تفصيل القول فيه سابقا ، غاية ما في الباب ، كون ترك النصب منه قبيحا لو فرض عدم المصلحة فيه ، لكنه لا يرفع قبح ترك الاحتياط من العبد وحسن مؤاخذته على الواقع المتروك ؛ إذ لا ملازمة بينهما أصلا ، ولا دخل لأحدهما بالآخر جزما ؛ إذ مورد أحد القبيحين فعل العبد من غير أن يكون له دخل بفعل المولى ، ومورد الآخر فعل المولى من غير أن يكون له دخل بفعل العبد.
والحاصل : أنّ هنا قاعدتين لا دخل لأحدهما بالأخرى ولا ارتباط بينهما أصلا ، أحدهما : وجوب اللطف والبيان على المولى. الثانية : وجوب الاحتياط وتحصيل الإطاعة القطعيّة العلميّة على العبد بعد العلم الإجمالي بإرادة المولى ، وإن لم يعلم المراد تفصيلا : بأن تردّد بين أمرين ، أو أمور متباينة ، أو الأقلّ والأكثر ، فالتوهّم المذكور فاسد جدّا.
فقد تبيّن مما ذكرنا كلّه : عدم الارتياب في حكم العقل بالبراءة في المقام بالنظر إلى قاعدة قبح العقاب من غير بيان سواء جعل مورده الوجوب النفسي المحتمل المتعلّق بالأكثر ، أو الغيري المتعلّق بالجزء المشكوك بالنظر إلى ذاته من حيث توقف وجود الكل عليه ؛ من جهة كون تركه سببا لترك الكل ، أو عينه على ما عرفت الإشارة إليه سابقا ؛ لأن المعاقب عليه وإن كان ترك الكلّ إلاّ أن السبب له ترك الجزء الذي لم يبيّنه الشارع وهذا المقدار يكفي في جريان القاعدة وحكم العقل.