كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

والفضل لها في ثلاثة أثواب ، مقنعة وقميص ودرع.

وأمّا الأمة فلا يجب عليها ستر رأسها ، سواء كانت مطلقة أو مدبرة ، أو أم ولد ، مزوجة كانت أو غير مزوجة ، أو مكاتبة مشروطة عليها ، فأمّا ما عدا الرأس فإنّه يجب عليها تغطيته من جميع جسدها.

والصبية التي لم تبلغ فلا يجب عليها تغطية الرأس ، وحكمها حكم الأمة ، فإن بلغت في خلال الصلاة بالحيض ، بطلت صلاتها ، وإن بلغت بغير ذلك وجب عليها ستر رأسها ، وتغطيته مع قدرتها على ذلك ، وكذلك حكم الأمة إذا أعتقت في خلال الصلاة.

ولا بأس بالصلاة في قميص واحد ، إذا كان يستر ظاهر الجلدة ، ولا يشف ولا يصف ما تحته.

ويستحب له إذا صلّى مؤتزرا بغير قميص أن يلقي على كتفه شيئا ولو كالخيط ، ومن كان عليه قميص يشفّ ، فالأولى أن يأتزر تحته ، ولا يجعل المئزر فوقه ، فإنّه مكروه.

ولا بأس أن يصلّي الرجل في إزار واحد ، يأتزر ببعضه ويرتدي بالبعض الآخر.

ويكره السدل في الصلاة ، كما تفعل اليهود ، وهو أن يتلفف بالإزار ، ولا يرفعه على كتفيه ، وهذا تفسير أهل اللغة في اشتمال الصماء ، وهو اختيار السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه.

فأمّا تفسير الفقهاء لاشتمال الصماء الذي هو السدل ، قالوا هو أن يلتحف بالإزار ، ويدخل طرفيه من تحت يده ، ويجعلهما جميعا على منكب واحد.

وكذلك يكره التوشح بالإزار فوق القميص.

ويكره الصلاة في القباء المشدود ، إلا من ضرورة ، في حرب أو غيرها.

ويجوز الصلاة في ثمانية أجناس من اللباس : القطن ، والكتان ، وجميع ما ينبت من الأرض من أنواع الحشيش والنبات ، ووبر الخز الخالص لا جلده ،

٢٦١

لأنّ جلد ما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلاة فيه بغير خلاف من غير استثناء ، وكذلك صوف ووبر وشعر ما لا يؤكل لحمه ، إلا وبر الخز ، والصوف والشعر والوبر إذا كان ممّا يؤكل لحمه ، سواء كان مذكّى ما أخذ منه ، أو غير مذكى ، وجلد ما يؤكل لحمه إذا كان مذكّى ، فإن كان ميتا ، فلا تجوز الصلاة فيه ، ولو دبغ ألف دبغة.

وينبغي أن يجمع شرطين ، أحدهما جواز التصرف فيه ، إمّا بالملك أو الإباحة ، والثاني أن يكون خاليا من نجاسة لم يعف الشارع عنها ، كالدّم الذي قدّمناه.

ولا تجوز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه ، سواء كان مذكّى ، أو لم يكن كذلك ، ولا في وبره ولا صوفه ولا شعره أيضا ، إلا وبر الدابة المسماة بالخز فحسب.

فأمّا جلد ما لا يؤكل لحمه ، فلا تجوز الصلاة فيه بغير استثناء ، على ما قدّمناه ، فعلى هذا لا تجوز الصلاة في السمّور والسنجاب والفنك والثعالب والأرانب وغير ذلك ، وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا أنّه لا بأس بالصلاة في السنجاب ، ذكره في النهاية (١) شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله وعاد عن ذلك في مسائل الخلاف فقال : لا تجوز الصلاة عندنا في جلد ما لا يؤكل لحمه ، ثمّ قال : وقد وردت رواية (٢) في السنجاب (٣) فجعل ذلك رواية.

ورجع عن ذلك أيضا في الجزء الثاني من نهايته ، في باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ، فقال : لا تجوز الصلاة في جلود السباع كلّها ، مثل النمر ، والذئب ، والفهد ، والسبع ، والسمّور والسنجاب ، والأرنب ، وما أشبه ذلك من السباع ، والبهائم ، وقد رويت (٤) رخصة في جواز الصلاة في السمّور والسنجاب والفنك (٥).

__________________

(١) النهاية : في فصل ما يجوز الصلاة فيه من الثياب والمكان.

(٢) الوسائل : الباب ٣ من أبواب لباس المصلي ، ح ٣.

(٣) الخلاف : في مسألة ٢٥٦ من كتاب الصلاة

(٤) في ط وج : وردت.

(٥) النهاية : وقال في ذاك الموضع ـ والضرب الآخر يجوز استعماله إذا ذكي ودبغ غير انه لا يجوز الصلاة فيه وهي جلود السباع كلها مثل النمر والذئب والفهد والسبع والسمور والسنجاب والأرنب إلخ.

٢٦٢

والأصل ما قدّمناه ، فجعل ذلك هاهنا رواية.

ولا يجوز الصلاة في الإبريسم المحض للرجال ، ولا بأس بما كان ممزوجا بغير الإبريسم الذي يجوز الصلاة فيه ، سواء كان السدي ، أو اللحمة ، أو أقلّ ، أو أكثر ، بعد أن يكون ينسب إليه بالجزئية كعشر وتسع وثمن وسبع وأمثال ذلك.

ويجوز الصلاة في الإبريسم المحض للنساء ، وإن تنزهن عنه كان أفضل.

وتكره الصلاة في الثوب المشبع الصبغ.

وكذا تكره في الثوب الذي عليه الصور والتماثيل من الحيوان ، فأمّا صور غير الحيوان فلا بأس ، ولا كراهة في ذلك ، كصور الأشجار.

ويجوز الصلاة في الخف والنعل العربية ، يعني كل نعل لا يغطي ظاهر القدم ، ممّا يجوز المسح عليها.

ولا بأس بالصلاة في الجرموق ، بضم الجيم وهو الخف الواسع الذي يلبس فوق الخف ، أقصر منه.

وعلى المصلّي أن يكون ثوبه وبدنه ومصلّاه خاليا من النجاسات وجوبا ، إلّا مصلّاه على طريق الندب ، ولا يجوز الصلاة في ثوب فيه شي‌ء من النجاسة ، قليلا أو كثيرا سوى الدم الّذي قدمنا شرحه.

وإذا غسل الثوب من الدم ، فبقي أثر النجاسة بعد زوال عين ما أتى عليه الغسل ، جازت الصلاة فيه.

ويستحب صبغه بشي‌ء يذهب أثره على ما قدّمناه.

ولا يجوز الصلاة في ثوب فيه خمر ، أو شي‌ء من الأشربة المسكرة ، وكذلك الفقاع.

وما لا تتم الصلاة فيه ـ من جميع الملابس ، وما ينطلق عليه اسم الملبوس منفردا ، كالتكة والجورب بفتح الجيم ، والقلنسوة بفتح القاف واللام وضمّ

٢٦٣

السين ، والخف ، والنعل ، والخاتم ، والدملج بضمّ الدال واللام ، للمرأة ، والخلخال ، والمنطقة ، وغير ذلك ، مثل السيف والسكين ـ تجوز الصلاة فيه ، وإن كان عليه نجاسة وأمّا ما لا يكون ملبوسا ، ولا ينطلق اسم الملبوس عليه ، لا تجوز الصلاة فيه إذا كان فيه نجاسة ، لأنّه يكون حاملا للنجاسة ، والأوّل خرج بالإجماع من الفرقة على ذلك.

ولا يظن ظان أنّه لا يجوز إلا في التكة والجورب والقلنسوة والخف والنعل فحسب ، لما نجده في بعض الكتب.

وذلك أنّ أصحابنا قالوا : كل ما لا يتم الصلاة به منفردا تجوز الصلاة فيه وإن كان عليه نجاسة ، ثم ضربوا المثل فقالوا : مثل التكة والخف ، وعددوا أشياء على طريق ضرب المثل ، والمثل عند المحققين غير مستوعب للممثل ، فلا يتوهم انّهم لمّا لم يذكروا غير ما ذكروا ممّا لا تجوز الصلاة فيه منفردا واقتصروا عليه أنّهم يمنعون من غيره ـ فقد قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مبسوطة في كتاب صلاة الخوف : إذا أصاب السيف الصقيل نجاسة ، فمسح ذلك بخرقة من أصحابنا من قال أنّه يطهر ، ومنهم من قال لا يطهر ، غير أنّه يجوز الصلاة فيه ، لأنّه لا تتم الصلاة فيه منفردا ـ فلو أرادوا الاقتصار على ما ضربوا المثل فيه لما قال ذلك ، ولما تعداه إلى غيره ، فليلحظ فإنما أوردت هذا تنبيها.

ويجوز الصلاة في جميع الأراضي ، لأنّ الأرض كلّها مسجد يجوز الصلاة فيها ، إلا ما كان منها مغصوبا ، أو يكون موضع السجود منه نجسا.

وأفضل الأماكن للصلاة المساجد المبنية لها ، إلا نافلة صلاة الليل خاصّة ، فإنّها تكره في المساجد.

وتكره الصلاة في وادي ضجنان ، وهو جبل بتهامة ، ووادي الشقرة بفتح الشين وكسر القاف وهي واحدة الشقر وهو شقائق النعمان ، قال الشاعر : « وعلى الخيل دماء كالشقر » يريد كشقايق النعمان.

٢٦٤

والأولى عندي أن وادي الشقرة ، موضع بعينه مخصوص ، سواء كان فيه شقائق النعمان ، أو لم يكن ، وليس كل وادي يكون فيه شقائق النعمان يكره الصلاة فيه ، بل بالموضع المخصوص فحسب ، وهو بطريق مكة ، لأنّ أصحابنا قالوا : يكره الصلاة في طريق مكة بأربعة مواضع ، من جملتها وادي الشقرة ، والذي ينبه على ما اخترناه ، ما ذكره ابن الكلبي في كتاب الأوائل وأسماء المدن ، قال : زرود والشقرة ابنتا يثرب بن قابية بن مهليل (١) بن رام بن عبيل (٢) بن عوض بن ارم بن سام بن نوح عليه‌السلام هذا آخر كلام ابن الكلبي النسابة ، فقد جعل زرود والشقرة موضعين سمّيا باسم امرأتين ، وهو أبصر بهذا الشأن.

والبيداء ، لأنّها أرض خسف على ما روي في الأخبار ، أنّ جيش السفياني ، يأتي إليها قاصدا مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخسف الله تعالى به تلك الأرض (٣) ، وبينها وبين ميقات أهل المدينة الذي هو ذو الحليفة ميل واحد وهو ثلاث فرسخ فحسب.

وكذلك يكره الصلاة في كل أرض خسف ، ولهذا كره أمير المؤمنين عليه‌السلام ، الصلاة في أرض بابل (٤) فلمّا عبر الفرات إلى الجانب الغربي وفاته لأجل ذلك أوّل الوقت ، ردّت له الشمس إلى موضعها في أول الوقت ، وصلّى بأصحابه صلاة العصر ، ولا يحل أن يعتقد انّ الشمس غابت ، ودخل الليل ، وخرج وقت العصر بالكلية ، وما صلّى الفريضة عليه‌السلام ، لأنّ هذا من معتقده جهل بعصمته عليه‌السلام ، لأنّه يكون مخلا بالواجب المضيّق عليه ، وهذا لا يقوله من عرف إمامته واعتقد عصمته عليه‌السلام.

وذات الصلاصل ، والصلاصل جمع صلصال وهي الأرض التي لها صوت ودوي.

__________________

(١) ج : مهلهل

(٢) في ط وج : عقيل.

(٣) الوسائل : الباب ٢٣ من أبواب مكان المصلي.

(٤) أورده في الوسائل : في الباب ٣٨ من أبواب مكان المصلي ، ح ١.

٢٦٥

وبين المقابر على الصحيح من المذهب.

وأرض الرمل المنهال الذي لا تستقر الجبهة عليه ، وأرض السبخة بفتح الباء ، فأمّا إذا كان نعتا للأرض كقولك الأرض السبخة ، فبكسر الباء ، فليلحظ هذا الفرق ، فإنّه ذكره الخليل بن أحمد رحمه‌الله في كتاب العين ، وهو ربّ ذلك وجهبذه.

ومعاطن الإبل ، وهي مباركها ، حول المياه للشرب ، هذا حقيقة المعطن عند أهل اللغة ، إلا انّ أهل الشرع لم يخصّصوا ذلك بمبرك دون مبرك.

وقرى النّمل ، وجوف الوادي ، ومجاري المياه ، فعلى هذا الصلاة في الزورق ، تكره مع القدرة على الجدد.

وجوادّ الطرق بتشديد الدّال والحمّامات ، ما عدا البيت المسمّى بالمسلخ ، فإنّه ليس بحمّام لعدم الاشتقاق.

وتكره الفريضة جوف الكعبة خاصّة ، ويستحب صلاة النوافل فيها ، وقال بعض أصحابنا : لا تجوز الصلاة الفريضة مع الاختيار في جوف الكعبة على طريق الحظر ، ذهب إلى ذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف (١) وإن كان في نهايته (٢) ، وجمله وعقوده (٣) ، يذهب إلى ما اخترناه ، وهو الصحيح لأنّه إجماع الطائفة ، ولا دليل على بطلان الصلاة ، ولا حظرها في الكعبة.

ويستحب أن يجعل بينه وبين ما يمر به ساترا ولو عنزة ، والعنزة العصا التي لها زجّ حديد ولا تسمّى عنزة إلا أن يكون لها زج حديد ، وتكون قائمة مغروزة في الأرض ، هذا إذا خاف اعتراض ما يعترض بينه وبين الجهة التي يؤمّها ، أو حجرا ، أو كومة ـ بضمّ الكاف ـ من تراب.

__________________

(١) الخلاف : مسألة ١٦٨ من كتاب الصلاة.

(٢) النهاية : في باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب والمكان.

(٣) الجمل والعقود : في فصل فيما يجوز الصلاة عليه من المكان.

٢٦٦

وليس يقطع صلاته مرور إنسان ، أو امرأة أو غيرهما من الدواب ، معترضا لقبلته ، وعليه أن يدرأ ذلك ما استطاع بالتسبيح والإشارة.

ويكره للرجل أن يصلّي وامرأة تصلي متقدمة له ، أو محاذية لجهته ، ولا يكون بينه وبينها عشرة أذرع ، على الصحيح من المذهب.

وقد ذهب بعض أصحابنا إلى حظر ذلك ، وبطلان الصلاتين وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته (١) اعتمادا على خبر (٢) رواه عمار الساباطي ، وعمار هذا فطحي المذهب ، كافر ملعون ، والأوّل مذهب السيد المرتضى رحمه‌الله ، ذكره في مصباحه ، وهو الصحيح الذي يقتضيه أصول المذهب ، لأنّ قواطع الصلاة مضبوطة ، قد ضبطها مشيخة الفقهاء بالعدد ، ومن جملتهم شيخنا أبو جعفر ، قد ضبط ذلك بالحصر ، ولم يذكر المسألة ولا تعرض لها بقول ، وأيّ فقه ونظر يقتضي أنّ المرأة تصلّي في ملكها والرجل يصلّي في ملكه وهو آخر الأوقات وتكليف الصلاة عليهما جميعا تكليف مضيّق ، أو هما في محمل كذلك يكون الصلاة باطلة ، وإذا لم يكن عليها إجماع ، ولا دليل قاطع ، فردها إلى أصول المذهب هو الواجب ، ولا يلتفت إلى أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، خصوصا إذا أوردها ورواها الكفّار ومخالفو المذهب مثل عمّار وغيره.

وقد روى الثقات ما يخالف هذه الرواية الضعيفة ، ويضادها ويعارضها ، فالعامل بأخبار الآحاد لا يعمل بالخبر إلا إذا كان راويه عدلا.

ولا بأس أن يصلّي الرجل وفي جهة قبلته إنسان نائم ، ولا فرق بين أن يكون ذكرا أو أنثى ، والأفضل أن يكون بينه وبينه ما يستر بعض المصلّي عن المواجهة.

ولا يجوز السجود إلا على الأرض الطاهرة ، وعلى ما أنبتته ، إلا ما أكل أو

__________________

(١) النهاية : في باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب والمكان.

(٢) الوسائل : الباب ٧ من أبواب مكان المصلي ، ح ١.

٢٦٧

لبس ، ويدخل في المأكول جميع الثمار التي يتغذى بها ، وما لبس انّما هو القطن والكتان وما اتخذ منهما.

وعقد الباب (١) انّ السجود لا يجوز إلا على الأرض ، أو ما أنبتته الأرض ، ما لم يكن مأكولا أو ملبوسا بمجرى العادة.

ولا يجوز السجود على الزجاج ، ولا على جميع المعادن ، من النّورة ، والحديد ، والصفر ، والنحاس ، والذهب ، والفضة ، والقار ، والرصاص ، والعقيق ، وغير ذلك من المعادن.

ولا يجوز السجود على الرياش ، ولا على الجلود ، ولا على الرماد ، ولا على الحصر المنسوجة بالسيور ، وهي المدينة ، إذا كانت السيور ظاهرة ، تقع الجبهة عليها ، فإن كانت السيور غير ظاهرة ، والنبات ظاهرا فلا بأس بها ، وصارت كغيرها من الحصر.

ولا بأس بالسجود على القرطاس ، ويكره المكتوب لمن يراه ويحسن القراءة ، لأنّه ربما شغله عن صلاته ، وما خرج عن معنى الأرض وما أنبتته (٢) إلا ما استثنيناه فلا يجوز السجود عليه ، وذكر جميعه يطول.

وقد ذهب بعض أصحابنا وقال : لا يجوز الصلاة في ثوب قد أصابته نجاسة ، مع العلم بذلك ، أو غلبة الظن ، فمن صلّى فيه والحال ما وصفناه وجبت عليه الإعادة أمّا قوله « مع العلم » فصحيح ، وأمّا قوله « أو غلبة الظن » فغير واضح ، لأنّ الأشياء على أصل الطهارة ، فلا يرجع عن هذا الأصل إلا بعلم ، فأمّا بغلبة ظن ، فلا يرجع عن المعلوم بالمظنون.

ويكره الصلاة في الثياب السود كلّها ولا يكره في العمامة السوداء ، ولا الخف الأسود.

__________________

(١) في المطبوع : وجملة الأمر وعقد الباب

(٢) ج : ما أنبتته الأرض وما استثنيناه.

٢٦٨

ويكره ان يصلّي الإنسان في عمامة لا حنك لها ، وهذا هو الاقتعاط ، « بالقاف والتاء المنقطة نقطتين من فوق ، والعين غير المعجمة ، والطاء غير المعجمة » ، المنهي عنه في الحديث ، يرويه المخالف والمؤلف قد ذكره أبو عبيدة القسم بن سلام في غريب الحديث.

فأمّا الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الثعلب ، أو الثوب الذي فوقه ، فجائزة ، لأنّ هذه الأوبار طاهرة ، ولو كانت نجسة لما تعدّت نجاستها إلى الثوب ، لقوله عليه‌السلام : ما بين يابسين من نجاسة (١) وقد يوجد في بعض الكتب أنّه لا يجوز الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الثعلب ، ولا الذي فوقه ، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته (٢) على جهة الإيراد لا الفتوى ، والاعتقاد.

ولا يجوز الصلاة في القلنسوة ، والتكة ، إذا عملا من وبر الأرانب.

وتكره الصلاة فيهما إذا عملا من حرير محض.

وتكره الصلاة إذا كان مع الإنسان شي‌ء من حديد مشهور ، مثل السكين ، والسيف.

وإذا عمل كافر من أيّ أجناس الكفار ، مجوسيّا كان أو غيره ، ثوبا لمسلم ، لا تجوز الصلاة فيه إلا بعد غسله.

وقد أورد شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته : وإذا عمل مجوسي ثوبا لمسلم ، يستحب أن لا يصلي فيه إلا بعد غسله (٣) وهذا خبر من أخبار الآحاد ، أورده إيرادا ، لا اعتقادا ، بل اعتقاده وفتواه ما ذكره في مبسوطة أنّه لا يجوز الصلاة فيه إلا بعد تطهيره (٤) وأيضا إجماع أصحابنا منعقد ، على أن أسئار جميع الكفّار

__________________

(١) لم نجد حديثا بهذه العبارة فيما بأيدينا من كتب الأحاديث.

(٢) النهاية : باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب والمكان.

(٣) النهاية : باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب والمكان.

(٤) المبسوط : في فصل فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس.

٢٦٩

نجسة ، بغير خلاف بينهم.

ويكره أن تصلّي المرأة وفي يدها خلاخل لها صوت ، أو رجلها ، على ما روي في بعض الأخبار (١).

ويكره الصلاة في الخاتم الذي فيه صورة حيوان.

ويكره الصلاة في بيوت النيران ، والخمور ، وبيوت المجوس ، والبيع ، والكنائس.

ويكره أن يصلّي وفي قبلته نار مضرمة.

ويكره صلاته وفي قبلته سلاح مشهور ، كل ذلك على سبيل الكراهة دون الحظر والتحريم ، وإن كان قد ورد في ألفاظ أخبار الآحاد انّه لا يجوز الصلاة في شي‌ء من ذلك (٢) ، لأنّه لا دليل على بطلان الصلاة من كتاب ولا سنّة مقطوع بها ، ولا إجماع.

وقد ورد ما يعارض تلك الأخبار ، قال عبد الله بن جعفر الحميري في كتابه قرب الإسناد : سأل عليّ بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عن الخاتم ، يكون فيه نقش تماثيل سبع أو طير ، أيصلي فيه؟ قال : لا بأس (٣) وقد قلنا أنّ الشي‌ء إذا كان شديد الكراهة يأتي بلفظ لا يجوز ، وإذا كان شديد الاستحباب يأتي بلفظ الوجوب ، وانّما يعرف ذلك بشواهد الحال وقرائنها.

ولا تجوز الصلاة في المكان المغصوب مع تقدّم العلم بذلك ، والاختيار على ما ذكرناه ، سواء كان الغاصب أو غيره ، مع علمه ، وكذلك لا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب ، مع تقدّم العلم بذلك ، فان تقدّم العلم بالغصب للمكان والثوب ، ثم نسي ذلك وسها العالم بهما وقت صلاته ، فلا اعادة عليه ، وحمله

__________________

(١) الوسائل : الباب ٦٢ من أبواب لباس المصلي ، ح ١ مع اختلاف يسير.

(٢) الوسائل : الباب ٣٠ من أبواب مكان المصلي.

(٣) الوسائل : الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلي ، ح ١٠.

٢٧٠

على النجاسة في الثوب ، وتقدّم العلم بها ، قياس محض ، ونحن لا نقول به ، لأنّ الرسول عليه‌السلام قال : رفع عن أمّتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه (١) ولعمري إنّ المراد بذلك أحكام النسيان ، فمن أوجب الإعادة فما رفع عنه الأحكام ، ولو لا إجماع أصحابنا المنعقد على إعادة صلاة من تقدّم علمه بالنجاسة ونسيها ، لما أوجبنا الإعادة عليه ، وليس معنا ، فيما نحن فيه ، ذلك الإجماع ، ولا يلتفت إلى ما يوجد ، إن وجد في بعض المصنّفات لرجل من أصحابنا معروف ، فليلحظ ذلك ، فالعامل بذلك مقلّد لما يجده في بعض المختصرات (٢).

ومن اضطر إلى الصلاة فوق الكعبة ، فليقم قائما عليها ويصلي ، وقد روي : فليستلق على قفاه ، وليتوجّه إلى البيت المعمور ، وليؤم إيماء (٣).

ويكره أن يصلّي وفي قبلته مصحف مفتوح.

وإذا خاف الإنسان الحرّ الشديد من السجود على الأرض ، أو على الحصى ، ولم يكن معه ما يسجد عليه ، لا بأس أن يسجد على كمّه ، فإن لم يكن معه ثوب ، سجد على كفّه.

وإذا حصل في موضع فيه ثلج ، ولم يكن معه ما يسجد عليه ، ولا يقدر على الأرض ، لم يكن بالسجود عليه بأس ، بعد أن يصلّبه بيده.

ويكره للإنسان الصلاة وهو معقوص الشعر ، فإن صلّى كذلك متعمدا ، جازت صلاته ، ولا يجب عليه الإعادة وقد روي أنّه يجب عليه إعادة الصلاة (٤) قال بذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله وأصول المذهب يقتضي أن لا اعادة عليه ، لأنّ الإعادة فرض ثان ، وهذا خبر واحد ، لا يوجب علما ولا عملا ، وقد بيّنا أنّ أخبار الآحاد عند أصحابنا غير معمول عليها ، ولا يلتفت

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣٧ من أبواب قواطع الصلاة

(٢) ج : كتب المختصرات.

(٣) الوسائل : الباب ١٧ من أبواب القبلة ، ح ٧ مع اختلاف يسير.

(٤) الوسائل : الباب ٣٦ من أبواب لباس المصلي ، ح ١.

٢٧١

إليها ، وكررنا القول في ذلك ، والإجماع غير حاصل على بطلان الصلاة ، وقواطعها مضبوطة ، محصورة ، قد حصرها فقهاء أصحابنا ، ولم يعدّدوا في جملة ذلك الشعر المعقوص للرجال ، بل سلار قال في رسالته : ويكره الصلاة في شعر معقوص (١).

باب أحكام قضاء الفائت من الصّلوات

كلّ صلاة فريضة فاتت ، إمّا للنسيان أو غيره من الأسباب ، فيجب قضاؤها في حال الذكر لها ، من غير توان في سائر الأوقات ، إلا أن يكون آخر وقت فريضة حاضرة يغلب فيه على ظنّ المصلّي أنّه متى شرع في قضاء الفائتة خرج الوقت ، وفاتت الصلاة الحاضر وقتها ، فيجب أن يبدأ بالحاضرة ، ويعقّب بالفائتة ، والأوقات التي ذكرناها أنّ النهي تناولها ، يجب فيها قضاء الصلاة المفروضة ، عند الذكر لها ، وانّما يكره فيها ابتداء النوافل ، ومتى لم يخش ضيق الوقت الحاضر عن قضاء الماضية ، وصلاة الوقت ، وجب تقديم قضاء الصّلاة الفائتة ، والتعقيب بصلاة الوقت.

والترتيب واجب في قضاء الصلوات ، يبدأ بقضاء الأوّل ، فالأوّل ، سواء دخل في حدّ التكرار ، أو لم يدخل ، فإن لم يكن يتسع الوقت لقضاء جميع الفوائت ، وخشي من فوت صلاة الوقت ، بدأ بما يتسع الوقت له ، من القضاء على الترتيب ، ثمّ عقّب بصلاة الوقت ، وأتى بعد ذلك بباقي القضاء فإن صلّى الحاضر وقتها قبل تضيّق الوقت يجب أن يكون ما فعله غير مجزئ عنه ، وان يجب عليه اعادة تلك الصلاة ، في آخر وقتها ، لأنّه منهي عن هذه الصلاة ، والنهي يقتضي الفساد وعدم الإجزاء ، ولأنّ هذه الصلاة أيضا مفعولة في غير وقتها المشروع لها ، لأنّه إذا ذكر أن عليه فريضة فائتة ، فقد تعيّن عليه بالذكر أداء

__________________

(١) المراسم كتاب الصلاة ، عند ذكر احكام لباس المصلّي.

٢٧٢

تلك الفائتة ، في ذلك الوقت بعينه ، وقد تعيّن الوجوب وضاق ، فإذا صلّى في هذا الوقت غير هذه الصلاة ، كان مصلّيا لها في غير وقتها المشروع لها ، فيجب عليه الإعادة لا محالة.

فإن قيل : وجوب الإعادة يحتاج إلى دليل. فقد ذكرنا الدليل على ذلك.

فإن قيل : فقد أوقعها مكلّفها بنيّتها المخصوصة ، وأتي بجميع أحكامها ، وشروطها في وقت يصح فعلها فيه بإجماع ، فاعادتها بعد فعلها على هذا الوجه يحتاج إلى دليل.

قيل له : لا نسلّم أنّه أوقع هذه الصلاة على جميع شرائطها المشروعة ، وفي وقت يصح فعلها فيه ، لأنّ من شرط هذه الصلاة مع ذكر الفائتة ، أن يؤدّي بعد قضاء الفائتة ، فالوقت الذي أداها فيه وقت لم يضرب لها الآن ، وإن كان يصحّ أن يكون وقتا لها لو لم يذكر الفائتة ، وهذا ممّا لا شبهة فيه للمتأمّل ، وأيضا فالفائتة وقتها مضيّق ، والإتيان بها بعد الذكر لها ، واجب مضيّق ، والمؤداة قبل تضيّق وقتها ، الإتيان بها واجب موسّع له بدل وهو العزم على أدائه قبل تضيّق وقته وخروجه ، والفائت واجب مضيّق لا بدل له ، فالواجب فعل الفائت المضيّق الذي لا بدل له ، وترك الواجب الموسّع الذي له بدل يقوم مقامه ، إلى أن يتضيق وقته ، وكل ما منع من الواجب المضيّق ، فهو قبيح بغير خلاف ، والمؤداة تمنع من الواجب المضيّق ، ففعلها لا يجوز ، لأنّه قبيح منهي عنه ، مثاله ردّ الوديعة بعد مطالبة صاحبها بها ، فإنّه واجب مضيّق ، فلما زالت الشمس طالب بالوديعة صاحبها المودّع ، فقام إلى صلاة الظهر ليصلّيها بعد مطالبة صاحبها بها ، فإذا صلّى والحال ما وصفناه ، فإنّ صلاته باطلة بلا خلاف ، لأنّه عدل من فعل واجب مضيّق إلى فعل واجب موسّع ، فمنع من الواجب المضيّق ، فكان قبيحا على ما قررناه ، ولنا في المضايقة كتاب خلاصة الاستدلال ، على من منع من صحة المضايقة بالاعتلال ، بلغنا فيه إلى أبعد الغايات ، وأقصى النهايات ، بسطنا القول فيه ، وجنحناه وتغلغلنا في شعابه ، وذكرنا فيه ما لم يوجد في كتاب بانفراده ، فمن

٢٧٣

أراد الوقوف عليه فليطلبه من حيث أرشدناه.

ومن عليه صلوات كثيرة لا يمكنه قضاؤها إلا في زمان طويل ، فالواجب أن يقضيها في كلّ زمان ، إلا في وقت فريضة حاضرة يخاف فوتها متى تشاغل بالقضاء ، فيقدّم حينئذ أداء الحاضرة ، ثم يعود إلى التشاغل بالقضاء ، فإن كان محتاجا إلى تعيّش يسدّ به جوعته وما لا يمكنه دفعه من خلته (١) كان ذلك الزمان الذي يتشاغل فيه بالتعيّش ، مستثنى من أوقات القضاء ، كما استثنينا منها زمان الصلاة الحاضرة وقتها مع تضيّقه ، ولا يجوز له الزيادة على مقدار الزمان الذي لا بدّ منه في طلب ما يمسك الرمق ، وانّما أبحنا له العدول عن القضاء الواجب المتعيّن لضرورة التعيّش ، فيجب أن يكون ما زاد عليها غير مباح ، وحكم من عليه فرض نفقة في وجوب تحصيلها كحكم نفقته في نفسه. فأمّا فرض يومه وليلته في زمان التعيّش ، فلا يجوز له أن يفعله إلا في آخر الوقت ، كما قلناه من قبل ، فانّ الوجه في ذلك لا يتغيّر بإباحة التعيّش ، فأمّا النوم فيجزي ما يمسك الحياة منه في وجوب التشاغل به مجرى ما يمسك الحياة من الغذاء وتحصيله.

وإذا دخل المصلّي في صلاة العصر ، فلمّا صلّى بعضها ذكر أنّ عليه صلاة الظهر ، فالواجب عليه نقل نيّته إلى صلاة الظهر ، ونوى أنّ ما صلاه ويصلّيه إنّما هو عن الظهر ، ويصلّي العصر بعدها ، وكذلك إن صلّى من المغرب بعضها وذكر أنّ عليه صلاة العصر ، أو صلّى من العشاء الآخرة ركعة أو ما زاد عليها وذكر أنّ عليه المغرب يجب عليه نقل النيّة ، فإن لم يفعل بطلت الصلاة التي افتتحها ، وما أجزأت عن التي ذكرها ، لأنّه لم يصلّها بنيتها.

ومن نسي صلاة فريضة من الخمس وأشكل عليه أيها هي بعينها ، فليصلّ اثنتين وثلاثا وأربعا بثلاث تكبيرات إحرام ، وثلاث نيات ، فإن كان الذي

__________________

(١) ج : طلبه. ط : علّته.

٢٧٤

فاته الفجر كانت الركعتان عنها ، لأنّه نوى بهما الفجر ، وإن كانت المغرب فالثلاث عنها ، لأنّه نوى بها المغرب ، وإن كان الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة فالأربع بدل عنها ، لأنّه نوى الذي فاته ، وعلمه الله تعالى ، لأنّ تعيينه ليس في مقدوره ، بل ينوي أصلّي إن ظهرا فظهر ، وإن عصرا فعصر ، وإن عشاء آخرة الذي فاتني (١) فعشاء آخرة.

فإن كان فاتته تلك الصلاة مرات كثيرة فعل ذلك وصلّى اثنتين وثلاثا وأربعا مرّات كثيرة ، إلى أن يغلب على ظنه براءة ذمّته ، وأنّه قد قضى ما فاته ، هذا في حقّ الحاضر ومن في حكمه من المسافرين.

فأمّا المسافر إذا فاتته صلاة من الخمس ولم يدر أيّها هي ، فالواجب عليه أن يصلّي الخمس صلوات ، الظهر ركعتين والعصر كذلك ، والعشاء الآخرة كذلك ، والمغرب ثلاث ركعات ، والفجر ركعتين ، وحمل ذلك على المسألة المتقدّمة قياس وهو باطل عندنا ، ولو لا الإجماع المنعقد على عين تلك المسألة ، لما قلنا به ، لأنّ الصلاة في الذمّة بيقين ، ولا تبرأ إلا بيقين مثله ، ولم يورد ويجمع أصحابنا إلا على صورة المسألة وتعيينها في حقّ من فرضه اربع ركعات من الحاضرين ومن في حكمهم ، فالتجاوز عن ذلك قياس بغير خلاف ، وفيه ما فيه فليلحظ ذلك.

ومن فاتته الخمس بأجمعها ، فليصلّها بأجمعها ، مرتبا لها ، بخمس نيات ، وخمس تكبيرات إحرام ، وسبع عشرة ركعة ، عددا إن كان حاضرا ، وإن كان مسافرا وقد فاتته في حال سفره ، فإحدى عشرة ركعة.

فإن فاته ذلك مرارا كثيرة ، وأيّاما متتابعة ، ولم يحصها عددا ، ولا أيّاما ، فليصلّ على هذا الاعتبار ، ومن هذا العدد ، ويد من ذلك ، ويكثر منه حتى يغلب على ظنّه أنّه قد قضى ما فاته.

__________________

(١) ج : آخرة فعشاء.

٢٧٥

وقضاء النوافل مستحبّ ، وليس بواجب.

ولا يجوز أن يبدأ بقضاء شي‌ء من النوافل حتى يؤدي جميع الفرائض الفائتة والحاضر وقتها.

ويجوز أن يقضي نوافل الليل بالليل ، ونوافل النّهار بالنّهار ، ونوافل النّهار بالليل ، ونوافل الليل بالنّهار ، فبكل وردت الروايات (١) ويقضي الوتر وترا كما فاته (٢) وإذا أسلم الكافر ، وطهرت الحائض والنفساء ، وبلغ الصبي ، وأفاق المجنون ، والمغمى عليه ، قبل غروب الشمس ، في وقت يتسع لفعل فرض الظهر والعصر معا والطهارة لهما ، وجب على كل واحد منهم أداء الصلاتين ، أو قضاؤهما إن أخّرهما ، وكذلك إن تغيّرت أحوالهم من آخر الليل ، صلوا المغرب والعشاء الآخرة ، وصلاة الليل ، وقضوا إن فرّطوا.

ومتى حاضت الطاهر ، بعد إن كان يصحّ لها لو صلّت في أول الوقت الصلاة لزمها قضاء تلك الصلاة.

والمغمى عليه لمرض أو غيره ممّا لا يكون هو السبب في دخوله عليه بمعصية يرتكبها ، لا يجب عليه قضاء ما فاته من الصلوات إذا أفاق ، بل يجب أن يصلّي الصلاة التي أفاق في وقتها ، وقد روي أنّه إذا أفاق آخر النهار ، قضى صلاة ذلك اليوم ، وإذا أفاق آخر الليل ، قضى صلاة تلك الليلة (٣). ولا بدّ من أن يعتبر في إفاقته الحدّ الذي يتمكّن معه من الصلاة ، لأنّه إذا لم يفق على هذا الوجه ، كانت إفاقته كإغمائه ، وقد روي في المغمى عليه أنّه يقضي صلاة ثلاثة أيام إذا أفاق (٤). وروي أنّه يقضي صلاة شهر (٥) ، والمعول عليه ، (٦) الوجه الأول.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢ من أبواب قضاء الصلوات والباب ٣٩ من أبواب المواقيت.

(٢) الوسائل : أورد ما يدل على ذلك في الباب ١٠ من أبواب قضاء الصلوات.

(٣) الوسائل : الباب ٣ من أبواب قضاء الصلوات ، ح ١٩ و ٢١ و ٢٢.

(٤) الوسائل : الباب ٣ من أبواب قضاء الصلوات ، ح ١٩ و ٢١ و ٢٢.

(٥) الوسائل : الباب ٣ من أبواب قضاء الصلوات ، ح ٤ و ٥ و ٦

(٦) ج : المعمول عليه.

٢٧٦

والمرتد إذا تاب ، وجب عليه قضاء جميع ما تركه في حال ردّته من الصلاة وغيرها من العبادات ، لأنّه بحكم الإسلام.

والعليل إذا وجبت عليه صلاة ، فأخّرها عن أوقاتها حتى مات ، قضاها عنه ولده الأكبر من الذكران ، ويقضي عنه ما فاته من الصيام الذي فرّط فيه ، ولا يقضي عنه إلا الصلاة الفائتة في حال مرض موته فحسب ، دون ما فاته من الصلوات ، في حال غير مرض الموت.

باب صلاة الجماعة وأحكامها وكيفيتها

وشروطها وأحكام الأئمة والمأمومين وغير

ذلك ممّا يتعلّق بها

الاجتماع في صلاة الفرائض كلّها مستحب ، مندوب إليه ، مؤكد ، وفيه فضل كبير ، وثواب جزيل.

وأقلّ ما تكون الجماعة وتنعقد ، باثنين فصاعدا ، فإذا حضر اثنان ، فليتقدّم أحدهما ، ويقف الآخر على جانبه الأيمن ، ولا بدّ من تقدّم الإمام عليه بقليل ، ووقوفه على جانبه الأيمن على طريق الندب والاستحباب ، دون الفرض والإيجاب ، ولو وقف خلفه أو عن شماله جازت الصلاة ، وإنّما ذلك سنة الموقف.

وإذا كانوا جماعة ، فليتقدّم أحدهم ويقف في وسط الصفوف ، بارزا ، ويقف الباقون خلفه ، إلا إذا كانوا عراة ، فإنّه لا يتقدمهم أمامهم بل يقف معهم في الصف ، غير بارز كبروز غير العريان ، إلا أنّه لا بدّ من تقدّمه بقليل على المأمومين ، فإن وقف الإمام في طرف ، وجعل المأمومين كلّهم على يمينه ، أو شماله ، جازت الصلاة ، إلا أنّ ذلك أفضل ، لأنّه من سنن موقف صلاة الجماعات.

٢٧٧

واعلم أنّ الصلاة في الجماعة أفضل من صلاة الفسد (١) فقد (٢) روي أنّ صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بخمس وعشرين صلاة.

ويكره لمن تمكّن من الجماعة ولم يكن له عذر يخصّه ، أو يتعلّق بمن يأتم به ، أن يخلّ بها ، ويعدل عنها.

ويستحبّ لمن يريد دخول المسجد ان يتعاهد نعله ، أو خفه ، أو غير ذلك ، مما هو عليه أو معه ، لئلا يكون فيه شي‌ء من النجاسات ، سواء كانت النجاسة ممّا عفي عنها في الصلاة ، أو لم يعف بابه (٣) ويقدّم رجله اليمنى على اليسرى ، وإذا خرج ، قدّم رجله اليسرى على اليمنى ، عكس دخوله وخروجه إلى المبرز ، ويسلم على الحاضرين فيه ، وإن كانوا في صلاة ، فإن كانوا ممّن ينكرون ذلك ، سلّم تسليما خفيا ، ونوى الملائكة بسلامه ، ويصلّي ركعتين قبل جلوسه ، إن لم يكن الوقت قد تضيّق للفريضة.

ويكره له أن يبصق ، ويمتخط فيه ، فإن اضطر إلى ذلك ، لم يبصق في جهة القبلة ، وانحرف يمينا أو شمالا ، ويستر ما يلقيه من فيه ، ولا ينبغي أن يتخذ المساجد متاجر ، ولا مجالس للحديث ، لا سيّما بالهزل ، وما لا يتضمن ذكر الله تعالى وتعظيمه.

وبناء المساجد فيه فضل كبير وثواب جزيل ، ويستحب أن لا يعلى المساجد بل تكون وسطا ، وروي أنّه يستحب أن لا تكون مظلّلة ، ولا يجوز أن تكون مزخرفة ، أو مذهبة ، أو فيها شي‌ء من التصاوير ، أو مشرفة بل المستحب أن تبنى جما (٤).

ويكره أن تبنى المنارة في وسط المسجد ، بل ينبغي أن تبنى مع حائطه ، أو خارجه ، ويكره أن تعلّى عليه على ما روي في الأخبار (٥).

__________________

(١) ج : المنفرد.

(٢) الوسائل : الباب ١ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ١ ـ ٣ مع الزيادة في الأول.

(٣) في المطبوع : فإذا دخل فإنّه يقدّم

(٤) الوسائل : الباب ٩ من أبواب أحكام المساجد.

(٥) الوسائل : الباب ٩ من أبواب أحكام المساجد.

٢٧٨

ويكره أن يكون في المساجد محاريب داخلة في الحائط.

وينبغي أن يكون الميضاة على أبوابها ، ولا يجوز أن تكون داخلها.

وإذا استهدم مسجد فينبغي أن يعاد مع التمكن من ذلك ، فإن لم يتمكن من إعادته فلا بأس باستعمال آلته في بناء غيره من المساجد.

ولا يجوز أن يؤخذ شي‌ء من المساجد ، لا في ملك ولا في طريق.

ويكره الجواز فيها ، وجعل ذلك طريقا ليقرّب عليه ممرّه.

وينبغي أن تجنّب المجانين والصبيان ، والضالة ، وإقامة الحدود ، وإنشاد الشعر ، ورفع الأصوات إلا بذكر الله تعالى.

ولا بأس بالأحكام فيها ، وليس ذلك بمكروه ، لأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام حكم في جامع الكوفة ، وقضى فيه بين الناس ، بلا خلاف ، ودكّة القضاء إلى يومنا هذا معروفة ، وقد قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته : ينبغي أن تجنّب المساجد الأحكام (١) ورجع عن ذلك في مسائل الخلاف (٢) وهذا هو الصحيح ، وانّما أورد ما رواه من أخبار الآحاد ، ولو لم يكن الأمر على ما قلناه ، كان يكون مناقضا لأقواله.

ولا يجوز التوضؤ من الغائط والبول وازالة النجاسات في المساجد ، ولا بأس بالوضوء فيها من غير ذلك.

ويكره النوم في المساجد كلّها وأشدّها كراهة المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وإذا أجنب الإنسان في أحد هذين المسجدين ، تيمّم من مكانه على طريق الوجوب ، ثم يخرج على ما قدّمناه ، ولا يلزمه ذلك في غيرهما.

ويستحب كنس المساجد ، وتنظيفها ، والإسراج فيها.

__________________

(١) النهاية : في باب فضل المساجد والصلاة فيها

(٢) الخلاف : كتاب القضاء ، مسألة ٤.

٢٧٩

ولا ينبغي لمن أكل شيئا من المؤذيات ، مثل الثوم والبصل والكراث أن يقرب المسجد ، حتى تزول رائحته عنه.

ولا يجوز الدفن في شي‌ء من المساجد ، ومن كان في داره مسجد قد جعله للصلاة ، جاز له تغييره ، وتبديله ، وتوسيعه ، وتضييقه ، حسب ما يكون أصلح له ، لأنّه لم يخرجه عن ملكه بالوقفية ، فإن وقفه باللفظ والنيّة فلا يجوز له شي‌ء من ذلك.

وإذا بنى خارج داره في ملكه مسجدا فان وقفه (١) ونوى القربة وصلى فيه الناس ، ودخلوه زال ملكه عنه ، وإن لم ينو ذلك فملكه باق بحاله.

ويكره سائر الصناعات في المساجد.

ويكره كشف العورة فيها ، ويستحب ستر ما بين السرة إلى الركبة.

وصلاة الفريضة في المسجد أفضل منها في البيت ، وصلاة نافلة الليل خاصة في البيت ، أفضل منها في المسجد.

ولا تصح الصلاة إلا خلف معتقد الحقّ بأسره ، عدل في ديانته ، وحدّ العدل ، هو الذي لا يخلّ بواجب ، ولا يرتكب قبيحا ، ومعه من القرآن ما يصح به الصلاة ، فإن ضمّ إلى ذلك صفات أخر فذلك على جهة الفضل ، بل الواجب والشرط في صحة الانعقاد شرطان : العدالة والقراءة فحسب ، فأمّا الفقه ، والهجرة ، والسن ، وصباحة الوجه ، فعلى جهة الأفضل والأولى والأحقّ بها ممن لا يكون على صفاته ، فعلى هذا لا يجوز الصلاة خلف الفسّاق ، وإن كانوا معتقدين للحق ، ولا خلف أصحاب البدع ، والمعتقدين خلاف الحق.

ولا يؤمّ بالناس الأغلف ، وولد الزنا.

ويكره إمامة الأجذم والأبرص ، وصاحب الفالج الأصحاء ، فيما عدا الجمعة والعيدين فأمّا في الجمعة والعيدين فإنّ ذلك لا يجوز ، وقد ذهب بعض

__________________

(١) في المطبوع.

٢٨٠