مِمَّنْ (١) تَبَاعَدَ مِنْهُ بُغْضٌ وَنَزَاهَةٌ (٢) ، وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ ، لَيْسَ تَبَاعُدُهُ تَكَبُّراً وَلَا عَظَمَةً ، وَلَا دُنُوُّهُ (٣) خَدِيعَةً وَلَا خِلَابَةً (٤) ، بَلْ يَقْتَدِي بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ ، فَهُوَ إِمَامٌ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ ».
قَالَ : « فَصَاحَ هَمَّامٌ صَيْحَةً ، ثُمَّ وَقَعَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليهالسلام : أَمَا وَاللهِ ، لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ ، وَقَالَ : هكَذَا تَصْنَعُ الْمَوْعِظَةُ (٥) الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : فَمَا بَالُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ : إِنَّ لِكُلٍّ أَجَلاً لَايَعْدُوهُ (٦) ، وَسَبَباً لَايُجَاوِزُهُ ، فَمَهْلاً لَاتُعِدْ (٧) ، فَإِنَّمَا نَفَثَ (٨) عَلى لِسَانِكَ شَيْطَانٌ (٩) ». (١٠)
__________________
(١) في حاشية « ج » : « ممّا ».
(٢) في نهج البلاغه وكتاب سليم : « ممّن تباعد عنه زهد ونزاهة ».
(٣) في « هـ » : + / « بمكر و ».
(٤) « الخلابة » : المخادعة. ترتيب كتاب العين ، ج ١ ، ص ٥١٢ ( خلب ).
(٥) في « ج ، د ، ف » وحاشية « ض » وشرح المازندراني ومرآة العقول والبحار : « المواعظ ».
(٦) في « ج ، ز ، ف ، بر ، بف » وحاشية « هـ » وشرح المازندراني والوافي ومرآة العقول والبحار : « لن يعدوه ».
(٧) في الوافي : « ولا تعد ».
(٨) أيألقى ؛ من النَّفْث بالفم ، وهو شبيه بالنفخ ، وهو أقلّ من التَّفْل ؛ لأنّ التفل لا يكون إلاّومعه شيء من الريق. النهاية ، ج ٥ ، ص ٨٨ ( نفث ).
(٩) في « ف » : « الشيطان ». وفي الوافي : « قول السائل : « فما بالك » أي لم تقع مغشيّاً عليك؟ أو ذكرت له ذلك مع خوفك عليه الموت؟ فأجابه عليهالسلام بالإشارة إلى السبب البعيد ، وهو الأجل المحكوم به القضاء الإلهي. وهو جواب مقنع للسامع ، مع أنّه حقّ وصدق. وأمّا السبب القريب للفرق بينه وبين همّام ونحوه ، فقوّة نفسه القدسيّة على قبول الواردات الإلهيّة وتعوّده بها وبلوغ رياضته حدّ السكينة عند ورود أكثرها ، وضعف نفس همّام عمّا ورد عليه من خوف الله ورجائه ، وأيضاً فإنّه عليهالسلام كان متّصفاً بهذه الصفات لم يفقدها حتّى يتحسّر على فقدها. قيل : ولم يجب عليهالسلام بمثل هذا الجواب ؛ لاستلزامه تفضيل نفسه ، أو لقصور فهم السائل ونهيه له عن مثل هذا السؤال ، والتنفير عنه بكونه من نفثات الشيطان لوضعه له في غير موضعه ، وهو من آثار الشيطان ، وبالله العصمة والتوفيق. إن قيل : كيف جاز منه عليهالسلام أن يجيبه مع غلبة ظنّه بهلاكه ، وهو كالطبيب يعطي كلاًّ من المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء؟ قلت : إنّه لم يكن يغلب على ظنّه إلاّ الصعقة عن الوجد الشديد ، فأمّا أنّ تلك الصعقة فيها موته ، فلم يكن مظنوناً له ؛ كذا قاله ابن ميثم رحمهالله ».
(١٠) الأمالي للصدوق ، ص ٥٧٢ ، المجلس ٨٤ ، ح ٢ ؛ وصفات الشيعة ، ص ٢٣ ، ح ٣٥ ، بسند آخر عن جعفر بن