كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

عليك الصوم ، سواء كانت السماء مصحية ، أو فيها علة ، أو كانا من خارج البلد ، أو داخله ، وعلى كل حال.

وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته (١) إلى أن قال : فإن كان في السماء علّة ، ولم يره جميع أهل البلد ، ورآه خمسون نفسا ، وجب أيضا الصوم ، ولا يجب الصوم ، إذا رآه واحد ، أو اثنان ، بل يلزم فرضه لمن رآه ، حسب ، وليس على غيره شي‌ء ، ومتى كان في السماء علّة ولم ير في البلد الهلال أصلا ، ورآه خارج البلد ، شاهدان عدلان ، وجب أيضا الصوم ، وإن لم يكن هناك علّة ، وطلب فلم ير ، لم يجب الصوم ، إلا أن يشهد خمسون نفسا ، من خارج البلد ، أنّهم رأوه.

قال محمّد بن إدريس رضي‌الله‌عنه : والأول هو الصحيح ، والأظهر بين الطائفة ، والذي تدل عليه أصول المذهب ، لأنّ الأحكام في الشريعة جميعها ، موقوفة على شهادة الشاهدين العدلين ، إلا ما خرج بالدليل ، من حدّ الزنا ، واللواط ، والسحق ، والأيدي تقطع بشهادة الشاهدين ، وتستباح الفروج ، وتعتق الرقاب ، وتقتل الأنفس ، وتستباح الأموال ، وغير ذلك ، ويحكم بالكفر والإيمان ، وهو مذهب سيّدنا المرتضى رضي‌الله‌عنه ذكره في جمل العلم والعمل (٢) ومذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمه‌الله ذكره في المقنعة (٣) وهي رأس تصنيفه في الفقه ، وجميع أصحابنا ، إلا من شذ ، وقلّد كتابا يجده ، أو خبر واحد يعتمده ، وقد بيّنا أنّه لا يجوز العمل ، بأخبار الآحاد ، لأنّها لا تثمر علما ولا عملا ، والعمل بها خلاف مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، ومذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله أيضا في مسائل خلافه (٤) ، وفي جمله

__________________

(١) النهاية : كتاب الصوم. باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه.

(٢) جمل العلم والعمل : فصل في حقيقة الصوم وعلامة دخول شهر رمضان وما يتصل بذلك.

(٣) المقنعة : كتاب الصيام ، باب علامة أول شهر رمضان ص ٢٩٧.

(٤) الخلاف : كتاب الصيام ، مسألة ٦١.

٣٨١

وعقوده (١) ، لأنّه قال في الجمل والعقود : وعلامة دخوله ، رؤية الهلال ، أو قيام البينة برؤيته ، فأطلق كلامه ، وقال : البينة ، والإطلاق ، يرجع إلى المعهود الشرعي ، والبينة في الشريعة المعهودة ، هي شهادة الشاهدين ، إلا ما خرج بالدليل ، والكلام يرد ، ويحمل على الشامل العام ، دون النادر الشاذ ، فأمّا قوله في مسائل خلافه ، فمفصل غير مجمل ، قال : مسألة : علامة شهر رمضان ، ووجوب صومه ، أحد شيئين ، إمّا رؤية الهلال ، أو شهادة شاهدين ، ثم قال : دليلنا الأخبار المتواترة ، عن النبيّ وعن الأئمة عليهم‌السلام ، ذكرناها ، في تهذيب الأحكام ، وبيّناه القول فيما يعارضها ، من شواذ الأخبار ، فجعل عمدة الدليل ، الأخبار المتواترة ، ولم يلتفت إلى أخبار الآحاد ، فدلّ على أنّ الأخبار ، بشهادة الشاهدين متواترة ، وليس هي بشهادة الخمسين كذلك ، وانّما أورده في نهايته إيرادا ، لا اعتقادا ، على ما اعتذرنا له من قبل ، لأنّ هذا الكتاب أعني كتاب النهاية ، أورد فيه ألفاظ الأحاديث المتواترة ، والآحاد ، وانّما هي رواية شاذة ، ومن أخبار الآحاد الضعيفة ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن حبيب الجماعي (٢) ويونس بن عبد الرحمن ، قد وردت أخبار عن الرضا عليه‌السلام بذمة ، ومع هذا ، فإنّه واحد ، وقد بيّنا أنّ أخبار الآحاد ، لا يلتفت إليها ، ولا يعرج عليها ، عند أصحابنا المحصلين ، والخلاف بين أصحابنا الشاذ منهم ، انّما هو في هلال رمضان ، فأمّا غيره من الشهور ، فلا خلاف بينهم ، في أنّه يثبت بشهادة الشاهدين على كل حال.

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مسائل الخلاف : مسألة : لا يقبل

__________________

(١) الجمل والعقود : كتاب الصيام ، فصل في ذكر أقسام الصوم ومن يجب عليه الصوم ، ص ٢١٥ الطبع الحديث.

(٢) الوسائل : الباب ١١ من أبواب أحكام شهر رمضان ، ح ١٣ في المصدر ( حبيب الخزاعي ـ الخثعمي ـ الجماعي ).

٣٨٢

في هلال شوال ، إلا شاهدان ، وبه قال جميع الفقهاء ، وقال أبو ثور : يثبت بشاهد واحد ، دليلنا : الإجماع ، فإنّ أبا ثور ، لا يعتدّ به ، ومع ذلك فقد انقرض خلافه ، وسبقه الإجماع ، وأيضا بشهادة الشاهدين ، يجوز الإفطار ، بلا خلاف (١) هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر.

وذكر في مسائل الخلاف ، مسألة ، لا توافق ما ذكره في نهايته ، ولا توافق مذهب أصحابنا ، ولا المسألة التي حكيناها عنه ، قبل هذا ، من أنّ علامة شهر رمضان ، ووجوب صومه ، أحد شيئين ، إمّا رؤية الهلال ، أو شهادة شاهدين ، فقال : مسألة : لا يقبل في رؤية هلال رمضان ، إلا شهادة شاهدين ، فأمّا الواحد فلا يقبل فيه ، هذا مع الغيم ، فأمّا مع الصحو ، فلا يقبل إلا خمسين (٢) قسامة ، أو اثنان من خارج البلد (٣) فقبل الشاهدين ، وعمل بشهادتهما ، مع الغيم ، ومع الصحو أيضا ، عمل بشهادتهما ، إذا كانا من خارج البلد ، فأمّا إذا كانا من داخل البلد ، مع الصحو ، فلا يقبل إلا شهادة الخمسين قسامة ، وفي نهايته مع الصحو ، لا تقبل إلا شهادة الخمسين ، سواء كانوا من خارج البلد ، أو داخله ، ومع الغيم ، إذا كانوا من داخل البلد أيضا ، لا تقبل إلا شهادة الخمسين. فأما من خارجه مع الغيم ، فتقبل شهادة الشاهدين ، وهذا يدل على اضطراب الفتوى والقول عنده رحمه‌الله في المسألة ، وفي اختلاف أقواله ، فيها ما فيه ، فلينصف من يقف على قولي هذا ، ويطرح التقليد جانبا ، وذكر القديم والمتقدّم. ثم قال رضي‌الله‌عنه في دليل المسألة ، دليلنا : إجماع الفرقة ، والأخبار التي ذكرناها في الكتابين المقدّم ذكرهما ، وأيضا فلا خلاف انّ شاهدين يقبلان ، فدل رحمه‌الله بإجماع الفرقة ، وأراد على الشاهدين ، لا على الخمسين ،

__________________

(١) الخلاف : كتاب الصيام ، مسألة ١٢

(٢) ج : بشهادة قسامة.

(٣) الخلاف : كتاب الصيام ، مسألة ١١ وفي المصدر ( الا خمسون قسامة ).

٣٨٣

بدلالة قوله : وأيضا فلا خلاف انّ شاهدين يقبلان ، وأيضا فكتابه كتاب الاستبصار ، عمله لما اختلف فيه من الأخبار ، بحيث يتوسط ويلائم بين الأخبار ، وما أورد فيه أخبار الخمسين ، ولا ذكرها رأسا ، بل أورد أخبار الشاهدين ، وقوّاها ، واعتمد عليها ، وردّ على من خالفها ، من العدد ، والحساب والجدول ، وغير ذلك ، فدلّ على أنّه رحمه‌الله غير قائل بالخمسين.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : فإن فقد المكلّف للصيام ، جميع الدلائل ، التي قدّمناها ، عدّ من الشهر الماضي ثلاثين يوما ، وصام بعد ذلك بنية الفرض ، فإن ثبت بعد ذلك ببينة عادلة ، أنّه كان قد رئي الهلال قبله ، بيوم قضيت يوما بدله.

والأفضل ، أن يصوم الإنسان ، يوم الشك على أنّه من شعبان ، فإن قامت له البينة بعد ذلك ، أنّه كان من رمضان ، فقد وفق له ، وأجزأ عنه ، ولم يكن عليه قضاء ، وإن لم يصمه ، فليس عليه شي‌ء ، ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم ، على أنّه من شهر رمضان ، ولا أن يصومه ، وهو شاك فيه ، لا ينوى به صيام يوم غير رمضان ، فإن صام على هذا الوجه ، ثم انكشف له أنّه كان من شهر رمضان ، لم يجز عنه ، وكان عليه القضاء ، لأنّه منهي عنه ، والنهي يدل على فساد المنهي عنه.

والنية واجبة في الصيام ، على ما قدّمنا القول فيه ، وأسلفناه ، وشرحناه ، ويكفي في نية صيام الشهر كلّه ، أن ينوي في أول الشهر ، ويعزم على أن يصوم الشهر كلّه ، فإن جدد النية كل يوم ، على الاستئناف ، كان أفضل.

وإن نسي أن يعزم على الصوم في أول الشهر ، وذكر قبل الزوال ، جدد النية ، وقد أجزأه ، وإن كان الذكر بعد الزوال ، فإنّه يجب عليه قضاء ذلك اليوم.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته : وذكر في بعض النهار ، جدد النية ، وقد أجزأه (١) وهذا غير واضح ، لأنّ بعد الزوال ، بعض النهار ، فلا بدّ

__________________

(١) النهاية : كتاب الصيام ، باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه.

٣٨٤

من تقييد البعض ، ولا يجوز إطلاقه ، من غير تقييد.

ومن كان في موضع ، لا طريق له إلى العلم بالشهر ، فتوخى شهرا فصامه ، فوافق ذلك شهر رمضان ، أو كان بعده ، فقد أجزأه عن الفرض ، وإن انكشف له أنّه كان قد صام قبل شهر رمضان ، وجب عليه استئناف الصوم ، وقضاؤه.

والوقت الذي يجب فيه الإمساك ، عن المفطرات ، من الأكل ، والشرب ، هو طلوع الفجر المعترض ، الذي يجب عنده الصلاة ، وقد بيّناه في كتاب الصلاة وأوضحناه ، ومحلل الأكل والشرب ، إلى ذلك الوقت ، فأمّا الجماع ، فإنّه محلل إلى قبل ذلك ، بمقدار ما يتمكن الإنسان من الاغتسال ، فان غلب على ظنه ، وخشي أن يلحقه الفجر ، قبل الغسل ، لم يحل له ذلك ، فإن غلب على ظنه خلاف ذلك ، ثم واقع أهله ، وطلع الفجر ، وهو مخالط لأهله ، فالواجب عليه النزوع ، فإن تحرك حركة تعينه على الدخول والجماع ، فإنّه يجب عليه القضاء والكفارة.

ووقت الإفطار ، سقوط القرص ، وعلامته ما قدّمناه ، من زوال الشفق ، الذي هو الحمرة ، من ناحية المشرق ، وهو الوقت الذي ، يجب فيه الصلاة ، والأفضل أن لا يفطر الإنسان ، إلا بعد صلاة المغرب ، فإن لم يستطع الصبر على ذلك ، صلّى الفرض ، وأفطر ، ثم عاد ، فيصلّي نوافله ، فإن لم يمكنه ذلك ، أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه ، قدّم الإفطار ، إذا كان في أول الوقت ، فإنّه أفضل ، والحال ما وصفناه ، فإن خاف فوات الفريضة ، فالواجب عليه الإتيان بالصلاة ، لا يجوز له غيره.

باب ما يجب على الصّائم اجتنابه مما يفسد الصّيام

وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم بفعله القضاء

والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة

قد ذكرنا طرفا من ذلك ، وجملة مقنعة ، في باب حقيقة الصوم ، وقسمنا

٣٨٥

أقساما ، وذكرنا اختلاف أصحابنا ، فيما يوجب القضاء والكفارة ، وما يوجب القضاء دون الكفارة ، ودللنا على الصحيح من ذلك ، وبيّناه ، وأوضحناه ، ونحن الآن ذاكرون ما جانس ذلك ، ممّا لم نذكره هناك ، على الاستيفاء والبيان.

متى وطأ الإنسان زوجته نهارا في شهر رمضان ، كان عليهما القضاء والكفارة ، إن كانت طاوعته على ذلك ، وإن كان أكرهها ، لم يكن عليها شي‌ء ، وكان عليه كفارتان ، وقضاء واحد عن نفسه فحسب ، لأنّ صومها صحيح ، فإن كانت أمته ، والحال ما وصفناه ، فلا يلزمه غير كفّارة واحدة ، وحملها على الزوجة قياس ، لا نقول به في الأحكام الشرعيات ، وكذلك إن كانت مزنى بها (١) ، وجميع ما قدّمناه في ذلك الباب ، متى فعله الإنسان ناسيا ، أو ساهيا ، أو جاهلا ، غير عالم بالحكم ، لم يكن عليه شي‌ء.

ومتى فعله متعمدا ، وجب عليه ما قدّمناه ، وكان على الإمام أن يعزره ، بحسب ما يراه.

فإن تعمّد الإفطار ، ثلاث مرّات ، يرفع فيها إلى الإمام ، فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه ، قتله في الثالثة ، وإن لم يكن عالما ، لم يكن عليه شي‌ء.

ويكره للصائم ، الكحل ، إذا كان فيه مسك ، أو شي‌ء من الصبر ، فإن لم يكن فيه ذلك ، لم يكن به بأس.

ولا بأس أن يحتجم ، ويفتصد ، إذا احتاج إلى ذلك ، ما لم يخف الضعف ، فإن خاف ذلك كره له فعله ، إلا عند الضرورة الداعية إليه.

ويكره له تقطير الدهن في اذنه ، إلا عند الحاجة إليه.

ويكره له أن يبل الثوب على جسده ، ولا بأس أن يستنقع في الماء إلى عنقه ، ولا يرتمس فيه ، فإنّه محظور ، لا يجوز حسب ما قدّمناه ، ولا يمتنع أن يكون

__________________

(١) ج : ان كان يزني بها.

٣٨٦

الفعل محظورا ، وإن لم يجب فيه القضاء والكفارة.

ويكره الاستنقاع في الماء للنساء ، على الصحيح من الأقوال ، وإن كان بعض أصحابنا قد ذهب إلى حظره ، ولزوم الكفارة والقضاء ، وهو ابن البراج (١) ، والأظهر ما قدّمناه ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، وشغلها يحتاج إلى دليل ، ولا دليل من إجماع وغيره على ذلك.

ويكره للصائم السعوط ، وكذلك الحقنة بالجامدات ، ولا يجوز له الاحتقان بالمائعات ، فإن فعل ذلك ، كان مخطئا مأثوما ، ولا يجب عليه القضاء ، وهو مذهب المرتضى وشيخنا أبي جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنهما في الاستبصار (٢) وفي نهايته (٣) ، وهو الصحيح ، وإن كان قد ذهب إلى وجوب القضاء ، في الجمل والعقود (٤).

ولا يجوز له أن يتقيأ متعمدا ، فإن فعل ذلك ، كان مخطئا ، ولا يجب عليه القضاء ، على الصحيح من المذهب ، وهو قول السيد المرتضى ، وغيره من أصحابنا ، وإن كان قد ذهب إلى وجوب القضاء قوم منهم ، من جملتهم ، شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله ، وانّما اخترنا ما ذكرناه ، لأنّ الإجماع غير حاصل في المسألة ، فما بقي معنا إلا دليل الأصل ، وهو براءة الذمة.

فإن ذرعه القي‌ء ، بالذال المعجمة ، لم يكن عليه شي‌ء ، وليبصق بما يحصل في فيه ، فإن بلعه متعمدا بعد خروجه من حلقه ، قاصدا إفساد صومه وأكله ، فإنّه يجب عليه القضاء والكفارة ، لأنّه قد أكل ، أو ازدرد متعمدا في نهار صيامه.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته : عليه القضاء (٥) ولم يذكر الكفارة ، وليس هذا دليلا على أنّه لا يوجبها عليه ، لأنّ تركه لذكرها ، لا يدل

__________________

(١) المهذب لابن البراج : ج ١ ، ص ١٩٢ ، باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء ، الطبع الحديث.

(٢) الاستبصار : باب ٤١ من أبواب كتاب الصيام.

(٣) النهاية : كتاب الصيام ، باب ما على الصائم اجتنابه.

(٤) الجمل والعقود : كتاب الصيام رقم ٨ مما يوجب القضاء دون الكفارة ، ص ٢١٣.

(٥) النهاية : كتاب الصيام ، باب ما على الصائم اجتنابه.

٣٨٧

على أنّه غير قائل بأنّها واجبة عليه.

وقال ابن بابويه في رسالته : لا ينقض الرعاف ، ولا القلس ، ولا القي‌ء ، إلا أن يتقيأ متعمدا (١).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : القلس بفتح القاف واللام والسين غير المعجمة ، ما خرج من الحلق ، ملأ الفم ، أو دونه ، وليس بقي‌ء ، فإن عاد ، فهو القي‌ء ، هكذا ذكره الجوهري في كتاب الصحاح عن الخليل ، وقال اليزيدي : القلس ، خروج الطعام أو الشراب إلى الفم من البطن ، أعاده صاحبه أو ألقاه ، وهذا أقوى ممّا قال الجوهري. وقال ابن فارس في المجمل : القلس القي‌ء قلس إذا قاء ، فهو قالس ، والقلس بفتح القاف ، وسكون اللام ، مصدر قلس قلسا ، إذا قاء قال ابن دريد ، القلس من الحبال ، ما أدري ما صحته. وقال الجوهري : القلس حبل عظيم ، من ليف ، أو خوص ، من قلوس السفن ، فهذا جملة ما قيل ، في القاف واللام والسين.

ويكره له دخول الحمام ، إذا خاف الضعف ، فإن لم يخف ، فليس بمكروه.

ولا بأس بالسواك ، بكسر السين ، للصائم ، بالرطب منه ، واليابس ، فإن كان يابسا فلا بأس أن يبله أيضا بالماء ، وليحفظ نفسه من ابتلاع ما يحصل في فيه ، من رطوبته.

ويكره له شم النرجس ، وغيره من الرياحين ، وليس كراهية شم النرجس ، مثل الرياحين ، بل هي آكد.

ولا بأس أن يدهن ، بالأدهان الطيّبة ، وغير الطيّبة.

ويكره له شم المسك ، وما يجري مجراه.

ولا بأس بالكحل ما لم يكن ممسّكا أو يكون حادا مثل الذرور ، أو فيه شي‌ء من الصبر ، بكسر الباء ، وقال ابن بابويه في رسالته : ولا بأس بالكحل ما

__________________

(١) لم نتحققه في رسالة ابن بابويه.

٣٨٨

لم يكن ممسّكا ، وقد روي (١) فيه رخصة ، لأنّه يخرج على عكدة لسانه.

قال محمّد بن إدريس رضي‌الله‌عنه : العكدة ، بالعين غير المعجمة المفتوحة ، والكاف المفتوحة ، والدال غير المعجمة المفتوحة وهي أصل اللسان والعكرة بالراء أيضا ، ففي بعض النسخ العكدة بالدال ، وفي بعضها بالراء ، وكلاهما صحيحان.

ويكره للصائم أيضا القبلة ، وكذلك مباشرة النساء ، وملاعبتهن ، فإن باشرهن بما دون الجماع ، أو لاعبهن بشهوة ، فأمذى ، لم يكن عليه شي‌ء ، فإن أمنى ، كان عليه ما على المجامع ، فإن أمنى من غير ملامسة ، بل لسماع كلام ، أو نظر ، لم يكن عليه شي‌ء ، ولا يعود إلى ذلك ، وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنّه إن نظر إلى من يحرم عليه النظر إليه فأمنى ، كان عليه القضاء دون الكفارة ، والصحيح أنّه لا قضاء عليه ، لأنّه لا دليل على ذلك ، والأصل براءة الذمة.

ولا بأس بالصائم ، أن يزق الطائر ، والطبّاخ ، أن يذوق المرق ، والمرأة أن تمضغ الطعام للصبي ، ولا تبلع شيئا من ذلك.

ولا ينبغي للصائم ، مضغ العلك ، وكلّ ما له طعام ، وقال بعض أصحابنا : عليه القضاء ، والأظهر أن لا قضاء عليه ، ولا بأس أن يمص ما ليس له طعم ، مثل الخرز والخاتم ، وما أشبه ذلك.

قال الشيخ أبو جعفر في مسائل خلافه (٢) : مسألة : من جامع في نهار رمضان ، متعمدا من غير عذر ، وجب عليه القضاء والكفارة ، ثم قال : دليلنا : إجماع الفرقة ، ثم استشهد بأخبار ، من جملتها ما رواه أبو هريرة قال : أتى رجل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : هلكت ، فقال : ما شأنك؟ قال : وقعت على

__________________

(١) مستدرك الوسائل : الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح ٢.

(٢) الخلاف : كتاب الصيام ، مسألة ٢٥.

٣٨٩

امرأتي في رمضان ، فقال : تجد ما تعتق رقبة؟ قال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟ قال : لا ، قال : اجلس ، فأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعرق فيه تمر ، فقال : تصدّق به (١).

قال محمّد بن إدريس رضي‌الله‌عنه : العرق بالعين غير المعجمة المفتوحة ، والراء غير المعجمة المفتوحة ، والقاف ، الزنبيل قد ذكره الهروي في غريب الحديث ، وأهل اللغة في باب العين والراء والقاف ، وسمعت بعض أصحابنا ، صحّف الكلمة ، فقال : العذق بالذال المعجمة ، فالعذق بكسر العين ، والذال المسكنة ، الكباسة ، وهي العرجون ، بما عليه من (٢) الشماريخ وبفتح العين ، النخلة نفسها ، فليلحظ ذلك ، فالغرض التنبيه لئلا تصحف الكلمة.

باب حكم المسافر والمريض والعاجز عن الصّيام وغير ذلك

شروط السفر الذي يوجب الإفطار ، ولا يجوز معه صوم شهر رمضان ، في المسافة والصفة ، وغير ذلك ، هي الشروط التي ذكرناها في كتاب الصلاة ، الموجبة لقصرها ، فإن تكلّف المسافر الصوم ، مع العلم بسقوطه عنه ، حرج وأثم ، ووجب عليه القضاء ، على كل حال ، وإن لم يكن عالما به ، كان صومه ماضيا.

ويكره للإنسان السفر في شهر رمضان ، إلا عند الضرورة الداعية له إلى ذلك ، من حج ، أو عمرة ، أو الخوف من تلف مال ، أو هلاك أخ ، أو ما يجزى مجراه ، أو زيارة بعض المشاهد المقدسة ، فإذا مضى ثلاثة وعشرون يوما من الشهر ، جاز له الخروج الى حيث شاء ، ولم يكن سفره مكروها.

__________________

(١) الخلاف دليل مسألة ٢٥ ، وبمضمونه ح ٢ باب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم في الوسائل.

(٢) ج : فيه.

٣٩٠

ومتى كان سفره أربعة فراسخ ، ولم يرد الرجوع فيه من يومه ، لم يجز له الإفطار ، ويجب عليه الصيام ، وكذا يجب عليه إتمام الصلاة ، وقد وردت رواية شاذة ، بأنّه يكون مخيرا بين إتمام الصلاة ، وبين قصرها (١) وهو الذي أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي ، في نهايته (٢) ، وذهب شيخنا المفيد ، إلى التخيير في الصلاة والصيام ، والأول هو المعتمد ، وقد أشبعنا القول في هذا في كتاب الصلاة.

وإذا خرج الإنسان إلى السفر ، بعد طلوع الفجر ، أي وقت كان من النهار ، وكان قد بيّت نيته من الليل للسفر ، وجب عليه الإفطار ، بغير خلاف بين أصحابنا ، وإن لم يكن قد بيّت نيّته من الليل للسفر ، ثم خرج بعد طلوع الفجر ، فقد اختلف قول أصحابنا في ذلك ، فذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله إلى أنّه يجب عليه إتمام ذلك اليوم ، وليس عليه قضاؤه ، فإن أفطر فيه ، وجب عليه القضاء والكفارة ، ويستدل بقوله تعالى : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٣).

والذي يقال في ذلك ، أنّ هذا خطاب لمن يجب عليه الصيام ، ومكلّف به في جميع يومه ، ويخرج المسافر من تلك الآية ، قوله تعالى : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٤) وأيضا فالحائض في وسط النهار ، يجب عليها أن تعتقد أنّها مفطرة ، بغير خلاف ، وخرجت من الآية ، وما وجب عليها الإتمام ، وكذلك من بيّت نيته للسفر من الليل ، هو قبل خروجه من منزله وقبل أن يغيب عنه أذان مصره ، مخاطب بالصيام ، مكلّف به ، لا يجوز له الإفطار ، فإذا توارى عنه الأذان ، يجب عليه الإفطار ، وما وجب عليه التمام للصيام الذي كان واجبا عليه الإمساك والصيام قبل خروجه ، وبالإجماع يجب عليه الإفطار ، ولم يجب عليه الإتمام فقد خرج من عموم الآية المستدل بها ،

__________________

(١) مستدرك الوسائل : الباب ٣ من أبواب صلاة المسافر ، ح ٢.

(٢) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الصلاة في السفر وأشار إليه في كتاب الصوم في باب حكم المسافر في شهر رمضان

(٣) البقرة : ١٨٧

(٤) البقرة : ١٨٤.

٣٩١

وخصّص ، فإذا ساغ له التخصيص ساغ لخصمه ذلك وبطل استدلاله بالعموم ، لأنّه المستدلّ به وما سلم له ، وكلّ من استدل بعموم ، ولم يسلم له ، وخصّصه ، ساغ لخصمه تخصيصه ، لأنّه ما هو أولى بالتخصيص من خصمه ويبطل استدلاله بالعموم.

وذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمه‌الله إلى أنّه متى خرج إلى السفر قبل الزوال ، فإنّه يجب عليه الإفطار ، فإن صامه ، لا يجزيه صيامه ، ووجب عليه القضاء ، وإلى هذا القول أذهب ، وبه افتي ، لأنّه موافق لظاهر التنزيل ، والمتواتر من الأخبار.

وقال ابن بابويه في رسالته : يجب عليه الإفطار ، وإن خرج بعد العصر والزوال ، وهذا القول عندي أوضح من جميع ما قدّمته من الأقوال ، لأنّ أصحابنا مختلفون في ذلك ، وليس على المسألة ولا قول بها (١) إجماع منعقد ، ولا أخبار مفصّلة متواترة بالتفصيل والتخصيص ، وإذا كان كذلك ، فالتمسّك بالقرآن أولى ، لأنّ هذا مسافر ، بلا خلاف ، ومخاطب بخطاب المسافرين ، من تقصير صلاة وغير ذلك.

وإذا خرج الرجل والمكلّف بالصيام إلى السفر ، فلا يتناول شيئا من الطعام أو الشراب ، أو غير ذلك من المفطرات إلى أن يغيب عنه أذان مصره ، وقد روي ، أو يتوارى عنه جدران بلده (٢) والاعتماد على الأذان المتوسط.

ويكره له أن يتملّى من الطعام ، ويروي من الشراب ، ويزيد الكراهة ، وتتأكد في قرب الجماع ، إلا عند الحاجة الشديدة إلى ذلك.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله : ولا يجوز له أن يقرب الجماع ، وهذا اللفظ الذي هو لا يجوز يحتمل تغليظ الكراهة ، ويحتمل الحظر ، ولا دليل على الحظر ، لأنّه غير مكلّف بالصيام ، وهو داخل في قوله تعالى : ( نِساؤُكُمْ

__________________

(١) في ط وج : والأقوال فيها.

(٢) الوسائل : كتاب الصلاة ، الباب ٦ من أبواب صلاة المسافر ، ح ١ و ٩ و ١٠

٣٩٢

حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (١) وغير ذلك من الآيات المقتضية للإباحة ، والشي‌ء إذا كان عندهم شديد الكراهة ، قالوا لا يجوز ، وهذا شي‌ء يعرف بالقرائن والضمائم.

ويكره صيام النوافل في السفر على كل حال ، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته (٢) واستبصاره (٣) ، ومذهب شيخنا المفيد رحمه‌الله فإنّه ذكر في مقنعته فقال : ولا يجوز لأحد أن يصوم في السفر تطوعا ، ثم قال : وقد روي حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام (٤) ، وجاءت أخبار بكراهية ذلك ، وأنّه (٥) ليس من البر الصيام في السفر (٦) وهي أكثر ، وعليها العمل ، عند فقهاء العصابة ، فمن عمل على أكثر الروايات ، واعتمد على المشهور منها ، في اجتناب الصيام في السفر ، على كلّ وجه ، كان أولى بالحق ، والله الموفق للصواب (٧) هذا آخر كلام المفيد.

وهذا القول هو الحقّ والصواب ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، من الواجب والمندوب ، فمن ادّعى تكليفا مندوبا أو واجبا ، فإنّه يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، وإلا فالأصل عدم التكليف ، وهو أيضا مذهب جلّة المشيخة الفقهاء من أصحابنا المحصّلين ، فإذا كان دليل الإجماع على المسألة مفقودا ، لأنّهم مختلفون فيها ، بقي أنّ الأصل براءة الذمة من التكليف ، فمن شغلها بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل.

وصيام الثلاثة الأيام في الحج واجب في السفر ، كما قال الله تعالى ( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) (٨) وقد وردت الرغبة في صيام ثلاثة أيام ، بالمدينة لصلاة

__________________

(١) البقرة : ٢٢٣

(٢) النهاية : كتاب الصوم ، باب حكم المسافر في شهر رمضان وصيام النذور.

(٣) الاستبصار : كتاب الصوم ، باب ٥٣ صوم التطوع في السفر ، ذيل ح ٤

(٤) الوسائل : الباب ١٢ من أبواب من يصح منه الصوم ، ح ٧ و ٨ ،

(٥) في ج : منها انّه.

(٦) الوسائل : الباب ١٢ من أبواب من يصح منه الصوم ، ح ٧ و ٨ ،

(٧) المقنعة : كتاب الصوم ، باب حكم المسافرين في الصيام ص ٣٥٠

(٨) البقرة : ١٩٦.

٣٩٣

الحاجة (١).

ومن كان عليه صيام فريضة أو قضاء شهر رمضان ، أو كفارة ظهار ، أو كفارة قتل الخطأ ، أو غير ذلك ، من وجوه الصيام المفروضة ، لم يجز له أن يصومه في السفر ، فإن فعل في السفر شيئا يلزمه به الصيام ، انتظر قدومه إلى بلده ، ولا يصوم في السفر ، فإن نوى مقام عشرة أيام فصاعدا ، في بلد غير بلده ، جاز له حينئذ الصيام.

وأمّا صيام النذر ، فإن كان الناذر قد نذر أن يصوم أياما بأعيانها ، أو يوما بعينه ، ووافق ذلك اليوم أو الأيام أن يكون مسافرا ، وجب عليه الإفطار ، وكان عليه القضاء ، وكذلك إن اتفق أن يكون ذلك اليوم ، يوم عيد ، وجب عليه الإفطار ، ولا قضاء عليه ، على الصحيح الأقوال.

وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله إلى وجوب القضاء في نهايته (٢) ، ورجع عنه في مبسوطة (٣) ، لأنّ القضاء عما انعقد عليه النذر ، ويوم العيد ، لا يجوز نذره ، ولا ينعقد ، وهو مستثنى من الأيام ، وإلى ما اخترناه ذهب ابن البراج ، وغيره من أصحابنا ، وما أورده شيخنا في نهايته ، خبر واحد ، لا يوجب علما ولا عملا ، وقد بيّنا انّ أخبار الآحاد ، لا يجوز العمل بها في الشريعة ، عند أهل البيت عليهم‌السلام ، وانّما أورده إيرادا لا اعتقادا ، على ما ذكرناه من الاعتذار.

وإن كان الناذر نذر أن يصوم ذلك اليوم ، أو الأيام على كل حال ، مسافرا كان أو حاضرا ، فإنّه يجب عليه الصيام في حال السفر.

ويجوز صيام الاعتكاف في حال السفر ، وكذلك صيام الثمانية عشر يوما ، لمن أفاض من عرفات قبل غروب الشمس عامدا ، ولم يجد الجزور.

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٢ من أبواب من يصح منه الصوم ، ح ١.

(٢) النهاية : كتاب الصوم ، باب حكم المسافر في شهر رمضان وصيام النذور.

(٣) المبسوط : كتاب الصوم : فصل في ذكر أقسام الصوم.

٣٩٤

والمريض الذي لا يقدر على الصيام ، أو يضرّ به ، يجب عليه الإفطار ، ولا يجزي عنه إن صامه ، بعد تقدّم علمه بوجوب الإفطار ، فإن لم يتقدم له العلم بذلك ، ولا عرف الحكم فيه ، وصام ، فانّ صيامه صحيح ، ولا يجب عليه القضاء.

فإن أفطر في أول النهار ، ثم صحّ فيما بقي منه ، أمسك تأديبا ، وكان عليه القضاء.

فإن لم يصح المريض ، ومات من مرضه الذي أفطر فيه ، يستحب لولده الأكبر من الذكور ، أن يقضي عنه ، ما فاته من الصيام ، وليس ذلك بواجب عليه.

فإن برئ من مرضه ذلك ، ولم يقض ما فاته ، ثم مات ، وجب على وليه أن يقضي عنه ، وكذلك إن كان قد فاته شي‌ء من الصيام في السفر ، ثم مات قبل أن يقضي ، وكان متمكنا من القضاء ، وجب على وليه أن يصوم عنه.

فإن فات المريض صوم شهر رمضان ، واستمر به المرض إلى رمضان آخر ، ولم يصح فيما بينهما ، صام الحاضر وقضى الأوّل.

وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله إلى أنّه يتصدّق عن الأوّل عن كل يوم ، بمدين من طعام ، فإن لم يمكنه فبمد منه ، فإن لم يتمكن ، لم يكن عليه شي‌ء ، وليس عليه قضاء.

والأوّل يعضده ظاهر التنزيل ، وهو قوله تعالى : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (١) فأوجب على المريض القضاء ، فمن أسقطه يحتاج إلى دليل ، ولا إجماع معنا في المسألة ، والقائل بما ذهب إليه شيخنا قليل ، فبقي ظاهر التنزيل ، فلا يجوز العدول عنه بغير دليل ، وانما قد ورد به أخبار آحاد ، لا توجب علما ولا عملا.

وذهب ابن بابويه في رسالته ، إلى أنّ الرجل إذا مرض ، وفاته صوم شهر

__________________

(١) البقرة : ١٨٤.

٣٩٥

رمضان كلّه ، ولم يصمه إلى أن يدخل عليه شهر رمضان قابل ، فعليه أن يصوم الذي دخل ، ويتصدق عن الأول كل يوم بمد من طعام ، وليس عليه القضاء ، إلا أن يكون صح فيما بين شهري رمضان ، فإن كان كذلك ، ولم يصح ، فعليه أن يتصدق عن الأول لكل يوم ، بمد من طعام ، ويصوم الثاني ، فإذا صام الثاني ، قضى الأول بعده ، فإن فاته شهرا رمضان ، حتى دخل الشهر الثالث. من مرض ، فعليه أن يصوم الذي دخل ، ويتصدّق عن الأول ، لكل يوم بمد من طعام ، ويقضي الثاني ، هذا آخر كلامه ، ألا تراه ، قد أوجب قضاء الثاني مع استمرار المرض.

وبالجملة ، انّ المسألة فيها خلاف ، وليس على ترك القضاء إجماع منعقد ، فإن صح فيما بين الرمضانين ، ولم يقض ما عليه ، وكان في عزمه القضاء ، قبل رمضان الثاني ، ثم مرض ، صام الثاني ، وقضى الأول ، وليس عليه كفارة ، وإن أخّر قضاءه بعد الصحة توانيا ، وجب عليه أن يصوم الثاني ، ويتصدق عن الأول ، ويقضيه أيضا بعد ذلك ، وحكم ما زاد على رمضانين حكم رمضانين على السواء ، وكذلك لا يختلف الحكم ، في أن الذي فاته الشهر كله ، أو بعضه ، بل الحكم فيه سواء ، هذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته (١) ، وجمله وعقوده (٢) ، إلا أنّه لم يذكر في مسألة من كان في عزمه القضاء ، قبل رمضان الثاني ثم مرض فرقا.

قال محمّد بن إدريس : وجه الفتوى في التواني ، والعزم على ما أورده رحمه‌الله أنّه إذا كان عازما على أدائه وقضائه ، قبل تضيّق أيامه وأوقاته ، ثم لمّا تضيّق ، مرض في الزمان المضيّق ، حتى أسهل رمضان الثاني ، فلا تجب عليه الكفارة ، فأمّا إذا لم يمرض في زمان التضييق ، فإنّه يجب عليه الكفارة ، لأنّه

__________________

(١) النهاية : كتاب الصوم ، باب حكم المريض والعاجز عن الصيام.

(٢) الجمل والعقود : كتاب الصيام ، فصل في حكم المريض والعاجز عن الصيام ، رقم ١ من أحوال المريض

٣٩٦

متوان ، ولا ينفعه عزمه ، لأنّه فرض مضيّق ، فلا يكون العزم ، بدلا منه ، فافترق الأمر بين المسألتين ، وشي‌ء آخر ، وهو انّ العزم بدل من فعل الواجب الموسع ، فإذا تركه فقد أخلّ بالواجب الذي هو العزم ، فيجب عليه الكفارة ، لأجل تركه الواجب الذي هو العزم.

فأمّا إذا عزم ، وضاق الوقت ، وترك الصوم فقد توانى ، فيجب عليه الكفارة ، لأنّه صار واجبا مضيّقا ، فما بقي يفيد (١) العزم.

فأمّا إذا عزم ، وضاق الوقت ، ومرض ، فلا يجب الكفارة ، لأنّه ما أخل بالواجب الذي هو العزم ، فأمّا إذا لم يعزم ، ومرض في الزمان الذي قد تضيّق عليه ، فيجب أيضا عليه الكفارة ، لإخلاله بالواجب الذي هو العزم ، فهذا يمكن أن يكون وجه الفتيا ، على ما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله.

والذي اعتقده ، وافتي به ، سقوط الكفارة عمن أوجبها عليه ، لأنّ الأصل براءة الذمة من العبادات ، والتكاليف ، وإخراج الأموال ، إلا بالدليل الشرعي القاطع للأعذار ، والقرآن خال من هذه الكفارة ، والسنة المتواترة خالية أيضا ، والإجماع غير منعقد على وجوب هذه الكفارة ، لأنّ أكثر أصحابنا لا يذهبون إليها ، ولا يوردونها في كتبهم ، مثل الفقيه سلار ، والسيد المرتضى ، وغيرهما ، ولا يذهب إلى الكفارة في هذه المسألة ، إلا شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في الجزء الثاني من مقنعة ولم يذكرها في كتاب الصيام منها ، ولا في غيرها من كتبه ، وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله ، ومن تابعهما ، وقلّد كتبهما ، أو يتعلّق (٢) بأخبار الآحاد التي ليست عند أهل البيت عليهم‌السلام حجة ، على ما شرحناه ، فلم يبق في المسألة ، إلا لزوم دليل الأصل ، وهو براءة الذمة ، فمن شغلها بشي‌ء ، يحتاج إلى دليل شرعي ، ولا دليل له على ذلك.

__________________

(١) في ط وج : يفيده

(٢) في ط وج : ويتعلق.

٣٩٧

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين ، ثم مات ، تصدق عنه ، عن شهر ، ويقضي عنه وليه ، شهرا آخر ، هذا مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته (١) أورده ، وقال في جمله وعقوده : وكل صوم كان واجبا على المريض ، بأحد الأسباب الموجبة له ، ثمّ مات ، تصدق عنه ، أو يصوم عنه وليه (٢) وهذا أولى ممّا ذكره في نهايته.

وقال السيد المرتضى ، في انتصاره : يتصدق عنه لكل يوم بمد ، من طعام ، فإن لم يكن له مال ، صام عنه وليه ، فإن كان له وليان ، فأكبرهما (٣).

وقال شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في كتاب الأركان : يجب على وليه أن يقضي عنه كل صيام فرّط فيه ، من نذر ، أو كفارة ، أو قضاء رمضان.

قال مصنّف هذا الكتاب : والذي أقوله في ذلك ، أنّ هذين الشهرين ، إن كانا نذرا ، وقدر على الإتيان بهما ، فلم يفعل ، فالواجب على وليه ، وهو أكبر أولاده الذكور ، الصيام للشهرين ، ويكون تكليفه ذلك ، لا يجزيه غيره ، وإن كان عليه كفارة مخيّرة فيها ، فإنّه أيضا مخير ، في أن يصوم شهرين ، أو يكفر من ماله ، قبل قسمة تركته ، أعني الولي ، ولا يتعيّن عليه الصيام ، ولا يجزيه ، إلا أن يفعل من الكفارة جنسا واحدا ، أمّا صياما ، أو إطعاما ، هذا إذا كانت الكفارة مخيرا فيها ، فليتأمل ما قلنا من فقه المسألة.

قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله : والمرأة أيضا ، حكمها ما ذكرناه ، في أن ما يفوتها من الصيام ، بمرض أو طمث ، لا يجب على أحد القضاء عنها ، إلا أن تكون قد تمكنت من القضاء ، فلم تقضه ، فإنّه يجب القضاء عنها ، ما يفوتها بالسفر ، حسب ما قدّمناه في حكم الرجال ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر

__________________

(١) النهاية : كتاب الصوم ، باب حكم المريض والعاجز عن الصيام.

(٢) الجمل والعقود : كتاب الصيام ، فصل في حكم المريض والعاجز عن الصيام ، رقم ٣ من أحوال المريض

(٣) الانتصار : كتاب الصوم ، مسألة ١٦.

٣٩٨

الطوسي رحمه‌الله في نهايته (١) ، والصحيح من المذهب ، والأقوال ، انّ إلحاق المرأة في هذا الحكم بالرجال ، يحتاج إلى دليل ، وانّما إجماعنا منعقد ، على الوالد يتحمل ولده الأكبر ، ما فرط فيه من الصيام ، ويصير ذلك تكليفا للولد ، وكذلك ما يفوته من صلاة مرضته التي توفّي فيها ، يجب على الولد الأكبر الذكر ، قضاء ذلك عنه ، فأمّا ما فاته من الصلوات في زمانه كلّه ، سواء كان صحيحا ، أو مريضا ، لا يجب على الولد القضاء عنه ، إلا ما فاته في مرضته التي مات فيها ، على ما بيّناه ، وليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا ، وانّما أورده شيخنا إيرادا لا اعتقادا ، وأورد في جمله وعقوده فقال : فإن برئ المريض ، وجب عليه القضاء ، فإن لم يقض ، ومات ، وجب على وليه القضاء ، والولي هو أكبر أولاده الذكور ، فإن كانوا جماعة ، في سن واحد ، كان عليهم القضاء بالحصص ، قال : أو يقوم به بعضهم ، فيسقط عن الباقين (٢) وهذا غير واضح ، لأنّ هذا تكليف كل واحد بعينه ، وليس هو من فروض الكفايات ، بل من فروض الأعيان ، فإذا صام واحد منهم ما يجب على جميعهم ، لم تبرأ إلا ذمّة من صام ما وجب عليه ، فحسب ، وذمم الباقين مرتهنة ، حتى يصوموا ما تعيّن عليهم ، ووجب في ذمّة كل واحد بانفراده.

والذي تقتضيه الأدلة ، ويجب تحصيله في هذه الفتيا ، أنّه لا يجب على واحد منهم قضاء ذلك ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، والإجماع غير منعقد على ذلك ، والقائل بهذا ، شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله ، والموافق له من أصحابنا المصنّفين قليل جدا ، والسيد المرتضى ، لم يتعرّض لذلك ، وكذلك شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، وغيرهما ، من المشيخة الجلّة ، وانّما أجمعنا على تكليف

__________________

(١) النهاية : كتاب الصوم ، باب حكم المريض والعاجز عن الصيام ـ بزيادة ( حكم ) بين حكمها وما ذكرناه.

(٢) الجمل والعقود : كتاب الصيام ، فصل في حكم المريض والعاجز عن الصيام رقم ١ بدون كلمة ( المريض ).

٣٩٩

الولد الأكبر ، وليس هاهنا ولد أكبر ، والتعليل غير قائم هاهنا ، من استحقاقهم السيف ، والمصحف ، وثياب بدنه ، فجميع ما قيل ، وورد في عين مسألة الولد الأكبر ، لم يصح في الجماعة.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار ، إذا علم الإنسان من حال نفسه ، أنّه إن صام ، زاد ذلك في مرضه ، أو أضرّ به ، والإنسان على نفسه بصيرة ، وسواء الحكم ، أن يكون المرض في الجسم ، أو يكون رمدا ، أو وجع الأضراس ، فإنّ عند جميع ذلك ، يجب الإفطار مع الخوف من الضرر.

والعاجز عن الصيام ، على ثلاثة أضرب ، الأول : لا يجب عليه قضاء ، ولا كفارة ، وهو الشيخ الهم ، والشيخة كذلك ، اللذان لو تكلفا الصوم بمشقة ، لما أطاقاه.

الثاني : يكفّر ، ولا قضاء عليه ، وهو الشيخ الذي إذا تكلّفه أطاقه ، لكن بمشقة شديدة يخشى المرض منها ، والضرر العظم ، فانّ له أن يفطر ، ويكفّر عن كل يوم بمد من طعام ، وكذلك الشاب ، إذا كان به العطاش ، الذي لا يرجى شفاؤه ، فإن كان العطاش عارضا ، يتوقع زواله ، ويرجى برؤه ، أفطر ، ولا كفارة عليه ، فإذا برئ وجب عليه القضاء.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله : يجب على هذا الذي يرجى برؤه ، ويتوقع زواله ، القضاء والكفارة ، وهذا القول غير واضح ، لأنّه بخلاف القرآن ، وإجماع الطائفة ، وما اخترناه مذهب السيد المرتضى ، وشيخنا المفيد رضي‌الله‌عنهما ، وهو الصحيح ، لأنّ هذا مريض ، والمريض بالإجماع ، يجب عليه الإفطار ، فإذا برئ ، يجب عليه القضاء ، من غير كفارة ، بغير خلاف في ذلك ، فمن أوجب الكفارة هاهنا يحتاج إلى دليل.

الثالث : الحامل المقرب ، والمرضع القليلة اللبن ، إذا خافتا على ولدهما من الصوم الضرر ، أفطرتا ، وتصدقتا عن كل يوم بمد من طعام ، وتقضيان ذلك اليوم ، وقد ذهب بعض أصحابنا ، إلى أنّه لا قضاء عليهما ، وهو الفقيه سلار ،

٤٠٠