ثانيهما (١) : أن لا يكون موجبا للضرر على آخر.
ولا يخفى (٢) : أن أصالة البراءة عقلا ونقلا في الشبهة البدوية بعد الفحص لا
______________________________________________________
على فرض عدم الدين ، فإذا نفي الدين بالبراءة يلزم منه ثبوت الاستطاعة ووجوب الحج.
فالمتحصل : أنه إذا كانت أصالة البراءة نافية لحكم عن موضوع ومثبتة له لموضوع آخر ، كما إذا اقتضى استصحاب الطهارة أو قاعدتها عدم نجاسة أحد الإناءين اللذين علم إجمالا بنجاسة أحدهما ، فإن شيئا منهما لا يجري فيه ؛ لأن جريانه فيه يثبت وجوب الاجتناب عن الآخر.
وإن شئت فقل : إن أصالة البراءة عن وجوب الاجتناب عن أحد الإناءين في المثال المزبور تثبت وجوب الاجتناب عن الإناء الآخر ، فلا تجري فيه ؛ لأن شأن البراءة نفي الحكم فقط لا النفي من جهة والإثبات من جهة أخرى ، ولذا لم تعدّ من الأدلة ؛ إذ لو كانت مثبتة لحكم شرعي لعدّت من الأدلة الشرعية.
وقيل في وجه عدم جريان أصل البراءة إذا كان مثبتا لحكم شرعي من جهة أخرى : إنه أصل مثبت والأصل المثبت ليس حجة.
(١) هذا هو الشرط الثاني.
وحاصل الكلام في المقام : أنه يعتبر في جريان أصالة البراءة : أن لا يكون موجبا لضرر الغير من مسلم أو من بحكمه ، كما إذا فتح إنسان قفص الطير الذي هو لإنسان آخر ، أو حبس شاته حتى مات ولدها ، أو أمسك رجلا فهربت دابته وضلت ، فإن إجراء أصل البراءة عن الضمان في أمثال هذه الموارد موجب لضرر صاحب الطير والشاة والدابة ، فمثل هذا الأصل لا يجري ؛ لما عرفت من : أن أصالة البراءة تكون للامتنان ، وكون إجرائها مستلزما لورود ضرر على الغير يكون منافيا للامتنان.
(٢) هذا شروع في ردّ الشرط الأول.
توضيح الرد : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٦ ، ص ٤٨٧» ـ أن موضوع الحكم الشرعي تارة : يكون أمرا ظاهريا أو أعم منه كعدم استحقاق العقوبة الذي هو مقتضى البراءة العقلية والإباحة ، وعدم الحكم الذي هو مقتضى البراءة الشرعية ، كما إذا فرض أن جواز البيع مترتب على كل ما يكون حلالا ولو ظاهرا ، فحينئذ إذا شك في حرمة شرب التتن ونحوه من الشبهات البدوية ، وبعد الفحص جرت فيه البراءة الشرعية المثبتة لحليته ثبت جواز بيعه أيضا ؛ إذ المفروض : كون موضوع جواز بيعه حليته ولو ظاهرا ؛ إذ لو لم يترتب جواز بيعه على هذه الحلية لزم تخلف الحكم عن موضوعه وهو محال ؛ للخلف والمناقضة.