يستوجب استظهار أنّ الرفع في الرواية رفع ظاهري وأنّ المرفوع هو مطلق ما لا يعلمون ؛ إذ أنّه لو كان الرفع واقعيا لأنتج ذلك تقييد الأحكام الشرعيّة بالعالم بها وهذا يعني اختصاص الأحكام الشرعيّة بالعالمين بها وهو شيء آخر غير البراءة الشرعيّة.
ولو كان المرفوع هو الشبهات الموضوعيّة فحسب أو الشبهات الحكميّة فحسب فهذا يقتضي أن تكون الرواية أخصّ من المدعى ؛ إذ أنّ المدّعى هو ثبوت البراءة الشرعيّة في مطلق الشبهات الأعمّ من الموضوعيّة والحكميّة.
ومن هنا سوف يكون البحث عن دلالة الرواية الشريفة على البراءة الشرعيّة في جهتين :
الجهة الأولى : في إثبات أنّ الرفع في الرواية ظاهري :
إنّ الرفع في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم « رفع ما لا يعلمون » يحتمل أحد معنيين :
المعنى الأوّل : هو أنّ الرفع جيء به لغرض تقييد الأحكام الواقعيّة بالعلم بها ، أي أنّ كلّ الأحكام الصادرة واقعا عن الشارع مقيّدة بعلم المكلّف بها ، فما لم يكن المكلّف عالما بالحكم الشرعي الواقعي فإنّه ليس مكلفا واقعا بذلك الحكم ، لا أنّه مكلّف واقعا بذلك الحكم إلاّ أنّه يكون معذورا باعتبار جهله ، فحرمة شرب الخمر مثلا ليست ثابتة لكلّ أحّد ـ بناء على هذا الاحتمال ـ بل هي مختصّة بمن يعلم بحرمة شرب الخمر ، أمّا من لا يعلم بالحرمة فإنّ شرب الخمر لا يكون عليه حرام ، فلو شربه لم يكن مرتكبا للحرمة واقعا لا أنّه ارتكب الحرمة إلاّ أنّه معذور.
وبناء على هذا الاحتمال لا تكون الرواية صالحة للدلالة على البراءة