كتاب السرائر - ج ١

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦

أنّ الماء إذا ورد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة والكثرة ، كما يعتبر فيما يرد النجاسة عليه قال محمد بن إدريس رحمه‌الله : وما قوى في نفس السيد صحيح ، مستمر على أصل المذهب وفتاوى الأصحاب.

ولا بأس بعرق الجنب ، والحائض ، إذا كانا خاليين من نجاسة ، فإن كان في بدنهما نجاسة ، وعرقا ، نجس الثوب الذي عرقا فيه ، سواء كانت الجنابة من حلال ، أو حرام ، على الصحيح من الأقوال وأصول المذهب.

وقال بعض أصحابنا : إن كانت الجنابة من حرام ، وجب غسل ما عرق فيه.

وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مبسوطة (١) على ما رواه بعض أصحابنا ثم قال في موضع آخر من مبسوطة : فإن عرق فيه وكانت الجنابة من حرام ، روى أصحابنا أنّه لا يجوز الصلاة فيه وإن كانت من حلال ، لم يكن به بأس (٢).

ويقوى في نفسي أنّ ذلك تغليظ في الكراهة ، دون فساد الصلاة ، لو صلّى فيه ، الا ترى إلى قوله رضوان الله عليه الأول : رواه بعض أصحابنا ، وقوله الثاني : روى أصحابنا ، وفي الأول قال رواه بعض أصحابنا ، وشيخنا المفيد رحمه‌الله رجع عمّا ذكره في مقنعته (٣) وفي رسالته إلى ولده (٤) والغرض من هذا التنبيه ، انّ من قال إذا كانت الجنابة من حرام ، وجب غسل ما عرق فيه ، رجع عن قوله في كتاب آخر ، فقد صار ما اخترناه إجماعا.

وعرق الإبل الجلالة يجب إزالته ، على ما ذهب إليه بعض أصحابنا ، دون عرق غيرها من الجلالات (٥).

وأمّا أسئار الجلال ، فقد بيّنا انّ أسئار جميع الحيوان من البهائم ، وذوات

__________________

(١) المبسوط : في فصل حكم الثوب والبدن والأرض إذا أصابته نجاسة.

(٢) المبسوط : في فصل حكم الثوب والبدن والأرض إذا أصابته نجاسة.

(٣) المقنعة : باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ص ٧١

(٤) لا توجد عندنا

(٥) ليس في المطبوع.

١٨١

الأربع ، مأكول اللحم ، وغير مأكول اللحم ، والطيور جميعها طاهرة ، ما عدا الكلب والخنزير فلا وجه لا عادته.

وكل نجاسة أصابت الثوب أو البدن والنجاسة يابسة والثوب كذلك ، لا يجب غسلهما ، وانّما يستحب مسح اليد بالتراب ، ونضح الثوب.

وإذا أصاب الأرض ، أو الحصير ، أو البارية بول أو غيره ، من المائعات النجسة ، وطلعت عليه الشمس ، وجففته ، فإنّه يطهر بذلك ، ويجوز السجود عليه ، والتيمّم به ، وإن جففته غير الشمس ، لم يطهر ، ولا يطهر غير ما قلناه من الثياب بطلوع الشمس عليه ، وتجفيفه ، وقد روي أنّ ما طلعت عليه الشمس فقد طهرته من الثياب (١) وهذه رواية شاذة ضعيفة ، لا يلتفت إليها ، ولا يعرج عليها ، والعمل على ما قلناه ، غير انّه يجوز الوقوف عليه في الصلاة ، إذا كان موضع السجود طاهرا ، ولم تكن النجاسة رطبة تتعدى إليه.

وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مسائل الخلاف : الأرض إذا أصابتها نجاسة ، مثل البول وما أشبهه ، وطلعت عليها الشمس ، أو هبّت عليها الريح ، حتى زالت عين النجاسة ، فإنّها تطهر ، وبه قال الشافعي في القديم (٢).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : وهذا غير واضح ، لا يجوز القول به ، لأنّه مخالف لمذهبنا ، وإجماعنا على الشمس ، دون هبوب الرياح ، وهذا مذهب الشافعي ، اختاره الشيخ هاهنا ، ثم رجع عنه في مسألة في الكتاب المشار إليه بأن قال : مسألة : إذا بال على موضع من الأرض ، وجففته الشمس ، طهر الموضع ، وإن جف بغير الشمس لم يطهر ، وكذلك الحكم في البواري والحصر سواء ، وقال الشافعي إذا زالت أوصافها بغير الماء ، بأن تجففها الشمس ، أو

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢٩ من أبواب النجاسات ح ٥.

(٢) الخلاف : مسألة ٢٣٦ من كتاب الصلاة.

١٨٢

تهب عليها الريح ، فإنّه يطهر في قوله القديم (١) فهذا يدلك على ما بيناه.

ولا يجوز إزالة شي‌ء من النجاسات بغير الماء المطلق ، من سائر المائعات ، ولا يحكم بطهارة الموضع بذلك ، وفي أصحابنا من اختاره.

ومن صلّى في ثوب فيه نجاسة غير معفو عنها ، مع العلم بذلك ، بطلت صلاته ، وإن علم أنّ فيه نجاسة ثمّ نسيها ، وصلّى ، كان مثل الأول ، عليه الإعادة ، سواء خرج الوقت أو لم يخرج الوقت ، بغير خلاف بين أصحابنا ، في المسألتين معا ، إلا من شيخنا أبي جعفر في استبصاره (٢) فحسب ، دون سائر كتبه فإنّه ذهب في الاستبصار إلى انّه : إذا كان بثوب الإنسان نجاسة قد علم بها ثمّ نسيها ، وصلّى فإن كان الوقت باقيا ، وجبت عليه الإعادة ، وإن كان الوقت خرج وتقضى ، فلا اعادة عليه ، والصحيح وجوب الإعادة مع تقدّم العلم ، سواء خرج الوقت أو لم يخرج ، نسيها أو علمها.

وإن لم يعلم ، وصلّى على أصل الطهارة ، ثمّ علم انّه كان نجسا بعد خروج وقت تلك الصلاة ، فلا يجب عليه الإعادة أيضا بلا خلاف ، فإن كان الوقت باقيا ، فبين أصحابنا خلاف في هذه المسألة ، فبعض يذهب إلى وجوب الإعادة عليه ، وبعض منهم من يقول لا يجب عليه الإعادة ، وهذا الذي يقوى في نفسي ، وبه افتي ، لأنّ الإعادة فرض ثان ، يحتاج إلى دليل شرعي ، وهذا المكلّف امتثل الأمر ، وصلّى صلاة شرعية مأمورا بها ، بلا خلاف ، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر في استبصاره (٣) ، وتأويل أخباره ، واعتماده ، وإن كان في أول نهايته (٤)

__________________

(١) الخلاف : المسألة ٢٣٦ من كتاب الصلاة.

(٢) الاستبصار : الباب ١٠٩ من أبواب تطهير الثياب والبدن من النجاسات.

(٣) الاستبصار : الباب ١٠٩ من أبواب تطهير الثياب والبدن من النجاسات.

(٤) الموجود في النهاية التي بأيدينا في باب تطهير الثياب من النجاسات ما هذا لفظه « فان لم يعلم حصولها في الثوب وصلى ثم علم انه كان فيه نجاسة لم يلزمه إعادة الصلاة » انتهى وهو كما ترى موافق لما في استبصاره ومخالف لما نقله ابن إدريس عنه.

١٨٣

يذهب إلى خلاف هذا.

والمذي والوذي طاهران عندنا ، لا تجب إزالتهما.

والقي‌ء ليس بنجس ، وفي أصحابنا من قال هو نجس ، والأول المعتمد عليه.

والصديد والقيح ، حكمهما حكم القي‌ء ، سواء.

وكل ما لا يتم الصلاة فيه منفردا ، مثل الخف ، والنعل ، والقلنسوة ، والتكة ، والجورب ، والسيف ، والمنطقة ، والخاتم ، والسوار ، والدملج ، وما أشبه ذلك إذا أصابه نجاسة لم يكن بالصلاة فيه بأس ، إذا انطلق عليه اسم اللباس والملبوس.

فأمّا ما لا ينطلق عليه اسم الملبوس ، ولم يكن لباسا ، فلا يجوز في شي‌ء منه الصلاة إذا أصابته نجاسة ، وإن كان لا يتم الصلاة فيه منفردا ، لأنّه غير لباس.

وما لا نفس له سائلة من الميتات ، لا ينجس الثوب ولا البدن ، ولا المائع الذي يموت فيه ، ماء كان أو غيره ، وإن تغيّر أوصاف الماء به.

وطين الطريق لا بأس به ، ما لم يعلم فيه نجاسة.

وإذا أصاب الثوب ماء المطر ، وقد خالطه شي‌ء من النجاسة ، فإن كان جاريا من الميزاب ، والمطر متصل من السماء ، فلا ينجس الثوب والبدن ، ما لم يتغير أحد أوصاف الماء ، فإن سكنت السماء ، وبقي ماء المطر مستنقعا ، اعتبر فيه ما ذكرناه من حكم المياه الراكدة ، غير مياه الآبار بالقلّة والكثرة ، وتغير أحد الأوصاف بالنجاسة ، فيحكم فيه بذلك ، وهذا حكم الوكف (١) مع اتصال المطر من السماء ، وانقطاعه.

والماء الذي يستنجى به ، أو يغتسل به من الجنابة ، إذا رجع عليه ، أو على ثوبه ، لم يكن به بأس بغير خلاف ، فإن انفصل منه ، ووقع على نجاسة ، ثم رجع عليه ، وجب إزالته.

وإذا حصل معه ثوبان ، أحدهما نحس ، والآخر طاهر ، ولم يتميز له الطاهر ،

__________________

(١) وكف البيت وكفا قطر سقفه.

١٨٤

ولا يتمكن من غسل أحدهما ، قال بعض أصحابنا : يصلّي في كل واحد منهما ، على الانفراد ، وجوبا ، وقال بعض منهم : ينزعهما ويصلّي عريانا ، وهذا الذي يقوى في نفسي ، وبه افتي ، لأنّ المسألة بين أصحابنا فيها خلاف ، ودليل الإجماع منفي ، فإذا كان كذلك ، فالاحتياط يوجب ما قلناه.

فإن قال قائل : بل الاحتياط يوجب الصلاة فيهما على الانفراد ، لأنّه إذا صلّى فيهما جميعا ، تبيّن وتيقن بعد فراغه من الصلاتين معا انّه قد صلّى في ثوب طاهر؟.

قلنا : المؤثرات في وجوه الأفعال ، يجب أن تكون مقارنة لها ، لا متأخرة عنها ، والواجب عليه عند افتتاح كل فريضة ، أن يقطع على ثوبه بالطهارة ، وهذا يجوز عند افتتاح كل صلاة ، من الصلاتين انّه نجس ، ولا يعلم انّه طاهر ، عند افتتاح كل صلاة ، فلا يجوز أن يدخل في الصلاة إلا بعد العلم بطهارة ثوبه وبدنه ، لأنّه لا يجوز أن يستفتح الصلاة ، وهو شاك في طهارة ثوبه ، ولا يجوز أن تكون صلاته موقوفة على أمر يظهر فيما بعد ، وأيضا كون الصلاة واجبة وجه تقع عليه الصلاة ، فكيف يؤثر في هذا الوجه ، ما يأتي بعده ، ومن شأن المؤثر في وجوه الأفعال ، أن يكون مقارنا لها ، لا يتأخر عنها ، على ما بيناه.

فإن قيل : أليس الداخل في الصلاة ، يعلم أنّ وجوب ما دخل فيه ، موقوف على تمامه؟

قلنا : معاذ الله أن نقول ذلك ، بل كل فعل يأتيه في الوقت ، فهو واجب ، ولا يقف على أمر منتظر ، وانما يقف صحته على الاتصال ، والمراد بذلك ، انه إذا اتصل ، فلا قضاء عليه ، وإذا لم يتصل ، فالقضاء واجب ، فاما الوجوب ، واستحقاق الثواب ، فلا يتغير بالوصل ، والقطع ، يبيّن ذلك أنّه ربما وجب القطع ، وربما وجب الوصل ، فلو تغير بالقطع والوصل وجوبه ، لم يصح دخوله في الوجوب.

وليس لأحد أن يقول : انّه بعد الفراغ من الصلاتين ، يقطع على براءة

١٨٥

ذمته ، وانّ العبادة مجزية.

قلنا : لا يصح ذلك ، لأنّ بعد الفراغ قد سقط عنه التكليف ، وينبغي أن يحصل له اليقين في حال ما وجب عليه ، وينبغي أن يتميز له في حال ما وجب عليه ، حتى يصح منه الإقدام عليه ، وتمييزه له من غيره ، وذلك يكون قبل فراغه من الصلاة.

وقد ذكر السيد المرتضى في مسائل خلافه عند مناظرته لأبي حنيفة ، في أنّ المتيمم ، إذا دخل في صلاته ، ثم وجد الماء ، فالواجب عليه ، أن يمضي في صلاته ، وعند أبي حنيفة ، الواجب عليه قطعها قياسا على الصغيرة التي تعتد بالشهور ، ثم اعتدت شهرا ، ثم رأت الدم ، انتقلت عدتها إلى الأقراء ، لأنّ الشهور قد حصلت بدلا من الأقراء ، كذلك التيمم ، قال المرتضى : نحن نقول إذا انتقلت عدتها إلى الأقراء ، احتسب لها بما مضى قروء ، فاما من يقول لا يحتسب ، فله أن يفرّق بينها وبين المتيمم ، وذلك انّ المرأة ، قد تعتد بعدة مشكوك فيها عندهم ، لا يعلم ما حكمها ، ويكون أمرها موقوفا على ما ينكشف فيما بعد ، فإن ظهر حمل ، اعتدت به ، وإن لم يظهر حمل ، اعتدت بالأقراء ، وليس كذلك المتيمم ، لأنّه لا يجوز أن يستفتح الصلاة وهو شاك فيها ، ولا يجوز أن تكون موقوفة على ما أمر يظهر ، فلم يلزم من رأى الماء في الصلاة ، الاستيناف لهذه العلّة ، وإن لزم المعتدة بالشهور الانتقال إلى الأقراء (١). هذا آخر كلام المرتضى رحمه‌الله ، ألا ترى إلى قوله : لا يجوز أن يستفتح الصلاة وهو شاك فيها ، ولا يجوز أن تكون موقوفة على أمر يظهر ، فهذا يدلك على ما نبهنا عليه ، من أدلة المسألة ، فإنّها هي بعينها.

ومن كان معه ثوب نجس ، ولا يقدر على الماء ، نزعه ، وصلّى عريانا ، فإن لم يتمكن من نزعه ، خوفا على نفسه من البرد ، صلّى فيه ، ولا اعادة عليه ، وقد

__________________

(١) لم نعثر على كتاب الخلاف للسيد المرتضى رحمه‌الله

١٨٦

روي انّه إذا تمكن من نزعه أو غسله ، أعاد الصلاة (١).

وبول الصبي الرضيع وحدّه من لم يبلغ سنتين ، نجس ، إذا أصاب الثوب يكفي أن يصبّ الماء عليه ، من غير عصر له ، وقد طهر.

وبول الصبية لا بدّ من عصره مرّتين ، مثل بول البالغين ، وإن كان للصبية دون الحولين.

فإذا تم للصبي حولان وجب عصر الثوب من بوله.

وقال بعض أصحابنا في كتاب له : وإذا أصاب ثوب الإنسان ، كلب ، أو خنزير ، أو ثعلب ، أو أرنب ، أو فأرة ، أو وزغة ، وكان رطبا ، وجب غسل الموضع الذي أصابه ، فإن لم يتعين الموضع ، وجب غسل الثوب كله ، وكذلك إن مس الإنسان بيده أحد ما ذكرناه ، أو صافح ذميا ، وجب عليه ، غسل يده إن كان رطبا ، وإن كان يابسا ، مسحه بالتراب.

قال محمّد بن إدريس : هذا القول غير واضح ، لأنّ هذا خبر ، من أخبار الآحاد ، أورده المصنف على ما وجده ، أمّا الكلب والخنزير فصحيح ما قال ، وأمّا الثعلب والأرنب ، فلا خلاف بين أصحابنا الآن انّ أسئار السباع طاهرة ، وكذلك السباع طاهرة ، عندهم بغير خلاف الآن ، وانما أبو حنيفة ، يذهب إلى أنّ السباع نجسة ، فعلى هذا لا يصح ما قاله هذا القائل.

وأمّا قوله الفأرة والوزغة ، فلا خلاف أيضا ، في أن سؤر الفأر ، طاهر ، وانّه يدخل المائع ، ويخرج منه ، ولا ينجسه بغير خلاف.

وأمّا الوزغة ، فإنّها لا نفس لها سائلة ، كالذباب ، والزنابير ، وما لا نفس له سائلة لا ينجس المائع بموته فيه ، فكيف يصح القول بأن سؤره نجس ، وما لاقاه وهو رطب ينجسه؟

__________________

(١) الوسائل : كتاب الطهارة ، الباب ٤٥ من أبواب النجاسات ، ح ٨.

١٨٧

وأمّا الذمي ، فصحيح ما قال فيه فليلحظ ذلك.

ودم الحيض يجب غسله ، ويستحب حتّه (١) وقرصه ، وليسا بواجبين ، فإن اقتصر على الغسل أجزأه ، فإن بقي له أثر يستحب صبغه بالمشق ، بكسر الميم وتسكين الشين وهو المغرة بتحريك الغين المعجمة ، وهو طين أصفر يقال له المشق ، وما كان منه أحمر يقال له المصر يصبغ به الثياب والأزدية ، ومنه رداء ممصر ، وثوب ممصر ، بالصاد غير المعجمة أي مصبوغ بالمصر ، الذي هو المغرة ، أو بما يغيّر لونه.

ويجوز الصلاة في ثوب الحائض ، ما لم يعلم فيه نجاسة ، وكذلك في ثوب الجنب.

والمذي والوذي طاهران.

ولا يجوز الصلاة في ثياب الكفار التي باشروها بأجسامهم الرطبة ، أو كانت الثياب رطبة ، ولا بأس بثياب الصبيان ، ما لم يعلم فيها نجاسة.

والنجاسة إذا كانت يابسة ، لا ينجس بها الثوب.

والعلقة نجسة ، والمراد بذلك الدم الذي يستحيل منه المضغة ، لا الدود الذي يقال له العلق.

إذا بال الإنسان على الأرض ، فتطهيره ، أن يطرح عليه ذنوب من ماء والذنوب : الدلو الكبيرة ، ويحكم بطهارة الأرض وطهارة الموضع ، الذي ينتقل إليه ذلك الماء.

فإن بال اثنان وجب أن يطرح مثل ذلك وعلى هذا أبدا ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بذنوب من ماء ، على بول الأعرابي.

إذا بال في موضع ، فإنّه يزول حكم نجاسته بستّة أشياء ، أحدها : أن يكاثر

__________________

(١) الحت والقرص بمعنى الحك. والدلك باليد وغيره.

١٨٨

عليه الماء حتى يستهلكه ، فلا يرى له لون ظاهر ، ولا رائحة.

الثاني : أن يمرّ عليه سيل ، أو ماء جار فإنّه يطهّره.

الثالث : أن يحفر الموضع في حال رطوبة البول ، فينتقل جميع الأجزاء الرطبة ، فيحكم بطهارة ما عداه.

الرابع : أن يحفر الموضع ، وينتقل ترابه ، حتى يغلب على الظن ، أو يعلم انّه نقل جميع الأجزاء التي أصابتها النجاسة.

الخامس : أن يجي‌ء عليها مطر ، أو يجي‌ء عليها سيل ، فيقف فيه بمقدار ما يكون كرا من الماء.

السادس : أن يجف الموضع بالشمس ، فإنّه يحكم بطهارته ، فإن جف بغير الشمس لم يطهر.

النجاسة على ضربين : مائع وجامد ، فالمايع قد قدّمنا حكمه ، وكيفية تطهيرها من الأرض ، والجامد لا يخلو من أحد أمرين ، أمّا أن يكون عينا قائمة متميزة عن التراب ، أو مستهلكة فيه ، فإن كان عينا قائمة ، كالعذرة ، والدم ، وجلد الميتة ، ولحمه ، نظرت فإن كانت نجاسة يابسة ، فإذا أزالها عن المكان ، كان مكانها طاهرا ، وإن كانت رطبة ، فإذا أزالها ، بقيت رطوبتها في المكان ، فتلك الرطوبة بمنزلة البول وقد مضى حكمه وإن كانت العين مستهلكة فيها ، كجلود الميتة ، ولحمها ، والعذرة ، ونحو ذلك ، فهذا المكان لا يطهر بصب الماء عليه.

من حمل حيوانا طاهرا ، مثل الطيور وغيرها ، أو مثل حمل صغير ، أو صبيا صغيرا ، لم تبطل صلاته ، فإن حمل قارورة فيها نجاسة ، مشدودة الرأس بالشمع ، أو بالرصاص ، فجعلها في كمّه ، أو جيبه بطلت صلاته ، لأنّه حامل النجاسة.

وفي الناس من قال لا تبطل صلاته ، قياسا على حمل حيوان في جوفه نجاسة ، والأول هو الصحيح ، لأنّ القياس عند فقهاء آل الرسول صلّى الله عليهم متروك ، ولا يجوز للمشرك دخول شي‌ء من المساجد ، لا بالإذن ، ولا بغير

١٨٩

الإذن ، ولا يحل لمسلم أن يأذن له في ذلك ، لأنّ المشرك نجس ، والمساجد تنزه عن النجاسات.

ولا يجوز الدباغ إلا بالأجسام الطاهرة ، مثل قشور الرمان والعفص (١) والقرظ (٢) ، والشبث بالثاء المنقطة ثلاث نقط ، وهو نبت طيب الريح مرّ الطعم يدبغ به ، قال تأبط شرا :

كأنّما حثحثوا حصبا قوادمه

أو أم خشف بذي شبث وطباق

قال الأصمعي : هما نبتان ، هكذا ذكره الجوهري في كتاب الصحاح.

قال محمّد بن إدريس : وليس هو الشب (٣) الذي هو الحجارة ، فهي بالباء المنقطة نقطة واحدة ، فإنّها لا يدبغ بها ، وانّما نبهت على ذلك ، لأنّ شيخنا أبا جعفر رحمه‌الله قد أورده في المبسوط (٤).

ولا يجوز الدباغ ، إلا بما يكون طاهرا ، مثل الشبث والقرظ ، وسمعت بعض أصحابنا ، يصحّف ذلك ، فيقول الشب بالباء المنقطعة من تحتها بنقطة واحدة ، فأردت إيضاح ذلك وأن لا يجري تصحيف فيه.

__________________

(١) العفض ( مازو ).

(٢) القرظ بفتحتين شجر يدبغ به. لسان العرب : ج ٧ ، ص ٤٥٤ ، وبالفارسية : برگ درخت سلم.

(٣) الشبّ ـ بالباء المشددة حجر معروف يشبه الزاج يدبغ به الجلود ، لسان العرب : ج ١ ، ص ٤٨٣ ، وبالفارسية : زاج سفيد.

(٤) المبسوط : كتاب الطهارة ، باب حكم الأواني والأوعية والظروف. الا ان المضبوط في النسخة التي بأيدينا الشث بالثاء المثلثة.

١٩٠

كتاب الصّلاة

١٩١

كتاب الصّلاة

آكد عبادات الشرع ، وأعمها فرضا ، الصلاة ، لأنّها لا تسقط عن المكلّفين في حال من الأحوال ، مع ثبات العقل ، وإن تغيرت أوصافها ، من قيام ، أو قعود ، إلى غير ذلك ، وباقي العبادات قد يسقط على بعض الوجوه ، وعن قوم دون قوم ، فلذلك بدئ بها في أول كتب العبادات.

واعلم أنّ الصلاة أفعال مخصوصة تتضمن تحليلا وتحريما ، والقول فيها لا يخرج عن ذكر شروطها ، وبيان كيفية فعلها ، وما يجب أو يستحب فيها ، من ذكر أو غيره ، والفرق بين فرضها ونفلها ، وبين ما يعرض فيها فيفسدها ويوجب القضاء وبين ما يعرض فلا يوجب القضاء ، لكنه يوجب تلافيا مخصوصا ، وبين ما لا يوجب ذلك ، وبيان ضروبها ، كصلاة المنفرد والمؤتم ، والإمام ، وما يضاف منها إلى أوقاتها ، كصلاة الجمعة والعيدين وما يضاف منها إلى أسبابها كصلاة المسافر ، والمعذور ، والخسوف ، والكسوف ، والزلازل ، والرياح ، والآيات المهولة ، والخوف ، والاستسقاء ، والنذر ، والطواف ، والقضاء ، والجنازة ، وغير ذلك ، وهذه جملة لا يكاد يخرج عن معناها شي‌ء من أحكام الصلاة ، ونحن نفسّر ذلك بمشية الله تعالى وعونه.

باب أعداد الصّلاة وعدد ركعاتها من المفروض والمسنون

الصلاة المرتبة في اليوم والليلة تنقسم قسمين : مفروض ومسنون ، وكل واحد منهما ينقسم قسمين فرائض الحضر وسننه ، وفرائض السفر وسننه.

١٩٢

فأمّا فرائض الحضر فسبع عشرة ركعة ، الظهر أربع ركعات ، بتشهّدين ، أحدهما في الثانية بغير تسليم ، والثاني في الرابعة بتسليم بعده.

وفريضة العصر مثل ذلك.

وفريضة المغرب ثلاث ركعات ، بتشهدين أحدهما في الثانية من غير تسليم ، والثاني في الثالثة بتسليم بعده.

وفريضة عشاء الآخرة مثل فريضة الظهر والعصر.

والغداة ركعتان بتشهد في الثانية وتسليم بعده.

وأمّا سنن الحضر فأربع وثلاثون ركعة ، ثماني ركعات بعد زوال الشمس قبل الفريضة ، وثماني بعد الفريضة قبل فريضة العصر ، وأربع بعد المغرب ، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدان بركعة.

قولهم : تعدان بركعة ، لأنّ نوافل الحضر أربعة وثلاثون ركعة ، فإن عدّت هاتان الركعتان ركعتين كانت نوافل الحضر ، خمسا وثلاثين ركعة ، وخرجت أن تكون أربعا وثلاثين ، فقال أصحابنا : تعدّان بركعة لأجل ضبط جملة العدد الأول.

وإحدى عشرة ركعة صلاة الليل ، وركعتان نافلة الفجر ، بتشهد في كل ركعتين من هذه النوافل كلها وتسليم.

وكذلك جميع النوافل كل ركعتين بتشهد وتسليم بعده لا يجوز غير ذلك ، وقد روي رواية (١) في صلاة الأعرابي أنّها أربع بتسليم بعدها ، فإن صحت هذه الرواية وقف عليها ، ولا يتعداها لأنّ الإجماع حاصل على ما قلناه ، هذه فرائض الحاضر ونوافله في يومه وليلته.

فأمّا فرائض المسافر ، فإحدى عشرة ركعة ، الظهر ركعتان بتشهد في الثانية وتسليم بعده ، وكذلك العصر والعشاء الآخرة ، والمغرب ثلاث ركعات كحالها في

__________________

(١) الوسائل : كتاب الصلاة الباب ٣٩ من أبواب صلاة الجمعة ، ح ٣.

١٩٣

الحضر ، والغداة كحالها أيضا في الحضر ، لأنّه لا قصر إلا في الرباعيات فحسب.

وأمّا سنن المسافر فسبع عشرة ركعة ، على النصف من نوافل الحاضر ، أربعة بعد المغرب كحالها أيضا في الحاضر ، وإحدى عشرة ركعات صلاة الليل ، وركعتان نافلة الفجر ، وتسقط الوتيرة ، وهي الركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة.

ويوجد في بعض كتب أصحابنا ، ويجوز أن يصلّي الركعتان من جلوس اللتان يصليهما في الحضر ، بعد العشاء الآخرة ، فإن لم يفعلهما لم يكن به بأس ، وهذا مستور ، ووضع غير واضح ، إن أراد بقوله : « يجوز أن تصلّى الركعتان » على أنّهما من غير نوافل السفر ، ولا يعتقدهما مصلّيهما من نوافل المسافر المرتبة بل يتطوع الإنسان بصلاة ركعتين من جلوس نافلة ، لا انّهما من جملة نوافل المسافر المرتبة عليه ، غير ساقطة عنه في حال سفره ، فصحيح ما قال ، وإن أراد انّهما في حال سفره ما سقطتا عنه ، وهما على ما كانتا عليه في حال حضره ، فغير واضح ، بل قول خارج عن الإجماع ، لأنّ الإجماع حاصل من أصحابنا على سقوط سبع عشرة ركعة ، من نوافل الحاضر عن المسافر ، هاتان الركعتان من جملة الساقط عنه.

وقد سئل الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله عن هذه المسألة في جملة المسائل الحائريّات المنسوبة إلى أبي الفرج بن الرملي ، فقال السائل : وعن الركعتين اللتين بعد العشاء الآخرة من جلوس ، هل تصلّى في السفر أم لا؟ وما الذي يعمل عليه ، وما العلّة في تركها أو لزومها؟ فأجاب الشيخ أبو جعفر بأن قال تسقطان في السفر ، لأنّ نوافل السفر سبع عشرة ركعة ، ليست منها هذه الصلاة (١) وكذلك يذهب في جمله وعقوده (٢) ويوردها في نهايته (٣) في الموضع الذي ذكرناه ، وتحدّثنا عليه فليلحظ ذلك.

__________________

(١) لم نجد هذه المسألة في كتاب الحائريات المطبوع في الرسائل العشر.

(٢) الجمل والعقود : كتاب الصلاة. في فصل أعداد الصلاة.

(٣) النهاية : باب أعداد الصلاة.

١٩٤

باب أوقات الصّلاة المرتبة

في اليوم والليلة والأوقات المكروه فيها فعلها

إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر ، فإذا مضى مقدار أداء صلاة أربع ركعات ، اشتركت الصلاتان الظهر والعصر ، في الوقت إلى أن يبقى إلى مغيب الشمس مقدار أداء أربع ركعات ، فيخرج وقت الظهر ، ويبقى وقت العصر ، وبالغروب ينقضي وقت العصر.

فإذا غربت الشمس ويعرف غروبها بذهاب الحمرة من ناحية المشرق ، فإذا ذهبت دخل وقت صلاة المغرب ، وإذا مضى مقدار أداء ثلاث ركعات ، دخل وقت العشاء الآخرة ، واشتركت الصلاتان في الوقت ، إلى أن يبقى إلى انتصاف الليل مقدار أداء أربع ركعات ، فيخرج وقت المغرب ، ويخلص ذلك المقدار للعشاء الآخرة.

ووقت صلاة الغداة طلوع الفجر ، وهو البياض المتجلّل أفق الشرق ، ثم يمتدّ إلى قبيل طلوع قرن الشمس ، فإذا طلعت خرج الوقت.

ووقت صلاة الليل من انتصاف الليل إلى طلوع الفجر الثاني ، وقال السيد المرتضى : إلى طلوع الفجر الأوّل.

والقول الأول أظهر في المذهب.

ووقت ركعتي الفجر ، بعد الفراغ من صلاة الليل ، وآخره طلوع الحمرة.

وقال بعض أصحابنا : أوله طلوع الفجر الأول ، والأول من القولين هو الأظهر ، لقولهم عليهم‌السلام المجمع عليه دسهما في صلاة الليل دسا (١) وسمّيت الدساستين لهذا المعنى.

والذي اخترناه ، مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي ، رحمه‌الله في جميع كتبه

__________________

(١) الوسائل : الباب ٥٠ من أبواب المواقيت.

١٩٥

النهاية (١) والمبسوط (٢) والجمل والعقود (٣) ما خلا مصباحه.

وأداء الصلاة في أول الوقت أفضل من آخره ، بغير خلاف ، ما خلا صلاة الليل ، اعني نافلة صلاة الليل ، فإن فعلها في الربع الأخير من الليل أفضل ، وقيل السدس ، وهذا الذي اخترناه من الأوقات ، هو المعمول عليه ، المحقق من المذهب ، المجمع عليه.

وقد ذهب بعض أصحابنا ، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر رحمه‌الله في سائر كتبه ، إلى أنّ لكلّ صلاة وقتين ، أولا وآخرا ، فالوقت الأول ، لمن لا عذر له ، والثاني لمن له عذر ، فأول وقت الظهر للمختار زوال الشمس وآخره إلى قبل أن يصير ظل كل شي‌ء مثله ، بمقدار أداء فريضة الظهر ، فإذا صار ظل كل شي‌ء مثله ، قبل أن يصلّي المختار الفريضة ، صارت الظهر قضاء لا أداء ، وأول وقت العصر عنده للمختار ، بعد فريضة الظهر ، وآخره قبل أن يصير ظل كل شي‌ء مثليه ، بمقدار أداء فريضة العصر ، فإذا صار ظل كل شي‌ء مثليه ، قبل أن يصلّي المختار الفريضة صارت الظهر قضاء لا أداء وأول وقت المغرب ، عدم الحمرة من ناحية المشرق ، وآخره للمختار ، قبل غيبوبة الشفق من ناحية المغرب ، بمقدار أداء فريضة المغرب ، فإذا عدمت الحمرة من ناحية المغرب ، ولم يصلّ المختار الفريضة صارت قضاء لا أداء.

وأول وقت العشاء الآخرة ، بعد صلاة المغرب ، وآخره قبل ثلث الليل ، بمقدار أداء فريضة العشاء الآخرة ، فإذا صار الثلث من الليل ، ولم يصلّ المختار صلاة العشاء الآخرة ، صارت قضاء لا أداء فيجعل الوقتين لمكلفين للمختار الوقت الأول ولمن له عذر الوقت الأخير.

ولا خلاف في أنّ أول الوقت لأداء الصلاة أفضل من آخره ، وانّ لكل

__________________

(١) النهاية : باب أوقات الصلوات

(٢) المبسوط : كتاب الصلاة ، في ذكر المواقيت.

(٣) الجمل والعقود : كتاب الصلاة ، في ذكر المواقيت.

١٩٦

صلاة وقتين ، ولو قيل أن لكل صلاة وقتا ، وللوقت أول ، وآخر كان صوابا جيدا.

وانّما الخلاف بين أصحابنا في أن هذين الوقتين لمكلّف واحد ، أو لمكلفين ، فالصحيح أنّ الوقتين لمكلّف واحد ، إلا انّ الصلاة في الوقت الأول أفضل ، من الوقت الأخير على ما قدّمناه.

والذي يدل على ما اخترناه ، ويعضد ما قوّيناه ، بعد الإجماع قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (١) يعني الفجر والعصر ، وطرف الشي‌ء ما يقرب من نهايته ، ولا يليق ذلك إلا بقول من قال : انّ وقت العصر ممتد إلى قرب غروب الشمس ، لأنّ مصير ظلّ كل شي‌ء مثله أو مثلية ، يقرب من الوسط ، ولا يقرب من الغاية والنهاية ، ولا معنى لقول من حمل الآية على الفجر والمغرب ، لأنّ المغرب ليس هي في طرف النهار ، وانما هي في طرف الليل ، بدلالة أنّ الصائم يحل له الإفطار في ذلك الوقت ، والإفطار لا يحل في بقية النهار.

وأيضا قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٢) وغسق الليل عندنا انتصافه ، فظاهر هذا الكلام يقتضي انّ وقت الظهر ابتداؤه من دلوك الشمس ، وهو زوالها ، وانّه يمتد إلى غسق الليل ، وخرج منه بالدليل والإجماع وقت غروب الشمس ، فبقي ما قبله.

وأيضا ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال : انّما أجلكم في أجل ما خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس (٣) وظاهر هذا القول يقتضي التناهي وقصر المدة ، ولا يليق ذلك إلا بما اخترناه.

ونظير هذا الخبر في إفادة قصر المدة ما روي من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بعثت والساعة كهاتين ، وأشار صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسبابة والوسطى (٤).

__________________

(١) هود : ١١٤

(٢) الاسراء : ٧٨.

(٣) صحيح البخاري : ج ٦ ، ص ٢٣٥ ، باب فضل القرآن ، ح ٢.

(٤) البحار : ج ٧٤ ، إلا ان العبارة هكذا ( بعثت انا والساعة كهذه من هذه ).

١٩٧

وأيضا ما روي من انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى الظهر في الوقت الذي صلّى فيه العصر بالأمس وهذا يقتضي انّ الوقت وقت لهما جميعا.

ومن ادعى انّ هذا الخبر منسوخ ، وانّه كان قبل استقرار المواقيت ، فقد ادعى ما لا برهان عليه.

وأيضا ما رواه ابن عباس عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله من انّه جمع بين الصلاتين في الحضر ، لا لعذر (١) وهذا يدل على اشتراك الوقت.

وليس لأحد أن يحمل هذا الخبر ، على انّه صلّى الظهر في آخر وقتها ، والعصر في أول وقتها ، لأنّ هذا ليس بجمع بين الصلاتين ، وانّما هو فعل كل صلاة في وقتها ، وذكر العذر في الخبر ، يبطل هذا التأويل ، لأنّ فعل الصلاة في وقتها المخصوص بها ، لا يحوج إلى عذر.

ويدلّ أيضا على ما ذهبنا إليه ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله : من فاتته صلاة العصر ، حتى غربت الشمس ، فكأنما وتر أهله وماله (٢) ، فعلّق الفوات بغروب الشمس ، وتعليقه به ، يدل على أنّ الوقت ممتد إلى الغروب.

وأيضا ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن الأئمة عليهم‌السلام ، من قولهم : لا يخرج وقت صلاة ، ما لم يدخل وقت صلاة أخرى (٣) وهذا يدل على أنّه ، إذا لم يدخل وقت صلاة أخرى ، وهي المغرب ، فإنّه لا يخرج وقت العصر.

فأما الأخبار (٤) التي وردت ورواه أصحابنا في الأقدام والأذرع ، وظلّ كلّ شي‌ء مثله ، وظلّ كلّ شي‌ء مثليه ، ليتميّز وقت الظهر والعصر ، والذراع والذراعان ، والقامة والقامتان ، وسبع الشخص ، وسبعا الشخص ، وما أشبه

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣٢ من أبواب المواقيت ، ح ٤.

(٢) الوسائل : الباب ٩ من أبواب المواقيت يوجد فيه بمضمونه ، ح ٧ و ١٠.

(٣) الوسائل : الباب ٤ من أبواب المواقيت.

(٤) الوسائل : الباب ٦ من أبواب المواقيت.

١٩٨

ذلك من الأخبار ، فمحمول على تحديد وقت النوافل ، دون الفرائض ، لأنّه إذا صار ظلّ كلّ شي‌ء مثله ، ولم يصلّ المكلّف نافلة الظهر ، فقد خرج وقتها ، وصارت قضاء بغير خلاف.

وكذلك نافلة العصر ، إذا صار ظلّ كلّ شي‌ء مثليه ، ولم يصلّ المكلّف نافلته فقد خرج وقتها ، وصارت قضاء بغير خلاف ، وإن كان وقت الظهر والعصر باقيا ، ولو كانت الأذرع والظل والقامة ، أوقاتا للفرائض ، ما اختلفت هذا الاختلاف وتباينت هذا التباين ، وانما هذا الاختلاف ، لأجل أوقات النوافل ، ليقع التنفل ، والتسبيح ، والدعاء في هذا الزمان على قدر تطويل المكلّف في نافلته ، وتسبيحه ودعائه ، فمن طوّل في نافلته ، كان أكبر المقادير له وقتا ومن قصر دون ذلك في نافلته ، كان أوسط المقادير له وقتا ، ومن قصر في نافلته ، كان أقصر المقادير المضروبة وقتا لنافلته ، وهذا هو الأفضل والأولى ، فجعلت الأقدام والأذرع والأسباع والأظلة والقامات حدّا للنافلة والفضل لا للجواز ، ومن هاهنا جاء الاشتباه على بعض أصحابنا وزلّت الأقدام ، فجعل وقت النافلة وقتا للفريضة ، على ما أسلفنا القول فيه ، وبيّناه ، وبهذه الجملة يلوح السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في جوابات المسائل الناصريات (١).

وأيضا لا خلاف بين المخالف في المسألة والموافق من أصحابنا ، أنّ الذي أفاض من عرفات ، لا يصلّي المغرب إلا بالمزدلفة ، وإن ذهب ربع الليل ، وذلك هو الأفضل المستحب ولو لم يكن وقتا لها ، لما جاز له تأخير المغرب إلى خروج وقتها ، سواء كان مسافرا أو حاضرا ، مضطرا أو مختارا ، لأنّه ليس للمسافر أن يصلّي الصلاة في غير وقتها ، كما ان ليس للحاضر ذلك.

فأمّا ما يوجد في بعض الكتب ، ويقوله بعض أصحابنا ، من انّه إذا زالت

__________________

(١) المسائل الناصريات : كتاب الصلاة ، المسألة ٧٢.

١٩٩

الشمس فقد دخل الوقتان معا ، إلا انّ هذه قبل هذه ، وكذلك إذا غربت الشمس ، فقد دخل الوقتان جميعا ، إلا انّ هذه قبل هذه ، فهذا ضد الصواب ، وخطأ من القول ، لأنّ الشمس إذا زالت دخل وقت الظهر فحسب ، فإذا مضى مقدار ما يصلّي الفريضة ، اشترك الوقتان معا ، إلا انّ هذه قبل هذه ، وكذلك إذا غربت الشمس ، فقد دخل وقت المغرب ، من غير اشتراك ، إلى أن يمضي مقدار ما يصلّى فيه الفريضة ، فإذا مضى ذلك الوقت ، اشترك الوقتان جميعا ، إلا انّ الاولى قبل الثانية.

فإذا بقي من النهار مقدار ما يصلّى فيه فريضة العصر ، فقد خرجت المشاركة ، واختص الوقت بالعصر فحسب ، كما انّ بالزوال اختص الوقت بالظهر ، ولم يشارك العصر الظهر ، وكذلك إذا بقي من النهار مقدار أداء فريضة العصر ، اختص به ، ولم يشارك الظهر العصر ، وكذلك القول في المغرب والعشاء الآخرة ، فليلحظ ذلك ، وليتأمّل ، فإنّه قول المحصّلين من أصحابنا الذين يلزمون الأدلة والمعاني ، لا العبارات والألفاظ.

ولا ينبغي لأحد أن يصلّي ، حتى يتيقن دخول الوقت ، فإن شك لغيم أو غيره ، استظهر حتى يزول الريب عنه في دخوله.

ومتى صلّى صلاة في حال فقدان الأمارات والدلالات على الأوقات ، ومع الاستظهار ، وظهر له بعد الفراغ منها ، انّ الوقت لم يدخل ، وجب عليه الإعادة بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك ، فأمّا ان ظهر له وهو في خلالها ، قبل الفراغ منها ، انّ الوقت لم يدخل ، فذهب بعض أصحابنا ، إلى انّه يعيد ، إن كانت الصلاة وقعت كلها خارج الوقت ، وإن كان قد دخل عليه وقت الصلاة ، وهو فيها ، لم يفرغ منها ، لم يلزمه الإعادة.

وذهب قوم من أصحابنا ، إلى وجوب الإعادة ، إذا ظهر له بعد الفراغ منها ، أو هو في خلالها ، انّ الوقت لم يدخل ، لا فرق بينهما عنده ، وهذا مذهب السيد

٢٠٠