كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

أصحابنا إلى أنّ أصحاب هذه الأمراض ، لا يجوز أن يؤمّوا الأصحّاء ، على طريق الحظر ، والأظهر ما قلناه.

ولا يجوز إمامة المحدود الذي لم يتب.

ويكره أن يؤم الأعرابي المهاجر.

ولا يجوز إمامة المقعد بالزمانة ، ولا المقيّد المطلقين ، ولا الجالس القيّام.

ويكره إمامة المتيمم المتوضئين وبعض أصحابنا يذهب إلى أنّه لا يجوز ذلك.

ويكره للمسافر أن يؤم بالمقيمين ، وللمقيم أن يؤم بالمسافرين في الصلوات التي يختلف فرضهما فيها.

فإن دخل المسافر في صلاة المقيم ، سلّم في الركعتين ، وانصرف ، وإن شاء قام فصلى معه فرضا آخر ، إن كان عليه.

وإن دخل المقيم في صلاة المسافر ، يستحب أن لا ينفتل من مصلاه بعد سلامه ، حتى يتم المقيم صلاته.

ولا يجوز إمامة الأمي لمن معه من القرآن ما يقيم به صلاته ، فإن أمّ أمي ، أميّين مثله ، جاز ذلك له.

ولا يجوز إمامة الشديد اللثغة الذي لا يقيم الحروف ولا ينطق بها على وجهها.

ولا يجوز إمامة اللحنة الذي يغيّر بلحنه معاني القرآن.

ولا يجوز إمامة المرأة الرجال على وجه.

ويجوز للرجال أن يؤموا النساء ، ويكون مقامها وراءه ، فإنّه من آداب سنن الموقف على ما قلناه (١).

ويجوز للمرأة أن تؤم النساء في الفرائض والنوافل ، وذهب بعض أصحابنا وهو السيّد المرتضى إلى أنّه لا يجوز لها أن تؤم النساء في الفرائض ويجوز في

__________________

(١) ج : ما بيّناه ، راجع ما بيّنه ـ قدس‌سره ـ في ص ٢٤١ من هذا الكتاب.

٢٨١

النوافل ، والأول أظهر في المذهب.

ولا بأس بإمامة العبد والأعمى إذا كانا على الصفات التي توجب التقدّم.

والسلطان المحق أحق بالإمامة ، من كل أحد في كل موضع إذا حضر ، نريد بذلك رئيس الكل ، ثم صاحب المنزل في منزله ، وصاحب المسجد في مسجده ، فإن لم يحضر أحد من هؤلاء فيؤم بالقوم أقرأهم ، فإن تساووا ، فأكبرهم سنا في الإسلام ، فإن تساووا فأعلمهم بالسنّة. وأفقههم في الدين ، فإن تساووا في ذلك فأقدمهم هجرة ، فإن تساووا فقد روي أصبحهم وجها (١).

وقد يجوز إمامة أهل الطبقة التالية لغيرها إذا أذن لهم أهل الطبقة المتقدمة ، إلا أن يكون الإمام الأكبر الذي هو رئيس الزمان ، فإنّه لا يجوز لأحد التقدّم عليه على وجه من الوجوه.

ومن ظهر له أنّه اقتدى بإمام كافر أو فاسق ، لا اعادة عليه ، سواء كان الوقت باقيا أو خارجا ، على الصحيح من الأقوال والأظهر من المذهب ، وذهب السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه إلى وجوب الإعادة ، ولا دليل على ذلك ، لأنّ الإعادة فرض ثان ، والأصل براءة الذمة من واجب أو ندب ، والإجماع حاصل منعقد على خلافه.

وأفضل الصفوف أوائلها ، وأفضل أوائلها ما دنا من الإمام وحاذاه ، وأفضل الصفوف في صلاة الجنازة أواخرها.

وينبغي أن يقرب من موقف الإمام من إذا اضطر الإمام إلى الخروج من الصلاة استخلفه ، وكان أولاهم بمقامه ، وإذا اجتمع رجال وخصيان وخناثى ونساء وصبيان كان الرجال ممّا يلي الإمام ، ثمّ الخصيان ، ثم الخناثى ، ثمّ الصبيان ، ثم النساء ، وبالعكس من ذلك في ترتيب جنائزهم ، إذا كان الصبيان لهم دون ستّ سنين ، ويتقدّم الأشراف غيرهم ، والأحرار يتقدّمون العبيد.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢٨ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ٢.

٢٨٢

ولتتمّم الصفوف بأن يتقدّم إليها ويتأخّر حتى تتمّم ، وكذلك لا بأس لمن وجد ضيقا في الصف ، أن يتأخر إلى الصف الذي يليه ، بعد أن لا يعرض عن القبلة ، بل يخطو منحرفا.

ومن دخل المسجد ، فلم يجد مقاما له في الصفوف أجزأه ان يقوم وحده محاذيا لمقام الإمام.

وينبغي أن يكون بين كل صفين قدر مسقط جسد الإنسان أو مريض عنز إذا سجد ، فإن تجاوز ذلك إلى القدر الذي لا يتخطّى كان مكروها شديد الكراهة ، حتى أنّه قد ورد بلفظ لا يجوز (١).

ولا يجوز أن يكون مكان الإمام ومقامه أعلى من مقام المأموم ، كسطوح البيوت ، والدكاكين العالية ، وما أشبهها ، فإن كان أعلى منه بشي‌ء يسير لا يعتد بمثله في العرف والعادة ، ولا يعلم تفاوته ، فلا بأس وجاز ذلك ، فأمّا إن كانت الأرض منحدرة ، ومحدودبة فلا بأس بأن يقف الإمام في الموضع العالي ، ويقف المأموم في المنحدر المنخفض ، وانّما كان ذلك في المكان الذي اتخذ بناء.

ويجوز أن يكون مقام الإمام أسفل من مقام المأموم ، بعد أن لا ينتهي إلى حدّ لا يمكنه معه الاقتداء به.

ومقام الإمام قدّام المأمومين إذا كانوا رجالا أكثر من واحد ، فإن كان المأموم رجلا واحدا صلّى عن يمينه ، وإن كانت امرأة واحدة أو جماعة صلّين خلفه ، وإن كان المأموم رجلا واحدا وامرأة أو جماعة من النساء ، صلّى الرجل عن يمين الإمام ، وصلّت المرأة أو النساء الجماعة خلفهما ، وذلك على جهة الاستحباب ، دون الفرض والإيجاب ، على ما قدّمناه ، لأنّه من سنن الموقف الذي فيه الإمام والمأموم.

__________________

(١) لم نجد حديثا بهذه العبارة فيما بأيدينا من مجاميعنا الحديثية.

٢٨٣

ويجهر الإمام ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين ، فيما يجهر فيه بالقراءة على طريق الوجوب ، ويستحب ذلك فيما يخافت فيه ويتعين القراءة عليه فيه ، ولا يجهر فيما سوى ذلك من باقي ركعاته الثوالث والروابع.

واختلفت الرواية في القراءة خلف الإمام الموثوق به ، فروي أنّه لا قراءة على المأموم في جميع الركعات والصلوات ، سواء كانت جهرية أو إخفاتية (١) وهي أظهر الروايات ، والتي يقتضيها أصول المذهب ، لأنّ الإمام ضامن للقراءة بلا خلاف بين أصحابنا.

ومنهم من قال يضمن القراءة والركوع والسجود ، لقوله عليه‌السلام : الأئمة ضمناء (٢).

وروي أنّه لا قراءة على المأموم في الأوليين في جميع الصلوات التي يخافت فيها بالقراءة ، أو يجهر بها ، إلا أن تكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام ، فيقرأ لنفسه (٣).

وروي أنّه ينصت فيما جهر الإمام فيه بالقراءة ، ولا يقرأ هو شيئا ، ويلزمه القراءة فيما خافت (٤).

وروي أنّه بالخيار فيما خافت فيه الإمام (٥).

فأمّا الركعتان الأخريان فقد روي أنّه لا قراءة على المأموم فيهما ولا تسبيح (٦) وروي أنّه يقرأ فيهما أو يسبح (٧) والأول أظهر لما قدّمناه.

فأمّا من يؤتم به على سبيل التقية ، ممّن ليس بأهل للإمامة ، فلا خلاف في وجوب القراءة خلفه ، إلا أنّه لا بدّ له من إسماعه أذنيه ، وما ورد أنّه مثل حديث النفس (٨) فإنه على طريق المبالغة والاستيعاب ، لأنّه لا يسمّى قارئا.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣١ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) المستدرك : الباب ٣ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ١.

(٣) الوسائل : الباب ٣١ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل : الباب ٣١ من أبواب صلاة الجماعة.

(٥) الوسائل : الباب ٣١ من أبواب صلاة الجماعة.

(٦) الوسائل : الباب ٣٣ من أبواب صلاة الجماعة.

(٧) الوسائل : الباب ٣٣ من أبواب صلاة الجماعة.

(٨) الوسائل : الباب ٣٣ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٨٤

وينبغي للإمام والأفضل له أن تكون صلاته على قدر صلاة أضعف من يقتدى به ، ولا يطوّلها ، فيشق ذلك على من يأتم به ، فأمّا إن كان وحده فالتطويل هو الأفضل ، فإنّها العبادة.

ويفتح المأموم على الإمام إذا تجاوز شيئا من القرآن ، أو بدّله أو ارتج عليه.

ومن أدرك الإمام وهو راكع ، وإن لم يدرك تكبيرة الركوع ، فقد أدرك الركعة ، واعتد بها ، فإن رفع رأسه ، فقد فاتته الركعة.

ولا يجب عليه إذا أدركه أن يكبّر سوى تكبيرة الافتتاح ، فأمّا تكبيرة الركوع فلا تجب عليه ، وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنه في نهايته (١) إلى أنّه يجب عليه أن يكبّر تكبيرة الافتتاح ، وتكبيرة الركوع ، وإلى أنّه إن لم يلحق تكبيرة الركوع وإن لحقه راكعا وأدركه في حال ركوعه وركع معه ما لم يلحق تكبيرة الركوع ، فلا يعتدّ بتلك الركعة ، والأول مذهب السيد المرتضى وباقي أصحابنا ، وهو الصحيح الذي تقتضيه الأصول ، ويشهد بصحته النظر والخبر المتواتر.

ومن أدركه ساجدا ، جاز أن يكبر تكبيرة الافتتاح ، ويسجد معه غير أنّه لا يعتد بتلك الركعة والسجدة.

ومن أدرك الإمام راكعا ، فخاف أن يسبقه بالقيام ، جاز له أن يركع عند دخول المسجد ، ويمشي في ركوعه حتى يدخل في الصف.

ويستحب للإمام إذا أحسّ بداخل إلى المسجد ، بأن يتوقف ويتثاقل حتى يدخل في الصف معه ، فإن كان راكعا جاز له أن يتوقف مثل قدر ركوعه ، وزائدا عليه ، فإن انقطع الحاضرون ، وإلا انتصب قائما.

ومن لحق الإمام في تشهده ، وقد بقيت عليه منه بقيّة ، فدخل في صلاته ،

__________________

(١) النهاية : كتاب الصلاة. باب الجماعة قال كذلك : ومن لحق بتكبيرة الركوع فقد أدرك تلك الركعة فان لم يلحقها فقد فاتته.

٢٨٥

وجلس معه ، لحق فضيلة الجماعة ، ثم ينهض فيصلّي لنفسه ، فإن كان لمّا كبّر ، نوى الصلاة وتكبيرة الإحرام بتكبيرته ، أجزأه أن يقوم بها ولا يستأنف تكبيرة الإحرام ، فإن لم يكن نوى ذلك ، كبر وافتتح صلاته مستأنفا لها.

وإذا سبق الإمام المأموم بشي‌ء من ركعات الصلاة ، جعل المأموم ما أدركه معه أوّل صلاته ، وما يصلّيه وحده آخرها ، كأنّه (١) أدرك من صلاة الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة ركعتين وفاتته ركعتان ، فالمستحب أن يقرأ فيما أدركه في نفسه بأمّ الكتاب ، فإذا سلّم الإمام ، قام فصلّى الأخريين مسبحا فيهما ، أو قارئا على التخيير كما مضى شرحه ، وكذلك إذا أدرك ركعة واحدة ، قرأ فيها خلف الإمام على طريق الاستحباب ، فإذا سلّم الإمام ، قام فقرأ في الأولى مما ينفرد به ، ثمّ أضاف إليها الركعتين الأخريين بالتسبيح ، إن كانت الصلاة رباعيّة ، وإن كانت ثلاثية أضاف واحدة ، وفي الفجر يقتصر على الاثنتين بالقراءة.

وقال بعض أصحابنا في هذه المسائل ، يجب عليه القراءة قراءة السورتين معا ، ومنهم من قال قراءة الحمد وحدها ، والأول الأظهر ، وهو الذي يقتضيه أصول المذهب ، فأمّا قولهم : يجعل أول ما يلحق معه أوّل صلاته احترازا من مذهب المخالف للإمامية ، وهو أنّه يجعل ما يلحق معه آخر صلاته ، ويقضى الأوّل ، هكذا يذهب المخالف لمذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وفقهاء أهل الحق (٢) يجعلون ما يلحق معه أوّل صلاته ، فإذا سلّم الإمام ، قام فأتمّ ما فاته من غير قضاء.

فأمّا قولهم يقرأ فيما يلحقه الحمد والسورة ، أو الحمد على القول الآخر ، يريدون به أنّ القراءة تتعيّن في الأولتين ، فإذا لم يقرأ فيما يلحقه ، تعيّن عليه أن يقرأ في الأخريين ، لئلا يقلب صلاته ، فيجعل أوّلها آخرها ، وقد ورد بهذا أخبار آحاد ، فلأجل هذه الأخبار قالوا يقرأ.

والصحيح من الأقوال ، أنّ القراءة الأمر بها على جهة الاستحباب ، دون

__________________

(١) في ط وج : كما أنّه

(٢) في ط وج : أهل البيت.

٢٨٦

الفرض والإيجاب ، لأنّ قراءة الإمام قراءة المأموم ، وانّ هذه الصلاة ما خلت من القراءة لأنّ القائل بذلك يقول إذا لم يقرأ فيما يلحق ، ففي الأخريين لا يتعيّن عليه القراءة بل هو مخير بين التسبيح والقراءة ، فإذا اختار التسبيح خلت الصلاة من قراءة الحمد ، بناء منه على هذا الأصل ، وقد بيّنا أنّ قراءة الإمام كافية للمأموم ، وأنّ صلاته ما خلت من القراءة ، لأنّ صلاته مرتبطة بصلاة إمامه في الصحة والفساد ، فهي كالجزء منها ، وهي لم تخل من القراءة فليلحظ ذلك ويتأمل.

ومن أدرك الركعة الثانية مع الإمام ، فجلس لها الإمام ، وهي للمأموم أولى ، فليجلس بجلوسه متجافيا غير متمكن ، فإذا صلّى الإمام الثالثة وهي للمأموم ثانية ونهض ، تلبث عنه قليلا ، بقدر ما يتشهد تشهدا خفيفا ، ثمّ يلحق به في القيام ، ولا يقوم المأموم لا تمام صلاته الفائتة ، إلا بعد تسليم الإمام ، وإن كان عليه سهو فحين يهوى إلى السجدة الاولى.

وإذا علم الإمام ان فيمن دخل في صلاته من بقي عليه منها ما يحتاج إلى إتمامه ، لم ينتقل عن مصلاه بعد تسليمه ، حتى يتم من بقي عليه ذلك.

ولا يدع الإمام القنوت في صلوات الجهر والإخفات معا.

ويسلّم الإمام واحدة تجاه القبلة ، وينحرف بعينه قليلا إلى يمينه ، والمنفرد يسلّم أيضا واحدة ، ويكون انحرافه إلى يمينه أقل من انحراف الإمام ، والمأموم يسلّم يمينا وشمالا ، فإن لم يكن على يساره أحد ، اقتصر على التسليم على يمينه على ما قدّمنا ذكره ، ولا يترك التسليم على اليمنى ، وإن لم يكن على يمينه أحد.

وليس على المأموم إذا سها خلف الإمام فيما يوجب سجدتي السهو سجدتا السهو ، لأنّ الإمام يتحمل ذلك عنه.

وينبغي للإمام إذا أحدث حدثا يوجب انصرافه ، وأراد أنّ يقدّم من يقوم مقامه ، أن لا يقدّم مسبوقا في تلك الصلاة ، بل من أدرك أولها ، وأفضل من ذلك من قد شهد الإقامة ، فإن قدم مسبوقا بركعة أو أكثر ، صلّى بالقوم ، فإذا أتم

٢٨٧

صلاتهم ، أومأ إليهم يمينا وشمالا حتى ينصرفوا ، ثم يكمل هو ما فاته من الصلاة ، فإن كان هذا المقدّم مكان الإمام ، لا يعلم ما تقدّم من صلاة القوم ، فيبني عليها ، جاز أن يدخل في الصلاة ، فإن أخطأ سبّح القوم ، حتى يبني على الصلاة المتقدّمة بتحقيق.

وإذا مات الإمام قبل إتمام الصلاة فجأة ، كان للمأمومين أن يقدّموا غيره ، ويعتدّوا بما تقدّم ، ويطرحون الميت وراءهم.

ولا يجوز للمأموم أن يبتدئ بشي‌ء من أفعال الصلاة قبل إمامه ، فإن سبقه على سهو عاد إلى حاله ، حتى يكون به مقتديا ، فإن فعل ذلك عامدا لا ساهيا ، فلا يجوز له العود ، فإن عاد بطلت صلاته ، لأنّه يكون قد زاد ركوعا.

وإذا اختلف رجلان ، فقال كل واحد منهما لصاحبه : كنت إمامك ، فصلاتهما معا تامة.

وإذا اختلفا ، فقال كل واحد منهما للآخر : كنت أئتم بك ، فسدت صلاتهما ، وعليهما أن يستأنفا.

ومن صلّى بقوم وهو على غير وضوء من غير علم منهم بحاله ، فأعلمهم بذلك من حاله ، لزمته الإعادة ، ولم يلزم القوم ، وقد روي أنّه إن أعلمهم في الوقت ، لزمتهم أيضا الإعادة (١) وانّما تسقط عنهم الإعادة بخروج الوقت ، فإن انتقضت طهارة الإمام بعد أن صلى بعض الصلاة ، أدخل من يقوم مقامه ، وأعاد هو الصلاة ، وتمّم القوم صلاتهم ، ومن صلّى بقوم ركعتين ، ثم أخبرهم أنّه لم يكن على طهارة ، أتمّ القوم صلاتهم ، وبنوا عليها ولم يعيدوها ، هكذا روى جميل بن دراج عن زرارة (٢) وهو الصحيح ، وفي رواية حمّاد عن الحلبي أنّهم يستقبلون صلاتهم (٣) ومن صلى بقوم إلى غير القبلة ، ثم أعلمهم بذلك ، كانت عليه الإعادة ،

__________________

(١) الوسائل : كتاب الصلاة الباب ٣٦ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ٩ بهذا المضمون.

(٢) الوسائل : كتاب الصلاة الباب ٣٦ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ٢.

(٣) البحار : ج ٨٥ ، باب أحكام الجماعة ، ص ٦٨ الطبع الحديث.

٢٨٨

دونهم ، وقال بعض أصحابنا : إنّ الإعادة تجب على الجميع ما لم يخرج الوقت ، وهذا هو الصحيح ، وبه أقول وأفتي ، والأوّل مذهب السيّد المرتضى ، والثاني مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنه ، وهو الذي تقتضيه أصول المذهب.

وإذا أمّ الكافر قوما ، ثم علموا بذلك من حاله ، كان القول فيه ، كالقول فيمن علموا أنّه كان على غير طهارة.

ويجوز أن يقتدي المؤدّي بالقاضي ، والقاضي بالمؤدّي ، والمفترض بالمتنفل ، والمتنفل بالمفترض ، ومن يصلّي الظهر بمن يصلّي العصر ، ومن يصلي العصر بمن يصلّي الظهر ، كل ذلك جائز مع اختلاف نيّتهما.

ومن صلّى جماعة أو منفردا ، ثم لحق جماعة أخرى ، فالمستحب له ، أن يعيد مرّة أخرى تلك الصلاة ، بنية الاستحباب أيّ الخمس كانت.

ولا تكون جماعة ، وبين المصلّي وبين الإمام ، أو بين الصف حائل من حائط أو غيره.

ومن صلّى وراء المقاصير ، لا تكون صلاته جماعة ، إلا ان يكون مخرّمة ، وقد وردت رخصة للنساء أن يصلّين ، إذا كان بينهن وبين الإمام حائط (١) والأول الأظهر والأصح.

وإذا صلّى في مسجد جماعة ، كره أن تصلّي الجماعة تلك الصلاة بعينها.

وإذا دخل الإنسان في صلاة نافلة ، ثم أقيمت الصلاة ، جاز له أن يقطعها ، ويدخل في الجماعة.

فإن دخل في صلاة فريضة ، وكان الإمام الذي يصلّي خلفه ، إمام الكل ورئيس الناس ، جاز له أيضا قطعها ، ويدخل معه في الجماعة ، فإن لم يكن رئيس الكلّ ، وكان ممّن يقتدى به ، فليتمم صلاته التي دخل فيها ، ركعتين يخففهما ويحسبهما من التطوع ، على ما روي في بعض الأخبار (٢) ، ويدخل في

__________________

(١) الوسائل : الباب ٦٠ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ١.

(٢) الوسائل : الباب ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ٢.

٢٨٩

الجماعة ، وإن كان الإمام ممن لا يقتدى به ، فليبن على صلاته ، ويدخل معه في الصلاة ، فإذا فرغ من صلاته ، سلّم وقام مع الإمام ، فصلّى ما بقي له ، واحتسبه من النافلة ، فإن وافق حال تشهده ، حال قيام الإمام ، فليقتصر في تشهده على الشهادتين ، ويسلّم إيماء ، ويقوم مع الإمام.

ولا يجوز للإمام أن يصلّي بالقوم القيام ، وهو جالس ، إلا أن يكونوا عراة ، فإنّهم يصلّون كلّهم جلوسا ، ولا يتقدّمهم إمامهم إلا بركبتيه على ما قدّمناه.

وإذا أقيمت الصلاة التي يقتدي بالإمام فيها ، لا يجوز أن يصلّي النوافل.

وإذا صلّيت خلف مخالف ، وقرأ سورة يجب فيها السجود ، وكنت مستمعا لقراءته ، ولم يسجد هو ، وخفت أن تسجد وحدك ، فأوم إيماء ، وقد أجزأك ، وإن لم تكن مستمعا لقراءته فلا يجب عليك ذلك.

باب صلاة الجمعة وأحكامها

صلاة الجمعة فريضة على من لم يكن معذورا بما سنذكره من الأعذار بشروط ، أحدها حضور الإمام العادل أو من نصبه للصلاة ، واجتماع خمسة نفر فصاعدا ، الإمام أحدهم على الصحيح من المذهب ، وقال بعض أصحابنا وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله : لا يجب الاجتماع إلا أن يبلغ العدد سبعة ، والأول مذهب السيّد المرتضى ، والشيخ المفيد ، وجماعة من أصحابنا ، وهو الذي تعضده الظواهر والآيات ، وبه افتي.

والأعذار والأسباب التي تسقط معها الجمعة ، الصغر والكبر الذي لا حراك معه ، والسفر ، والعبودية ، والجنون ، والتأنيث ، والمرض ، والعمى ، والعرج ، وأن تكون المسافة بين المصلّي وبينها أكثر من فرسخين ، وروي ، أنّ من يخاف ظلما يجري عليه على نفسه ، أو ماله ، هو أيضا معذور في الإخلال بها (١).

__________________

(١) الوسائل : كتاب الصلاة ، الباب ٥ من أبواب صلاة الجمعة ، ح ٤.

٢٩٠

وكذلك من كان متشاغلا بجهاز ميّت ، أو تعليل والد أو من يجري مجراه ، من ذوي الحرمات الوكيدة ، يسعه أن يتأخّر عنها ، فأمّا المحبوس عنها ، والممنوع فلا شك في عذرهما.

ومن كان في مصره والإمام فيه ، وجب عليه الجمع معه ، لأنّه ليس للإمام أن يكلها إلى غيره في بلده مع القدرة والتمكن ، وسقوط الأعذار ، ومن كان نائيا عن الإمام جمع بها مع خلفائه ، ومع من اذن له في الجمع بالناس.

ولا ينبغي ولا يجوز أن يكون بين المسجدين اللذين يجمّع فيهما أقلّ من ثلاثة أميال.

ومن حضر من ذوي الأعذار من المكلّفين الذين ذكرناهم الجمعة صلاها مع الإمام جمعة ركعتين ، لأنّ العذر رخّص له في التأخّر ، فإذا حضر ، زالت الرخصة ، ولزم الفرض.

والخطبتان لا بدّ منهما ، ولا تنعقد الجمعة إلا بهما ، ويجب على الحاضرين استماعهما.

ومن شرطهما الطهارة ، وحضور من تنعقد الجمعة بحضوره ، فإن خطب على غير طهارة ، أو خطب وكان على طهارة إلا أنّه لم يحضر خطبته إلا ثلاثة نفر ، لم يجز ذلك ، ووجب عليه إعادة الخطبة ، فإن لم يعدها لم تصح صلاته جمعة ، والذي ينبغي تحصيله ، أن الطهارة ليست شرطا في صحّة الخطبة بل حضور العدد فحسب ، إذ لا دليل على كون ذلك شرطا في صحة الخطبة ، من كتاب ولا إجماع ، والأصل أن لا تكليف ، وانّما ذهب إلى ذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مسائل خلافه (١).

وعقد الباب (٢) أنّ الجمعة لا تجب إلا إذا اجتمعت شروط ، وهي على ضربين ، أحدهما يرجع إلى مكلّفها ، والثاني يرجع إلى غيره ، فما يرجع إليه تسع

__________________

(١) الخلاف : كتاب صلاة الجمعة مسألة ٣٢.

(٢) في المطبوع : وجملة الأمر وعقد الباب.

٢٩١

شرائط : الذكورة ، وكمال العقل ، والحرية ، والصحة من المرض ، وارتفاع العمى ، وارتفاع العرج ، وارتفاع الشيخوخة التي لا حراك معها ، وأن لا يكون مسافرا ، وأن لا يكون بينه وبين الموضع الذي يصلّي فيه الجمعة مسافة فرسخين ، ومع اجتماع هذه الشروط ، لا تنعقد إلا بأربعة شروط ، وهي الشروط الراجعة إلى غيره ، السلطان العادل ، أو من ينصبه للصلاة ، العدد خمسة ، وأن يكون بين الجمعتين ثلاثة أميال فما زاد ، وأن يخطب الإمام خطبتين.

وأقل ما تكون الخطبة أربعة أصناف : حمد الله تعالى ، والصلاة على النبي وآله ، والوعظ والزجر ، وقراءة سورة خفيفة من القرآن.

وقد يورد بعض أصحابنا عبارة ينبغي أن يتجافى عنها ، وهي أن قال تسقط الجمعة عن عشرة ، وعدّد في جملة العشرة المجنون والصبي ، وهذان ما هما مكلّفان ، ولا كان عليهما شي‌ء فسقط ، وانّما هذا لفظ الحديث ، أورده على ما هو ، فهذا وجه الاعتذار له ، فأمّا قول بعض أصحابنا ، فما يرجع إلى مكلّفها من الشرائط فعشرة ، وعدّد البلوغ قسما ، وكمال العقل قسما آخر ، فلا حاجة بنا إلى ذلك ، بل إذا قلنا كمال العقل أجزأنا عن البلوغ ، وإذا قلنا البلوغ لم يجزئنا فالكمال شامل يدخل فيه القسم الآخر ، ولا حاجة بنا إلى القسمين الآخرين ، في عدد من يسقط عنه الجمعة ، على ما قدّمناه.

وما يرجع إلى الجواز الإسلام والعقل ، فالعقل شرط في الوجوب والجواز معا ، والإسلام شرط في الجواز لا غير ، دون الوجوب ، لأنّ الكافر عندنا متعبّد ، ومخاطب بالشرائع ، وانّما قلنا ذلك ، لأنّ من ليس بعاقل ، أو ليس بمسلم ، لا يصح منه الجمعة ، وما عدا هذين الشرطين من الشرائط المقدّم ذكرها ، شرط في الوجوب ، دون الجواز ، لأنّ جميع من قدّمنا ذكره ، يصح منه فعل الجمعة.

والناس في باب الجمعة على ضروب ، من تجب عليه وتنعقد به ، ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به ، ومن تنعقد به ولا تجب عليه ، ومن تجب عليه ولا تنعقد به.

٢٩٢

فأمّا من تجب عليه وتنعقد به ، فهو كلّ من جمع الشرائط المقدّم ذكرها.

ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به ، فهو الصبي والمجنون والمرأة قبل حضورها المسجد مع الإمام ، فأما ان تكلّفت الحضور ، وجب عليها صلاة ركعتين ، غير أنّها لا يتم بها العدد ولا تنعقد بها الجمعة ، وأمّا من تنعقد به ، ولا تجب عليه ، فهو المريض ، والأعمى ، والأعرج ، والشيخ الذي لا حراك به ، ومن كان على رأس أكثر من فرسخين ، والعبد ، والمسافر ، فهؤلاء لا يجب عليهم الحضور ، فإن حضروا الجمعة ، وتمّ بهم العدد ، وجب عليهم ، وانعقدت بهم الجمعة ، ويتم بهم العدد ، وأمّا من تجب عليه ولا تنعقد به ، فهو الكافر ، والمحدث الذي على غير طهارة ، فهما مخاطبان عندنا بالعبادة ، ومع هذا لا تنعقد بهما ، أنّهما لا تصح منهما الصلاة ، وهما على ما هما عليه.

من كان في بلد وجب عليه حضور الجمعة ، سمع النداء ، أو لم يسمع ، فإن كان خارجا عنه ، وبينه وبينه أقل من فرسخين فما دون ، وجب عليه أيضا الحضور فإن زادت المسافة على ذلك لا يجب عليه.

ثمّ لا يخلو ، إمّا أن يكون فيهم العدد الذي ينعقد بهم الجمعة ، أم لا ، فإن كانوا كذلك ، وجب عليهم الجمعة بشرط أن يكون فيهم الإمام ، أو من نصبه الإمام للصلاة ، وإن لم يكونوا ، لم يجب عليهم غير الظهر أربع ركعات.

ومتى كان بينهم وبين البلد أقل من فرسخين ، وفيهم العدد الذي تنعقد بهم الجمعة ، جاز لهم إقامتها ، ويجوز لهم حضور البلد.

ومن وجب عليه الجمعة ، فصلّى الظهر عند الزوال ، لم يجزه عن الجمعة ، فإن لم يحضر الجمعة ، وخرج الوقت ، وجب عليه اعادة الظهر أربعا ، لأنّ ما فعله أولا ، لم يكن فرضه.

إذا كان في قرية جماعة تنعقد بهم الجمعة ، والشرائط حاصلة ، فكل من كان بينه وبينهم أقل من فرسخين فما دونهما ، وليس منهم العدد الذي تنعقد بهم الجمعة ، وجب عليهم الحضور ، وإن كان فيهم العدد جمعوا.

٢٩٣

ومن سنن الجمعة الغسل ، وهو من وكيد سننها ، وابتداؤه من طلوع الفجر الثاني إلى زوال الشمس ، وأفضل أوقاته ، ما قرب من الزوال ، ومن ذلك التزين بأنظف الثياب.

وروي كراهية ليس السراويل قائما ، لأنّه يورث الحبن (١) بالحاء غير المعجمة المفتوحة ، والباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة المفتوحة ، والنون وهو السقي وهو ورم البطن ، وقال ابن بابويه في رسالته : هو الماء الأصفر ، والأوّل قول أهل اللّغة ، وإليهم المرجع فيه.

ومسّ شي‌ء من الطيب ، وإماطة الأذى عن الجسد ، وأخذ الشارب ، وتقليم الأظفار ، وأن يبدأ بخنصره اليسرى ، ويختم بخنصره اليمني ، وتطريف الأهل بالفاكهة ، والتقرب إلى الله تعالى بشي‌ء من الصدقة.

وينبغي للإمام أن يعتم شاتيا كان أو قائظا ، ويلبس بردا (٢) فبذلك جرت السنة.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ويستحب أن يلبس العمامة شاتيا كان أم قائظا ، ويرتدي ببرد يمنيّة أو عدني (٣).

قال محمّد بن إدريس : يقال تردّيت أتردّى ترديا فأنا متردّ ، فلا يظن ظان أن ذلك لا يجوز ، ويقال أيضا ارتدي يرتدي فهو مرتد ، كل صحيح جائز ، ذكر ذلك الفضل بن سلمة في كتاب البارع ، وقال الرداء الثوب الذي يلبس على الكتفين ، ممدود.

ويأخذ بيده ما يتوكأ عليه ، من قضيب ، أو عنزة ، أو غيرهما.

ويعلو على مرتفع من الأرض ، كمنبر أو غيره ، فإذا رقى المنبر ، فليكن بوقار ، وأناة وتؤدة ، ولا ينبغي له أن يعلو من مراقي المنبر أكثر من عدد مراقي منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) مستدرك الوسائل : الباب ٣٤ من أبواب أحكام الملابس في غير الصلاة ، ح ١.

(٢) في ط وج. يرتدي برداء

(٣) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الجمعة وأحكامها فيها : ببرد يمني أو عدني.

٢٩٤

فإذا بلغ إلى مقامه ، جعل وجهه إلى الناس ، وسلّم عليهم. وقال بعض أصحابنا ، وهو الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مسائل خلافه : ليس ذلك بمستحب (١) ، والأول مذهب المرتضى ، ولا أرى بذلك بأسا ، وإن كان بالمدينة ، ابتدأ بالسلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثم يجلس حتى يؤذّن بين يديه ، وفي المنائر في وقت واحد.

فإذا فرغ من الأذان ، قام الإمام متوكئا على ما في يده ، فابتدأ بالخطبة الأولى ، معلنا بالتحميد لله تعالى ، والتمجيد ، والثناء بآلائه ، وشاهدا لمحمد نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ، وحسن الإبلاغ والإنذار ، ويوشح خطبته بالقرآن ، ومواعظه وآدابه ، ثم يجلس جلسة خفيفة ، ثم يقوم فيفتتح الخطبة الثانية ، بالحمد لله ، والاستغفار ، والصلاة على النبي وعلى آله عليهم‌السلام ، ويثني عليهم بما هم أهله ، ويدعو لأئمة المسلمين ، ويسأل الله تعالى أن يعلي كلمة المؤمنين ، ويسأل لنفسه ، وللمؤمنين ، حوائج الدنيا والآخرة ، ويكون آخر كلامه « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (٢).

وإذا كان الإمام يخطب ، حرم الكلام ، ووجب الصمت ، لأنّ سماع الخطبة واجب على الحاضرين ، ويكره من الالتفات وغيره من الافعال ما لا يجوز مثله في الصلاة (٣) ولا بأس للرجل أن يتكلّم إذا فرغ الإمام من الخطبة ما بينه وبين أن تقام الصلاة.

ثم ينزل الإمام عن المنبر بعد فراغه من إكمال الخطبتين ، ويبتدئ المؤذّن الذي بين يديه ، بالإقامة ، وينادي باقي المؤذنين ، والمكبرين الصلاة الصلاة.

ولا يجوز الأذان بعد نزوله مضافا إلى الأذان الأول الذي عند الزوال ، فهذا

__________________

(١) الخلاف : كتاب الصلاة ، مسألة ٤٠ من صلاة الجمعة

(٢) النحل : ٩٠.

(٣) ج : ويكره الالتفات وغيره من الافعال وما لا يجوز مثله في الصلاة.

٢٩٥

هو الأذان المنهي عنه ، ويسمّيه بعض أصحابنا الأذان الثالث ، لا يجوز يريد به إلا هذا ، وسمّاه ثالثا ، لانضمام الإقامة فكأنّها أذان آخر.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله : الخطبة يوم الجمعة تكون عند قيام الشمس نصف النهار ، فإذا زالت الشمس ، نزل فصلّى بالناس ، وحكي عن السيّد المرتضى أنّه قال : يجوز أن يصلّي عند قيام الشمس يوم الجمعة خاصّة (١).

قال محمّد بن إدريس : ولم أجد للسيّد المرتضى تصنيفا ولا مسطورا بما حكاه شيخنا عنه ، بل بخلافه ، وما قدّمته وشرحته أولا واخترته ، من أنّ الخطبة لا تجوز إلا بعد الزوال ، وكذلك الأذان لا يجوز إلا بعد دخول الوقت في سائر الصلوات ، على ما أسلفنا القول فيه في باب الأذان والإقامة ، هو مذهب المرتضى وفتواه واختياره في مصباحه ، وهو الصحيح ، لأنّه الذي يقتضيه أصول المذهب ، ويعضده النظر والاعتبار ، ولأنّه عمل جميع الأعصار ، ولقوله تعالى : ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (٢) والنداء للصلاة ، هو الأذان لها ، فالأذان لا يجوز قبل دخول وقت الصلاة ، ولعل شيخنا أبا جعفر ، سمعه من المرتضى في الدرس ، وعرفه منه مشافهة ، دون المسطور ، وهذا هو العذر البيّن ، فانّ الشيخ ما يحكي بحمد الله تعالى إلا الحق اليقين ، فإنّه أجلّ قدرا ، وأكثر ديانة من أن يحكي عنه ما لم يسمعه ويحقّقه منه.

وقال شيخنا أبو جعفر في التبيان ، في تفسير سورة الجمعة قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) : قال معناه إذا سمعتم أذان يوم الجمعة ، فامضوا إلى الصلاة ، وقال في قوله « وَذَرُوا الْبَيْعَ » معناه إذا دخل وقت الصلاة ، فاتركوا البيع والشراء ، قال الضحاك : إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء ، وقال الحسن : كلّ بيع تفوت فيه الصلاة يوم

__________________

(١) قريب من هذه العبارة في النهاية كتاب الصلاة. باب الجمعة وأحكامها.

(٢) الجمعة : ٩.

٢٩٦

الجمعة ، فإنّه بيع حرام لا يجوز ، وهو الذي يقتضيه مذهبنا ، لأنّ النهي يدل على فساد المنهي عنه (١).

قال محمّد بن إدريس : وهذا الذي ذكره في تبيانه ، دليل على رجوعه عما قال في نهايته ، ووفاق لما اخترناه ، أنّ الخطبة والأذان لا يكونان إلا بعد زوال الشمس فليلحظ ذلك.

فإذا دخل الإمام في الصلاة ، فالمستحب له أن يقرأ في الأولى بسورة الجمعة ، وفي الثانية بالمنافقين ، جاهرا بقراءتهما ، وذهب بعض أصحابنا ، أنّ قراءة السورتين له واجب ، لا يجزيه أن يقرأ بغيرهما.

والمستحب للمنفرد يوم الجمعة أيضا قراءتهما ، وأنّه إنّ ابتدأ بغيرهما كان له أن يرجع إليهما ، وإن كان ابتداؤه أيضا بسورة الإخلاص ، وسورة الجحد ، اللتين لا يرجع عنهما ، إذا أخذ فيهما ، ما لم يبلغ نصف السورة ، فإن بلغ النصف تمّم السورة ، وجعلها ركعتي نافلة ، وابتدأ الصلاة بالسورتين ، وذلك على جهة الأفضل في هذه الفريضة خاصّة ، لأنّه لا يجوز نقل النية من الفرض إلى الندب ، إلا في هذه المسألة وفي موضع آخر ، ذكرناه في باب الجماعة.

فأمّا نقل النيّة من النفل إلى الفرض ، فلا يجوز في موضع من المواضع على وجه من الوجوه ، فليلحظ ذلك على ما روي في بعض الأخبار (٢) ، وأورده شيخنا في نهايته (٣) ، والأولى عندي ترك العمل بهذه الرواية ، وترك النقل ، إلا في موضع أجمعنا عليه.

ويستحبّ أن يقرأ في العصر من يوم الجمعة بالسورتين أيضا ، وفي الغداة من يوم الجمعة بالجمعة في الاولى ، وقل هو الله أحد في الثانية ، وروي بالمنافقين في الثانية (٤) ، وهو اختيار المرتضى في انتصاره (٥) وكذلك يستحب أن يقرأ في المعرب ،

__________________

(١) التبيان : ج ١٠ ص ٨ الطبع الحديث

(٢) الوسائل : الباب ٣ من أبواب النية ، ح ٢.

(٣) النهاية : باب الجمعة وأحكامها

(٤) الوسائل : الباب ٧٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١٠.

(٥) الانتصار : كتاب الصلاة ، المسألة الثانية من صلاة الجمعة.

٢٩٧

من ليلة الجمعة بسورة الجمعة ، وسبّح اسم ربّك الأعلى في الثانية ، وكذلك في صلاة العشاء الآخرة ، وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله ذهب في مصباحه إلى أنّه يقرأ في الثانية من المغرب مكان « سبّح اسم ربّك الأعلى » ، « قل هو الله أحد » (١) وذهب في نهايته (٢) ومبسوطة (٣) إلى ما اخترناه.

فأمّا المنفرد بصلاة الظهر يوم الجمعة ، فقد روي أنّ عليه ، أن يجهر بالقراءة استحبابا (٤) وروي أن الجهر انّما يستحب لمن صلاها مقصورة ، بخطبة أو صلاها ظهرا أربعا في جماعة ، ولا جهر على المنفرد (٥) ، وهذا حكاه سيّدنا المرتضى رحمه‌الله في مصباحه.

والثاني الذي يقوى في نفسي ، واعتقده ، وافتي به ، وأعمل عليه ، لأنّ شغل الذّمة بواجب أو مندوب يحتاج إلى دليل شرعيّ ، لأنّ الأصل براءة الذّمة ، والإجماع فغير حاصل ، والرواية مختلفة ، فلم يبق إلا لزوم الأصول ، وهو براءة الذمم ، وأيضا في تركه الاحتياط ، لأنّ تاركه عند جميع أصحابنا ، أعني تارك الجهر بالقراءة في صلاة الظهر يوم الجمعة ، غير ملوم ، ولا مذموم ، وصلاته صحيحة بغير خلاف ، وفاعل الجهر غير آمن من جميع ذلك ، لأنّه إمّا أن يكون مسنونا على قول بعض أصحابنا ، أو غير مسنون على قول البعض الآخر ، وفي كلا الأمرين لا ذم على تاركه ، وما لا ذم في تركه ويخشى في فعله أن يكون بدعة ومعصية يستحق بها الذّم ، ومفسدة (٦) للصلاة ، وقاطعا لها ، فتركه أولى وأحوط في الشريعة.

وعلى الإمام أن يقنت في صلاة الجمعة ، وقد اختلفت الرواية في قنوت الإمام يوم الجمعة ، فروي أنّه يقنت في الأولى قبل الركوع وكذلك الذين خلفه ،

__________________

(١) مصباح المتهجد : في اعمال ليلة الجمعة ، ص ٢٣٠ ، الطبع الحديث.

(٢) النهاية : القراءة في الصلاة وأحكامها.

(٣) المبسوط : فصل في ذكر القراءة وأحكامها.

(٤) الوسائل : الباب ٧٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٥) الوسائل : الباب ٧٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٦) ج : مفسدا.

٢٩٨

ومن صلاها (١) منفردا ، أو في جماعة ظهرا ، اماما كان أو مأموما ، قنت في الثانية ، قبل الركوع وبعد القراءة أيضا (٢) وروي أنّ على الإمام إذا صلاها جمعة مقصورة قنوتين ، في الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع (٣).

قال محمّد بن إدريس : والذي يقوى عندي ، أنّ الصلاة لا يكون فيها إلا قنوت واحد ، أيّ صلاة كانت ، هذا الذي يقتضيه مذهبنا وإجماعنا ، فلا نرجع عن ذلك بأخبار الآحاد التي لا تثمر علما ولا عملا.

فإذا فرغ الإمام من الركعتين ، سلّم تسليمة واحدة على الوجه الذي ذكرناه فيما تقدم ، حيث بيّنا تسليم الإمام والمأموم.

وإن وقع سهو على الإمام فيما يوجب إعادة الصلاة ، وقد صلاها جمعة مقصورة ، أعاد هو ومن اقتدى به.

ومن صحّت له مع الإمام ركعة يسجد فيها ، امّا الاولى ثم خرج منها إمّا لرعاف ، أو ما يجري مجراه ممّا لا ينقض الوضوء ، أو الثانية ، فعليه أن يتمّها ركعتين.

ومن فاتته الجمعة مع الإمام صلاها ظهرا أربعا ، وكذلك من زحمه الناس فلم يصحّ له ركعة يسجد فيها مع الإمام.

فأمّا من كبّر مع الإمام وركع ولم يقدر على السجود لازدحام الناس ، ثم قام الإمام والناس في الركعة الثانية ، وقام معهم ، ثم ركع الإمام فلم يقدر عند الركوع في الثانية لأجل الزحام ، ثم قدر على السجود ، فانّ ركعته الأولى تامة إلى وقت السجود ، إلا انّ عليه أن يسجد لها ، فإن كان نوى بسجوده لمّا سجد في الثانية أنّه عن سجدتي الركعة الأولى ، فقد تمت له الاولى ، وعليه إذا سلّم الإمام أن يقوم فيصلّي ركعة ، يسجد فيها ثم يتشهد ، ويسلّم ، وإن لم ينو ذلك ونوى أنهما للركعة الثانية ، لم تجز عنه الركعة الاولى ولا الثانية ، ويبتدئ فيسجد

__________________

(١) ج : كان منفردا

(٢) الوسائل : الباب ٥ من أبواب القنوت ، ح ٥ و ٨ و ١٢.

(٣) الوسائل : الباب ٥ من أبواب القنوت ، ح ٥ و ٨ و ١٢.

٢٩٩

سجدتين وينوى بهما الركعة الاولى ، وعليه بعد ذلك ركعة تامة ، وقد تمت جمعته ، وهذا الذي ذهب إليه شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مسائل الخلاف (١) وقال في نهايته : وإن لم ينو بهاتين السجدتين أنّهما للأولى ، كان عليه إعادة الصلاة (٢) ، والذي ذكره في نهايته هو الصحيح ، لأنّه موافق لأصول المذهب ، لأنّ الأوّل يكون قد زاد في ركعة واحدة سجدتين ، ومن زاد سجدتين في ركعة واحدة سواء كان فعله عامدا أو ساهيا ، بطلت صلاته بغير خلاف ، والذي ذكره في مسائل الخلاف رواية حفص بن غياث القاضي ، وهو عامي المذهب ، فلا يجوز الرجوع إلى روايته وترك الأصول ، وأيضا فإنّ السجود لا يحتاج إلى نية بانفراده ، بل العبادة إذا كانت ذات أبعاض ، فالنية في أولها كافية لجميع أفعالها ، ففي الخبر أيضا ما يبطله من هذا الوجه ، وأيضا فما استدام النيّة إذا نوى بسجدتيه أنّهما للركعة الثانية ، لأنّهما من حقّهما ، ان يكونا للركعة الأولى فإذا لم يستدم النيّة ، فقد بطلت صلاته بغير خلاف.

وجملة الأمر ، أنّ السجود بانفراده لا يحتاج إلى النية ، بل الاستدامة كافية على ما قدّمناه ، وما قاله شيخنا في مسائل خلافه مذهب السيد المرتضى في مصباحه ، وما ذهب شيخنا إليه في نهايته هو الصحيح على ما اخترناه وقدمناه ، لأنّ فيه الاحتياط ، لانّه لا خلاف أنّ الذمة مشغولة بالصلاة بيقين ، وإذا أعادها برئت بيقين ، وليس كذلك إذا لم يعدها.

والمسافر إذا أمّ مسافرين في الجمعة ، لم يحتج إلى خطبتين ، وصلاها ركعتين ، لأنّ فرض الجمعة ساقط عنه وعنهم ، وفرضه قصر الظهر ، وصلاتها ركعتين.

فإن دخل في صلاته مقيم ، لم يسلم ، وأتمّها أربعا.

__________________

(١) الخلاف : مسألة ٩ من كتاب صلاة الجمعة.

(٢) النهاية : في باب الجمعة وأحكامها.

٣٠٠