وهذا نظير ما لو كان عندنا قطيع من الغنم نعلم بأن عشرا منها موطوءة للإنسان فإنّه في مثل هذه الحالة لا يجوز أكل لحم واحدة منها ، إلاّ أنّه لو افترضنا قيام الدليل بعد ذلك على أنّ عشرة بعينها من هذه الأغنام هي موطوءة الإنسان فإنّ العلم الإجمالي عندئذ ينحلّ إلى علم تفصيلي وشك بدوي ، فتكون الأغنام العشرة التي علم بكونها موطوءة للإنسان محرّمة وتبقى الأطراف الأخرى مشكوكة بنحو الشك البدوي فتجري عنها البراءة الشرعيّة.
وأمّا دليل الانحلال فله محلّ آخر.
الاعتراض الثاني :
إنّه لو سلّمنا تماميّة أدلّة البراءة الشرعيّة إلاّ أنّها مبتلية بما يعارضها من أدلّة شرعيّة على وجوب الاحتياط في موارد الشك في التكليف ، وهذه الأدلّة المثبتة لوجوب الاحتياط إمّا أن تكون مقتضية لارتفاع موضوع البراءة الشرعيّة وإمّا ألا تكون كذلك ولكنّها متّحدة معها في الموضوع ، أي أنّ موضوع أدلّة البراءة الشرعيّة هو عينه موضوع أدلّة الاحتياط الشرعي إلاّ أنّ أدلّة البراءة تنفي المسؤولية عن التكليف المشكوك وأدلّة الاحتياط تثبتها ، وفي كلا الحالتين تكون أدلّة البراءة الشرعيّة ساقطة.
وبيان ذلك : إنّ أدلّة البراءة الشرعيّة إن كان مفادها هو أنّ موضوع البراءة هو عدم البيان مطلقا أي أنّ مجرى البراءة هو عدم وجود ما يثبت العهدة والمسؤوليّة على المكلّف سواء كان ثبوت العهدة ناشئا عن ثبوت التكليف الواقعي أو ثبوت الاحتياط الشرعي ، فلو كان موضوع البراءة هو عدم ثبوت أحدهما فإنّه ـ بناء على هذا الفرض ـ ينتفي موضوع البراءة ؛ وذلك لثبوت الاحتياط الشرعي والذي أخذ عدمه في موضوع