كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

الله الرحمن الرحيم ، وأوجبوا قراءتهما في الفرائض في ركعة ، وأن لا يفصل بينهما ، ومثله قالوا في سورة ألم تر كيف ولإيلاف ، وفي المصحف هما سورتان ، فصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم (١).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : والذي تقتضيه الأدلة ، وعليه الإجماع ، انّ الإنسان إذا أراد قراءة ألم نشرح مع سورة الضحى بسمل في الضحى وفي ألم نشرح ، والدليل على ذلك إثبات البسملة في المصحف ، فلو لم تكن البسملة من جملة السورة ما جاز ذلك ، وهو إجماع من المسلمين ، ولا يمنع مانع أن يكون في سورة واحدة بسملتان ، كما في سورة النّمل ، وأصحابنا أطلقوا القول بقراءتهما جميعا ، فمن أسقط البسملة بينهما ما قرأهما جميعا.

وأيضا فلا خلاف في عدد آياتهما فإذا لم يبسمل بينهما نقصتا من عددهما ، فلم يكن قد قرأهما جميعا.

وشيخنا أبو جعفر يحتج على المخالفين ، بأنّ البسملة آية من كل سورة ، بأنّها ثابتة في المصاحف ، يعني البسملة ، بإجماع الأمّة بخلاف العشرات ، وهو موافق بإثبات البسملة بينهما ، في المصحف.

وأيضا طريق الاحتياط يقتضي ذلك لأن بقراءة البسملة تصح الصّلاة بغير خلاف وفي ترك قراءتها خلاف ، وكل سورة تضم إلى أمّ الكتاب يجب أن يبتدئ فيها ـ ببسم الله الرحمن الرحيم.

ويتحتم الحمد عندنا في الركعتين الأوليين ، من كل فريضة ، وهل يجب أن يضمّ إليها سورة أخرى أم تجزي بانفرادها للمختار؟ اختلف أصحابنا على قولين ، فبعض منهم يذهب إلى أنّ قراءة الحمد وحدها تجزي للمختار ، وبعضهم يقول لا بدّ من سورة أخرى مع الحمد ، وتحتمها كتحتم الحمد ، وهو الأظهر من

__________________

(١) التبيان : ج ١٠ الطبع الحديث في ذيل سورة الانشراح.

٢٢١

المذهب. وبه يفتي السيد المرتضى ، والشيخ أبو جعفر في مسائل خلافه (١) وفي جمله وعقوده (٢) والاحتياط يقتضي ذلك.

فأمّا الآخرتان فلا خلاف بينهم في أن الحمد لا يتعيّن ، بل الإنسان مخيّر بين الحمد والتسبيح.

واختلفوا في عدد التسبيح ، منهم من قال أقلّه أربع تسبيحات ، وهو مذهب شيخنا المفيد رحمه‌الله ، ومنهم من يقول الواجب عشر تسبيحات ، ومنهم من يقول الواجب اثنتا عشرة تسبيحة ، والذي أراه ويقوى عندي العشر ، وأخصّ الأربع للمستعجل.

فإن أراد أن يقرأ الحمد ، يجب عليه الإخفات بجميع حروفها على ما مضى شرحنا لذلك ، فإن أراد التسبيح فالأولى له الإخفات به ، فإن جهر به لا يبطل صلاته ، وحمله على القراءة قياس ، والقياس عند أهل البيت عليهم‌السلام متروك ، فإن جهر بالقراءة في الحمد بطلت صلاته ، إذا فعل ذلك متعمدا.

ولا بأس بقراءة المعوذتين في الفريضة ، ولا يلتفت إلى خلاف ابن مسعود ، « في أنّهما ليستا من القرآن ».

ولا بأس للمعجل والعليل بأن يقتصرا في الفريضة على أم الكتاب وحدها.

وللمصلّي إذا بدأ بسورة ، أن يرجع عنها ما لم يبلغ نصفها ، إلا قل هو الله أحد وقل يا أيّها الكافرون ، فإنّه لا يرجع عنهما ، وهما أفضل ما قرئ في الصّلاة.

ويستحب له أن يقرأ في صلاة الصبح بعد الفاتحة ، سورة من طوال المفصل ، مثل هل أتى على الإنسان ، وإذا الشمس كوّرت ، وما أشبه ذلك.

ويستحب له أن يقرأ في صلاة الليل بشي‌ء من السّور الطوال ، مثل

__________________

(١) كتاب الخلاف : في كتاب الصلاة ، المسألة ٨٦.

(٢) الجمل والعقود : في فصل في ذكر ما يقارن حال الصلاة.

٢٢٢

الكهف ، والأنعام ، والحواميم.

وأن يقرأ في صلاة المغرب ، والعشاء الآخرة من ليلة الجمعة ، في الأولى الحمد ، وسورة الجمعة ، وفي الثانية الحمد ، وسبّح اسم ربّك الأعلى.

وفي صلاة الفجر من يوم الجمعة في الأولى ، الحمد والجمعة ، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد. وروي مكان قول هو الله أحد ، سورة المنافقين (١). وفي الظهر والعصر ، الجمعة والمنافقين ، تقدم الجمعة في الاولى ، وتؤخّر سورة المنافقين في الثانية.

وإن كنت مصليا الفجر ، أو المغرب ، أو العشاء الآخرة ، أو نوافل الليل جهرت بالقراءة في الركعتين الأولتين ، وهما اللتان يتعين فيهما القراءة.

وإن كنت مصلّيا ما عدا ذلك ، من ترتيب اليوم والليلة ، خافت ، من غير أن تنتهي إلى حدّ لا تسمع معه أذناك ما تقرؤه.

والجهر فيما يجب الجهر فيه واجب ، على الصحيح من المذهب ، حتى أنّه إن تركه متعمدا ، بطلت صلاته ، ووجبت عليه الإعادة وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في مصباحه ، ذلك من السنن المؤكّدة ومن جهر فيما يجب فيه الإخفات متعمدا ، وجبت عليه الإعادة.

وأدنى الجهر أن تسمع من عن يمينك ، أو شمالك ، ولو علا صوته فوق ذلك لم تبطل صلاته.

وحدّ الإخفات أعلاه أن تسمع أذناك بالقراءة ، وليس له حدّ أدنى ، بل إن لم تسمع أذناه القراءة فلا صلاة له ، وإن سمع من عن يمينه أو شماله صار جهرا ، فإذا فعله عامدا بطلت صلاته.

وينبغي أن يرتّل قراءته ، ويبيّنها ، ولا يعجل فيها ، فإذا فرغ من قراءته كبّر ،

__________________

(١) الوسائل : كتاب الصلاة ، الباب ٧٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١٠.

٢٢٣

رافعا يديه حيال وجهه ، على ما تقدّم ذكره ، ثمّ يركع.

وينبغي للراكع أن يمدّ عنقه ، ويسوّي ظهره ، ويفتح إبطيه مجنّحا بهما عن ملاصقة أضلاعه ، ويملأ كفيه من ركبتيه مفرقا بين أصابعه ، ويجعل رأسه حذاء ظهره ، غير منكّس له ، ولا رافع ، ولا يجمع بين راحتيه ، ويجعلهما بين ركبتيه ، لأنّ ذلك هو التطبيق المنهي عنه.

وليكن نظره في حال الركوع إلى ما بين رجليه ، ويقول في ركوعه : اللهم لك ركعت ، ولك خشعت ، ولك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وأنت ربي ، خشع لك قلبي ، وسمعي ، وبصري ، وشعري ، وبشري ، ولحمي ، ودمي ، ومخي ، وعظامي ، وعصبي ، وما أقلّته الأرض منّي ، ثم يقول : سبحان ربي العظيم وبحمده ، إن شئت ثلاثا ، وإن شئت خمسا ، وإن شئت سبعا ، والزائد أفضل ، وتسبيحة واحدة يجزي ، وهو أن يقول : سبحان الله ، أو يذكر الله تعالى بأن يقول : لا إله إلا الله والله أكبر ، وما أشبه من ذلك من الذكر الذي يقتضي المدحة والثناء.

وقال بعض أصحابنا : أقل ما يجزي تسبيحة واحدة ، وكيفيتها أن يقول : سبحان ربي العظيم وبحمده ، فإذا قال : سبحان الله لا يجزيه ، والأول أظهر ، لأنّه لا خلاف بينهم في أن التسبيح لا يتعيّن ، بل ذكر الله تعالى ، ولا خلاف في أن من قال سبحان الله فقد ذكر الله تعالى ، والأصل براءة الذمة في هذه الكيفية المدعاة ، لأنّ الكيفيات عبادات زائدة على الأفعال.

والقول في تسبيح السجود والخلاف فيه ، كالقول في تسبيح الركوع.

ثمّ يرفع رأسه من الركوع ، وهو يقول بعد فراغه من الرفع : سمع الله لمن حمده ، الحمد لله رب العالمين ، أهل الكبرياء والعظمة والجود والجبروت. والرفع واجب ويستوي قائما.

والطمأنينة واجبة في القيام ، وكذلك في الركوع ، بقدر ما ينطق بالذكر

٢٢٤

الواجب ، وما زاد على ذلك فمستحب.

وينبغي للمرأة إذا ركعت أن يكون تطأطؤها دون تطأطؤ الرجل ، وتضع يديها على فخذيها ، إذا أهوت للركوع.

ويكون قيامها ، وهي جامعة بين قدميها غير مباعدة بينهما.

فإذا عاد الراكع إلى انتصابه واستوى قائما ، كبّر رافعا يديه على ما تقدّم ، وأهوى إلى السجود ، ويلتقي الأرض بيديه جميعا قبل ركبتيه ، ويكون سجوده على سبعة أعظم : الجبهة ، ومفصل الكفين من الزندين ، وعظمي الركبتين ، وطرف إبهامي الرجلين.

والإرغام بطرف الأنف ممّا يلي الحاجبين ، وهو من السنن المؤكدة ، والسجود على السّبعة الأعضاء فريضة ، والثامن سنة وفضيلة.

ومن كان في جبهته علّة ، ووصل إلى الأرض من حدّ قصاص شعر رأسه إلى الحاجبين مقدار الدرهم ، أجزأه ، فإن لم يتمكن من ذلك أجزأه أن يسجد على ما بين الجبهة والصدغين منحرفا ، فإن لم يتمكن من ذلك ، سجد على ذقنه.

وينبغي أن يتخوى في سجوده كما يتخوى البعير الضامر عند بروكه ، ومعنى يتخوى يتجافى ، يقال خوّى البعير تخوية : إذا جافى بطنه عن الأرض في بروكه ، وكذلك الرّجل في سجوده ، وهو أن يكون معلّقا لا يلصق عضديه بجنبيه ، ولا ذراعيه بعضديه ، ولا فخذيه ببطنه ، ولا يفترش ذراعيه كافتراش السّبع ، بل يرفعهما ، ويجنّح بهما ، ويكون نظره في حال السجود إلى طرف أنفه.

وجملة الأمر وعقد الباب ، في نظر المصلّي ، في جميع صلاته على خمسة أضرب ، وهي مستحبة حال قيامه ، قارئا إلى موضع سجوده ، وفي حال قنوته إلى باطن كفيه ، وحال ركوعه إلى ما بين قدميه ، وفي هذه الحال خاصّة يستحب أن يكون مغمض العينين ، وفي حال سجوده إلى طرف أنفه ، وفي حال جلوسه إلى حجره.

ويكره للساجد أن ينفخ موضع سجوده ، فإن كان نفخه بحرفين فقد قطع صلاته.

٢٢٥

ولا بأس بأن تكون أعضاء السجود غير الجبهة مستورة ، وتقع على غير ما يجوز السجود عليه ، وإن كانت بارزة ، وعلى ما تقع عليه الجبهة كان أفضل.

وينبغي أن يكون موضع سجوده مساويا في العلو والهبوط لموضع قيامه ، ويقول في السجود : اللهم لك سجدت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، وعليك توكلت ، وأنت ربي ، سجد لك وجهي ، وجسمي ، وشعري ، وبشري ، ومخي ، وعصبي ، وعظامي ، سجد وجهي للذي خلقه وصوّره ، وشق سمعه وبصره ، تبارك الله أحسن الخالقين ، سبحان ربي الأعلى وبحمده.

الواجبة واحدة ، والمستحب ثلاث ، والأفضل خمس ، والأكمل سبع ، وقد ذكرنا فيما تقدّم فقه ذلك.

سجود التلاوة في جميع القرآن مسنون إلا أربع سور ، فإن فيها سجودا واجبا ، على ما قدّمناه على القاري والسّامع والمستمع وهو الناصت.

وذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ، إلى أنّه يجب على القاري والمستمع ، دون السامع ، وهو اختيار الشافعي (١). فأما باقي أصحابنا ، لم يفصّلوا ذلك ، وأطلقوا القول بأنّ سجود أربع المواضع يجب على القاري ومن سمع ، وهو الصحيح ، وعليه إجماعهم منعقد.

وروى أبو بصير ، (٢) قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها ، فاسجد وإن كنت على غير وضوء ، وإن كنت جنبا ، وإن كانت المرأة لا تصلّي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت ، وإن شئت لم تسجد.

وينبغي للمرأة إذا أرادت السجود أن تجلس ، ثم تسجد لاطئة بالأرض ،

__________________

(١) كتاب الخلاف : كتاب الصلاة ، مسألة ١٧٩.

(٢) الوسائل : كتاب الصلاة ، الباب ٤٢ من أبواب قراءة القرآن ، ح ٢.

٢٢٦

مجتمعة ، واضعة ذراعيها على الأرض ، بخلاف ما ذكرناه في هيأه سجود الرجل ، ولو كانت على هيأه الرجل لم تبطل بذلك صلاتها ، ولو كان الرجل على هيأتها لم تبطل بذلك صلاته ، وانّما سنّ لها هذه الهيأة وللرجل تلك الهيأة.

ثم يرفع رأسه من السجود ، رافعا يديه بالتكبير ، مع رفع رأسه ، ويجلس متمكنا على الأرض ، مفترشا فخذه اليسرى مماسا بوركه الأيسر ، مع ظاهر فخذه اليسرى الأرض ، رافعا فخذه اليمنى عنها ، جاعلا بطن ساقه الأيمن على بطن رجله اليسرى ، (١) مبسوطة على الأرض ، وباطن فخذه اليمني على عرقوبه الأيسر ، وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض ، ويستقبل بركبتيه معا القبلة ولا بأس بالإقعاء بين السجدتين من الاولى والثانية والثالثة والرابعة ، وتركه أفضل ، ويكره أشد من تلك الكراهة في حال الجلوس للتشهدين ، وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا : ولا يجوز الإقعاء في حال التشهدين ، وذلك على تغليظ الكراهة ، لا الحظر ، لأنّ الشي‌ء إذا كان شديد الكراهة قيل لا يجوز ، ويعرف ذلك بالقرائن.

ويستحب أن يكبّر لرفع رأسه من السجود ، بعد التمكن من الجلوس ، وكذلك الراكع يكون قوله سمع الله لمن حمده بعد انتصابه قائما ، وأنّه إذا كان تكبيره للدخول في فعل من أفعال الصّلاة ، ابتدأ بالتكبير في حال الابتداء به ، وإذا كان تكبيره للخروج عنه ، جعل التكبير بعد الانفصال عنه ، وحصوله فيما يليه.

وينبغي أن يكون نظر الجالس إلى حجره على ما قدّمناه ، ويقول في الجلسة بين السجدتين : اللهم اغفر لي ، وارحمني ، وادفع عني ، واجبرني ، إني لما أنزلت إليّ من خير فقير.

ثم يرفع يديه بالتكبير ، ويسجد الثانية على الوصف الذي مضى في الأولة.

__________________

(١) في المطبوع : وظاهرها مبسوطة.

٢٢٧

ثم يرفع رأسه ويكبر ، ويجلس متمكنا على الأرض على ما تقدّم من وصفه ، ثم ينهض إلى الركعة الثانية وهو يقول : بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، فإذا استوى قائما قرأ الحمد وسورة معها ، فإذا فرغ من القراءة ، بسط كفيه ، حيال صدره ، إلى القنوت ، وجعل باطنهما مما يلي السماء ، وظاهرهما مما يلي الأرض.

ويكون نظره إلى باطنهما ، على ما أسلفنا القول فيه.

والأفضل أن يكون ظاهرهما يلي السماء وباطنهما يلي الأرض في جميع الصلاة إلا في حال القنوت.

وتكون الأصابع مضمومة ، إلا الإبهام ، إلا في الركوع ، فيستحب أن تكون مفرجات الأصابع.

ويكبر للقنوت على أظهر الأقوال ، وبعض أصحابنا يذهب إلى أن تركه أفضل.

والذي ينبغي أن يكون في القنوت على الجملة حمدا لله ، والثناء عليه ، والصلاة على نبيه وآله ، وهو مخيّر بعد ذلك في ضروب الأدعية ، وروي أنّ أفضل ذلك كلمات الفرج (١) ويجوز للقانت أن يدعو لنفسه ، ويسأل حاجته في قنوته ، ويدعو على أعداء الدين ، والظلمة ، والكافرين ، ويسميهم بأسمائهم ، فإنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قنت ودعا على قوم من الكافرين ، وسمّاهم بأسمائهم ، فروي أنّه قال : اللهم انج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، ( وعياش بن أبي ربيعة ) والمستضعفين من المؤمنين ، وفي بعضها والمستضعفين بمكة ، واشدد وطأتك على مضر ، ورعل ، وذكوان (٢).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : رعل بالراء غير المعجمة المكسورة ، والعين غير المعجمة المسكنة ، واللام ، وذكوان بالذال المعجمة ، وهما قبيلتان من بني سليم.

__________________

(١) الوسائل : كتاب الصلاة ، الباب ٧ من أبواب القنوت ، ح ٤.

(٢) مستدرك الوسائل : كتاب الصلاة الباب ١٠ من أبواب القنوت ، ح ٤.

٢٢٨

وروي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا أيضا في الصّلاة واستعاذ من فتنة المحيا والممات ، وفتنة المسيح الدجال (١).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : المسيح بالحاء غير المعجمة ، وسمي مسيحا لأنّ عينه ممسوحة خلقة.

ولا بأس ان تسمّت العاطس وأنت في الصلاة ، يقول يرحمك الله ، لأنّه دعاء لا يقطع الصلاة.

ورعل وذكوان والمسيح ، أوردهم شيخنا في مسائل خلافه (٢) ، فذكرتهم لئلّا يجري تصحيف ، وكذلك فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام.

والقنوت مستحب في جميع الصلوات الفرض والسنة ، وهو في الفرض آكد ، وفيما يجهر فيه بالقراءة آكد ، وفي المغرب والفجر آكد ، ومحلّه بعد القراءة في الثانية ، وقبل الركوع ، وهو قنوت واحد في الصلاة.

وروي أنّ في الجمعة قنوتين (٣) ، والأظهر الأوّل ، لأنّ هذا مروي من طريق الآحاد ، والقنوت الواحد مجمع على استحبابه.

ويجهر به في الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة ، ويخافت به فيما يخافت فيه بالقراءة.

وقد روي أنّ القنوت يجهر به على كل حال (٤).

فإذا فرغ من قنوته رفع يديه ، وكبر للركوع على ما وصفناه ، وسجد السجدتين ، فإذا جلس من السجدة الثانية متمكنا على ما تقدّم به الوصف ، وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى ، دون ركبتيه ، وكفه اليسرى على فخذه اليسرى دون ركبتيه.

ثم ليقل إن كان مصليا فرضا سوى الفجر : بسم الله وبالله ، والحمد لله ،

__________________

(١) كتاب الخلاف : كتاب الصلاة ، مسألة ١٣٣.

(٢) كتاب الخلاف : كتاب الصلاة ، مسألة ١٣٣.

(٣) الوسائل : الباب ٥ من أبواب القنوت ، ح ٥ و ٨ و ٩.

(٤) الوسائل : الباب ٢١ من أبواب القنوت ، ح ١.

٢٢٩

والأسماء الحسنى كلها لله ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا ، بين يدي السّاعة ، اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد ، كأفضل ما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وإن كان في صلاة الفجر يتشهد كتشهد الذي نذكره ، وفي أثره التسليم.

فإذا فرغ من التشهد الذي ذكرناه ، نهض قائما وهو يقول : بحول الله وقوته أقوم وأقعد.

وبعض أصحابنا ينهض إلى الركعات بالتكبير ، لا بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، وهو مذهب شيخنا المفيد رحمه‌الله : ولا يكبر للقنوت ، لأنّه جعل في الصّلوات الخمس أربعا وتسعين تكبيرة ، وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله بخمس وتسعين تكبيرة ، وهو الأظهر في الأقوال والروايات ، فالخلاف بينهما في تكبيرة واحدة ، لأنّ الشيخ المفيد يقول : انا أقوم إلى الثوالث بالتكبير ، فلأربع فرائض ، لهن ثوالث ، ففيهن أربع تكبيرات ، والفجر لا ثالثة لها ، فلا تكبيرة لها ويوافق في أعداد التكبيرات الباقيات في أحوال الصلاة ، ولا يقنت ـ بالتكبير.

والشيخ أبو جعفر رحمه‌الله يقول : أنا اقنت في الخمس الفرائض ، أمد يدي بالتكبير ، فيهن خمس تكبيرات ، وعدد التكبيرات في الخمس الصلوات خمس وتسعون تكبيرة ، خمس منها تكبيرة الإحرام واجبة ، وتسعون مسنونة ، منها خمس للقنوت ، في الظهر اثنتان وعشرون تكبيرة ، وفي العصر والعشاء الآخرة مثل ذلك ، وفي المغرب سبع عشرة تكبيرة ، وفي الفجر اثنتا عشرة تكبيرة.

ويسبح في الركعتين الآخرتين من الظهر ، والعصر والعشاء الآخرة ، وفي الركعة الثالثة من المغرب عشرة تسبيحات ، على ما مضى القول فيه يقول : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله » ثلاث مرات ، ويزيد في الثالثة « والله أكبر » ، وإن شاء قرأ الحمد ، والتسبيح أفضل ، على الأظهر من المذهب ،

٢٣٠

وبعض أصحابنا لا يفضّل أحدهما على الآخر ، وبعضهم يقول توسطا بين الأخبار ، الحمد أفضل للإمام خاصّة.

فإذا جلس للتشهد الثاني ، قال : التحيات لله ، والصلوات الطيبات الطاهرات الزاكيات الناعمات الغاديات الرائحات المباركات الحسنات لله ، ما طاب وطهر وزكى وخلص ( بفتح اللام ) ونمى أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، وأشهد أنّ الجنة حق ، وأنّ النار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ، وأشهد أنّ ربي نعم الرب ، وأنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله نعم الرسول ، وأشهد أنّ ما على الرسول إلا البلاغ المبين ، اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد ، وبارك على محمد وآل محمّد ، كأفضل ما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ـ والصلاة على محمّد والصلاة على آله واجبتان في التشهدين جميعا ، الأوّل والأخير ـ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام على أنبياء الله المرسلين ، وعلى ملائكته المقربين ، السلام على محمّد بن عبد الله خاتم النبيّين ، السلام على عباد الله الصالحين.

ثم يسلّم تسليمة واحدة مستقبل القبلة ، وينحرف بوجهه قليلا إلى يمينه إن كان منفردا ، أو إماما وإن كان مأموما يسلم تسليمتين ، واحدة عن يمينه على كلّ حال ، واخرى عن شماله ، إلا أن تكون جهة شماله خالية من أحد فيسلّم عن يمينه ويدع التسليم على شماله ، ولا يترك التسليم عن يمينه على كل حال ، كان في تلك الجهة أحد ، أو لم يكن على ما قدّمناه ، والذي ذكرناه من كيفية التشهدين فضل ، لا حرج على تاركه ، وأدنى ما يجزى فيهما ، الشهادتان ، والصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والصلاة على آله عليهم‌السلام.

والتسليم ، الأظهر أنّه مستحب ، وذهب السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه إلى

٢٣١

وجوبه ، وأحتج بما روي عنه عليه‌السلام من قوله : مفتاحها التكبير وتحليلها التسليم (١).

وهذا أولا خبر واحد ، لا يوجب علما ولا عملا ، خصوصا عند هذا السّيد ، وأيضا لو كان متواترا ، فهو دليل الخطاب ، ودليل الخطاب أيضا عنده وعندنا متروك بدليل آخر ، وأيضا فما روي عنه عليه‌السلام من قوله : إنّما صلاتنا هذه تكبير وقراءة وركوع وسجود (٢) يعارض خبره ، وفيه ما يقويه وهو لفظة « إنما » المحققة المثبتة للمذكور ، النافية لما عداه ، وما ذكر التسليم انّه من جملة صلاتنا ، وأيضا لو كان منها لكان إذا سلّم المصلي ساهيا أو ناسيا في غير موضع التسليم ، لا يجب عليه سجدتا السّهو ، ولا يقطع صلاته به وهذا الا يقوله أحد من أصحابنا.

وما اخترناه مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي في نهايته (٣) وجمله وعقوده (٤) وهو مذهب شيخنا المفيد رضي‌الله‌عنه ، والأصل براءة الذّمة ، فإن المرتضى قال في الناصريات : ما وجدت لأصحابنا في ذلك نصّا (٥) فقد أقرّ أنّه لم يجد لهم في ذلك نصا ولا قولا.

وقد ورد عنهم عليهم‌السلام انّهم قالوا : اسكتوا عما سكت الله عنه (٦) وهذا من ذلك.

ويستحب بعد التسليم والخروج من الصلاة أن يكبّر وهو جالس ثلاث تكبيرات يرفع بكل واحدة يديه إلى شحمتي أذنيه ، ثمّ يرسلهما إلى فخذيه في ترسّل واحد.

__________________

(١) الوسائل : الباب ١ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٧. والباب ١ من أبواب التسليم ، ح ٨ نقلا بالمعنى.

(٢) عوالي اللئالي : ج ١ ، ص ٤٢١.

(٣) النهاية : كتاب الصلاة ، باب فرائض الصلاة وسننها.

(٤) الجمل والعقود : في فصل ٩ في ذكر ما يقارن حال الصلاة.

(٥) الناصريات : المسألة ٨٢ من كتاب الصلاة.

(٦) عوالي اللئالي : ج ٣ ، ص ١٦٦.

٢٣٢

ثمّ يقول لا إله إلا الله وحده وحده وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وأعزّ جنده ، وغلب الأحزاب وحده ، فله الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ويميت ويحيي ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شي‌ء قدير.

ثمّ يسبح تسبيح الزّهراء عليها‌السلام ، وهو أربع وثلاثون تكبيرة ، التكبير أوّل بلا خلاف ، وثلاث وثلاثون تحميدة على الصحيح من المذهب ، وأنّه بعد التكبير ، وقال بعض أصحابنا يجعل التسبيح بعد التكبير ، والأول أظهر في الفتوى والقول ، وثلاث وثلاثون تسبيحة.

ثمّ يصلّي على النبي ، ويستغفر من ذنوبه ، ويدعو بما أحبّ ، ويسجد سجدة الشكر ، وصفتها أن يلصق ذراعيه وجؤجؤه بالأرض ، ويضع جبهته على موضع سجوده ، ثمّ خدّه الأيمن ، ثمّ خده الأيسر ، ثم يعيد جبهته ، ويدعو الله في خلال ذلك ، ويسبحه ويعترف بنعمته ، ويجتهد في الشكر عليها.

وقد روي (١) فيما يقال في سجدة الشكر أشياء كثيرة ، من أرادها أخذها من مواضعها ، وأوجزها أن يقول : شكرا شكرا شكرا ويكرر ذلك مرارا ، أدناها ثلاثا ، أو حتى ينقطع النفس ، وإن شاء عفوا عفوا.

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول إذا سجد : وعظتني فلم أتعظ ، وزجرتني عن محارمك فلم أنزجر ، وغمرتني أياديك فما شكرت ، عفوك عفوك يا كريم (٢).

ويستحب له إذا رفع رأسه من السّجود ، أن يضع باطن كفه اليمنى على موضع سجوده ، ثمّ يمسح بها وجهه وصدره.

وهذا التعقيب يستحب في دبر كلّ فريضة ونافلة ، والسجود والتعفير ، إلا

__________________

(١) الوسائل : الباب ٦ من أبواب سجدتي الشكر.

(٢) الكافي : كتاب الصلاة ، باب السجدة والتسبيح والدعاء فيه ، ح ٢١.

٢٣٣

فريضة المغرب ، فالمستحب أن يكون تعقيبها بهذا الدّعاء ، والسّجود والتعفير ، ما خلا تسبيح الزّهراء ، فإنّه بعد نافلتها ، وبذلك تظاهرت الآثار عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام ، ومن سجد وعقّب بما ذكرناه كان فاعلا فضلا ، ومن ترك ذلك فلا شي‌ء عليه.

وسجدة الشكر مستحبة عند تجديد نعم الله ، ودفع البلايا والنقم ، وأعقاب الصلوات.

وروي عنه عليه‌السلام انه لما أتى برأس أبي جهل لعنه الله تعالى سجد شكرا لله (١).

وروي (٢) أنه رأى نغاشيا فسجد ، والنغاشي بالنّون المضمومة والغين المعجمة المفتوحة والشين المعجمة المكسورة والياء المشدّدة : الرّجل القصر الزري.

باب ذكر أحكام الأحداث التي تعرض في الصّلاة وما يتبع ذلك

كلّ شي‌ء عرض للإنسان في الصلاة ، على وجه لا يتمكن من دفعه ، وهو مما لا ينقض الطهارة ، كالقي‌ء ، والرعاف ، فعليه أن يغسله ، ويزيله ، ويعود فيبني على ما مضى من صلاته ، بعد أن لا يكون قد استدبر القبلة ، وزال عن جهتها بالكلية ، أو أحدث ما يوجب قطع الصلاة من كلام أو غيره أو ما يوجب نقض الطهارة من سائر الأحداث إلا أن يكون تكلّم ناسيا في الحال التي يأخذ فيها في إزالة ما عرض له من الرعاف الذي يلزم معه إزالته من ثيابه وبدنه ، وهو أن يكون بلغ درهما فصاعدا.

فإما القي‌ء ، فلا يجب عليه إزالته ولا انصرافه من صلاته ، لأنّه عندنا طاهر لم يكن عليه شي‌ء ، وجاز له البناء على ما مضى ، ويجري ذلك مجرى أن يتكلّم في

__________________

(١) كتاب الخلاف : كتاب الصلاة ، مسألة ١٨٢.

(٢) كتاب الخلاف : كتاب الصلاة ، مسألة ١٨٢.

٢٣٤

الصلاة ناسيا ، وكذلك من سلّم في غير موضع التسليم ناسيا ثمّ تكلم بعد سلامه متعمدا ، لأنّ عمده هاهنا في حكم السهو ، لأنّه لو علم انّه في الصلاة بعد ، لم يتكلم ، فيجب عليه البناء على صلاته على الصحيح من أقوال أصحابنا.

وروي خلاف ذلك ، والعمل على ما قدّمناه ، إلا أن يكون في الحال التي أخذ فيها ليزيل الدم أحدث ما ينقض الطهارة ، فيجب عليه الاستيناف عامدا كان أو ناسيا.

وعلى المصلي أن يدرأ هذه العوارض ما استطاع ، فإذا غلبت وقهرت فالحكم ما ذكرناه.

فإن كان ذلك العارض مما ينقض الطهارة كان على المصلّي إعادة الصلاة سواء كان فعله الناقض للطهارة متعمدا أو ناسيا ، في طهارة مائية أو ترابية على الأظهر من المذهب.

وبعض أصحابنا يقول : يعيد الطهارة ويبني على صلاته ، والصحيح الأوّل ، يعضد ذلك دليل الاحتياط فإنّ الصلاة في الذمّة بيقين فلا تسقط عنها إلا بيقين مثله ، وقد علمنا انّه إذا أعاد الصلاة من أوّلها فقد تيقن براءتها ، وليس كذلك إذا بنى على ما صلاه منها فانّ ذمته ما برئت بيقين ، وإذا أعاد فقد برئت بيقين فوجبت الإعادة.

وأيضا ما روي عنه عليه‌السلام من قوله : إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فينفخ بين أليتيه فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا (١) وهذا المحدث الذي كلامنا فيه قد سمع الصوت ووجد الريح فيجب انصرافه عن الصلاة.

فإن قال المخالف : نحن إذا أوجبنا عليه أن ينصرف من الصلاة ليتوضأ ، ثمّ يبني (٢) على ما فعله فقد قلنا بموجب الخبر.

__________________

(١) المستدرك : الباب ١ من نواقض الوضوء ، ح ٥ ، مع اختلاف يسير

(٢) في المطبوع. ويبني

٢٣٥

قلنا : الخبر يقتضي انصرافا عن الصلاة ، وأنتم تقولون انّه ما انصرف عنها ، بل هو فيها وإن تشاغل بالوضوء.

وأيضا فقد روي بالتواتر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : لا صلاة إلا بطهور ، ومن سبقه الحدث فلا طهور له (١) فوجب أن لا يكون في الصلاة ، وأن يخرج لعدم الطهور عنها.

وقد روي أيضا عنه عليه‌السلام أنّه قال : إذا فسا أحدكم في الصلاة ، فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته (٢).

فإن قيل : نحمل هذا الخبر على العمد (٣).

قلنا : ظاهر الخبر يتناول العمد وغير العمد ، ولا يجوز أن نخصه إلا بدليل ، وظاهر الأمر الوجوب ، ولا نحمله على الاستحباب إلا بدليل.

والتبسم الذي لا يبلغ حد القهقهة لا يقطعها.

ويردّ المصلّي السّلام إذا سلّم عليه قولا لا (٤) فعلا ، ولا يقطع ذلك صلاته ، سواء ردّ بما يكون في لفظ القرآن ، أو بما خالف ذلك إذا أتى بالردّ الواجب الذي تبرأ ذمّته به إذا كان المسلّم عليه قال له : سلام عليكم أو سلام عليك أو السلام عليكم أو عليكم السلام (٥) فله أن يرد عليه بأي هذه الألفاظ كان ، لانه ردّ سلام مأمور به ، وينويه ردّ سلام لا قراءة قرآن إذا سلّم الأول بما قدمنا ذكره.

فإن سلّم بغير ما بيّناه ، فلا يجوز للمصلي الردّ عليه ، لأنّه ما تعلّق بذمّته الردّ ، لانّه غير سلام.

وقد أورد شيخنا أبو جعفر رضي‌الله‌عنه في مسائل خلافه (٦) خبرا عن

__________________

(١) الوسائل : كتاب الطهارة ، الباب ١ من أبواب الوضوء ، ح ٦.

(٢) سنن أبي داود : ج ١ كتاب الطهارة ص ٥٣ ح ٢٠٥.

(٣) في المطبوع : أو على الاستحباب

(٤) في المطبوع : أو فعلا.

(٥) أو عليكم السّلام غير موجود في المطبوع

(٦) الخلاف : كتاب الصلاة ، المسألة ١٤١.

٢٣٦

محمّد بن مسلم قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو في صلاته فقلت : السّلام عليكم. فقال : السّلام عليكم. قلت كيف أصبحت؟ فسكت ، فلما انصرف فقلت له أيردّ السّلام وهو في الصلاة؟ قال : نعم مثل ما قيل له (١) أورد هذا الخبر إيراد راض به ، مستشهدا به ، محتجا على الخصم بصحّته.

فأمّا ما أورده في نهايته (٢) فخبر عثمان بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقد ذهب بعض أصحابنا إلى خبر عثمان بن عيسى فقال : ويردّ المصلّي السّلام على من سلّم عليه ويقول له في الرد : سلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم السّلام ، وإن قال له المسلّم : عليكم السّلام ، فلا يرد مثل ذلك بل يقول : سلام عليكم (٣).

والأصل ما ذكرناه ، لأنّ التحريم يحتاج إلى دليل.

ولا بأس إن عرض للمصلي الأمر المهم الذي لا يحتمل التأخّر ، فيشير بيده ، أو يتنحنح ، أو يسبّح ، ليفهم مراده بذلك.

وكذلك لا بأس بقتل الحيّة ، أو العقرب ، أو ما جرى مجراهما ممّا يخاف ضرره في الصلاة.

ولا يجوز التكفير في الصلاة ، وهو أن يضع يمينه على يساره ، أو يساره على يمينه في حال قيامه ، فمن فعل ذلك مختارا في صلاته فلا صلاة له.

فإن فعله للتقية والخوف لم تبطل صلاته.

ويستحب التوجه بسبع تكبيرات منها واحدة فريضة ، وهي تكبيرة الإحرام بينهنّ ثلاثة أدعية في جميع الصلوات المفروضات والمندوبات.

وبعض أصحابنا يذهب إلى أنّ هذا الحكم والتوجه بالسبع في سبع مواضع

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٦ من أبواب قواطع الصلاة ، ح ١ مع اختلاف يسير.

(٢) النهاية : آخر باب السهو في الصلاة وأحكامه.

(٣) الوسائل : الباب ١٦ من أبواب قواطع الصلاة ، ح ٢.

٢٣٧

فحسب ، في أول كلّ فريضة وفي أوّل ركعة من ركعتي الإحرام ، وفي أوّل ركعة من الوتيرة ، وفي أوّل ركعة من صلاة الليل ، وفي المفردة من الوتر ، وفي أوّل ركعة من نوافل المغرب.

وبعض أصحابنا يقول : في الفرائض الخمس يكون التوجه بالسّبع فحسب.

وبعضهم يقول : لا يكون إلا في الفرائض فحسب.

والأوّل أظهر ، لأنّه داخل في قوله تعالى : ( اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) (١) وقوله ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٢) وهذا دعاء ، والمنع يحتاج إلى دليل ، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر في المبسوط (٣) وفي مصباحه (٤).

والعمل القليل الذي لا يفسد الصلاة لا بأس به وحده ما لا يسمى في العادة كثيرا ، مثل إيماء إلى شي‌ء ، أو قتل حيّة أو عقرب ، أو تصفيق أو ضرب حائط تنبيها على حاجة ، وما أشبه ذلك.

وبخلاف ذلك الفعل الكثير الذي ليس من أفعال الصلاة فإنّه يفسدها إذا فعله الإنسان عامدا ، وحدّه ما يسمّى في العادة كثيرا بخلاف العمل القليل ، فإنّ شيخنا أبا جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنه حدّ العمل القليل في المبسوط (٥) فقال : وحدّه ما لا يسمى في العادة كثيرا ، فيجب أن يكون حدّ الكثير بخلاف حدّ القليل ، وهو ما يسمى في العادة كثيرا ، مثل الأكل والشرب واللبس وغير ذلك ممّا إذا فعله الإنسان لا يسمّى مصلّيا ، بل يسمّى آكلا وشاربا ، ولا يسمى فاعله في العادة مصلّيا ، فهذا تحقيق الفعل الكثير الذي يفسد الصلاة ، ويورد في الكتب التروك وقواطع الصلاة ، فليلحظ ذلك.

__________________

(١) الأحزاب : ٤١

(٢) غافر : ٦٠

(٣) المسوط : فصل في تكبيرة الافتتاح وبيان أحكامها.

(٤) المصباح : التكبيرات السبعة في المواضع السبعة.

(٥) المبسوط : فصل في ذكر تروك الصلاة وما يقطعها.

٢٣٨

باب تفصيل أحكام ما تقدّم ذكره في الصّلاة من المفروض فيها والمسنون

وما يجوز فيها وما لا يجوز

والذي ذكرناه في صفات الصلاة يشتمل على المفروض منها والمسنون ، وأنا افصّل كل واحد منهما من صاحبه ليعرف الحقيقة فيه إن شاء الله.

المفروض من الصلاة أداؤها في وقتها ، واستقبال القبلة لها ، والنية ، والقيام مع القدرة عليه ، أو ما قام مقامه مع العجز عنه ، وتكبيرة الافتتاح ، والقراءة ، والركوع ، والتسبيح فيه أو الذكر لله ، والسجود والتسبيح فيه ، والتشهدان والصلاة على محمّد وآله فيهما معا ، فمن ترك شيئا من هذا متعمدا بطلت صلاته ، وان كان تركه ناسيا فسنبيّن حكمه في باب السهو إن شاء الله تعالى.

ومن ترك الطهارة متعمدا وصلّى وجبت عليه إعادة الصلاة ، فإن تركها ناسيا ثمّ ذكر بعد أن صلّى وجبت أيضا عليه الإعادة.

ومن صلّى بغير أذان وإقامة متعمدا ، كانت صلاته ماضية ، ولم يجب عليه إعادتها.

ومن دخل في صلاة قد حضر وقتها بنيّتها ، ثمّ ذكر أن عليه صلاة فائتة ولم يكن قد تضيّق وقت الحاضرة ، فليعدل بنيته إلى الصلاة الفائتة.

وتكبيرة الافتتاح فريضة على ما ذكرناه ، والتلفظ بها واجب ، وأدنى ذلك أن تسمع أذناه ، وتقديم الله على أكبر واجب ، والإتيان بأكبر على وزن أفعل واجب.

فمن تركها متعمدا أو ساهيا وجبت عليه الإعادة.

ومن ترك القراءة متعمدا وجبت عليه الإعادة. والواجب من القراءة ما قدّمناه ، وهو الحمد وسورة أخرى في الأوليين للمختار ، ولا يجزيه غير ذلك.

وإن تركها ناسيا حتى يركع ، لم تجب عليه إعادة الصلاة ، ولا حكم سوى الإعادة.

٢٣٩

والركوع واجب في كل ركعة ، وأقلّ ما يجزي من الركوع أن ينحني إلى موضع يمكنه وضع يديه على عيني ركبتيه مع الاختيار ، وما زاد على ذلك في الانحناء فمندوب إليه.

ووضع اليدين على الركبتين ، وتفريج الأصابع ، مندوب غير واجب.

والتسبيح في الركوع أو ما قام مقامه من ذكر الله واجب تبطل بتركه متعمدا الصلاة.

وإن تركه ناسيا حتى رفع رأسه ، لم يكن عليه شي‌ء من اعادة وغيرها.

فمن ترك الركوع ناسيا أو متعمدا بطلت صلاته.

وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا : فإن تركه ناسيا ثمّ ذكر في حال السجود ، وجبت عليه الإعادة ، فإن لم يذكر حتى صلّى ركعة أخرى ودخل في الثالثة ثم ذكر ، أسقط الركعة الاولى وبنى كأنّه قد صلّى ركعتين.

وكذلك إن كان قد ترك الركوع في الثانية وذكر في الثالثة ، أسقط الثانية وجعل الثالثة ثانية وتمم الصلاة ، أورد هذا الخبر الشيخ أبو جعفر رضي‌الله‌عنه في نهايته (١) وليس بواضح ، والصحيح خلاف ذلك ، وهذا القول يخالف أصول المذهب ، لأنّ الإجماع حاصل على أنّه متى لم تسلم الركعتان الأولتان بطلت صلاته ، وكذلك الإجماع حاصل على أنّ الركوع ركن ، متى أخلّ به ساهيا أو عامدا حتى فات وقته وأخذ في حالة اخرى بطلت صلاته ، وانّما أورد الشيخ هذا الخبر على جهته وإن كان اعتقاده بخلافه ، والاعتذار له ما أسلفناه ، والشيخ يرجع عن هذا الإيراد في جميع كتبه ويفتي ببطلان الصلاة.

والسجود فرض في كل ركعة مرتين ، فمن تركهما أو واحدة منهما متعمدا وجبت عليه الإعادة.

__________________

(١) النهاية : باب فرائض الصلاة وسننها.

٢٤٠