وأمّا ما ذكر شيخنا الأستاذ قدسسره من الوجه لسقوطه ـ بأنّ ذمّة السابق مشغولة بما يكون مخرجه من اللاحق ، فإذا أبرأ اللاحق فلا يعقل بقاء الاشتغال السابق ، لأنّه يبقى بلا مخرج (١) ـ فعجيب ، لأنّ بقاءه بلا مخرج ليس محذورا كي يوجب سقوطه ، لأنّ المخرج يكون كيسه ، ولذلك لو غصب مالا ولم تقع يد آخر عليه يكون المخرج كيسه. وكذلك في اليد الأخيرة ليس لاحق كي يرجع إليه ، وكذا من عنده صار التلف عليه أن يعطى الغرامة أو البدل من كيسه.
نعم لو قيل بأنّ معنى الإبراء رفع يد المالك عن ماله ، أو عبارة عن استيفاء المالك حقّه ، فلا يبقى له حقّ كي يضمن أحد ، ولازم ذلك سقوط الضمان عن الجميع ، وعلى أيّ حال التفصيل الذي كان يرجّحه شيخنا الأستاذ قدسسره من سقوط السابق دون اللاحق لا وجه له.
الثاني : لو وهب المالك ما في ذمّة أحدهم له ، أو صالحه بلا عوض أو مع العوض ، فهل يكون هذا المتهب أو المتصالح مثل الأجنبي عن سلسلة ذوي الأيدي الذي وهب له ما في ذمّة أحدهم ، ومثل المالك في جواز الرجوع إلى كلّ واحد من ذوي الأيدي إن شاء ، أم لا بل تبرأ ذمّة الجميع ببراءة ذمّة نفسه؟
والفرق بين المسألتين هو أنّه في تمليك الأجنبي عن سلسلة ذوي الأيدي يقوم ذلك الأجنبي مقام ذلك المالك الذي وهب أو صالح بلا عوض أو مع العوض ما في ذمّة أحدهم معه ، لأنّه ينتقل المغصوب من ملكه إلى ذلك الأجنبي ، فيكون الأجنبي مالك المغصوب ، فيجوز له الرجوع إلى أيّ واحد منهم إذا شاء ، لأنّه يده العادية وقعت على ماله وهي موجبة لضمانه ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه ».
وأمّا لو كان الموهوب له أو المتصالح هو نفس من في ذمّته مال المغصوب ، وإن كان هو أيضا تمليك ، ولكن نتيجة هذا التمليك هو إسقاط ما في ذمّته وإبراؤه ، فتصير
__________________
(١) الأستاذ النائيني « المكاسب والبيع » ج ٢ ، ص ٣٠٠ ، في الفروع المترتبة على الضمان الطولي.