وبهذا يتّضح أنّ مصبّ الاستحالة بناء على المعنى الأوّل هو المؤاخذة والإدانة على ترك التكليف غير المقدور ، ولا تعرض له لأصل صدور التكليف بغير المقدور ، وأنّه مستحيل أيضا أم لا. وأمّا موضوع الاستحالة بناء على المعنى الثاني ، فهو أصل صدور التكليف بغير المقدور ، حتى مع افتراض عدم المؤاخذة ، وهذا ما يقتضي توسيع دائرة الاستحالة ، بحيث نستطيع أن نقول إنّ كل فعل خارج عن القدرة يستحيل أن يكون متعلّقا للتكليف المولوي.
ومن هنا سوف يقع البحث عن المعنى الثاني ، إذ هو الذي يحتاج إلى بيان لاستكشاف تماميّته أو عدم تماميّته ، فنقول : إنّ واقع الحكم التكليفي يمرّ بثلاث مراحل ـ كما أوضحنا ذلك في محلّه ـ ويكفي في انتفاء التكليف أن يكون أحد هذه المراحل متعذّر الوقوع.
المرحلة الأولى : من مراحل التكليف هو اشتمال الفعل الذي يراد جعل الحكم عليه ـ على المصلحة أو المفسدة ، وهذا ما يعبّر عنه بالملاك ، إذ لا يمكن أن يكون الفعل مطلوبا فعله أو مطلوبا تركه دون أن يكون مشتملا على المصلحة أو المفسدة ، إذ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها.
ومن هنا نتساءل هل يمكن أن يكون الفعل مشتملا على الملاك مع افتراض خروجه عن قدرة المكلّف؟
والجواب بالإيجاب ، إذ أنّ اشتمال الفعل على المصلحة أو المفسدة غير منوط بقدرة المكلّف على تحقيقه خارجا بل منوط بواقع الفعل وما يترتّب عليه من فوائد ومضار ، وهذا أمر وجداني لا يحتاج الإذعان به إلى أكثر من تصوره ، فمفسدة شرب الخمر منحفظة حتّى في موارد إلجاء الغير