______________________________________________________
يجف ما قبله ، فما دام البلل باقيا فلا حرج ، وهو الظاهر من عبارة أكثر الأصحاب (١) ، وفي بعض حواشي الشهيد حكاية قول ثالث جامع بين التفسيرين ، وهو المتابعة اختيارا ، ومراعاة الجفاف اضطرارا.
وعندي إن هذا هو القول الأول ، لأن القائل به لا يحكم بالبطلان بمجرد الإخلال بالمتابعة ما لم يجف البلل ، فلم يبق لوجوب المتابعة معنى إلا ترتب الإثم على فواتها ، ولا يعقل تأثيم المكلف بفواتها إلا إذا كان مختارا ، لامتناع التكليف بغير المقدور.
إذا تقرر ذلك فأصح القولين هو الثاني ، إذ ليس في النصوص ما ينافيه ، والموالاة بالمعنى الأول تقتضي زيادة تكليف ، والأصل عدمه.
وقد احتج المصنف على الأول بحجج مدخولة ، ولو تمت لزم فساد الوضوء بالإخلال بالمتابعة ، لعدم تحقق الامتثال بدونها على تقدير الوجوب ، لأن الامتثال إنما يتحقق إذا أتى بالمأمور به مشتملا على جميع الأمور الواجبة فيه ، وأصحاب القول الأول لا يقولون به ، وهذا من أمتن الدلائل على صحة القول الثاني ، وهنا مباحث :
أ : حكى في الذكرى (٢) عن الأصحاب ، في تحقيق معنى جفاف السابق وعدمه ثلاثة أقوال : فعن ظاهر المرتضى (٣) ، وابن إدريس (٤) اعتبار العضو المتقدم بغير فصل ، وعن صريح ابن الجنيد (٥) اشتراط بقاء البلل في جميع ما تقدم ، إلاّ لضرورة ، وعن ظاهر باقي الأصحاب (٦) الاكتفاء بشيء من البلل ، واطباقهم على الأخذ من شعور الوجه للمسح ، وورود الأخبار (٧) بذلك يقتضي صحة الثالث ، إذ لولاه لزم
__________________
(١) منهم : السيد المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢١ ، وسلار في المراسم : ٣٨ وابن البراج في المهذب ١ : ٤٥ ، وابن إدريس في السرائر : ١٧.
(٢) الذكرى : ٩٢.
(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢١.
(٤) السرائر : ١٨.
(٥) نقل عنه في المختلف : ٢٧.
(٦) منهم : سلار في المراسم : ٣٨ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٩٢ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٢٢ ، والشهيد في اللمعة ١٨.
(٧) التهذيب ١ : ٥٩ ، ٨٩ حديث ١٦٥ ، ٢٣٥ ، الاستبصار ١ : ٥٩ ، ٧٤ حديث ١٧٥ ، ٢٢٩.