كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

مفردة ، على ما ذكره بعض أصحابنا المصنّفين ، وروي في الاخبار (١).

والذي تقتضيه الأدلة ، وأصول المذهب ، أنّه لا ينعقد إحرامه بحج ، لأنّه بعد في عمرته ، لم يتحلل منها ، وقد أجمعنا على أنّه لا يجوز إدخال الحجّ على العمرة ، ولا إدخال العمرة على الحجّ ، قبل فراغ مناسكهما.

والأصلع ، يمرّ الموسى على رأسه ، استحبابا ، لا وجوبا ، يوم النحر ، وعند التقصير ، يأخذ من شعر لحيته ، أو حاجبيه ، أو يقلم أظفاره.

وليس على النساء حلق ، وفرضهن التقصير ، في جميع المواضع.

ومن حلق رأسه في العمرة المتمتع بها ، يجب عليه حلقه يوم النحر ، فإن لم ينبت شعره ، أمرّ الموسى على رأسه.

ويستحب للمتمتع ، إذا فرغ من متعته ، وقصر أن لا يلبس المخيط ، ويتشبّه ، بضم الهاء ، بالمحرمين ، بعد إحلاله ، قبل الإحرام بالحج.

ومتى جامع قبل التقصير ، كان عليه بدنة ، إن كان موسرا ، وإن كان متوسطا ، فبقرة ، وإن كان فقيرا ، فشاة.

ولا ينبغي للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يخرج من مكة ، قبل أن يقضي مناسكه كلها ، إلا لضرورة ، فإذا اضطر إلى الخروج ، خرج إلى حيث لا يفوته الحج ، ويخرج محرما بالحج ، فإن أمكنه الرجوع إلى مكة ، وإلا مضى إلى عرفات.

فإن خرج بغير إحرام ، ثم عاد ، فإن كان عوده في الشهر الذي خرج فيه ، لم يضره أن يدخل مكة بغير إحرام ، وإن كان عوده إليها في غير ذلك الشهر ، دخلها محرما بالعمرة إلى الحج ، وتكون العمرة الأخيرة ، هي التي يتمتع بها إلى الحج.

ويجوز للمحرم المتمتع ، إذا دخل مكة ، أن يطوف ، ويسعى ، ويقصر ، إذا علم ، أو غلب على ظنه ، أنّه يقدر على إنشاء الإحرام بالحج بعده ، والخروج إلى

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٥٤ من أبواب الإحرام ، ح ٤ و ٥.

٥٨١

عرفات ، والمشعر ، ولا يفوته شي‌ء من ذلك ، سواء كان ذلك ، ودخوله إلى مكة ، قبل الزوال ، أو بعد الزوال ، يوم التروية ، أو ليلة عرفة ، أو يوم عرفة ، قبل زواله ، أو بعد زواله ، على الصحيح والأظهر ، من أقوال أصحابنا ، لأنّ وقت الوقوف بعرفة ، للمضطر ، إلى طلوع الفجر ، من يوم النحر.

وقال بعض أصحابنا : وهو اختيار شيخنا المفيد ، إذا زالت الشمس ، من يوم التروية ، ولم يكن أحلّ من عمرته ، فقد فاتته المتعة ، ولا يجوز له التحلل منها ، بل يبقى على إحرامه ، ويكون حجة مفردة.

والأول مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله ، وقد دلّلنا على صحّته ، وإن كانت قد وردت بذلك القول أخبار آحاد (١) لا يلتفت إليها ، ولا يعرج عليها ، لأنّها لا توجب علما ، ولا عملا.

وإذا غلب على ظنّه ، أنّه يفوته ذلك ، أقام على إحرامه ، وجعلها حجّة مفردة ، أي وقت كان ذلك ، على ما قدّمناه ، والأفضل ، إذا كان عليه زمان ، أن يطوف ، ويسعى ، ويقصر ، ويحل ، وينشئ الإحرام بالحج ، يوم التروية ، عند الزوال ، فإن لم يلحق مكة ، إلا ليلة عرفة ، أو يوم عرفة ، جاز أيضا أن يطوف ، ويسعى ، ويقصر ، ثمّ ينشئ الإحرام ، للحج على ما قدّمناه.

وقال بعض أصحابنا في كتاب له : ينشئ الإحرام للحج ، ما بينه ، وبين الزوال ، من يوم عرفة ، فإذا زالت الشمس ، من يوم عرفة ، فقد فاتته العمرة ، وتكون حجة مفردة ، هذا إذا غلب على ظنّه ، أنّه يلحق بعرفات (٢) ، على ما قلناه ، وإن غلب على ظنه ، أنّه لا يلحقها ، فلا يجوز له أن يحل ، بل يقيم على إحرامه ، على ما قلناه ، وهذا القول ، يقوله شيخنا أبو جعفر الطوسي أيضا في نهايته (٣)

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢١ من أبواب أقسام الحج ، ومن جملتها ح ١٤.

(٢) ج : عرفات.

(٣) النهاية : كتاب الحج ، باب الإحرام للحج.

٥٨٢

ومبسوطة (١) ، واستبصاره (٢) ، والأول وهو ما اخترناه ، مذهبه ، وقوله في جمله وعقوده (٣) وفي اقتصاده (٤) ومبسوطة (٥) في فصل ذكر الإحرام بالحج ، والقول الأول في فصل ، في السعي وأحكامه.

باب الإحرام بالحج

قد قلنا في الباب الأوّل ، أن الأفضل ، أن يحرم بالحجّ يوم التروية ، ويكون ذلك عند الزوال ، بعد أن يصلّي فريضة الظهر ، فإن لم يتمكن من ذلك (٦) جاز أن يحرم بقية نهاره أي وقت (٧) شاء ، بعد أن يعلم ، أو يغلب على ظنه ، أنّه يلحق عرفات في وقتها ، وقد بيّنا أن وقت عرفات ، ممتد إلى طلوع الفجر ، من يوم النحر ، على ما أسلفنا القول فيه ، وشرحناه.

وينبغي له أن يفعل عند هذا الإحرام ، جميع ما فعله عند الإحرام الأول ، من الغسل ، والتنظيف ، وإزالة الشعر عن جسده ، وأخذ شي‌ء من شاربه ، وتقليم أظفاره ، وغير ذلك ، ثم يلبس ثوبي إحرامه ، ويدخل المسجد حافيا ، عليه السكينة والوقار ، ويصلّي ركعتين عند المقام ، أو في الحجر ، فإن صلّى ست ركعات للإحرام ، كان أفضل ، وإن صلّى فريضة الظهر ، ثم أحرم في دبرها ، كان أفضل ، ويصلّي ركعات الإحرام قبل الفريضة ، ثم يصلّي الفريضة ، ويحرم في دبرها.

وأفضل المواضع التي يحرم منها ، المسجد الحرام ، وفي المسجد من عند المقام ، ومن أحرم من غير المسجد ، كان أيضا جائزا ، لأنّ ميقاته مكة جميعها ، لا يجوز

__________________

(١) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في السعي وأحكامه.

(٢) الاستبصار : الباب ١٦٦ باب الوقت الذي يلحق الإنسان فيه المتعة.

(٣) الجمل والعقود : كتاب الحج ، فصل في ذكر الإحرام بالحج.

(٤) الاقتصاد : فصل في ذكر الإحرام بالحج ، ص ٣٠٥.

(٥) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في ذكر الإحرام بالحج.

(٦) ج : نهاره أو أي وقت.

(٧) ج ، ط : من ذلك في هذا الوقت.

٥٨٣

له أن يحرم من غيرها ، فإن أحرم من غيرها ، وجب الرجوع إليها ، والإحرام منها ، ويحرم بالحجّ مفردا ، ويدعو بالدعاء ، كما كان يدعو عند الإحرام الأوّل ، إلا أنّه يذكر الحج مفردا ، لأنّ عمرته قد مضت ، فإن كان ماشيا ، جهر بالتلبية ، من موضعه الذي عقد الإحرام فيه ، وإن كان راكبا ، لبّى إذا نهض به بعيره ، فإذا انتهى إلى الردم ، وأشرف على الأبطح ، رفع صوته بالتلبية ، ثم ليخرج إلى منى ، ويكون على تلبيته إلى زوال الشمس ، من يوم عرفة ، فإذا زالت ، قطع التلبية.

ومن سها في حال الإحرام بالحج ، فأحرم بالعمرة ، عمل على أنّه أحرم بالحج ، وليس عليه شي‌ء.

وإذا أحرم بالحج ، لا ينبغي له أن يطوف بالبيت ، إلى أن يرجع من منى ، فإن سها ، فطاف بالبيت ، لم ينتقض إحرامه ، سواء جدّد التلبية ، أو لم يجدّدها ، وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : غير أنّه يعقده بتجديد التلبية (١).

قال محمّد بن إدريس : إحرامه منعقد ، لم ينتقض ، فلا حاجة به إلى انعقاد المنعقد.

ومن نسي الإحرام بالحج ، إلى أن يحصل بعرفات ، جدّد الإحرام بها ، وليس عليه شي‌ء ، فإن لم يذكر حتى يرجع إلى بلده ، فإن كان قد قضى مناسكه ، كلها ، لم يكن عليه شي‌ء ، على ما ذكره شيخنا أبو جعفر رحمه‌الله ، في نهايته (٢) وقال في مبسوطة : أمّا النية فهي ركن في الأنواع الثلاثة ، من تركها فلا حج له ، عامدا كان ، أو ناسيا ، إذا كان من أهل النية ثم قال بعد ذلك : وعلى هذا إذا فقد النية ، لكونه سكران (٣) هذا آخر كلامه رحمه‌الله.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : الذي يقتضيه أصول المذهب ، ما ذهب إليه

__________________

(١) النهاية : كتاب الحج ، باب الإحرام بالحج.

(٢) النهاية : كتاب الحج ، باب الإحرام بالحج.

(٣) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في ذكر تفصيل فرائض الحج.

٥٨٤

باب الغدو إلى عرفات

يستحب للإمام ، أن لا يخرج من منى ، إلا بعد طلوع الشمس ، من يوم عرفة ، ومن عدا الإمام ، يجوز له الخروج ، بعد أن يصلّي الفجر ، ويوسع له أيضا إلى طلوع الشمس.

ويكره له أن يجوز وادي محسّر ، إلا بعد طلوع الشمس ، وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ولا يجوز له أن يجوز وادي محسّر ، إلا بعد طلوع الشمس ، وذلك على تغليظ الكراهة ، دون الحظر وقال أيضا : ومن اضطر إلى الخروج ، قبل طلوع الفجر ، جاز له أن يخرج ، ويصلّي في الطريق (١) ومع الاختيار ، دون الاضطرار ، يكون مكروها ، لا محظورا ، لأنّا قد بيّنا ، أنّ المبيت بها سنّة مندوب إليها ، دون فريضة ، واجبة ، محظور تركها.

فإذا توجّه إلى عرفات ، فليقل : « اللهم إيّاك صمدت ، وإيّاك اعتمدت ، ووجهك أردت ، أسألك أن تبارك لي في رحلتي ، وأن تقضي لي حاجتي ، وأن تجعلني ممّن تباهي به اليوم ، من هو أفضل منّي ».

ويستحب أن يكون ، على تكرار تلبيته ، على ما ذكرناه إلى زوال الشمس ، فإذا زالت ، اغتسل ، وصلّى الظهر والعصر جميعا ، يجمع بينهما ، بأذان واحد وإقامتين ، لأجل البقعة ، ثم يقف بالموقف ، ويدعو لنفسه ، ولوالديه ، ولإخوانه المؤمنين ، والأدعية في ذلك كثيرة لا تحصى ، من أرادها ، رجع إليها في كتب المناسك والعبادات لم نوردها هاهنا خوف الإطالة.

ويستحب أن يضرب الإنسان ، خباءه بنمرة ، بفتح النون ، وكسر الميم ، وهي بطن عرنة بضم العين ، وفتح الراء ، والنون ، دون الموقف ، ودون الجبل ،

__________________

(١) النهاية : كتاب الحج ، باب العدول إلى عرفات.

٥٨٥

في مبسوطة ، لقوله تعالى : ( وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ) (١). وقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأعمال بالنيات (٢) وانّما لامرئ ما نوى (٣) وهذا الخبر مجمع عليه ، وبهذا افتي ، وعليه أعمل ، فلا نرجع عن الأدلة ، بأخبار الآحاد ، إن وجدت.

باب نزول منى

يستحب لمن أراد الخروج إلى منى ، أن لا يخرج من مكة ، حتى يصلّي الظهر ، يوم التروية بها ، ثم يخرج إلى منى ، إلا الإمام خاصّة ، فإن عليه أن يصلّي الظهر والعصر ، يوم التروية بمنى ، ويقيم بها ، إلى طلوع الشمس استحبابا ، لا إيجابا ، من يوم عرفة ، ثم يغدو إلى عرفات ، فإن اضطر الإنسان إلى الخروج ، بأن يكون عليلا ، يخاف أن لا يلحق ، أو يكون شيخا كبيرا ، أو يخاف الزحام ، جاز له أن يتعجّل ، قبل أن يصلّي الظهر.

فإذا توجّه إلى منى فليقل : « اللهم إيّاك أرجو ، وإيّاك أدعو ، فبلّغني أملي ، وأصلح لي عملي ».

فإذا نزل منى ، فليقل : « اللهم هذه منى ، وهي مما مننت به علينا من المناسك ، فأسألك أن تمن عليّ ، بما مننت به على أوليائك ، فإنّما أنا عبدك وفي قبضتك ».

ونزول منى عند التوجه إلى عرفات ، والمبيت بها ليلة عرفة ، مندوب غير واجب.

وحدّها من العقبة ، إلى وادي محسّر ، بكسر السين وتشديدها.

__________________

(١) الليل : ١٩.

(٢) الوسائل : كتاب الطهارة ، الباب ٥ من أبواب مقدمة العبادات ، ح ٦ و ٧.

(٣) الوسائل : كتاب الطهارة ، الباب ٥ من أبواب مقدمة العبادات ، ح ٦ و ٧.

٥٨٦

اقتداء بالرسول عليه‌السلام ، لأنّه عليه‌السلام ضرب خباءه ، وقبته هناك ، ثمّ أتى الموقف.

وحدّ عرفة ، من بطن عرنة ، وثويّة ، بفتح الثاء ، وتشديد الياء ، ونمرة ، إلى ذي المجاز ، ولا يرتفع إلى الجبل ، إلا عند الضرورة إلى ذلك ، ويكون وقوفه على السهل ، ولا يترك خللا إن وجده ، إلا سده بنفسه ، ورحله.

ولا يجوز الوقوف تحت الأراك ، ولا في نمرة ، ولا ثوية ، ولا عرفة ، ولا ذي المجاز ، فانّ هذه المواضع ليست من عرفات ، فمن وقف بها ، فلا حج له ، ولا بأس بالنزول فيها ، غير أنّه إذا أراد الوقوف ، بعد الزوال ، جاء إلى الموقف ، فوقف هناك ، والوقوف بميسرة الجبل ، أفضل من غيره ، وليس ذلك بواجب ، بل الواجب الوقوف بسفح الجبل ، ولو قليلا بعد الزوال ، وأمّا الدعاء والصلاة في ذلك الموضع ، فمندوب غير واجب ، وانّما الواجب الوقوف ولو قليلا فحسب.

وقال شيخنا في مسائل خلافه (١) ومبسوطة : إنّ وقت الوقوف بعرفة ، من الزوال يوم عرفة ، إلى طلوع الفجر يوم العيد (٢).

والصحيح أنّ وقتها ، من الزوال إلى غروب الشمس ، من يوم عرفة ، لأنّه لا خلاف في ذلك ، وما ذكره في الكتابين ، مذهب بعض المخالفين.

باب الإفاضة من عرفات والوقوف بالمشعر الحرام

إذا غربت الشمس ، من يوم عرفة ، فليفض الحاج ، من عرفات إلى المزدلفة وإن أفاض بعد غروب الشمس ، لم يكن عليه إثم ، إذا أدرك المشعر الحرام في وقته ، ووقته من طلوع الفجر ، من يوم النحر ، إلى طلوع الشمس ، من ذلك اليوم ، وذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ، إلى أنّ وقت المشعر ، ليلة العيد (٣) وهو

__________________

(١) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ١٥٦.

(٢) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في ذكر تفصيل فرائض الحج.

(٣) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ١٦٦.

٥٨٧

مذهب المخالفين ، والأول هو المذهب ، وهو اختياره في نهايته (١) ولا يجوز الإفاضة قبل غيبوبة الشمس ، فمن أفاض قبل مغيبها متعمدا ، كان عليه بدنة ، فإن عاد إليها قبل مغيبها ثم أفاض عند مغيبها لم يكن عليه كفارة.

والبدنة ، ينحرها يوم النحر ، بمنى ، فإن لم يقدر على البدنة ، صام ثمانية عشر يوما ، إمّا في الطريق ، أو إذا رجع إلى أهله.

وإن كانت الإفاضة قبل مغيب الشمس ، على طريق السهو ، أو يكون جاهلا ، بأن ذلك لا يجوز ، لم يكن عليه شي‌ء.

فإذا أراد أن يفيض ، فيستحب له أن يقول : « اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف ، وارزقنيه أبدا ما أبقيتني ، واقلبني اليوم ، مفلحا ، منجحا ، مستجابا لي ، مرحوما ، مغفورا ، بأفضل ما ينقلب به اليوم ، أحد من وفدك عليك وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم ، من الخير ، والبركة ، والرحمة ، والرضوان ، والمغفرة ، وبارك لي ، فيما أرجع إليه ، من مال ، أو أهل ، أو قليل ، أو كثير ، وبارك لهم في » واقتصد في السير ، وسر سيرا جميلا ، فإذا بلغت إلى الكثيب الأحمر ، عن يمين الطريق ، فقل : « اللهم ارحم موقفي ، وزد في عملي ، وسلّم لي ديني ، وتقبل مناسكي ».

ويستحب أن لا يصلي المغرب والعشاء الآخرة ، إلا بالمزدلفة ، وإن ذهب من الليل ربعه ، أو ثلثه.

ويستحب له أن يجمع بين الصلاتين ، بالمزدلفة ليلة النحر ، بأذان واحد ، وإقامتين ، وحدّ الجمع ، أن لا يصلّي بينهما ، نوافل ، فإن فصل بين الفرضين بالنوافل ، لم يكن مأثوما ، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه.

وحدّ المشعر الحرام ، ما بين المأزمين ، بكسر الزاء ، إلى الحياض ، وإلى وادي محسّر ، فلا ينبغي أن يقف الإنسان ، إلا فيما بين ذلك ، فإن ضاق عليه الموضع ،

__________________

(١) النهاية : كتاب الحج ، باب الإفاضة من عرفات والوقوف بالمشعر الحرام.

٥٨٨

جاز له أن يرتفع إلى الجبل ، فإذا أصبح يوم النّحر ، صلّى فريضة الغداة ، ووقف للدعاء ، وليحمد الله تعالى ، وليثن عليه ، وليذكر من آلائه ، وحسن بلائه ، ما قدر عليه ، ويصلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويستحب للصرورة ، وهو الذي لم يحج ، إلا تلك السنة ، أن يطأ المشعر برجله.

وإن كان الوقوف واجبا عليه ، وركنا من أركان الحج عندنا ، من تركه متعمدا ، فلا حج له ، وأدناه ، أن يقف (١) بعد طلوع الفجر ، إمّا قبل صلاة الغداة ، أو بعدها ، بعد أن يكون قد طلع الفجر الثاني ، ولو قليلا ، والدعاء ، وملازمة الموضع ، إلى طلوع الشمس مندوب ، غير واجب.

وإذا طلعت الشمس ، رجع إلى منى ، ورجوعه الآن إلى منى واجب ، لأنّ عليه بها يوم النحر ، ثلاثة مناسك ، مفروضة.

ويكره له أن يجوز وادي محسّر ، إلا بعد طلوع الشمس ، ولا يجوز الخروج من المشعر الحرام ، قبل طلوع الفجر ، للمختار ، فان خرج قبل طلوعه متعمدا ، فلا حج له ، وقال شيخنا أبو جعفر ، في نهايته : كان عليه دم شاة (٢).

والصحيح الأوّل ، وما ذكره رحمه‌الله ، خبر واحد ، أورده إيرادا ، لا اعتقادا ، والذي يدل على صحة ما قلناه ، أن الوقوف بالمشعر الحرام ، في وقته ركن من أركان الحج ، بغير خلاف بيننا ، ولا خلاف أنّه ، من أخلّ بركن من أركان الحج متعمدا ، بطل حجه ، فإن كان خروجه ساهيا ، أو ناسيا ، لم يكن عليه شي‌ء.

وقد رخص للمرأة ، والرجل ، الذي يخاف على نفسه ، أن يفيضا إلى منى ، قبل طلوع الفجر ، فإذا بلغ وادي محسّر ، فليهرول فيه ، حتى يقطعه ، وذلك على طريق الاستحباب ، فإن كان راكبا ، حرّك مركوبه.

ويستحب له أن يأخذ حصى الجمار من المشعر الحرام ، ليلة النحر ، وإن

__________________

(١) ج : ما يقف

(٢) النهاية : كتاب الحج باب الإفاضة من عرفات والوقوف بالمشعر الحرام.

٥٨٩

أخذه من منى ، ومن سائر الحرم ، كان أيضا جائزا ، سوى المسجد الحرام ، ومسجد الخيف ، ومن حصى الجمار ، ولا يجوز أخذ الحصى من غير الحرم ، ولا يجوز أن يرمي الجمار ، الا بالحصى ، فحسب.

وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه : لا يجوز الرمي ، إلا بالحجر ، وما كان من جنسه ، من البرام ، والجوهر ، وأنواع الحجارة ، ولا يجوز بغيره كالمدر ، والآجر ، والكحل ، والزرنيخ ، والملح ، وغير ذلك ، من الذهب ، والفضة (١) إلى هاهنا آخر كلامه.

وما ذكرناه ، هو الصحيح ، لأنّه لا خلاف في إجزائه ، وبراءة الذمة معه ، وما عدا الحصى ، فيه الخلاف ، وروي عنه عليه‌السلام ، أنّه قال غداة جمع ، التقط حصيات من حصى الخذف ، فلما وضعهن في يده ، قال : بأمثال هؤلاء ، فارموا ، بأمثال هؤلاء فارموا ، ومثل الحصى حصى (٢). وروي أنّه قال عليه‌السلام ، لمّا هبط مكان محسّرا : أيّها الناس عليكم بحصى الخذف (٣) وقد رجع شيخنا أبو جعفر ، في جمله وعقوده ، عما ذكره في مسائل خلافه ، فقال : لا يجزي غير الحصار (٤).

ويكره أن تكون صما ، ويستحب أن تكون برشا ، ويستحب أن يكون قدرها ، مثل الأنملة ، منقطة ، كحلية ، ويكره أن يكسر من الحصى شي‌ء ، بل يلتقط بعدد ما يحتاج الإنسان إليه ، ويستحب أن لا ترمي ، إلا على طهر ، فإن رميت على غير طهر ، لم يكن عليه شي‌ء.

فإذا رماها ، فإنه يجب أن يرميها خذفا ، والخذف عند أهل اللسان ، رمي الحجر ، بأطراف الأصابع ، هكذا ذكره الجوهري في كتاب الصحاح ، يضع كل حصاة منها ، على بطن إبهامه ، ويدفعها بظفر السبّابة ، ويرميها من بطن الوادي.

__________________

(١) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ١٦٣

(٢) الخلاف : ذيل مسألة ١٦٣.

(٣) الخلاف : ذيل مسألة ١٦٣.

(٤) الجمل والعقود : كتاب الحج ، فصل في نزول منى وقضاء المناسك بها ، رقم ٤.

٥٩٠

وينبغي أن يرمي يوم النحر ، جمرة العقبة ، وهي التي إلى مكة ، أقرب ، بسبع حصيات ، يرميها من قبل وجهها ، وحدها ذلك اليوم فحسب.

ويستحب أن يكون بينه وبين الجمرة ، قدر عشرة أذرع ، إلى خمسة عشر ذراعا ، ويقول حين يريد أن يرمي ، الحصى : « اللهم هؤلاء حصياتي ، فأحصهن لي ، وارفعهن في عملي » ويقول مع كل حصاة : « اللهم أدحر عني الشيطان ، اللهم تصديقا بكتابك ، وعلى سنة نبيّك ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اللهم اجعله حجا مبرورا ، وعملا مقبولا وسعيا مشكورا ، وذنبا مغفورا ».

ويجوز أن يرميها راكبا ، وماشيا ، والركوب أفضل ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رماها راكبا ، ويكون مستقبلا لها ، مستدبرا للكعبة ، وإن رماها عن يسارها ، جاز.

وجميع أفعال الحج ، يستحب أن يكون مستقبل القبلة ، من الوقوف بالموقفين ، ورمي الجمار ، إلا رمي جمرة العقبة ، يوم النحر ، فحسب.

ولا يأخذ الحصى ، من المواضع التي تكون فيها نجاسة ، فإن أخذها ، وغسلها ، أجزأه وإن لم يغسلها ، ترك الأفضل ، وأجزأه ، لأنّ الاسم يتناولها.

باب الذبح

الهدي واجب على المتمتع بالعمرة إلى الحج ، وإن كان قارنا ، ذبح هديه الذي ساقه ، وإن كان مفردا ، لم يكن عليه شي‌ء. وإن تطوع بالأضحية ، كان له فضل كثير ، ومن وجب عليه الهدي ، فلم يقدر عليه ، قال بعض أصحابنا. فإن كان معه ثمنه ، خلّفه عند من يثق به ، حتى يشتري له هديا ، يذبح عنه في العام المقبل ، في ذي الحجّة ، فإن أصابه في مدة مقامه بمكة ، إلى انقضاء ذي الحجّة ، جاز له أن يشتريه ، ويذبحه ، وإن لم يصبه ، فعلى ما ذكرناه ، فإن لم يقدر على الهدي ، ولا على ثمنه ، وجب عليه صيام عشرة أيام ، والأظهر الأصحّ ، أنّه

٥٩١

إذا لم يجد الهدى ، ووجد ثمنه ، لا يلزمه أن يخلّفه ، بل الواجب عليه إذا عدم الهدي ، الصّوم ، سواء وجد الثمن ، أو لم يجد ، لأنّ الله سبحانه ، لم ينقلنا عند عدم الهدي ، إلا إلى الصوم ، ولم يجعل بينهما واسطة ، فمن نقلنا إلى ما لم ينقلنا الله تعالى إليه ، يحتاج إلى دليل شرعي.

وإلى ما اخترناه يذهب ، شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في جمله وعقوده ، في فصل في نزول منى وقضاء المناسك بها ، قال : فهدي المتمتّع فرض مع القدرة ، ومع العجز فالصّوم بدل منه هذا آخر كلامه.

والصّوم ثلاثة أيام في الحجّ ، وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فالثلاثة الأيام ، يوم قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، فإن فإنه صوم هذه الأيام ، صام يوم الحصبة ، وهو يوم النفر ، ويومان بعده ، متواليات ، وسمّي يوم النفر الثاني ، يوم الحصبة ، لأنّه يستحب لمن نفر في النّفر الثاني ، التحصيب ، ولا يستحب لمن نفر في النفر الأول ، التحصيب ، وهو نزول المحصّب ، وهو ما بين العقبة ، وبين مكة ، وهي أرض ذات حصى صغار ، مستوية بطحاء ، إذا رحل من منى ، حصل فيها ، يستحب له النزول هناك قليلا اقتداء بالرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّه نزل هناك ، ونفّذ عائشة مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر ، إلى التنعيم ، فأحرمت بالعمرة المفردة ، وجاءت إلى مكّة ، وطاقت ، وسعت ، وقصرت ، وفرغت من مناسكها جميعا ، ثم جاءت إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرحل قاصدا إلى المدينة.

فإن فاته ذلك أيضا ، صامهن في بقية ذي الحجّة ، فإن أهلّ المحرم ، ولم يكن صام ، وجب عليه دم شاة ، واستقر في ذمّته. وليس له صوم.

فإن مات من وجب عليه الهدي ، ولم يكن صام الثلاثة الأيام ، مع القدرة عليها ، والتمكّن من الصيام ، صام عنه وليه ، الثلاثة ، الأيام ، فأمّا السبعة الأيام ، فقد قال بعض أصحابنا : لا يلزم الولي قضاء السبعة ، والأولى عندي والأحوط ، أنّه يلزم الولي القضاء عنه ، إذا تمكن من وجبت عليه من صيامهن ، ولم يفعل ،

٥٩٢

لأنّ الإجماع حاصل ، منعقد على أنّ الولي يلزمه أن يقضي عمن هو ولي له ، ما فاته من صيام ، تمكن منه ، فلم يصمه ، وهذا الصيام ، من جملة ذلك ، وداخل تحته ، فإذا صام الثلاثة الأيام ، ورجع إلى أهله ، صام السّبعة الأيام ، ولا يجوز له أن يصومهن في السفر ، ولا قبل رجوعه إلى أهله ، فإن جاور بمكة ، انتظر مدة وصول أهل بلده إلى بلده ، إن كان وصولهم في أقلّ من شهر ، فإن كان أكثر من شهر ، انتظر شهرا ، ولو كان من أبعد بعد ، ثم صام بعد ذلك ، السبعة الأيام.

ومن فاته صوم يوم قبل التروية ، صام يوم التروية ، ويوم عرفة ، ثم صام يوما آخر ، بعد أيام التشريق ، ولا يجوز له أن يصوم أيام التشريق ، فإن فاته صوم يوم التروية ، فلا يصم يوم عرفة ، بل يصوم الثلاثة الأيام ، بعد انقضاء أيام التشريق ، متتابعات.

وقد رويت (١) رخصة في تقديم الصوم الثلاثة أيام ، من أول العشر ، والأحوط الأول.

فإن قيل : كيف يصام بدل الهدي ، قبل وجوب الهدي ، لأنّ الهدي ما يجب ذبحه إلا يوم النحر ، ولا يجوز قبله؟

قلنا : إذا أحرم بالحجّ متمتعا ، وجب عليه الدم ، ويستقر في ذمته ، وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي ، وقال عطاء : لا يجب حتى يقف بعرفة ، وقال مالك : لا يجب حتى يرمي جمرة العقبة ، دليلنا : قوله تعالى : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ، فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٢) فجعل تعالى الحج غاية لوجوب الهدي ، فالغاية وجود أول الحجّ ، دون إكماله ، يدل عليه قوله تعالى : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٣) كانت الغاية ، دخول أوّل الليل ، دون إكماله كلّه ، وإجماع أصحابنا أيضا ، منعقد على ذلك ، إلا أنّهم أجمعوا ، على أنّه لا يجوز الصيام إلا يوم قبل التروية ،

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٥٤ من أبواب الذبح

(٢) البقرة : ١٩٦

(٣) البقرة : ١٨٧.

٥٩٣

ويوم التروية ، ويوم عرفة ، وقبل ذلك لا يجوز ، ولو لا إجماعهم ، لجاز ذلك ، لعموم الآية ، وصيام هذه الأيام ، يجوز ، سواء أحرم بالحج ، أو لم يحرم ، لأجل الإجماع من أصحابنا أيضا وإلا فما كان يجوز الصيام ، إلا بعد إحرام الحجّ ، لأنّه قال تعالى ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) فجعل الحج غاية لوجوب الهدي ، فإذا لم يحرم ، ما وجدت الغاية ، بل الإجماع مخصّص لذلك ، ويمكن أن يقال : العمرة المتمتع بها إلى الحج ، حجّ ، وحكمها ، حكم الحج ، لأنّها لا ينعقد الإحرام بها ، إلا في أشهر الحجّ ، فعلى هذا إذا أحرم بها ، فقد وجد أول الحج.

إذا تلبس بالصوم ، ثم وجد الهدي ، لم يجب عليه أن يعود إليه ، وله المضي فيه ، وله الرجوع إلى الهدي ، بل هو الأفضل.

ومن لم يصم الثلاثة الأيام ، وخرج عقيب أيام التشريق ، صامها في الطريق ، فإن لم يتمكّن ، صامهن مع السبعة الأيام ، إذا رجع إلى أهله ، إذا كان ذلك ، قبل أن يهلّ المحرّم ، فإن أهلّ المحرّم ، استقر في ذمّته الدم ، على ما بيناه ولا بأس بتفريق الصوم السبعة الأيام.

والمتمتع إذا كان مملوكا ، وحج بإذن مولاه ، كان فرضه الصيام ، فإن أعتق العبد ، قبل انقضاء الوقوف بالمشعر الحرام ، كان عليه الهدي ، ولم يجزه الصوم ، مع الإمكان ، فإن لم يقدر عليه ، كان حكمه حكم الأحرار ، في الأصل ، على ما فصلناه.

والصوم بعد أيام التشريق ، يكون أداء ، لا قضاء لأنّ وقته باق.

وإذا أحرم بالحج ، ولم يكن صام ، ثم وجد الهدي ، لم يجز له الصوم ، فإن مات ، وجب أن يشتري الهدي ، من تركته ، من أصل المال ، لأنّه دين عليه.

ولا يجوز أن يذبح الهدي الواجب في الحج ، والعمرة المتمتع بها إلى الحج ، إلا بمنى ، يوم النحر ، أو بعده ، فإن ذبح بمكة ، أو بغير منى ، لم يجزه ، وما ليس بواجب ، جاز ذبحه ، أو نحره ، بمكة.

٥٩٤

وإذا ساق هديا في الحج ، فلا يذبحه أيضا إلا بمنى ، فإن ساقه في العمرة المبتولة ، نحره بمكة ، قبالة الكعبة ، بالموضع المعروف بالحزورة.

وأيام النحر بمنى ، أربعة أيام ، يوم النحر ، وثلاثة أيّام بعده ، وفي غيرها من البلدان ، ثلاثة أيام ، يوم النحر ، ويومان بعده ، هذا في التطوع ، فأمّا هدي المتعة ، فإنّه يجوز ذبحه طول ذي الحجة ، إلا أنّه يكون بعد انقضاء هذه الأيام ، قضاء ، هكذا قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة (١) والأولى عندي ، أن لا يكون قضاء ، لأنّ ذي الحجة بطوله ، من أشهر الحجّ ، ووقت للذبح الواجب ، فالوقت ما خرج ، فلا يكون قضاء ، لأنّ القضاء ما كان له وقت ، ففات ، والتطوع قد مضى وقته ، ولا قضاء فيها.

ولا يجوز في الهدي الواجب ، إلا واحد عن واحد ، مع الاختيار ، ومع الضرورة ، والعدم ، فالصيام.

وقال بعض أصحابنا : ويجوز عند الضرورة ، الواحد من الهدي ، عن خمسة ، وعن سبعة ، وعن سبعين. وإلى هذا القول ، يذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢) وجمله وعقوده (٣) ، ومبسوطة (٤) ، وإلى القول الأول ، يذهب في مسائل خلافه ، في الجزء الأول ، وفي الجزء الثالث (٥) ، وهو الأظهر الأصح ، الذي يعضده ، ظاهر التنزيل ، ولا يلتفت إلى أخبار آحاد ، إن صحت ، كان لها وجه ، وهو في الهدي المتطوع به ، فأمّا ما ذكره شيخنا أبو جعفر في الجزء الأول ، من مسائل خلافه ، فإنّه قال : مسألة ، يجوز اشتراك سبعة في بدنة واحدة ، أو في بقرة واحدة ، إذا

__________________

(١) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في ذكر نزول منى بعد الإفاضة من المشعر.

(٢) النهاية : كتاب الحج ، باب الذبح.

(٣) الجمل والعقود : كتاب الحج ، فصل في نزول منى ، رقم ٨ و ٩.

(٤) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في ذكر نزول منى بعد الإفاضة.

(٥) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٣٤١ ( الجزء الأول ).

٥٩٥

كانوا مفترضين (١) وكانوا أهل خوان واحد ، سواء كانوا متمتعين ، أو قارنين ، ثم قال : وقال مالك : لا يجوز الاشتراك ، إلا في موضع واحد ، وهو إذا كانوا متطوعين ، وقد روى ذلك أصحابنا بقول شيخنا أبي جعفر أيضا ، قال : وهو الأحوط ، وقال في الجزء الثالث من مسائل خلافه : الهدي الواجب ، لا يجزئ إلا واحد عن واحد ، وإن كان تطوعا ، يجوز عن سبعة ، إذا كانوا أهل بيت واحد ، وإن كانوا من أهل بيوت شتى لا يجزي ، وبه قال مالك ، وقال الشافعي : يجوز للسبعة ، أن يشتركوا في بدنة ، أو بقرة ، في الضحايا ، والهدايا ، سواء كانوا مفترضين ، عن نذر ، أو هدي الحجّ ، أو متطوعين ، ثم قال : دليلنا إجماع الفرقة ، وأخبارهم ، وطريقة الاحتياط.

ولا يجوز في الهدي ولا الأضحية العرجاء ، البيّن عرجها ، ولا العوراء ، البيّن عورها ، ولا العجفاء ، ولا الخرماء ولا الجذاء ، وهي المقطوعة الاذن ، ولا العضباء ، وهي المكسورة القرن ، فان كان القرن الداخل صحيحا ، لم يكن به بأس ، وإن كان ما ظهر منه ، مقطوعا ، فلا بأس به ، وإن كانت اذنه مشقوقة ، أو مثقوبة ، إذا لم يكن قطع منها شي‌ء.

ومن اشترى هديا على أنّه تام ، فوجده ناقصا ، لم يجز عنه ، إذا كان واجبا ، فإن كان تطوّعا ، لم يكن به بأس.

ولا يجوز الهدي ، إذا كان خصيا ، ولا التضحية به ، فإن كان موجوء ، لم يكن به بأس ، وهو أفضل من الشاة ، والشاة أفضل من الخصي.

وأفضل الهدي البدن ، فمن لم يجد ، فمن البقر ، فإن لم يجد ، ففحلا من الضأن ، ينظر في سواد ، ويمشي في سواد ، ويبرك في سواد ، والمراد بذلك ، أن تكون هذه المواضع سودا ، وقال أهل التأويل ، معنى ذلك ، أنّه من عظمه ،

__________________

(١) وفي المصدر كانوا متقربين.

٥٩٦

وشحمه ، ينظر في في‌ء شحمه ، ويمشي في فيئه ، ويبرك في ظل شحمه ، والأول هو الظاهر ، فإن لم يجد فتيس من المعز فإن لم يجد إلا شاة ، كان جائزا.

وأفضل ما يكون من البدن ، والبقر ، ذوات الأرحام ، ومن الغنم الفحولة.

ولا يجوز من الإبل ، إلا الثني ، فما فوقه ، وهو الذي تمّ له خمس سنين ، ودخل في السادسة ، وكذلك من البقر ، لا يجوز إلا الثني ، وهو الذي تمت له سنة ، ودخل في الثانية ، ويجزي من الضأن الجذع لسنته ، والجذع ما كان له سبعة أشهر.

وينبغي أن يكون الهدي سمينا ، فإن اشتراه على انه سمين ، فخرج مهزولا ، أجزأ عنه ، وإن اشتراه على أنّه مهزول ، فخرج سمينا ، كان مجزيا ، أيضا ، وإن اشتراه على أنّه مهزول ، وخرج كذلك ، لم يجز عنه.

وحد الهزال على ما روي في الاخبار (١) ، أن لا يكون على كليتيه شي‌ء من الشحم ، وإذا لم يجد على هذه الصفة ، اشترى ما تيسر له.

وأمّا عيوب الهدي فضربان : أحدهما يمنع الإجزاء والثاني يكره ، وان أجزأ فالذي يمنع الإجزاء ، ما روى البراء بن عازب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديثه : العوراء البيّن عورها ، والمريضة البيّن مرضها ، والعرجاء البيّن عرجها ، والكسير الذي لا ينقى (٢) ( قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله معنى لا ينقى ، بالنون والقاف ، الذي لا نقى له ، لأنّ النقي بالنون المكسورة ، والقاف المسكنة ، المخّ ) والعضباء لا تجزي ، وهي التي انكسر قرنها الداخل والظاهر.

ولا يجزي الخصي والموجوء ، وهو المدقوق الخصي ، وما عدا ذلك فمكروه ، إلا أن يكون ناقص الخلقة ، أو قطع قاطع من خلقته ، الا ما كان وسما ، ولا بأس بذلك ، ما لم يبن منها ، وينقص الخلقة ، لما رواه علي عليه‌السلام ، عن

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ١٦ من أبواب الذبح.

(٢) فمسند أحمد بن حنبل : ج ٤ ص ٢٨٤.

٥٩٧

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من أمره ، أن يستشرف العين والاذن (١).

قال محمّد بن إدريس : يستشرف ، يقال : استشرفت الشي‌ء ، إذا رفعت بصرك تنظر إليه ، وبسطت كفك فوق حاجبك ، كالذي يستظل من الشمس ، ومنه قول ابن مطير

فيا عجبا للناس يستشرفونني

كأن لم يروا مثلي محبا ولا قبلي

ويستحب أن لا يشتري إلا ما قد عرّف به ، وهو أن يكون احضر عرفات ، وذلك على الاستحباب ، دون الفرض والإيجاب ، ولأنّه لو لم يحضر عرفات ، أجزأه ، سواء أخبر أنّه قد عرّف به ، أو لم يخبر.

ومن اشترى هديه ، فهلك ، أو ضلّ ، أو سرق ، فإن كان واجبا (٢) ، وجب أن يقيم بدله ، وإن كان تطوّعا ، فلا شي‌ء عليه.

ولا يجوز الأكل من الهدي المنذور ، ولا الكفارات ، فأمّا هدي المتمتع ، والقارن ، فالواجب أن يأكل منه ، ولو قليلا ، ويتصدق على القانع ، والمعتر ، ولو قليلا ، لقوله تعالى : ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (٣) والأمر عندنا يقتضي الوجوب ، والفور دون التراخي.

فأمّا الأضحية ، فالمستحب أن يأكل ثلثها ، ويتصدق على القانع والمعتر ، بثلثها ، ويهدي إلى أصدقائه ثلثها ، على ما رواه أصحابنا (٤).

ومن اشترى هديا ، وذبحه ، فاستعرفه رجل ، وذكر أنّه هديه ، ضلّ عنه ، وأقام بذلك بيّنة ، كان له لحمه ، والغرم ما بين قيمته حيا ومذبوحا ، ولا يجزي عن واحد منهما.

وإذا نتج الهدي المعيّن ، كان حكم ولده حكمه ، في وجوب نجره ، أو ذبحه ، ولا بأس بركوبه ، وشرب لبنه ، ما لم يضر به وبولده.

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٢١ من أبواب الذبح ح ٢ ، وفي المصدر : ان نستشرف ، بدل ان يستشرف.

(٢) ج : وجبا في الذمة

(٣) الحج : ٣٦.

(٤) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٤٠ من أبواب الذبح.

٥٩٨

وإذا أراد نحر البدنة ، نحرها وهي قائمة ، من قبل اليمين ، ويربط يديها ما بين الخف ، إلى الركبة ، ويطعن بضم العين في لبّتها.

ويستحب أن يتولّى النحر ، أو الذبح ، بنفسه ، فإن لم يقو عليه ، أو لا يحسنه ، جعل يده ، مع يد الذابح ، فإن استناب فيه ، كان جائزا ، ويسمّي الله تعالى ، ويقول : وجّهت وجهي إلى قوله وأنا من المسلمين ، ثمّ يقول : اللهم منك ، ولك ، بسم الله والله أكبر ، وذكر الله هو الواجب ، والباقي مندوب.

ومن أخطأ في الذبيحة ، فذكر غير صاحبها ، أجزأت عنه بالنية.

وينبغي أن يبدأ بمنى ، بالذبح ، قبل الحلق ، وفي العقيقة ، بالحلق قبل الذبح ، فإن قدّم الحلق على الذبح ، ناسيا ، أو متعمدا ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولا يجوز أن يحلق رأسه ، ولا أن يزور البيت ، إلّا بعد الذبح ، وإن يبلغ الهدي محلّه ، وهو أن يحصل في رحله ، ومتى حلق قبل أن يحصل الهدي في رحله ، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن وجب عليه بدنة ، في نذر أو كفارة ، ولم يجدها ، كان عليه سبع شياه.

والصبي إذا حجّ به متمتعا ، وجب على وليه ، أن يذبح عنه ، من مال الولي ، دون مال الصبي.

ومن لم يتمكن من شراء الهدي ، إلا ببيع بعض ثيابه التي يتجمل بها ، لم يلزمه ذلك ، وأجزأه الصوم.

ومن نذر أن ينحر بدنة ، فإن سمّى الموضع الذي ينحر فيه ، فعليه الوفاء به ، وإن لم يسم الموضع ، فلا يجوز له أن ينحرها ، إلا بفناء الكعبة.

الهدي على ثلاثة أضرب : تطوع ، ونذر شي‌ء بعينه ابتداء ، وتعيين نذر (١) واجب في ذمته ، فإن كان تطوعا ، مثل إن خرج حاجا ، أو معتمرا ، فساق معه هديا ، بنية أن ينحره في منى ، أو بمكة ، من غير أن يشعره ، أو يقلده ، فهذا على ملكه ، يتصرّف فيه كيف شاء ، من بيع ، وهبة ، وله ولده ، وشرب لبنه ، وإن هلك ، فلا شي‌ء عليه.

__________________

(١) في ط وج : هدي.

٥٩٩

الثاني : هدي أوجبه بالنذر ، ابتداء بعينه ، مثل أن قال : لله عليّ أن أهدى هذه الشاة ، أو هذه البقرة ، أو هذه الناقة ، فإذا قال هذا ، زال ملكه عنها ، وانقطع تصرفه في حق نفسه فيها ، وهي أمانة للمساكين في يده ، وعليه أن يسوقها إلى المنحر ، فإن وصل نحر ، وإن عطب في الطريق ، نحره حيث عطب ، وجعل عليه علامته ، من كتاب وغيره ، على ما روي (١) ليعرف أنّه هدي للمساكين ، فإذا وجدها المساكين ، حلّ لهم التصرّف فيها ، وإن هلكت فلا شي‌ء عليه ، فإن نتجت هذه الناقة ، ساق معها ولدها ، وهي والولد للمساكين.

الثالث : ما وجب في ذمته ، عن نذر ، أو ارتكاب محظور ، كاللباس ، والطيب ، والقوب ، والصيد ، أو مثل دم المتعة ، فمتى ما عيّنه في هدي ، بعينه ، تعيّن فيه ، فإذا عيّنه ، زال ملكه عنه ، وانقطع تصرفه فيه ، وعليه أن يسوقه إلى المنحر ، فإن وصل ، نحره ، وأجزأه ، وإن عطب في الطريق ، أو هلك ، سقط التعيين ، وكان عليه إخراج الذي في ذمّته ، وكل هدي كان نذرا ، أو كفارة ، مطلقا كان ، أو معيّنا ، لا يجوز الأكل منه ، وما كان تطوعا ، أو هدي التمتع ، جاز الأكل منه.

ويستحب أن لا يأخذ الإنسان شيئا من جلود الهدايا ، والضحايا ، بل يتصدق بها كلّها ، ويكره أن يعطيها الجزار.

ومن لم يجد الأضحية ، جاز له أن يتصدّق بثمنها ، فإن اختلفت أثمانها ، نظر إلى الثمن الأول ، والثاني ، والثالث ، وجمعها ، ثم يتصدق بثلثها.

ويكره للإنسان أن يضحي بكبش قد تولى تربيته.

باب الحلق والتقصير

يستحب للإنسان ، أن يحلق رأسه بعد الذبح ، وهو مخير بين الحلق ،

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج الباب ٣١ من أبواب الذبح.

٦٠٠