كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

والأول هو الأظهر والأصح ، وإليه ذهب في اقتصاده (١) وصوم الصمت ، وصوم نذر المعصية ، وصوم الدهر.

باب الاعتكاف

الاعتكاف في اللغة ، هو اللبث الطويل ، وفي عرف الشرع ، هو طول اللبث للعبادة ، وله شروط ثلاثة ، أحدها يرجع إلى الفاعل ، وثانيها يرجع إلى الفعل ، وثالثها يرجع إلى البقعة.

فالراجع إلى الفاعل ، هو أن يكون مسلما ، بالغا ، عاقلا ، لأنّ من كان بخلاف ذلك ، لا يصح اعتكافه.

وما يرجع إلى الفعل ، فهو أن يكون مع طول اللبث ، صائما ، فإن كان الاعتكاف واجبا ، كان الصوم واجبا ، لأنّه من توابعه وشروطه ، وإن كان مندوبا كان الصوم مندوبا ، وقد يشتبه على كثير من المتفقهة من أصحابنا ، فيظن أنّ صوم الاعتكاف على كل حال واجب ، لأنّ الصوم شرط في انعقاد الاعتكاف.

والراجع إلى البقعة ، هو أن يكون الاعتكاف ، في مساجد مخصوصة ، وهي أربعة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد النبي عليه‌السلام ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة.

وقد ذهب بعض أصحابنا وهو ابن بابويه ، إلى أنّ أحد الأربعة ، مسجد المدائن ، وجعل مسجد البصرة رواية ، ويحسن في هذا الموضع ، قول اقلب تصب ، لأنّ الأظهر بين الطائفة ، ما قلناه أولا ، فإن كانت قد رويت بمسجد المدائن رواية ، فهي في حيّز الآحاد (٢). ومن شاذ الأحاديث.

ولا ينعقد الاعتكاف في غير هذه المساجد ، لأنّ من شرط المسجد الذي ينعقد فيه الاعتكاف ، عند أصحابنا ، أن يكون صلّى فيه نبيّ ، أو إمام عادل ،

__________________

(١) الاقتصاد : كتاب الصوم ، في ذكر أقسام الصوم ، ص ٢٩٣ والعبارة في المصدر هكذا ( وصوم الوصال كذلك يجعل عشاه سحوره أو يطوي يومين ) الطبع الحديث

(٢) ط : فهي من خبر الآحاد.

٤٢١

جمعة بشرائطها ، وليست إلا هذه التي ذكرناها.

وحكم المرأة وحكم الرجل في هذا الباب سواء ، ولا يصح اعتكافها في مسجد بيتها.

قال السيد المرتضى ، في كتابه الانتصار : وممّا انفردت به الإمامية ، القول بأنّ الاعتكاف لا ينعقد إلا في مسجد صلّى فيه إمام عدل بالناس ، الجمعة ، وهي أربعة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك. ثم ذكر أقاويلهم ، ثمّ قال : وذهب حذيفة إلى أنّ الاعتكاف لا يصح ، إلا في ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام ، ومسجد الرسول عليه‌السلام ، ومسجد إبراهيم عليه‌السلام (١).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : مسجد إبراهيم عليه‌السلام ، هو مسجد الكوفة ، ذكر ذلك في كتاب الكوفة.

والاعتكاف أصل في نفسه في الشرع ، دون أن يكون له أصل يردّ إليه ، والاعتكاف على ضربين ، واجب وندب ، فالواجب ما أوجبه الإنسان على نفسه بالنذر ، أو العهد ، والمندوب هو ما يبتدئه ، من غير إيجاب على نفسه ، فالمندوب لا يجب المضي فيه بعد الدخول ، والتلبس به ، بل أيّ وقت أراد المكلّف الرجوع فيه ، جاز له ذلك ، ويكون الصوم له بنية الندب ، دون نيّة الوجوب ، لأنّ عندنا ، العبادة المندوب إليها ، لا تجب بالدخول فيها ، بخلاف ما يذهب إليه أبو حنيفة ، ما خلا الحج المندوب ، فإنّه يجب بالدخول فيه ، وحمل باقي المندوبات عليه قياس ، ونحن لا نقول به.

فأمّا الواجب ، من قسمي الاعتكاف ، فإنّه على ضربين ، مقيّد نذره بزمان ، وغير مقيّد نذره بزمان ، فالمقيّد بزمان ، إذا شرط ناذره العود فيه ، إن عرض له ما يمنعه منه ، وعرض ذلك ، فله العود فيه والرجوع ، ولا يجب عليه إتمامه ، ولا قضاؤه ، ولا كفارة عليه ، لأنّ شرطه ، لم يصادف صفته ، فما حصل شرط النذر على صفته.

__________________

(١) الانتصار : كتاب الصوم ، مسألة ١٧.

٤٢٢

فأمّا إذا لم يشرط فيه العود ، إن عرض العارض ، فحينئذ يجب عليه إتمامه ، ولا يجب عليه استئنافه ، ولا يجب عليه كفارة.

فأمّا إذا لم يكن اعتكافه ونذره ، مقيّدا بزمان بعينه ، بل شرط فيه التتابع ، فإن شرط على ربّه تعالى فيه ، فله البناء والإتمام ، دون الاستئناف ، وإن لم يشرط ، وعرض العارض ، فيجب عليه استئنافه ، دون البناء عليه ، ولا يجب عليه كفارة.

فإن كان نذره غير متعيّن بزمان ، ولا شرط فيه التتابع ، بل أطلقه من الأمرين معا ، فمتى اعتكف أقل من ثلاثة أيام متتابعة ، فيجب عليه الاستئناف ، ويراعي فيه ثلاثة ثلاثة ، ولا كفارة عليه إذا أفطر فيه.

ومتى أراد الإنسان أن يعتكف فلا يعتكف أقل من ثلاثة أيام ، فإنّه لا اعتكاف في الشريعة أقل من ذلك ، وأكثره لا حدّ له ، إذا كان الزمان يصح فيه الصوم ، ومن شرط صحته الصوم ، سواء كان الصوم واجبا ، أو مندوبا ، فإن كان الاعتكاف واجبا ، كان الصوم واجبا مثله ، وإن كان الاعتكاف مندوبا ، فالصوم يكون مندوبا ، وقد يلتبس على كثير من أصحابنا ، هذه المسألة ، ويذهب إلى أنّ الصوم في الاعتكاف واجب ، سواء كان الاعتكاف واجبا ، أو مندوبا ، لأجل مسطور ، ولفظ محتمل ، يجده في النهاية ، فإنّ شيخنا أبا جعفر الطوسي رحمه‌الله قال : ولا بدّ أن يصوم واجبا ، لأنّه لا اعتكاف إلا بصوم (١). ولما عدّد في الجمل والعقود ، الصوم الواجب ، قال : وصوم الاعتكاف واجب (٢) وهذا كلام محتمل ، ولفظ عام وعموم ، والعموم قد يخصّ بالأدلة ، فيخص قوله : بأنّ الاعتكاف ، إذا كان منذورا واجبا ، كان الصوم واجبا (٣).

__________________

(١) النهاية : باب الاعتكاف.

(٢) الجمل والعقود : فصل في ذكر أقسام الصوم ومن يجب عليه ، رقم ١١ من أقسام الصوم الواجب والعبارة هكذا : وصوم الاعتكاف على وجه.

(٣) ط : بأنّ الاعتكاف إذا كان مندوبا كان الصوم مندوبا ، وإن كان واجبا كان الصوم واجبا.

٤٢٣

وقد رجع شيخنا ، في مسائل الخلاف ، وحقّق القول في المسألة ، فقال : مسألة : لا يصح الاعتكاف إلا بصوم ، أيّ صوم كان ، عن نذر ، أو رمضان ، أو تطوعا ، ثم قال : دليلنا إجماع الفرقة (١). فدلّ بالإجماع على المسألة ، فعلم أنّه أراد في نهايته ما قلناه.

وقال السيد المرتضى ، في مسائل الطبريات : المسألة الخامسة والثلاثون والمائة : من شرع في الاعتكاف ، ثم أفسده ، لزمه القضاء ، قال السيد المرتضى : الذي نقوله في هذه المسألة ، ليس يخلو الاعتكاف من أن يكون واجبا بالنذر ، أو تطوعا ، فإن كان واجبا ، لزم مع إفساده القضاء ، وإن كان تطوعا ، لم يلزمه القضاء ، لأنّ التطوع لا يجب عندنا بالدخول فيه هذا آخر كلام المرتضى رضي‌الله‌عنه.

فإذا تحقق وتقرر ما شرحناه ، فما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته (٢) ، وفي مبسوطة (٣) ، من قوله : فمن اعتكف ثلاثة أيام ، كان فيما زاد عليها بالخيار ، إن أراد أن يزداد ، ازداد ، وإن أراد أن يرجع ، رجع فإن صام بعد الثلاثة الأيام ، يومين آخرين ، لم يجز له الرجوع ، وكان عليه إتمام ثلاثة أيام أخر ، فإن كان قد زاد يوما واحدا ، جاز له أن يفسخ الاعتكاف. وهذه أخبار آحاد ، لا يلتفت إليها ، ولا يعرج عليها.

وينبغي للمعتكف ، أن يشرط على ربه في حال ما يعزم على الاعتكاف ، كما يشرط في حال الإحرام ، بأنّه إن عرض له عارض ، جاز له أن يرجع فيه ، أيّ وقت شاء ، فإن لم يشرط لم يكن له الرجوع فيه ، إلا أن يكون أقل من يومين ، فإن مضى عليه يومان ، وجب عليه تمام ثلاثة أيام ، حسب ما قدّمناه ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في النهاية (٤) ، والأصل ما قدّمناه ، وشرحناه ، وحررناه.

والأولى بالمعتكف ، أن يجتنب جميع ما يجتنبه المحرم ، إلا ما خرج بالدليل ،

__________________

(١) الخلاف : كتاب الاعتكاف ، مسألة ٢

(٢) النهاية : باب الاعتكاف.

(٣) المبسوط : كتاب الاعتكاف ، في فصل أقسام الاعتكاف

(٤) النهاية : باب الاعتكاف.

٤٢٤

من النساء والطيب ، والرياحين ، والكلام الفحش ، والمماراة ، والبيع ، والشراء ، ولا يفعل شيئا من ذلك.

وقال شيخنا أبو جعفر ، في جمله وعقوده : ويجب عليه تجنب ما يجب على المحرم تجنبه (١) وقال في مبسوطة : وقد روي أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم ، وذلك مخصوص بما قلناه ، لأنّ لحم الصيد لا يحرم عليه ، وعقد النكاح مثله (٢). هذا آخر كلامه في مبسوطة ، فجعله رواية ، وفي الجمل جعله دراية. والأولى ، أن لا يحرم عليه ما يحرم على المحرم ، إلا ما قام الدليل عليه.

ولا يجوز له أن يخرج من المسجد الذي اعتكف فيه ، إلا لضرورة ، تدعوه إلى ذلك ، من تشييع أخ مؤمن ، أو جنازة ، أو عيادة مريض ، أو قضاء حاجة ، لا بدّ له منها ، فمتى خرج لشي‌ء من هذه الأشياء التي ذكرناها ، فلا يقعد في موضع ، ولا يمشي تحت الظلال ، ولا يقف فيها ، إلا عند ضرورة إلى ذلك ، إلى أن يعود إلى المسجد.

ولا يصلّي المعتكف في غير المسجد الذي اعتكف فيه ، إلا بمكة خاصة ، فإنّه يجوز له أن يصلّي بمكة ، في أيّ بيوتها شاء.

ومتى اعتل المعتكف ، فله أن يخرج من المسجد إلى بيته ، فإذا برئ ، قضى اعتكافه ، وصومه ، على التفصيل الذي فصلناه أولا وشرحناه.

واعتكاف المرأة ، كاعتكاف الرجل سواء ، وحكمها حكمه ، في جميع الأشياء ، فإن حاضت ، خرجت من المسجد ، فإذا طهرت ، عادت ، وقضت الاعتكاف والصوم.

ولا يجوز للمعتكف ، مواقعة النساء ، لا بالليل ، ولا بالنهار ، فمتى واقع الرجل امرأته ، وهو معتكف ، ليلا ، كان عليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان ، فإن كانت مواقعته لها بالنهار ، في شهر رمضان ، أو في غيره ، كان عليه

__________________

(١) الجمل والعقود : فصل في ذكر الاعتكاف واحكامه ، رقم ٣ من شروط صحة الاعتكاف.

(٢) المبسوط : كتاب الاعتكاف ، فصل في ما يمنع الاعتكاف منه وما لا يمنع.

٤٢٥

كفارتان ، فإن كانت المرأة معتكفة بإذنه ، ووطأها ليلا مكرها لها كان عليه كفارتان ، ولا يبطل اعتكافها ، ولا كفارة عليها ، وإن كانت مطاوعة له ، كان عليها كفارة ، وفسد اعتكافها ، وعليه مثلها ، وإن كان وطؤه لها بالنهار ، مكرها لها ، كان عليه أربع كفارات ، وإن كانت مطاوعة له ، على الفعال ، لم يتحمل كفارتها ، وكان عليها كفارتان وعليه كفارتان ، وفسد اعتكافهما ، ووجب عليهما استئنافه.

ولا يجوز للمرأة أن تعتكف تطوعا ، إلا بإذن زوجها ، ولا للعبد ، والأمة ، إلا بإذن السيد.

وإذا مرض المعتكف ، واضطر إلى الخروج منه ، خرج ، فإن زال العذر ، رجع ، فبنى على ما مضى ، من اعتكافه.

وإذا باع المعتكف ، فالظاهر أنّه لا ينعقد ، لأنّه منهيّ عنه.

والنظر في العلم ، ومذاكرة أهله ، لا يبطل الاعتكاف ، وهو أفضل من الصلاة تطوعا ، عند جميع الفقهاء.

ولا يفسد الاعتكاف جدال ، ولا خصومة ولا سباب ، ولا بيع ولا شراء ، وإن كان لا يجوز له فعل ذلك أجمع ، هكذا أورده شيخنا في مبسوطة (١).

والأولى عندي ، انّ جميع ما يفعله المعتكف ، من القبائح ، ويتشاغل به ، من المعاصي ، والسيئات ، يفسد اعتكافه ، فأمّا ما يضطر إليه ، من أمور الدنيا ، من الأفعال المباحات ، فلا يفسد به اعتكافه ، لأنّ حقيقة الاعتكاف في عرف الشرع ، هو اللبث للعبادة ، والمعتكف اللابث للعبادة ، إذا فعل قبائح ، ومباحات ، لا حاجة إليها ، فما لبث للعبادة ، وخرج من حقيقة المعتكف ، اللابث للعبادة ، وانّما أورد شيخنا في مبسوطة ، كلام المخالفين ، وفروعهم ، وما يصح عندهم ، ويقتضيه مذهبهم ، لأنّ هذا الكتاب معظمه فروع المخالفين.

__________________

(١) المبسوط : كتاب الاعتكاف ، فصل في ما يفسد الاعتكاف وما يلزمه من الكفارة.

٤٢٦

كتاب الزكاة

٤٢٧

كتاب الزكاة

فصل في حقيقة الزكاة وما تجب فيه

وبيان شروطها

الزكاة في اللغة ، هي النمو ، يقال : زكا الزرع ، إذا نما ، وزكا الفرد ، إذا صار زوجا ، فشبه (١) في الشرع ، إخراج بعض المال زكاة ، لما يؤول إليه من زيادة الثواب ، وقيل أيضا : إنّ الزكاة هي التطهير ، لقوله تعالى : ( أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً ) (٢) أي طاهرة من الذنوب ، فشبه (٣) إخراج المال زكاة ، من حيث تطهر ما بقي ، ولو لا ذلك ، لكان حراما ، من حيث أنّ فيه حقا للمساكين ، وقيل أيضا : تطهير المالك من مآثم منعها.

ومدار الزكاة على أربعة فصول : أحدها : ما تجب فيه الزكاة ، وبيان أحكامه. وثانيها : من تجب عليه الزكاة وبيان شروطه ، وثالثها مقدار ما تجب فيه. (٤) ورابعها : بيان المستحق وكيفية القسمة.

فأمّا الذي تجب فيه الزكاة ، فتسعة أشياء : الإبل ، والبقر ، والغنم ، والدنانير ، والدراهم ، والحنطة ، والعلس ( بالعين المفتوحة غير المعجمة ، واللام المفتوحة ، والسين غير المعجمة ضرب من الحنطة ، إذا ديس ، بقي كل حبتين في كمام ، ثم لا يذهب ذلك حتى يدق ، أو يطرح في رحى خفيفة ، ولا يبقى بقاء الحنطة ، وبقاؤها في كمامها ، ويزعم أهلها أنّها إذا هرست ، أو طرحت في

__________________

(١) ج ، ط : قسمي

(٢) الكهف : ٧٤.

(٣) ج ، ط : قسمي

(٤) ج : وثانيها مقدار ما تجب فيه ، وثالثها من تجب عليه. وفي المطبوع : ثانيها مقدار ما تجب فيه الزكاة وبيان شروطه. وثالثها من تجب عليه الزكاة.

٤٢٨

رحى خفيفة ، خرجت على النصف ، فإذا اجتمع عنده حنطة ، وعلس ، ضمّ بعضه إلى بعض ، لأنّها كلّها حنطة ) والشعير ، والسلت ( بضمّ السين غير المعجمة ، واللام المسكنة ، والتاء المنقطة ، بنقطتين من فوقها ، وهو شعير ، فيه ما في الشعير ، فإذا اجتمع عنده شعير وسلت ، ضمّ بعضه إلى بعض ، لأنه كلّه شعير ، لونه لون الشعير ، وطعمه طعمه ، إلا أنّ حبّه أصغر من حب الشعير ) ، والتمر والزبيب.

وشروط وجوب الزكاة في هذه الأجناس التسعة ، أن يكون مالكها حرا ، بالغا ، كامل العقل موسرا ، وحدّ اليسار : ملك النصاب ، وأن يكون في يد مالكه ، وهو غير ممنوع من التصرف فيه. ولا زكاة في المال الغائب عن صاحبه ، الذي لا يتمكن من الوصول إليه ، ولا زكاة في الدين ، إلا أن يكون تأخّر قبضه ، من جهة مالكه ، وأن يكون بحيث متى رامه قبضه.

وقال بعض أصحابنا ، وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله : وشروط وجوب الزكاة من هذه الأجناس ، ستة ، اثنان يرجعان إلى المكلف ، وأربعة ترجع إلى المال ، فما يرجع إلى المكلّف : الحرية ، وكمال العقل ، وما يرجع إلى المال : الملك والنصاب ، والسوم ، وحئول الحول. وينبغي أن يلحق شرطا سابعا ، فيما يرجع إلى المكلّف ، وهو إمكان التصرف طول الحول ، فيصير ثلاثة ترجع إلى المكلّف ، فالحرية شرط في الأجناس كلّها ، لأنّ المملوك لا يجب عليه الزكاة ، لأنّه لا يملك شيئا ، وكمال العقل شرط في الدنانير ، والدراهم فقط ، فامّا ما عداهما ، فإنّه يجب فيه الزكاة ، وإن كان مالكها ليس بعاقل ، من الأطفال ، والمجانين ، والصحيح من المذهب ، الذي تشهد بصحته ، أصول الفقه والشريعة ، أنّ كمال العقل ، شرط في الأجناس التسعة ، على ما قدّمناه أولا ، واخترناه ، وهو مذهب السيد المرتضى رحمه‌الله ، والشيخ الفقيه سلار ، والحسن بن أبي عقيل العماني ، في كتابه ، كتاب المتمسك بحبل آل الرسول ، وهذا الرجل وجه من وجوه أصحابنا ، ثقة ، فقيه ، متكلّم ، كثيرا كان يثني عليه شيخنا المفيد ، وكتابه

٤٢٩

كتاب حسن كبير ، هو عندي ، قد ذكره شيخنا أبو جعفر في الفهرست ، وأثنى عليه. وقد ذهب إليه أيضا ، أبو علي محمد بن أحمد بن الجنيد ، الكاتب ، الإسكافي ، وهذا الرجل ، جليل القدر ، كبير المنزلة ، صنّف وأكثر ، ذكره في كتابه ، مختصر الأحمدي للفقه المحمدي ، وانما قيل له الإسكافي ، منسوب إلى إسكاف ، وهي مدينة النهروانات ، وبنو الجنيد ، متقدّموها قديما ، من أيام كسرى ، وحين ملك المسلمون العراق ، في أيام عمر بن الخطاب ، فأقرهم عمر على تقدّم المواضع ، والجنيد هو الذي عمل الشاذروان على النهروانات في أيام كسرى ، وبقيته إلى اليوم ، مشاهدة موجودة ، والمدينة يقال لها إسكاف بني الجنيد ، قد ذكره المرتضى رحمه‌الله ، في جمل العلم والعمل (١) الذي اختار فيه ، وحقق ، وعقد ، وجمل أصول الديانات ، وأصول الشرعيات.

والدليل على صحّة ذلك من وجوه كثيرة : أحدها ظاهر كتاب الله تعالى ، وهو قوله سبحانه ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) (٢) فكان ظاهر الخطاب في الزكاة ، متوجها إلى من توجّه إليه في الصلاة ، لاقترانهما في الظاهر ، واجتماعهما في معنى التوجّه بالاتفاق ، فلمّا بطل توجه الخطاب في الصلاة ، إلى المجانين والأطفال ، بطل توجهه إليهم في الزكاة ، كما بيّناه ، وقوله تعالى في الأمر لرسوله عليه‌السلام بأخذ الزكاة ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) (٣) والطفل لا ذنب له ، فتكون الصدقة تطهيرا له منه ، والمجنون لا جرم له ، فتكون التزكية كفارة له عنه ، وهذا بين بحمد الله ، لمن تدبره ، وترك تقليد ما يجده في بعض الكتب.

وأيضا فالخطاب في جميع العبادات ، ما توجّه ، إلا إلى البالغين ، المكلّفين ، بغير خلاف ، فمن أدخل من لا يعقل ، في الخطاب ، يحتاج إلى دليل ، فإن فزع إلى الإجماع ، فلا خلاف بين أصحابنا ، أنّ في المسألة خلافا بين أصحابنا ،

__________________

(١) جمل العلم والعمل : المطبوع مع رسائل المرتضى ج ٣ ص ٧٤ فصل في شروط وجوب الزكاة.

(٢) البقرة : ١١٠

(٣) التوبة : ١٠٣.

٤٣٠

فبعض منهم ، يوجب الزكاة فيما عدا الدنانير والدراهم ، في أموال الأطفال ، والمجانين ، وبعض منهم لا يوجب ذلك ، والجميع متفقون على أنّه لا زكاة عليهم ، في الدنانير والدراهم ، وانّما اختلفوا فيما عدا الدنانير والدراهم ، فإذا فقدنا دليل الإجماع ، والأصل براءة الذمة من العبادات ، وانّما الخطاب لا يتوجه إلا إلى العقلاء ، وظاهر التنزيل من الآيتين المقدّم ذكرهما ، فلا معدل عن دليل الأصل ، وظاهر الكتاب إذا فقدنا الإجماع.

فإن قيل : فقد روي عن الرسول عليه‌السلام أنه قال : أمرت أن أخذ الصدقة ، من أغنيائكم ، فأردّها في فقرائكم (١). ولا خلاف أنّ الطفل ، والمجنون ، متى كان لهما مال ، فهما غنيان ، فيجب أخذ صدقتهما على كل حال.

فأوّل ما نقوله في ذلك ، أنّ هذا من أخبار الآحاد ، التي لا توجب علما ولا عملا ، على ما قدّمناه ، ثمّ لو سلمناه تسليم جدل ، قلنا : هذا دليل لنا على المسألة ، دون المخالف فيها ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واجه بخطابه البالغين ولم يواجه الأطفال والمجانين فظاهر الكلام على هذا الترتيب ، لا ينصرف عن المواجهين إلى غيرهم إلا بدليل ، والدليل يمنع من خالف القوم في الوصف ، وفارقهم في المعنى ، لعدم كمال العقل ، لاستحالة إرادتهم بالمواجهة ، والتفهيم ، والمخاطبة ، ووجوب كون الداخل في المواجهة له ، من حكم جواب المخاطبة ، ما كان لمن قصدهم المخاطب بالمواجهة ، مع قوله تعالى في الأمر له بأخذ الصدقات ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) (٢) والطفل لا ذنب له ، فتكون الصدقة تطهيرا له منه ، والمجنون لا جرم معه ، فتكون التزكية كفارة له عنه ، على ما أسلفنا القول في ذلك ، وشرحناه.

والملك شرط في الأجناس كلها وكذلك النصاب ، والسوم شرط في المواشي لا غير ، وحئول الحول شرط في المواشي ، والدراهم ، والدنانير ، لأنّ

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ج ١ ، ص ٢٣٣ مضمون الخبر

(٢) التوبة : ١٠٣.

٤٣١

الغلات لا يراعى فيها حئول الحول ، فهذه شرائط الوجوب.

وقال شيخنا أبو جعفر ، في جمله وعقوده (١) لا تجب الزكاة ، في الإبل إلا بشروط أربعة : الملك ، والنصاب ، والسوم ، وحئول الحول. وكذلك قال في البقر ، والغنم ، والذهب ، والفضة ، فإنّه قال : شروط زكاة الذهب والفضة أربعة : الملك ، والنصاب والحول ، وكونهما مضروبين دنانير ودراهم.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : الأظهر أن يزاد في شروط الإبل ، والبقر ، والغنم ، شرطان آخران ، وهما إمكان التصرف ، بلا خلاف بين أصحابنا ، وكمال العقل ، على الصحيح من المذهب ، على ما قدّمناه.

فأمّا الذهب والفضة ، فيزاد الشرطان ، بلا خلاف ، على رأي شيخنا (٢) وعند جميع أصحابنا ، لأنّ الذهب ، والفضة ، إذا كانا للأطفال ، والمجانين ، فلا خلاف بين أصحابنا ، أنّ الزكاة غير واجبة فيهما ، عليهما ، فإذن لا بدّ من اعتبار شروط ستة ، في الذهب والفضة ، فليلحظ ذلك ، فما المعصوم إلا من عصمه الله ، فانّ الخواطر لا تحضر في كل وقت ، والله الموفق للصواب.

فأمّا شرائط الضمان ، فاثنان : الإسلام ، وإمكان الأداء ، لأنّ الكافر وإن وجبت عليه الزكاة ، لكونه مخاطبا بالعبادات كلّها ، عندنا ، فلا يلزمه ضمانها إذا أسلم ، وإمكان الأداء ، لا بدّ منه ، لأنّ من لا يتمكن من الأداء ، وإن وجبت عليه ، ثمّ هلك المال ، لم يكن عليه ضمان ، ونحن نذكر الجميع ، في فصل ، ثمّ نذكر لكل جنس من ذلك ، بابا مفردا ، إن شاء الله.

فصل في الأصناف التي تجب فيها الزكاة على الجملة وكيفيّة ذلك

فرض الزكاة يتعلّق بثلاثة أصناف : الأموال الصامتة ، والحرث ، والأنعام.

__________________

(١) الجمل والعقود : كتاب الزكاة فصل في زكاة الإبل ، بزيادة ( وحئول الحول )

(٢) في ط وج : شيخنا.

٤٣٢

فأمّا فرض زكاة الصامتة ، فيختص بكل حر ، بالغ ، كامل العقل ، بشرط أن يكون الصامت ، بالغا نصابه ، حائلا عليه الحول ، من غير أن يتخلله نقصان ، ولا تبدلت (١) أعيانه ، متمكنا مالكه من التصرّف فيه ، بالقبض أو الاذن ، فإذا تكاملت هذه الشروط ، وبلغ العين عشرين مثقالا ، والورق مائتي درهم ، مضروبة ، منقوشة ، للتعامل ، فإذا تكسرت هذه المضروبة دنانير ودراهم ، وصارت قراضة ، فحكمها حكم الدنانير والدراهم ، لأنّها ليست حليا ، ولا سبائك ، وقد ذكر هذا شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مبسوطة ، في زكاة الغنم (٢).

ففي العين نصف دينار ، وفي الورق خمسة دراهم ، ولا شي‌ء فيما زاد على ذلك ، حتى تبلغ زيادة العين أربعة دنانير ، وزيادة الورق أربعين درهما ، فيكون في تلك عشر دينار ، وفي هذه درهم ، ثمّ على هذا الحساب بالغا ما بلغ العين والورق من كل عشرين مثقالا نصف مثقال ، ومن كل أربعة دنانير ، بعد العشرين عشر مثقال ، وفي كلّ مائتي درهم خمسة دراهم ، ومن كل أربعين درهما درهم ، ولا زكاة فيما بين النصابين.

ومن مسنون الزكاة تزكية البضائع ، إذا حال عليها الحول ، وهي تفي برأس المال ، أو زيادة ، تحسب ما ابتيعت به ، من عين أو ورق ، كزكاة العين والورق ، ومن ذلك أن يقرر ذو المال ، على ماله في كل جمعة ، أو في كل شهر ، شيئا معينا ، يخرجه في أبواب البرّ ، ومن ذلك افتتاح النهار ، وختامه بالصدقة ، وافتتاح السفر ، والقدوم منه بها ، وإعطاء السائل ، ولو بشق تمرة ، واصطناع ذوي اليسار الطعام في كلّ يوم ، أو كلّ جمعة ، أو كلّ شهر لذوي الفاقة من المؤمنين ، وتفقد مخلّفي المؤمن ، في غيبته ، وبعد وفاته ، وقرض ذي الحاجة ، وإنظاره إلى ميسرة وتحليل المؤمن بعد وفاته ، ممّا في ذمّته من الدين ، والتكفل به لمدينه.

__________________

(١) في ج ط : أن تتبدّل.

(٢) المبسوط : كتاب الزكاة ، فصل في زكاة الغنم ، ص ٢٠١ ( ولا يخفى ان ما يوجد فيه لا يكون بعين ما ذكره ).

٤٣٣

وأمّا فرض زكاة الحرث ، فمختص بالحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، دون سائر ما تخرجه الأرض ، من الحبوب ، والثمار ، والخضر ، إذا بلغ كل صنف منها بانفراده ، خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا ، والصاع تسعة أرطال بالبغدادي ، يكون ذلك ألفين وسبعمائة رطل ، بأوزان بغداد ، على كل من وجب عليه زكاة الدراهم والدنانير ، على ما قدّمنا القول فيه ، وشرحناه ، وقوّيناه بالأدلة ، وأوضحناه ، بعد المؤن التي تنمي الغلة بها ، وتزيد ، ولها فيها صلاح ، إمّا من حفاظ ، أو زيادة ريع فيها ، وبعد حق المزارع ، وخراج السلطان ، إن كانت الأرض خراجيّة ، أن يخرج منه ، إن كان سقى حرثه سيحا ، أو بعلا ، أو عذبا ، العشر ، وإن كان سقى بالغرب ، والنواضح ، فنصف العشر ، وإن سقى بعض مدّة الحاجة سيحا ، وبعض تلك المدة بالنواضح ، والغروب ، زكّى بأكثر المدّتين ، فان تساوت مدة الشربتين زكّى نصفه بالعشر ، ونصفه بنصف العشر ، ويزكّى ما زاد على النصاب ، بزكاته ، ولو كانت حفنة واحدة ، ولا يلزم (١) تكرير الزكاة فيه ، وإن بقي في ملك مزكّيه أحوالا.

ومن مسنون صدقة الحرث ، أن يزكّي كل ما دخل المكيال ، من الحبوب (٢) إذا بلغ كل جنس منها ، نصاب ما يجب فيه الزكاة ، وهو خمسة أوسق ، بالعشر ، أو نصف العشر ، فإن نقص عن ذلك ، تصدّق بما تيسر ، ومن ذلك الصدقة ، حين صرام النخل ، وقطاف الكرم ، وحصاد الزرع ، بالضغث من الزرع ، والضغثين ، والعذق بكسر العين ، والعذقين ، والعنقود من العنب ، والعنقودين ، فإذا صار الرطب تمرا ، والعنب زبيبا ، والغلة حبا ، وأراد المالك رفع ذلك ، تصدّق منه بالقبضة ، والقبضتين ، ومن ذلك إباحة عابر السبيل ، تناول اليسير ، مما تنبته الأرض ، من الثمار ، والمباطخ.

وأمّا فرض زكاة الأنعام ، فمتعين على كل من وجبت عليه زكاة الدنانير

__________________

(١) في ط وج : ولا يلزمه

(٢) في ط : من الحبوب والثمار

٤٣٤

والدراهم ، بشرط أن تكون سائمة ، ويبلغ كل جنس منها النصاب ، ويحول عليه الحول كاملا ، لا يتخلله نقصان ، ولا يتبدّل أعيانه ، ويكون المالك متمكنا من التصرف فيه طول الحول ، غير ممنوع منه بضلال ، أو اغتصاب ، ولكل منها حكم.

فأمّا الإبل فلا شي‌ء فيها ، حتى تبلغ خمسا ، ففيها شاة ، وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين ، أربع شياه ، وفي خمس وعشرين ، خمس شياه ، وفي ست وعشرين ، بنت مخاض ، وهي التي قد كملت حولا ، وسمّيت بصفة أمها المتمخضة بالحمل ، إلى خمس وثلاثين فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون ، وهي التي قد كملت حولين ، ودخلت في الثالث ، وسمّيت بأمها اللبون ، بأختها ، إلى خمس وأربعين فإذا بلغت ستا وأربعين ، ففيها حقة ، وهي التي قد كمل لها ، ثلاث سنين ، ودخلت في الرابعة ، وسمّيت بذلك من حيث يحق لها ، أن يطرقها الفحل ، ويحمل على ظهرها ، إلى ستين. فإذا بلغت احدى وستين ، ففيها جذعة بفتح الذال ، وهي التي قد كمل لها أربع سنين ، ودخلت في الخامسة ، إلى خمس وسبعين ، فإذا بلغت ستا وسبعين ، ففيها بنتا لبون إلى تسعين. فإذا زادت واحدة ، ففيها حقتان ، إلى مائة وعشرين. فإذا زادت على ذلك ، أسقط هذا الاعتبار ، واخرج من كل أربعين ، بنت لبون ، ومن كل خمسين حقة.

ومن وجبت عليه سن ، ولم تكن عنده ، وعنده أعلى منها بدرجة ، أخذت منه ، واعطي شاتين ، أو عشرين درهما فضة. وإن كان عنده أدنى منها بدرجة ، أخذت منه ، ومعها شاتان ، أو عشرون درهما. وقال بعض أصحابنا : وإن كان بينهما درجتان فأربع شياه. وإن كان ثلاث درج ، فست شياه ، أو ما في مقابلة ذلك ، من الدراهم ، وهذا ضرب من الاعتبار ، والقياس ، والمنصوص عن الأئمة عليهم‌السلام ، والمتداول من الأقوال ، والفتيا بين أصحابنا أنّ هذا الحكم فيما يلي السن ، الواجبة من الدرج ، دون ما بعد عنها ، وحكم البخت والنجب حكم الإبل العربية.

وأمّا زكاة البقر ، فلا شي‌ء فيها حتى تبلغ ثلاثين ، ففيها تبيع حولي ، أو

٤٣٥

تبيعة ، مخيّر بين الذكر والأنثى ، في النصاب الأول في البقر (١) ، إلى تسع وثلاثين ، فإذا بلغت أربعين ، ففيها مسنة ، ثمّ على هذا ، بالغا ما بلغت.

ولا يجوز إخراج الذكران في النصاب الثاني من البقر ، إلا بالقيمة ، من كل ثلاثين تبيع أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة ، وحكم الجواميس حكم البقر.

فأمّا زكاة الغنم ، فلا شي‌ء فيها حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغتها ، ففيها شاة ، إلى عشرين ومائة. فإذا زادت واحدة ، ففيها شاتان ، إلى مائتين. فإذا زادت واحدة ، ففيها ثلاث شياه ، إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت على ذلك ، أسقط هذا الاعتبار ، وأخرج من كل مائة شاة ، بالغا ما بلغت الغنم ، وحكم المعز حكم الضّأن.

وقال بعض أصحابنا : إذا زادت الغنم على ثلاثمائة واحدة ، ففيها أربع شياه ، إلى أربعمائة. فإذا بلغت أربعمائة ، أسقط هذا الاعتبار ، واخرج من كل مائة شاة ، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله ، والأول مذهب السيد المرتضى ، وشيخنا المفيد ، وسلار ، وغيرهم من المشيخة ، وهو الأظهر ، والأصح ويعضده أنّ الأصل براءة الذمة ، وأمّا الإجماع ، فغير منعقد على المسألة ، بل بين أصحابنا فيها خلاف ظاهر ، فما بقي إلا لزوم الأصول ، من حفاظ الأموال على أربابها ، وإخراجها من أيديهم يحتاج إلى دليل شرعي ، ويقوّي ذلك أيضا قوله تعالى : ( وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ) (٢). وقال شيخنا أبو جعفر رحمه‌الله ، في جمله وعقوده ، في فصل زكاة الغنم : العفو خمسة ، أولها تسعة وثلاثون ، والثاني ثمانون ، والثالث أيضا ثمانون ، وهو ما بين مائة واحد وعشرين ، إلى مائتين وواحدة.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : هذا سهو منه رحمه‌الله ، ووهم في الحساب ، لأنّ العفو الثالث تسعة وسبعون ، ثمانون إلا واحدة ، والسبر بيننا وبينه ، لأنّ الحساب كما يقال ، عبد صالح ، وسلار في رسالته قد حقّق ذلك ، وقال :

__________________

(١) ج : الأوّل الى

(٢) محمد : ٣٦.

٤٣٦

النصاب الثالث ، في الغنم ثمانون ، ونعم ما قال ، لأنّ تمام العفو الذي هو ثمانون إلا واحدة ، فإذا تمت واحدة ، صار ثمانين ، فكمل نصابا (١).

وقد يوجد في بعض نسخ الجمل والعقود (٢) ، العفو الثالث ثمانون ، إلا واحدة ، وخط المصنّف بيده ، ثمانون ، من غير استثناء ، وقد استدرك شيخنا في مبسوطة على نفسه فقال : الثالث تسعة وسبعون (٣). ونعم ما قال.

وقد روي أنّه لا يعدّ في شي‌ء من الأنعام ، فحل الضراب ، والأظهر أنّه يعدّ ، وذهب سلار من أصحابنا إلى أنّ الذكورة لا زكاة فيها ، وهذا القول لا يلتفت إليه ، ولا يعرج عليه ، لأنّه بخلاف الإجماع ، وما عليه عموم النصوص.

ولا يعدّ ما لم يحل عليه الحول ، في الملك متبع أو منتوج.

ولا زكاة فيما بين النصابين ، من الأعداد.

ولا تؤخذ ذات عوار ، ولا هرمة ، بل تؤخذ من أوساطها ، ولا يجوز أن يكون له أقلّ من سبعة أشهر ، إن كان من الضأن ، فإن كان من المعز فسنة ، وقد دخل في جزء من الثانية.

ولا يؤخذ الربى ، وهي التي تربي ولدها ، ومثل الربى من الضأن ، الرغوث (٤) ومن بنات آدم النفساء.

ولا يؤخذ المخاض ، وهي الحامل ، ولا الأكولة ، وهي السمينة المعدّة للأكل ، ولا يؤخذ الفحل ، وأسنان الغنم.

أوّل ما تلد الشاة ، يقال لولدها سخلة ، ذكرا كان أو أنثى ، في الضأن والمعز سواء ، ثم يقال بعد ذلك بهمة ، ذكرا كان أو أنثى ، فهما سواء ، فإذا بلغت أربعة أشهر ، فهي من المعز ، جفر بالجيم المفتوحة ، والفاء المسكنة ، والراء غير المعجمة ،

__________________

(١) ج : يكمل نصابا.

(٢) والنسخة هي التي بأيدينا اليوم اعنى المطبوع من قبل مؤسسة النشر الإسلامي بقم المشرفة.

(٣) المبسوط : كتاب الزكاة ، فصل في زكاة الغنم ، ص ١٩٩

(٤) في ط وج : الرغوث من المغر.

٤٣٧

للذكر والأنثى جفرة ، وجمعها جفار ، فإذا جازت أربعة أشهر ، فهي العتود ، وعريض ، ومن حين تولد ، إلى هذه الغاية ، يقال لها عناق للأنثى ، وللذكر جدي ، فإذا استكمل سنة ، ودخل في جزء من الثانية ، فالأنثى عنز ، والذكر تيس.

ومن مسنون صدقة الأنعام ، أن يجعل من أصوافها ، وأوبارها ، وإشعارها ، وألبانها ، قسط للفقراء ، ويمنح الناقة ، والشاة ، والبقرة الحلوبة ، من لا حلوبة له ، ويعان بظهر الإبل ، وأكتاف البقر ، على الجهاد ، والحجّ ، والزيارة ، من لا ظهر له ، ويسعد بذلك الفقراء ، على مصالح دينهم ، ودنياهم.

ومن وكيد السنة أن تزكى ، إناث الخيل السائمة ، بعد حئول الحول ، عن كلّ فرس عتيق ديناران ، وعن كل هجين دينار.

وذكر شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في الجزء الأوّل من مسائل خلافه. مسألة المتولد بين الظباء والغنم إن كان يسمّى غنما ، اخرج منه ، وإن كان لا يسمّى غنما ، لا يخرج منه ، الزكاة ، ثم قال في استدلاله ، وقد قيل إن الغنم المكية ، آباؤها الظباء ، وتسمية ما لولد بين الظباء والغنم ، رقل ، وجمعه رقال ، لا يمتنع من تناول اسم الغنم له ، فمن أسقط عنها الزكاة ، فعليه الدلالة (١) هذا آخر المسألة.

قال محمّد بن إدريس ، مصنّف هذا الكتاب رحمه‌الله : ما وجدت في كتب اللغة ، في الذي يبنى من الراء والقاف واللام ، ولا الراء والفاء واللام ، ولا الزاء والقاف واللام ، ولا الزاء والفاء واللام ، ما يقارب ما ذكره شيخنا ، وأظنّ هذه الصورة ، جرى فيها تصحيف ، أو طغيان قلم ، إمّا من الكتاب الذي نقلت منه ، أو من النساخ ، لخلل في نظام الكتابة ، وقصور فيها ، فرأى الكاتب النون منفصلة من القاف ، والدال كان فيها طول ، فظنّها لاما وظنّ النون المنفصلة عن القاف راء فكتبها رقل ، وانّما هي نقد ، محركة القاف ، والنقد بالتحريك ،

__________________

(١) الخلاف : كتاب الزكاة ، في زكاة الغنم ، مسألة ٣٢.

٤٣٨

والدال غير المعجمة ، جنس من الغنم ، قصار الأرجل ، قباح الوجوه ، يكون بالبحرين ، هكذا ذكره الجوهري ، في كتاب الصحاح ، وغيره من أهل اللغة ، وقال ابن دريد في الجمهرة : دقال الغنم ، صغارها يقال شاة دقلة ، على وزن فعلة ، إذا كانت صغيرة ، بالدال غير المعجمة المفتوحة ، والقاف ، وهذا أقرب إلى تصحيف الكلمة ، والأول هو الذي يقتضيه ظاهر الكلام ، فعلى قول ابن دريد في الجمهرة ، يكون الناسخ ، قد قصّر مدّه الدال الفوقانية ، فظنها راء وهذا وجه التصحيف.

والزكاة على ضربين ، مفروض ومسنون ، وكلّ واحد منهما ، ينقسم قسمين ، فقسم منهما ، زكاة الأموال ، والثاني زكاة الرءوس ، وهي المسمّاة بزكاة الفطرة ، فأمّا زكاة المال ، فيحتاج في معرفتها إلى ستة أشياء ، أحدها معرفة وجوب الزكاة ، والثاني معرفة من تجب عليه ، ومن لا تجب ، والثالث معرفة ما تجب فيه الزكاة ، وما لا تجب ، والرابع معرفة المقدار الذي تجب فيه ، ومعرفة مقدار ما لا تجب ، والخامس معرفة الوقت الذي تجب فيه ، والسادس معرفة من يستحق ذلك ، ومقدار ما يعطى من أقلّ وأكثر.

وأمّا زكاة الرءوس ، فيحتاج فيها أيضا إلى معرفة ستة أشياء ، أحدها معرفة وجوبها ، والثاني معرفة من تجب عليه ، والثالث معرفة ما يجوز إخراجه وما لا يجوز ، والرابع معرفة مقدار ما يجب ، والخامس معرفة الوقت الذي تجب فيه ، والسادس من المستحق لها ، وكم أقلّ ما يعطى ، وأكثر ، وليس يكاد يخرج عن هذه الضروب ، شي‌ء ممّا يتعلّق بأبواب الزكاة ، ونحن نأتي عليها قسما قسما ، ونستوفيه على حقّه إن شاء الله تعالى.

قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مسائل خلافه : مسألة : ذهب الشافعي ، إلى أنّ لجام الدابة ، لا يجوز أن يكون محلّى بفضة ، وهو حرام ، ثمّ أورد أقوال أصحاب الشافعي ، قالوا : المصحف لا يجوز أن يحلّيه بفضة ، وأمّا تذهيب المحاريب ، وتفضيضها ، قال أبو العباس : ممنوع منه ، وكذلك قناديل

٤٣٩

الفضة والذهب ، قال والكعبة وسائر المساجد في ذلك سواء ، قال شيخنا أبو جعفر : لا نص لأصحابنا ، في هذه المسائل ، غير أنّ الأصل الإباحة ، فينبغي أن يكون ذلك مباحا (١).

قال محمّد بن إدريس : هذه المسائل ، بعضها منصوص على تحريمها ، والبعض الآخر معلوم تحريمه على الجملة ، لأنّه داخل في الإسراف ، والإسراف فعله محرّم بغير خلاف ، وأمّا تفضيض المحاريب ، فلا خلاف بيننا في أنّ ذلك لا يجوز ، وأنّه حرام ، وان تزويق المساجد ، وزخرفتها لا يجوز ، منصوص على ذلك ، عن الأئمة عليهم‌السلام ، قد أورد ذلك شيخنا في نهايته (٢) ، وغيره من أصحابنا في كتبهم ، وان اتخاذ الأواني والآلات من الفضة والذهب ، عندنا محرم ، لأنّه من السرف ، والقناديل أواني ، وحلة المصحف ، ولجام الدابة ، من السرف أيضا ، وإن ذلك غير مشروع ، ولو كان جائزا لنقل ، كما نقل أمثاله من المباحات ، مثل الخاتم الفضة ، والمنطقة ، وحلية السيف ، فليلحظ ذلك ، ويتأمل.

ثمّ انّ شيخنا قال في مسألة قبل هذه : إذا كان له لجام لفرسه محلّى بذهب أو فضة ، لم تلزمه زكاته ، واستعمال ذلك حرام ، لأنّه من السرف (٣) فلتلحظ المسألة في مسائل خلافه ، ويحصّل ما قلناه.

باب وجوب الزكاة ومعرفة من تجب عليه

الزكاة المفروضة في شريعة الإسلام واجبة ، بدليل القرآن ، وإجماع المسلمين على كلّ مكلف حر ، رجلا كان أو امرأة ، وهم ينقسمون قسمين ، قسم منهم إذا لم يخرجوا ما يجب عليهم الزكاة ، كان ثابتا في ذممهم ، وهم جميع من هو على ظاهر الإسلام.

__________________

(١) الخلاف : كتاب الزكاة ، في استعمال الذهب والفضة وأخذ الآلات والأواني منها ، مسألة ١٠٢

(٢) النهاية : كتاب الصلاة ، باب فضل المساجد والصلاة فيها.

(٣) الخلاف : كتاب الزكاة ، مسألة ٩١.

٤٤٠