله ، ومحله منى ، يوم النحر ، إن كان حاجّا ، وإن كان معتمرا ، فمحله مكة ، بفناء الكعبة ، فإذا بلغ الهدي محلّه ، قصّر من شعر رأسه ، وحل له كل شي‌ء ، إلا النساء ، ويجب عليه الحج من قابل ، إذا كان صرورة ، ووجد الشرائط في القابل ، وإن كان قد حج حجّة الإسلام ، كان عليه الحج في القابل ، استحبابا ، لا إيجابا ، ولم تحل له النساء ، إلى أن يحج في العام القابل ، أو يأمر من يطوف عنه طواف النساء.

فإن وجد من نفسه خفّة بعد أن بعث هديه ، فليلحق بأصحابه ، فإن أدرك أحد الموقفين في وقته ، فقد أدرك الحج ، وليس عليه الحج من قابل ، وإن لم يدرك أحد الموقفين في وقته ، فقد فاته الحج ، وكان عليه الحج من قابل ، هذا هو تحرير الفتيا.

وقال شيخنا أبو جعفر ، في نهايته : فليلحق بأصحابه ، فإن أدرك مكة قبل أن ينحر هديه ، قضى مناسكه ، كلّها وقد أجزأه ، وليس عليه الحج من قابل ، وإن وجدهم قد ذبحوا الهدي ، فقد فاته الحج ، وكان عليه الحج من قابل ، قال رحمه‌الله : وانّما كان الأمر على ذلك ، لأنّ الذبح انّما يكون يوم النحر ، فإذا وجدهم قد ذبحوا الهدي ، فقد فاته الموقفان ، وإن لحقهم قبل الذبح ، يجوز أن يلحق أحد الموقفين ، فمتى لم يلحق واحدا منهما ، فقد فاته أيضا الحج (١).

قال محمّد بن إدريس مصنف هذا الكتاب : اعتبار شيخنا رحمه‌الله بإدراك مكة ، قبل أن ينحر هديه ، غير واضح ، لأنّ النحر يكون في منى يوم العيد ، ولا يصل الحاج منى إلا بعد طلوع الشمس ، من يوم النحر ، وبطلوع الشمس ، يفوت وقت المشعر الحرام ، وبفواته يفوته الحج ، فلو أدرك أصحابه بمنى ، ولم ينحروا

__________________

(١) النهاية : كتاب الحج ، باب المحصور والمصدود.

٦٣٨

الهدي ، ما نفعه ذلك ، فلا اعتبار بذبح الهدي ، وإدراكه ، بل الاعتبار بإدراك المشعر الحرام في وقته ، على ما اعتبرناه.

ومن لم يكن ساق الهدي ، فليبعث بثمنه مع أصحابه ، ويواعدهم وقتا بعينه ، بأن يشتروه ويذبحوا عنه ، ثم يحل بعد ذلك ، فإن ردّوا عليه الثمن ، ولم يكونوا وجدوا الهدي ، وكان قد أحلّ ، لم يكن عليه شي‌ء ويجب عليه أن يبعث به في العام القابل ، ليذبح في موضع الذبح ، روي (١) أنّه يجب عليه أن يمسك ممّا يمسك عنه المحرم ، إلى أن يذبح عنه (٢) ، ذكر ذلك شيخنا في نهايته (٣) ولا دليل عليه ، والأصل براءة الذمة ، وهذا ليس بمحرم ، بغير خلاف ، فكيف يحرم عليه لبس المخيط ، والجماع ، والصيد ، وليس هو بمحرم ، ولا في الحرم ، حتى يحرم عليه الصيد ، ولا يرجع فيه إلى أخبار الآحاد ، وما أورده رحمه‌الله في نهايته ، فعلى جهة الإيراد ، لا الاعتقاد.

وذهب ابن بابويه في رسالته ، فقال : وإذا قرن الرجل الحج والعمرة ، وأحصر ، بعث هديا مع هديه ، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محلّه.

قال محمّد بن إدريس مصنّف هذا الكتاب : أمّا قوله رحمه‌الله : وإذا قرن الرجل الحج والعمرة ، فمراده كل واحد منهما على الانفراد ، ويقرن إلى إحرامه بواحد من الحج ، أو من العمرة ، هديا يشعره ، أو يقلّده ، فيخرج من مكة بذلك ، وإن لم يكن ذلك عليه واجبا ابتداء ، وما مقصوده ومراده ، أن يحرم بهما جميعا ، ويقرن بينهما ، لأنّ هذا مذهب من خالفنا ، في حد القران ، ومذهبنا أن يقرن إلى إحرامه سياق هدي ، فليلحظ ذلك ، ويتأمّل ، فأمّا قوله بعث هديا مع هديه ، إذا أحصر ، يريد أنّ هديه الأوّل الّذي قرنه إلى إحرامه ، ما يجزيه في تحليله من

__________________

(١) في ط وج : وقد روي

(٢) الوسائل : الباب ٢ من أبواب الإحصار والصد ، ح ١.

(٣) النهاية : كتاب الحج ، باب المحصور والمصدود.

٦٣٩

إحرامه ، لأنّ هذا كان واجبا عليه ، قبل حصره ، فإذا أراد التحلّل من إحرامه بالمرض الذي هو الحصر عندنا ، على ما فسرناه ، فيجب عليه هدي آخر ، لذلك ، لقوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (١) وما قاله قوي معتمد ، غير أن باقي أصحابنا ، قالوا : يبعث هديه الذي ساقه ، ولم يقولوا يبعث بهدي آخر ، فإذا بلغ محلّه أحلّ إلا من النساء ، فهذا فائدة قوله رحمه‌الله : وإن كان المحصور معتمرا فعل ما ذكرناه ، وكانت العمرة عليه فرضا في الشهر الداخل ، إذا كانت واجبة ، وإن كانت نفلا ، كانت عليه العمرة في الشهر الداخل ، تطوّعا ، وإنفاذ الهدي أو بعث ثمنه على ما ذكرناه أولا ، انّما يجب على من لم يشترط على ربّه في إحرامه على ما أسلفنا القول فيه وحرّرناه.

فأمّا من اشترط على ربه في حال إحرامه ، إن عرض له عارض ، فحلّه حيت حبسته (٢) ، ثمّ عرض المرض ، فله أن يتحلّل من دون إنفاذ هدي ، أو ثمن هدي ، إلا أن كان قد ساقه ، وأشعره ، أو قلّده ، فلينفذه ، فأمّا إذا لم يكن ساقه ، واشترط ، فله التحلّل إذا بلغ الهدي محلّه ، وبلوغه يوم العيد ، فإذا كان يوم النحر ، فليتحلل من جميع ما أحرم منه ، إلا النساء على ما قدّمناه.

وقال شيخنا المفيد ، في مقنعته ، والمحصور بالمرض ، إن كان ساق هديا ، أقام على إحرامه ، حتى يبلغ الهدي محلّه ثم يحلّ ، ولا يقرب النساء ، حتى يقضي المناسك من قابل ، هذا إذا كان في حجّة الإسلام ، فأمّا حجة التطوّع ، فإنّه ينحر هديه ، وقد أحلّ ممّا كان أحرم منه ، فإن شاء حج من قابل ، وإن لم يشأ ، لم يجب عليه الحج ، والمصدود بالعد وينحر هديه الذي ساقه بمكانه ، ويقصّر من شعر رأسه ، ويحل ، وليس عليه اجتناب النساء ، سواء كانت حجته فريضة ، أو سنّة (٣) هذا آخر كلام المفيد رحمه‌الله.

__________________

(١) البقرة : ١٩٦

(٢) في ط وج : حبسه

(٣) المقنعة : كتاب الحج ، باب من الزيادات في فقه الحج ص ٤٤٦.

٦٤٠