كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

منهما الفداء ، على ما روي في بعض الأخبار (١) والذي يقتضيه أصول المذهب ، انّ الذي لم يصب ، ولم يقتل ، لا كفارة عليه ، إلا أن يكون دل القاتل ، ثم رمى معه ، فأخطأ فتكون الكفارة للدلالة ، لا لرميه ، فأما إذا لم يدل ، فلا كفارة عليه بحال.

وإذا قتل اثنان صيدا ، أحدهما محل ، والآخر محرم في الحرم ، كان على المحرم الفداء والقيمة ، وعلى المحل فداء واحد ، والمحرم عليه فداءان.

ومن ذبح صيدا في الحرم ، وهو محل ، كان عليه دم ، لا غير.

وإذا أوقد جماعة نارا ، فوقع فيها طائر ، ولم يكن قصدهم وقوع الطائر فيها ، ولا الاصطياد بها ، كان عليهم كلّهم فداء واحد ، وإن كان قصدهم ذلك ، كان على كل واحد منهم الفداء.

وفي فراخ النعام ، مثل ما في النعام ، على ما روي (٢) ، وروي مثل سنه (٣) ، وهو الذي يقتضيه الأصول ، والأظهر ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، فإنّ ظاهر التنزيل دليل عليه.

وإذا أصاب المحرم بيض نعام ، فعليه أن يعتبر حال البيض ، فإن كان قد تحرك فيه الفرخ ، كان عليه عن كل بيضة من صغار الإبل ، وروي بكارة من الإبل (٤) ، قال ابن الأعرابي في نوادره : يقال بكار بلا هاء ، تثبت فيها للإناث ، وبكارة بإثبات الهاء للذكران.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : فلا يظن ظان أن البكارة الأنثى من الإبل ، وانّما البكارة جمع بكر بفتح الباء ، فأوجب الشارع ، في كل بيضة قد تحرك فيها

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٢٠ من أبواب كفارات الصيد ، ح ١ و ٢.

(٢) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٢٤ من أبواب كفارات الصيد ، ح ١ و ٤.

(٣) لم نجد الرواية في كتب الأحاديث لكن الشيخ رحمه‌الله قال به في الخلاف في مسألة ٢٦٢ من كتاب الحج ، والسيد المرتضى رحمه‌الله في كتابه جمل العلم والعمل وقال في الجواهر في كتاب الحج في باب الكفارات : لم نقف على هذا الحديث.

(٤) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٢٤ من أبواب كفارات الصيد ، ح ١ و ٤.

٥٦١

الفرخ ، واحدا من هذا الجمع.

وإن لم يكن قد تحرك فعليه أن يرسل فحولة الإبل في إناثها ، بعدد البيض ، فما نتج كان هديا لبيت الله تعالى ، والمعتبر في الإرسال ، وعدد الإبل ، الإناث تكون بعدد البيض ، لا الفحول ، فلو أرسل فحل واحد في عشر إناث ، لم يكن به بأس ، فإن لم يقدر على ذلك ، كان عليه عن كل بيضة شاة ، يذبح الشاة ، أو ما نتج ، إن كان حاجا ، في منى ، وإن كان معتمرا بمكة ، فإن لم يقدر على الشاة ، كان عليه إطعام عشرة مساكين ، عن كل بيضة ، فإن لم يقدر على ذلك ، كان عليه صيام ثلاثة أيام عن كل بيضة أيضا.

وإذا اشترى محل لمحرم بيض نعام فأكله المحرم ، كان على المحلّ لكل بيضة درهم ، وعلى المحرم عن كل بيضة شاة ، ولا يجب عليه الإرسال هاهنا ، وكل ما يصيبه المحرم من الصيد في الحلّ ، كان عليه الفداء لا غير ، وإن أصابه في الحرم ، كان عليه جزاءان معا ، لأنّه جمع بين الإحرام والحرم.

وذهب السيد المرتضى إلى أن من صاد متعمدا وهو محرم في الحل ، كان عليه جزاءان ، فإن كان ذلك منه في الحرم ، وهو محرم عامدا إليه ، تضاعف ما كان يجب عليه في الحلّ.

ومن ضرب بطير على الأرض ، وهو محرم في الحرم ، فقتله ، كان عليه دم ، وقيمتان ، قيمة لحرمة الحرم ، وقيمة لاستصغاره إياه ، وكان عليه التعزير.

ومن شرب لبن ظبية في الحرم ، كان عليه دم وقيمة اللبن معا ، على ما روي في بعض الأخبار (١) وقد ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢).

وما لا يجب فيه دم ، مثل العصفور وما أشبهه ، إذا أصابه المحرم في الحرم ،

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٥٤ من أبواب كفارات الصيد ، ح ١.

(٢) النهاية : كتاب الحج باب ما يجب على المحرم من الكفارة.

٥٦٢

كان عليه قيمتان.

وإذا صاد المحرم في الحرم ، كان عليه جزاءان ، أو القيمة مضاعفة ، إن كان له قيمة منصوصة.

وقال بعض أصحابنا وهو شيخنا أبو جعفر في نهايته : وما يجب فيه التضعيف ، هو ما لم يبلغ بدنة ، فإذا بلغ ذلك ، لم يجب عليه غير ذلك (١) وباقي أصحابنا أطلقوا القول ، وأوجبوا التضعيف ، إذا جمع الصفتين ، الإحرام وكونه في الحرم ، سواء بلغ بدنة ، أو لم يبلغ.

ووافق شيخنا أصحابه في مسائل الخلاف فإنه قال : وصيد الحرم ، إذا تجرد عن الإحرام ، يضمن ، فان كان القاتل محرما ، تضاعف الجزاء ، وإن كان محلا لزمه جزاء واحد (٢) ، وأطلق القول بذلك ، واستدل بإجماع الطائفة ، وطريقة الاحتياط ، والذي يقوى عندي مضاعفة الكفارة.

وكلّما تكرر من المحرم الصيد ، كان عليه الكفارة ، سواء كان ذلك منه نسيانا أو عمدا ، وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : إذا كان ذلك منه نسيانا ، فإن فعله متعمدا ، مرّة ، كان عليه الكفارة ، وإن فعله مرتين ، فهو ممّن ينتقم الله منه ، وليس عليه الجزاء (٣). وذهب في مسائل الخلاف ، إلى تكرار الكفارة ، بالدفعات الكثيرة ، سواء كان عامدا ، أو ناسيا (٤) وهو الأظهر في المذهب ، ويعضده ظاهر التنزيل (٥) ، ومن تمسّك من أصحابنا بالآية وقوله تعالى : ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) ليس فيها ما يوجب إسقاط الجزاء ، لأنّه لا يمتنع أن يكون بالمعاودة ينتقم الله منه ، وإن لزمه الجزاء ، لأنّه لا تنافي بينهما ، وتحمل الآية على عمومها ، لأنّه تعالى قال ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ

__________________

(١) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم من الكفارة.

(٢) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٢٧٨.

(٣) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم من الكفارة.

(٤) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٢٥٩.

(٥) المائدة : ٩٥.

٥٦٣

النَّعَمِ ) ولم يفرّق بين الأوّل والثاني ، وقوله بعد ذلك ومن عاد فينتقم الله منه ، لا يوجب إسقاط الجزاء ، لأنّه لا يمتنع أن يكون بالمعاودة ، ينتقم الله منه ، وإن لزمه الجزاء ، على ما قدّمناه ، والمخصّص يحتاج إلى دليل ، وما له منصوص ، يجب فيه ما نصّ عليه ، فإن فرضنا ان يحدث ما لا نصّ فيه ، رجعنا فيه إلى قول عدلين ، على ما يقتضيه ظاهر القرآن ، وما له مثل ، تلزم قيمته وقت الإخراج ، دون الإتلاف ، وما لا مثل له ، يلزم قيمته حال الإتلاف ، دون حال الإخراج ، لأن حال الإتلاف ، وجب عليه قيمته ، فالاعتبار بذلك ، دون حال الإخراج ، لأنّ القيمة قد استقرت في ذمّته.

الجوارح من الطير ، كالبازي ، والصقر ، والشاهين ، والعقاب ، ونحو ذلك ، والسباع من البهائم ، كالنمر ، والفهد ، وغير ذلك ، لا جزاء في قتل شي‌ء منه ، لأنّ الأصل ، براءة الذمة ، فمن علّق عليها شيئا ، فعليه الدليل.

ومن وجب عليه جزاء صيد أصابه ، وهو محرم ، فإن كان حاجّا ، أو معتمرا عمرة متمتعا بها إلى الحج ، نحر ، أو ذبح ما وجب عليه ، بمنى ، وإن كان معتمرا ، عمرة مبتولة ، نحر بمكة ، أو ذبح قبالة الكعبة ، فإن أراد أن ينحر ، أو يذبح بمنى ، نحر أي مكان شاء منها ، وكذلك بمكة ، ينحر حيث شاء ، غير أنّ الأفضل ، أن ينحر قبالة الكعبة ، في الموضع المعروف بالحزورة.

ومن قتل صيدا وهو محرم ، في غير الحرم ، كان عليه ، فداء واحد ، فإن أكله ، كان عليه فداء آخر ، على ما روي (١) وقال بعض أصحابنا : عليه قيمة ما أكل ، أو شرب من اللبن.

والمحل إذا قتل صيدا في الحرم ، كان عليه فداؤه ، وإذا جمع بينهما تضاعف.

وإذا كسر المحرم قرني الغزال ، كان عليه نصف قيمته ، فإن كسر أحدهما ، كان عليه ربع القيمة ، فإن فقأ عينيه ، كان عليه القيمة ، فإن فقأ واحدة منهما ،

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج الباب ٥٥ من أبواب كفارات الصيد ، ح ٢.

٥٦٤

كان عليه نصف القيمة ، فإن كسر إحدى يديه ، كان عليه نصف قيمته ، فإن كسرهما جميعا كان عليه قيمته ، فإن كسر إحدى رجليه ، كان عليه نصف قيمته ، فإن كسرهما جميعا ، كان عليه قيمته ، فإن قتله ، لم يكن عليه أكثر من قيمة واحدة.

وإذا أصاب المحرم بيض القطا ، أو القبج ، أو الدراج ، فعليه أن يعتبر حال البيض ، فإن كان قد تحرك فيه الفراخ ، كان عليه عن كلّ بيضة مخاض من الغنم ، نريد بالمخاض ، ما يصح أن يكون ماخضا ولا يريد به الحامل ، فان لم يكن تحرك فيه شي‌ء ، كان عليه أن يرسل فحولة الغنم في إناثها ، بعدد البيض ، فما نتج كان هديا لبيت الله تعالى ، فإن لم يقدر ، كان حكمه حكم بيض النعام ، عند تعذر الإرسال ، هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته (١) ، وقد وردت بذلك أخبار (٢) ، ومعنى قوله : حكمه حكم بيض النعام ، انّ النعام إذا كسر بيضه ، فتعذّر الإرسال ، وجب في كل بيضة شاة ، والقطا إذا كسر بيضه ، وتعذر إرسال الغنم ، وجب في كلّ بيضة شاة ، فهذا وجه المشابهة بينهما ، فصار حكمه حكمه ، عند تعذر الإرسال ، ولا يمتنع ذلك ، إذا قام الدليل عليه.

وقال شيخنا المفيد في مقنعته (٣) ومن وطأ بيض نعام ، وهو محرم ، فكسره ، كان عليه أن يرسل فحولة الإبل على إناثها ، بعدد ما كسر من البيض ، فما نتج منها ، كان المنتوج ، هديا لبيت الله عزوجل ، فإن لم يقدر على ذلك ، كفر عن كل بيضة ، بإطعام ستين مسكينا ، فإن لم يجد الإطعام ، صام عن كل بيضة شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين ، صام ثمانية عشر يوما ، عوضا عن إطعام كلّ عشرة مساكين ، بصيام ثلاثة أيام ، فإن وطأ بيض القبح ، أو الدراج ، أرسل من فحولة الغنم على إناثها ، بعدد المكسور من البيض ،

__________________

(١) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم من الكفارة.

(٢) الوسائل : كتاب الحج الباب ٢٣ من أبواب كفارات الصيد.

(٣) المقنعة : كتاب الحج ، باب الكفارات ص ٤٣٦ ، ولا يخفى عدم مطابقة المصدر مع ما نقله عنه.

٥٦٥

فما نتج ، كان هديا لبيت الله عزوجل ، فإن لم يجد ، ذبح عن كلّ بيضة شاة ، فان لم يجد ، أطعم عن كل بيضة ، عشرة مساكين ، فإن لم يقدر على ذلك ، صام عن كل بيضة ثلاثة أيام.

وقال : ومن قتل زنبورا ، وهو محرم ، كفر عن ذلك بتمرة ، وكذلك إن قتل جرادة ، فإن قتل جرادا كثيرا ، كفر بمد من تمر ، وإن كان قليلا كفر بكف من تمر ، فشيخنا المفيد ، ما جعل بيض القبج ، والدراج ، والقطا ، إذا فقد الإرسال ، حكمه حكم بيض النعام ، وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته : حكمه ، حكم بيض النعام (١) على ما حكيناه عنه ، وقدّمناه ، وحرّرناه ، وشرحناه ، وذلك إذا فقد الإرسال ، وقد بيّنا ما يلزم.

من كسر بيض الحمام ، وينبغي أن يعتبر حاله ، فإن كان قد تحرك فيه الفرخ ، لزمه عن كلّ بيضة حمل ، وقال بعض أصحابنا : شاة ، وإن لم يكن قد تحرك ، لم يكن عليه إلّا القيمة ، حسب ما قدّمناه.

ومن رمى صيدا فأصابه ولم يؤثر فيه ، ومشى مستويا ، لم يكن عليه شي‌ء ، فليستغفر الله (٢) فإن لم يعلم هل أثر فيه أم لا ، ومضى على وجهه ، كان عليه الفداء ، فإن أثّر فيه ، بأن دماه ، وكسر يده ، أو رجله ، ثم رآه بعد ذلك ، وقد صلح ، كان عليه ربع الفداء ، وقال بعض أصحابنا ، وهو شيخنا أبو جعفر في نهايته : ولا يجوز لأحد أن يرمي الصيد ، والصيد يؤمّ الحرم ، وإن كان محلا ، فإن رماه أو أصابه ، ودخل الحرم ، ثم مات ، كان لحمه حراما ، وعليه الفداء (٣) وهذا غير واضح ، والأظهر الذي يقتضيه أصول المذهب ، أنّ الصيد الذي هو محرّم ، على المحرم وعلى المحل ، صيد الحرم ، دون سائر الأرض ، وهذا ليس بمحرّم ولا الصيد في الحرم ، فكيف يلزمه فداء ، وهو مخالف لما عليه الإجماع ، وانّما أورد

__________________

(١) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم من الكفارة.

(٢) ج : واستغفر.

(٣) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم من الكفارة.

٥٦٦

هذا شيخنا إيرادا ، لا اعتقادا ، على ما وجده في أخبار الآحاد.

ومن ربط صيدا بجنب الحرم ، فدخل الحرم ، صار لحمه وثمنه حراما ، ولا يجوز له إخراجه منه ، ولا التعرض به (١) وقد روي أنّ من أصاب صيدا ، وهو محلّ فيما بينه وبين الحرم ، على بريد ، كان عليه الجزاء (٢) والأظهر خلاف هذا ، ولا يلتفت إلى هذه الرواية ، لأنّها من أضعف أخبار الآحاد ، وقد قدّمنا ما ينبّه على مثل هذا ، فلا وجه لإعادته.

والمحلّ إذا كان في الحرم ، فرمى صيدا في الحل ، كان عليه الفداء ، ومن أصاب جرادة فعليه أن يتصدّق بتمرة ، فإن أصاب جرادا كثيرا أو أكله كان عليه دم شاة.

ومن قتل جرادا ، على وجه لا يمكنه التحرّز منه ، بأن يكون في طريقه ، ويكون كثيرا ، لم يكن عليه شي‌ء.

وكل صيد يكون في البحر ، فلا بأس بأكله طريه ومملوحة ، وقال بعض أصحابنا : ومالحه ، وهذا لا يجوز في لغة العرب.

وكل صيد يكون في البر والبحر معا ، فإن كان مما يبيض ويفرّخ في البحر ، فلا بأس بأكله ، وإن كان مما يبيض ويفرّخ في البر ، لم يجز صيده ولا أكله.

وإذا أمر السيد غلامه الذي ، هو مملوكه ، بالصيد كان على السيد الفداء ، وإن كان الغلام محلا.

ولا بأس أن يقتل الإنسان جميع ما يخافه في الحرم ، وإن كان محرما ، مثل السباع ، والهوام ، والحيات ، والعقارب ، وقد روي أنّ من قتل أسدا لم يرده ، كان عليه كبش (٣) والصحيح أنّه لا شي‌ء عليه.

ولا يجوز للمحرم أن يقتل البق ، والبراغيث ، وما أشبهها في الحرم ، فإن

__________________

(١) ج : له.

(٢) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٣٢ من أبواب كفارات الصيد ، ح ١ و ٢.

(٣) مستدرك الوسائل : ج ٢ كتاب الحج ، الباب ٢٨ من أبواب الكفارات ، ح ١. والباب ٣٩ كتاب الحج من أبواب كفارات الوسائل ح ١.

٥٦٧

كان محلا لم يكن به بأس.

وكل ما يجوز للمحل ذبحه أو نحره في الحرم ، كان أيضا ذلك للمحرم جائزا مثل الإبل ، والبقر ، والغنم ، والدجاج الحبشي.

وكل ما يدخله المحرم الحرم ، أسيرا من السباع ، أو اشتراه فيه ، فلا بأس بإخراجه ، مثل السباع ، والفهود ، وما أشبهها.

وإذا اضطر المحرم إلى أكل الميتة ، والصيد ، اختلف أصحابنا في ذلك ، واختلفت الأخبار أيضا ، فبعض قال : يأكل الميتة ، وبعض قال : يأكل الصيد ، ويفديه ، وكل منهما أطلق مقالته ، وبعض قال : لا يخلو الصيد ، إمّا أن يكون حيا ، أو لا ، فإن كان حيا ، فلا يجوز له ذبحه ، بل يأكل الميتة ، لأنّه إذا ذبحه ، صار ميتة بغير خلاف. فأمّا إن كان مذبوحا فلا يخلو ذابحه ، إمّا أن يكون محرما أو محلا ، فإن كان محرما ، فلا فرق بينه وبين الميتة. وإن كان ذابحه محلا ، فإن ذبحه في الحرم ، فهو ميتة أيضا ، وإن ذبحه في الحل ، فإن كان المحرم المضطر قادرا على الفداء ، أكل الصيد ، ولم يأكل الميتة ، وإن كان غير قادر على فدائه ، أكل الميتة ، وهذا الذي يقوى في نفسي ، لأنّ الأدلة تعضده ، وأصول المذهب تؤيده ، وهو الذي اختاره شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في استبصاره (١) وذكر في نهايته أنّه يأكل الصيد ، ويفديه ، ولا يأكل الميتة ، فإن لم يتمكن من الفداء ، جاز له أن يأكل الميتة (٢).

قال محمّد بن إدريس : والأقوى عندي ، أنّه يأكل الميتة على كل حال ، لأنّه مضطر إليها ، ولا عليه في أكلها كفارة ، ولحم الصيد ممنوع منه لأجل الإحرام على كل حال ، لأنّ الأصل براءة الذمة من الكفارة.

__________________

(١) الإستبصار : كتاب الحج ، باب من اضطر إلى أكل الميتة والصيد ، باب ١٣٥.

(٢) النهاية : كتاب الحج ، باب ما يجب على المحرم من الكفارة.

٥٦٨

وإذا ذبح المحرم صيدا في غير الحرم ، أو ذبحه محل في الحرم ، لم يجز أكله ، وكان حكمه حكم الميتة سواء.

وكل ما أتلفه المحرم ، من عين حرم عليه إتلافها ، فعليه مع تكرار الإتلاف ، تكرار الفدية ، سواء كان ذلك في مجلس واحد ، أو في مجالس ، كالصيد الذي يتلفه من جنس واحد ، أو أجناس مختلفة ، وسواء كان قد فدى العين الأولى ، أو لم يفدها ، عامدا كان ، أو ناسيا ، وهذا حكم الجماع بعينه ، إلا في النسيان ، وأمّا ما لا نفس له كالشعر ، والظفر ، فحكم مجتمعة ، بخلاف حكم متفرقة ، في قص أظفار اليدين والرجلين مجتمعة ، ومتفرقة ، فأمّا إذا اختلف النوع ، كالطيب واللبس ، فالكفارة واجبة عن كل نوع منه ، وإن كان المجلس واحدا. وهذه جملة كافية في هذا الباب ، مثال الأول : الصيد ، فعلى أيّ وجه فعله ، دفعة أو دفعتين ، أو دفعة بعد دفعة ، في وقت أو وقتين ، فعن كل صيد جزاء ، بلا خلاف ، وكذلك حكم الجماع ، إلا في النسيان ، ومثال الثاني : حلق الشعر ، وتقليم الأظفار ، فإن حلق دفعة واحدة ، فعليه فدية واحدة ، وإن فعل ذلك في أوقات ، حلق بعضه بالغداة ، وبعضه الظهر ، وبعضه العصر ، فعليه لكلّ فعل كفارة ، وكذلك حكم اللباس والطيب.

باب دخول مكة والطواف بالبيت

يستحب للمحرم إذا أراد دخول الحرم أن يكون على غسل ، إن تمكن من ذلك ، فإن لم يتمكن جاز له أن يؤخّر الغسل إلى بعد الدخول ، ثمّ يغتسل ، إمّا من بئر ميمون بن الحضرمي ( وهي بأبطح مكة ، وكان حفرها في الجاهليّة ، وأخوه العلاء بن الحضرمي ، واسم الحضرمي ، عبد الله بن ضماد ، من حضر موت وكان حليفا لبني أميّة ) ، أو من فخ ، وهي على رأس فرسخ من مكة ، إذا كان قادما من طريق المدينة ، على ما قدّمناه ، فإن لم يتمكن اغتسل في مكة ، بالموضع الذي ينزل فيه.

٥٦٩

ويستحب أيضا لمن أراد دخول الحرم ، أن يمضغ شيئا من الإذخر ، مكسور الأول ، ليطيب به فمه.

وإذا أراد دخول مكة ، فليدخلها من أعلاها ، إن كان جائيا من طريق المدينة ، وإذا أراد الخروج منها ، خرج من أسلفها.

ويستحب أن لا يدخل مكة إلّا على غسل أيضا ، ويستحب له أن يخلع نعليه ، ويمشي حافيا على سكينة ووقار.

وإذا أراد دخول المسجد الحرام اغتسل أيضا استحبابا ، ويستحب أن يدخل المسجد من باب بني شيبة ، وقد روي أنّ هبل الصنم ، مدفون تحت عتبة باب بني شيبة ، فسن الدخول منها ، ليطأ ويدخله حافيا استحبابا ، على سكينة ووقار.

فإذا أراد الطواف بالبيت ، فليفتتحه من الحجر الأسود ، فإذا دنا ، منه رفع يديه ، وحمد الله ، وأثنى عليه ، وصلّى على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويستحب له أن يستلم الحجر ، ويقبّله ، وحقيقة استلام الحجر ، وتقبيله ، فهي ما قال السيد المرتضى ، استلام الحجر هو غير مهموز ، لأنّه افتعال من السّلام ، التي هي الحجارة ، واستلامه انّما هو مباشرته ، وتقبيله ، والتمسح به ، وحكى ثعلب وحده في هذه اللفظة ، الهمزة ، وجعله وجها ثانيا لترك (١) الهمزة ، وفسّره بأنّه اتخذه جنّة وسلاحا ، من اللأمة ، وهو الدرع ، وما هذا الوجه الذي حكاه ثعلب ، في هذه اللفظة إلا مليح ، إذا كان مسموعا. فأمّا الغرض في استلام الحجر ، فهو أداء العبادة ، وامتثال أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتأسّي بفعله ، لأنّه أمر عليه‌السلام باستلام الحجر ، والعلّة في هذه العبادة ، على سبيل الجملة ، هي مصلحة للمكلّفين ، وتقريبهم من الواجب ، وترك القبيح ، وان كنّا لا نعلم (٢) الوجه على سبيل التفصيل ، فإن لم يستطع أن

__________________

(١) ج : وان كان لا يعلم.

(٢) ط ، ج : لثبوت.

٥٧٠

يستلم الحجر ، ويقبله ، استلمه بيده ، فإن لم يقدر على ذلك أيضا ، أشار بيده إليه ، وقال : « أمانتي أديتها ، وميثاقي تعاهدته ، لتشهد لي بالموافاة ، اللهم تصديقا بكتابك » إلى آخر الدعاء.

ثم يطوف بالبيت سبعة أشواط ، ويستحب أن يقول في طوافه : « اللهم إنّي أسألك باسمك الذي يمشى به على ظلل الماء ، كما يمشى به على جدد الأرض » وكلّما انتهيت إلى باب الكعبة ، صلّيت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودعوت ، فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة ، وهو المستجار ، دون الركن اليماني بقليل ، في الشوط السابع ، بسطت يديك على البيت ، وألصقت خدّك ، وبطنك ، بالبيت ، وقلت : « اللهم البيت بيتك ، والعبد عبدك » إلى آخر الدعاء المذكور ، في كتب المناسك والعبادات ، فإن لم يقدر على ذلك ، لم يكن عليه شي‌ء ، لأنّ ذلك مندوب.

وقال شيخنا أبو جعفر ، في نهايته : بسطت يديك على الأرض ، وألصقت خدّك وبطنك بالبيت (١) وانّما ورد بهذا اللفظ حديث ، فأورده على جهته ، وورد حديث آخر بما اخترناه ، أورده رحمه‌الله في تهذيب الأحكام وهو معاوية بن عمار ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا فرغت من طوافك ، وبلغت مؤخر الكعبة ، وهو بحذاء المستجار ، دون الركن اليماني بقليل ، فابسط يديك على البيت ، وألصق بطنك وخدّك بالبيت ، وقل : « اللهم البيت بيتك ، والعبد عبدك ، وهذا مقام العائذ بك من النار » ثمّ أقر لربك بما عملت ، فإنّه ليس من عبد مؤمن ، يقر لربه بذنوبه ، في هذا المكان ، إلّا غفر الله له ، إن شاء الله (٢). فلو أورد شيخنا رحمه‌الله في نهايته ، هذا الحديث ، مكان ذلك الحديث ، كان حسنا (٣) ، لأنّ في ذلك اشتباها.

__________________

(١) النهاية : كتاب الحج ، باب دخول مكة والطواف بالبيت.

(٢) التهذيب : كتاب الحج ، باب الطواف ، ح ٢١.

(٣) ج : كان أجود.

٥٧١

ويجب عليه أن يختم الطواف بالحجر الأسود كما بدأ به.

ويستحب له أن يستلم الأركان كلّها ، وأشدها تأكيدا ، الركن الذي فيه الحجر ، ثم الركن اليماني.

وينبغي أن يكون الطواف بالبيت ، فيما بين مقام إبراهيم عليه‌السلام ، والبيت ، يخرج المقام في طوافه ، ويدخل الحجر في طوافه ، ويجعل الكعبة على شماله ، فمتى أخلّ بهذه الكيفية ، أو بشي‌ء منها ، بطل طوافه.

ويستحب أن يكون الطواف على سكون ، لا سرع فيه ولا ابطأ (١).

ومن طاف بالبيت ستة أشواط ناسيا ، وانصرف ، فليضف إليها شوطا آخر ، ولا شي‌ء عليه ، فإن لم يذكر حتى يرجع إلى أهله ، أمر من يطوف عنه الشوط الباقي ، فإن ذكر أنّه طاف أقل من سبعة ، وذكر في حال السعي ، رجع ، فتمم ، إن كان طوافه أربعة أشواط ، فصاعدا ، وإن كان أقل منه استأنف الطواف ، ثم عاد إلى السعي ، فتمّمه.

ومن شك في طوافه ، وكان شكه فيما دون السبعة ، وهو في حال الطواف ، قبل انصرافه منه ، فإن كان طواف فريضة ، وجب عليه الإعادة ، وإن كان نافلة ، بنى على الأقل ، وإن كان شكه بعد الانصراف من حاله ، لم يلتفت إليه ، ومضى على طوافه.

ومن طاف ثمانية أشواط ، متعمدا ، وجبت عليه الإعادة.

ومن طاف على غير طهارة ، ناسيا أو متعمدا ، وجبت عليه الإعادة.

ومن ذكر في الشوط الثامن ، قبل أن يتمّمه ، ويبلغ الركن ، أنّه طاف سبعا ، قطع الطواف ، وإن لم يذكر ، حتى يجوزه فلا شي‌ء عليه ، وكان طوافه صحيحا.

ومن شك ، فلم يعلم سبعة طاف ، أم ثمانية ، قطع الطواف ، وصلّى الركعتين ، وليس عليه شي‌ء.

ولا يجوز أن يقرن بين طوافين ، في فريضة ، ولا بأس بذلك ، في النوافل ، وذلك على جهة تغليظ الكراهة ، في الفرائض ، دون الحظر ، وفساد الطواف ،

__________________

(١) ج : لا سرعة فيه ولا بطء.

٥٧٢

وإن كان قد ورد : لا يجوز القران بين طوافين في الفريضة (١) فإنّ الشي‌ء إذا كان شديد الكراهة ، قيل لا يجوز ، ويعرف ذلك بقرائن ، وشاهد حال.

ومن أحدث في طواف الفريضة ، ما ينقض طهارته ، وقد طاف بعضه ، فإن كان قد جاز النصف ، فليتطهر ، ويتمم ما بقي ، وإن كان حدثه قبل أن يبلغ النصف ، فعليه اعادة الطواف من أوله.

ومن قطع طوافه بدخول البيت ، أو بالسّعي في حاجة له ، أو لغيره ، فإن كان قد جاز النصف ، بنى عليه ، وإن لم يكن جاز النصف ، وكان طواف الفريضة ، أعاد الطواف ، وإن كان طواف نافلة ، بنى عليه ، على كلّ حال.

كان قد جاز النصف ، بنى عليه ، وإن لم يكن جاز النصف ، وكان طواف الفريضة ، أعاد الطواف ، وإن كان طواف نافلة ، بنى عليه ، على كل حال.

ومن كان في الطواف ، فتضيّق عليه وقت الصلاة المكتوبة ، فالواجب عليه قطعه ، والإتيان بالمكتوبة ، ثم يتمم الطّواف ، من حيث انتهى اليه ، فإن لم يتضيّق الوقت ، بل دخل عليه ، وهو في الطّواف ، فالمستحبّ له ، الإتيان بالصلاة ، ثم يتمم الطّواف ، وإن تمم الطواف ، ثمّ صلّى ، فلا بأس.

والمريض الذي يستمسك الطّهارة ، فإنّه يطاف به ، ولا يطاف عنه ، وإن كان مرضه مما لا يمكنه معه (٢) استمساك الطهارة ، ينتظر به ، فان صلح ، طاف هو بنفسه ، وإن لم يصلح ، طيف عنه ، ويصلّي هو الركعتين ، وقد أجزأه.

ومن طاف بالبيت أربعة أشواط ، ثم مرض ، ينتظر به يوم ، أو يومان ، فإن صلح ، تمم طوافه ، وإن لم يصلح ، أمر من يطوف عنه ، ما بقي عليه ، ويصلّي هو الركعتين ، وإن كان طوافه أقل من ذلك وبرأ ، أعاد الطواف من أوله ، وإن لم يبرأ ، أمر من يطوف عنه أسبوعا.

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٣٦ من أبواب الطواف.

(٢) ج : لا يمكنه مع.

٥٧٣

ومن حمل غيره ، فطاف به ، ونوى لنفسه أيضا الطواف ، كان ذلك مجزئا عنه.

ولا يجوز للرجل أن يطوف بالبيت ، وهو غير مختون ، على ما روى أصحابنا في الأخبار (١) ولا بأس بذلك للنساء.

ولا يجوز للإنسان أن يطوف ، وفي ثوبه شي‌ء من النجاسة ، ولا على بدنه ، سواء كانت النجاسة قليلة ، أو كثيرة ، دما ، أو غيره ، وسواء كان الدم دون الدرهم ، أو درهما فصاعدا ، لأنّ العموم ، يجب العمل به ، حتى يقوم دليل الخصوص ، ولا مخصّص هاهنا ، وحمل هذا الموضع ، على الصلاة قياس ، ونحن لا نقول به ، فإن لم يعلم بالنجاسة ، ورآها في حال الطواف ، رجع فغسل ثوبه ، إن كانت عليه ، أو بدنه ، إن كانت فيه ، ثم عاد فتمم طوافه ، فإن علم بعد فراغه من الطواف ، كان طوافه جائزا ، ويصلّي في ثوب طاهر.

ومن نسي طواف الزيارة ، الذي هو طواف الحجّ ، لأنّ أصحابنا يسمون طواف الحجّ ، طواف الزيارة ، حتى رجع (٢) إلى أهله ، ووطأ النساء ، وجبت عليه بدنة ، على ما روي (٣) ، والأظهر أنّه لا شي‌ء عليه من الكفارة ، لأنّه في حكم الناسي ، بل الواجب عليه ، الرجوع إلى مكة ، وقضاء طواف الزيارة ، مع تمكنه من الرجوع ، فإن لم يتمكن ، فليستنب من يطوف عنه ، وإن كان طواف النساء هو المنسيّ ، وذكر بعد رجوعه إلى أهله ، جاز له أن يستنيب غيره فيه ، مع التمكن ، والاختيار ، فإن أدركه الموت ، قضي عنه.

ومن طاف بالبيت ، جاز له أن يؤخر السعي ، إلى بعد ساعة ، ولا يجوز له أن يؤخر ذلك ، إلى غد يومه.

ولا يجوز أن يقدّم السعي على الطواف ، فإن قدّم سعيه على الطواف ، كان

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٣٩ من أبواب الطواف.

(٢) ج : يرجع.

(٣) الوسائل : كتاب الحج الباب ٥٨ من أبواب الطواف ، ح ١.

٥٧٤

عليه أن يطوف ، ثم يسعى بين الصفا والمروة ، فإن طاف بالبيت أشواطا ، ثم قطعه ناسيا ، وسعى بين الصفا والمروة ، كان عليه أن يتمم طوافه ، وليس عليه استئنافه ، فإن ذكر أنّه لم يكن أتم طوافه ، وقد سعى بعض السعي ، قطع السعي ، وعاد ، فتمم طوافه ، ثم تمم السعي.

والمتمتع إذا أهلّ بالحج ، لا يجوز له أن يطوف ويسعى ، إلا بعد أن يأتي منى ، ويقف بالموقفين ، وقد روي أنّه إذا كان شيخنا كبيرا ، لا يقدر على الرجوع إلى مكة ، أو مريضا ، أو امرأة تخاف الحيض ، فيحول (١) بينها وبين الطواف ، فإنّه لا بأس بهم ، أن يقدّموا طواف الحج والسعي ، والأظهر ترك العمل بهذه الرواية ، فإنّ شيخنا أبا جعفر أوردها في نهايته (٢) إيرادا ، ورجع عنها في مسائل خلافه ، فقال : روى أصحابنا ، رخصة في تقديم الطواف والسعي ، قبل الخروج إلى منى وعرفات (٣).

وأمّا المفرد والقارن ، فحكمهما حكم المتمتع ، في أنهما لا يجوز لهما تقديم الطواف ، قبل الوقوف بالموقفين ، على الصحيح من الأقوال ، لأنّه لا خلاف فيه ، وقد روي (٤) أنّه لا بأس بهما ، أن يقدما الطواف قبل أن يأتيا عرفات ، وأمّا طواف النساء فإنّه لا يجوز إلا بعد الرجوع من منى ، مع الاختيار ، فإن كان هناك ضرورة تمنعه من الرجوع إلى مكة ، أو امرأة تخاف الحيض ، جاز لهما تقديم طواف النساء ، ثم يأتيان الموقفين ومنى ، ويقضيان مناسكهما ، ويذهبان حيث شاءا ، على ما روي في بعض الأخبار (٥) ، والصحيح خلاف ذلك ، لأنّ الحج مرتب بعضه على بعض ، لا يجوز تقديم المؤخر ، ولا تأخير المقدّم.

__________________

(١) ج : ان يحوّل.

(٢) النهاية : كتاب الحج ، باب دخول مكة والطواف بالبيت.

(٣) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ١٧٥.

(٤) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ١٤ من أبواب أقسام الحج.

(٥) الوسائل : كتاب الحج ، باب ٦٤ من أبواب الطواف.

٥٧٥

ولا يجوز تقديم طواف النساء على السعي ، فمن قدمه عليه ، كان عليه إعادته ، وإن قدمه ناسيا ، أو ساهيا ، لم يكن عليه شي‌ء ، وقد أجزأه ، ولا بأس أن يعوّل الإنسان على صاحبه ، في تعداد الطواف ، وإن تولى ذلك بنفسه ، كان أفضل ، ومتى شكا جميعا في عدد الطواف ، استأنفا من أوّله ، وقد روي أنه لا يجوز للرجل أن يطوف ، وعليه برطلة (١) ، وذلك محمول على الكراهة ، إن كان ذلك في طواف الحج ، لأنّ له أن يغطي رأسه في هذا الطواف ، فأمّا طواف العمرة المتمتع بها إلى الحج ، فلا يجوز له تغطية رأسه.

ويستحب للإنسان أن يطوف بالبيت ، ثلاثمائة وستين أسبوعا ، فإن لم يتمكن من ذلك طاف ثلاثمائة وستين شوطا فان لم يتمكن طاف ما تيسر منه.

وقد روي ، أنّه من نذر أن يطوف على أربع ، كان عليه أن يطوف طوافين ، أسبوع ليديه ، وأسبوع لرجليه (٢) والأولى عندي ان نذره لا ينعقد ، لأنّه غير مشروع ، وإذا لم يكن مشروعا ، فلا ينعقد ، وانعقاده يحتاج إلى دليل شرعي ، لأنّه حكم شرعي ، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، لأنّ الرسول عليه‌السلام ، قال (٣) : كل شي‌ء لا يكون على أمرنا ، فهو ردّ (٤) ، وهذا خلاف سنّة الرسول عليه‌السلام.

فإذا فرغ الإنسان من طوافه ، أتى مقام إبراهيم ، بفتح الميم ، ومن الاستيطان بضمّ الميم ، ويصلّي فيه ركعتين ، يقرأ في كل ركعة منهما الحمد ، وسورة ممّا تيسّر له من القرآن ، ما عدا سورة العزائم.

وركعتا طواف الفريضة ، فريضة ، مثل الطواف ، على الصحيح من أقوال أصحابنا ، وقد ذهب شاذ منهم إلى أنهما مسنونان ، والأظهر الأول ، ويعضده قوله

__________________

(١) الوسائل : كتاب الحج ، باب ٦٧ من أبواب الطواف.

(٢) الوسائل : كتاب الحج ، باب ٧٠ من أبواب الطواف.

(٣) صحيح البخاري : ج ٣ ، ص ٩١ باب ٦٠ ، ح ١ ، مع اختلاف يسير.

(٤) ط. فهو مردود.

٥٧٦

تعالى : ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) (١) والأمر في عرف الشرع ، يقتضي الوجوب ، عندنا ، بغير خلاف بيننا ، وموضع المقام حيث هو الساعة ، وهي سنة سبع وثمانين وخمسمائة.

فمن نسي هاتين الركعتين ، أو صلاهما في غير المقام ، ثمّ ذكرهما ، فليعد إلى المقام ، فليصلّ فيه ، ولا يجوز له أن يصلّي في غيره ، فإن خرج من مكة ، وكان قد نسي ركعتي الطواف ، وأمكنه الرجوع إليها ، رجع ، وصلّى عند المقام ، وإن لم يمكنه الرجوع ، صلّى حيث ذكر ، وليس عليه شي‌ء ، وإذا كان في موضع المقام ، زحام ، فلا بأس أن يصلّي خلفه ، فإن لم يتمكن من الصلاة هناك ، فلا بأس أن يصلّي حياله.

ووقت ركعتي الطواف ، إذا فرغ منه ، أي وقت كان ، من ليل أو نهار ، سواء كان ذلك ، في الأوقات المكروهة لابتداء النوافل فيها ، أو في غيرها.

ومن نسي ركعتي الطواف ، فأدركه الموت ، قبل أن يقضيهما ، كان على وليّه القضاء عنه.

ومن دخل مكة ، يدخلها على أربعة أقسام : أحدها : يدخلها لحج ، أو عمرة ، فلا يجوز أن يدخلها إلا بإحرام ، بلا خلاف.

والثاني : يدخلها لقتال ، عند الحاجة الداعية إليه ، جاز أن يدخلها محلا ، كما دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عام الفتح ، وعليه المغفر ، على رأسه ، بلا خلاف.

الثالث : لحاجة لا تتكرر ، مثل تجارة ، وما جرى مجراها ، فلا يجوز عندنا أن يدخلها إلا بإحرام ، إذا كان قد مضى شهر ، من وقت خروجه منها ، فإن كان أقل من شهر ، فإنّه يجوز أن يدخلها بغير إحرام.

الرابع : يدخلها لحاجة تتكرر ، مثل الرعاة ، والحطابة ، وغيرهما ، جاز لهم ، أن يدخلوها عندنا بغير إحرام.

__________________

(١) البقرة : ١٢٥.

٥٧٧

باب السعي وأحكامه

السعي بين الصفا والمروة ، ركن من أركان الحجّ ، فمن تركه (١) ، فلا حجّ له ، والأفضل ، إذا فرغ من الطواف ، أن يخرج إلى السعي ، ولا يؤخره.

ولا يجوز تقديم السعي على الطواف ، فإن قدّمه لم يجزه ، وكان عليه الإعادة ، فإذا أراد الخروج إلى الصفا ، استحب له ، استلام الحجر الأسود ، بجميع بدنه ، وأن يأتي زمزم ، فيشرب من مائها ، ويصب على بدنه ، دلوا منه ، ويكون ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر ، وليخرج من الباب المقابل للحجر الأسود ، حتى يقطع الوادي ، فإذا صعد الى الصفا ، نظر إلى البيت ، واستقبل الركن الذي فيه الحجر ، وحمد الله ، وأثنى عليه ، وذكر من آلائه ، وبلائه ، وحسن ما صنع به ، ما قدّر عليه ، ويستحب له أن يطيل الوقوف على الصفا ، فإن لم يمكنه ، وقف بحسب ما تيسّر له ، ودعا بما تيسر له ، من الأدعية ، فإنّها كثيرة ، مذكورة مورودة ، في كتب المناسك ، والأدعية ، والعبادات ، لم نوردها هاهنا ، مخافة التطويل ، والصعود على الصفا ، غير واجب ، بل الواجب ، السعي بن الصفا والمروة ، وكذلك صعود المروة ، غير واجب ، ثم ينحدر إلى المروة ، ماشيا ، أو راكبا ، والمشي أفضل ، فإذا انتهى إلى الموضع الذي يرمل فيه ، أي يهرول فيه ، والرمل الإسراع ، وهو أن يملأ فروجه ، استحب له السعي فيه ، والسعي هو الإسراع الذي ذكرناه ، فإذا انتهى إلى آخره ، كفّ عن السعي ، ومشى مشيا ، فإذا جاء من عند المروة ، مشى مشيا ، فإذا وصل إلى موضع السعي ، سعى فيه ، فإذا قطعه ، كفّ عن السعي ، ومشى مشيا ، والسعي هو أن يسرع الإنسان في مشيه ، إن كان ماشيا ، وإن كان راكبا ، حرّك دابته ، في الموضع الذي ذكرناه ، وذلك على الرجال ، دون النساء.

__________________

(١) في ط وج : تركه متعمدا.

٥٧٨

وقطع مسافة ما بين الصفا والمروة ، فريضة ، وركن ، على ما قدّمناه ، فمن تركه متعمدا ، فلا حج له ، ومن تركه ناسيا ، كان عليه إعادة السعي ، لا غير ، فإن خرج من مكة ، ثم ذكر أنّه لم يكن قد سعى ، وجب عليه الرجوع ، وقطع ما بين الصفا والمروة ، فان لم يتمكن من الرجوع ، جاز له أن يأمر من يسعى عنه ، وإن ترك الرمل ، بفتح الراء والميم ، وقد فسّرناه ، لم يكن عليه شي‌ء.

ويجب البدأة بالصفا ، قبل المروة ، والختم بالمروة ، فمن بدأ بالمروة قبل الصفا ، وجب عليه إعادة السعي.

والسعي المفروض ما بين الصفا والمروة ، سبع مرّات ، فمن سعى أكثر منه متعمدا ، فلا سعي له ، ووجب عليه إعادته ، فإن فعل ذلك ناسيا ، أو ساهيا ، طرح الزيادة ، واعتد بالسبعة.

وليس من شرطه الطهارة ، كما كان ذلك من شرط الطواف.

ومتى سعى ثماني مرات ، ويكون قد بدأ بالصفا ، فإن شاء أن يضيف إليها شيئا (١) فعل ، وإن شاء أن يقطع ، قطع ، وإن سعى ثماني مرات ، وهو عند المروة ، أعاد السعي ، لأنّه بدأ من المروة ، وكان يجب عليه البدأة بالصفا ، يعني بالمرات ، الأشواط ، دون الوقفات ، لأنّه لو أريد بذلك الوقفات ، كان سعيه صحيحا ، لأنّ آخر وقفة ، وهي الثامنة تكون على المروة ، وذلك صحيح ، وهو الواجب ، فيحصل له أربع وقفات على الصفا ، وأربع على المروة ، بينهما سبعة أشواط ، وانّما المراد بذلك ، الأشواط ، فيكون في الشوط الثامن ، على المروة ، فيكون قد بدأ بها ، وذلك لا يجوز ، فلأجل ذلك ، وجب عليه إعادة السعي.

ومن سعى تسع مرات ، وكان عند المروة في التاسعة ، فليس عليه إعادة السعي ، لأنّه بدأ بالصفا ، وختم بالمروة ، كما أمر الله تعالى ، والمرات هاهنا ، على ما قدّمناه.

__________________

(١) ج : ستّا.

٥٧٩

ومتى سعى الإنسان أقل من سبع مرات ، ناسيا ، وانصرف ، ثم ذكر أنّه نقص منه شيئا ، رجع ، فتمّم ما نقص ، منه ، فإن لم يعلم كم نقص منه ، وجب عليه إعادة السعي.

وإن كان قد واقع أهله قبل إتمامه السعي ، وجب عليه دم بقرة ، وكذلك إن قصّر أو قلّم أظفاره ، كان عليه دم بقرة ، وإتمام ما نقص (١) ، إذا فعل ذلك عامدا.

ولا بأس أن يجلس الإنسان بين الصفا والمروة ، في حال السعي للاستراحة ، ولا بأس أن يقطع السعي ، لقضاء حاجة له ، أو لبعض إخوانه ، ثمّ يعود ، فيتمم ما قطع عليه.

ومن نسي الهرولة في حال السعي ، حتّى يجوز موضعه ، ثمّ ذكر ، فليرجع القهقرى ، إلى المكان الذي يهرول فيه ، استحبابا.

ومتى فرغ من سعي العمرة المتمتع بها إلى الحج ، وهو هذا السعي ، قصّر ، فإذا قصّر ، أحلّ من كل شي‌ء أحرم منه ، من النساء ، والطيب ، وغير ذلك ، ممّا حرم عليه ، لأجل الإحرام ، لأنّه ليس في العمرة المتمتع بها ، طواف النساء ، وأدنى التقصير ، أن يقصّ أظفاره ، أو شيئا من شعره ، وإن كان يسيرا ، ولا يجوز له أن يحلق رأسه كلّه ، فإن فعله ، كان عليه دم شاة ، فإذا كان يوم النحر ، أمرّ الموسى على رأسه وجوبا ، حين يريد أن يحلق ، هذا إذا كان حلقه متعمدا ، فإن كان حلقه ناسيا ، لم يكن عليه شي‌ء ، فإذا حلق بعض رأسه لا كلّه ، فقد قصّر أيضا على ما ذكره ، شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطة (٢) وفي نهايته (٣) ما منع إلا من حلق رأسه كله.

فإن نسي التقصير ، حتى يهل بالحج ، فلا شي‌ء عليه ، وقد روي أنّ عليه دم شاة ، وقد تمت متعته (٤) فإن تركه متعمدا ، فقد بطلت متعته ، وصارت حجته

__________________

(١) في ط : ما نقص من السعي.

(٢) المبسوط : كتاب الحج ، فصل في السعي وأحكامه.

(٣) النهاية : كتاب الحج ، باب السعي بين الصفا والمروة.

(٤) الوسائل : كتاب الحج ، الباب ٦ من أبواب التقصير ، ح ٢.

٥٨٠