.................................................................................................
______________________________________________________
وأما الجواب عن الإشكال الأول : ـ وهو الحكم بصحة العبادة مع عدم الأمر بها فتوضيحه يتوقف على مقدمة : وهي : أن الحكم بالصحة تارة : يكون لأجل الأمر ، وأخرى : يكون لأجل وجود ملاك الأمر وهو المصلحة.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الصحة هنا ليست بلحاظ الأمر ؛ بل بلحاظ ملاكه لوفاء المأتي به بالغرض الأكمل ، والحكم باستحقاق العقاب يكون لأجل أنه فوّت على المولى مقدارا من المصلحة لا يمكن تداركها.
والمتحصل : أن الصحة إنما هي لأجل كون المأتي به واجدا لعمدة مصلحة المأمور به التي يلزم استيفاؤها ، وكيف كان ؛ فلاشتمال المأتي به على هذا الملاك اللازم الاستيفاء يتصف بالصحة والإجزاء عن المأمور به ؛ بحيث لو لم تجب صلاة القصر كانت الصلاة تماما مأمورا بها ؛ لكن لما كانت مصلحة صلاة القصر أهم صارت هي الواجبة فعلا لا الصلاة تماما ، فصحة صلاة التمام مستندة إلى المصلحة لا الأمر الفعلي كي يقال : ليس هناك أمر فعليّ فكيف يحكم بالصحة؟
وأما الجواب عن الإشكال الثاني ـ وهو أنه كيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة مع تمكن المكلف من الإعادة التي تكون وافية بتمام المصلحة ـ فإنه لا فائدة في الإعادة ؛ إذ لا مصلحة تقتضي الإعادة ، حيث إن المصلحة التامة الكامنة في صلاة القصر قد فاتت بسبب الإتيان بصلاة التمام لمكان الضدية بين المصلحتين ، فمصلحة صلاة التمام فوتت مصلحة صلاة القصر ، فلا مصلحة لها بعد الصلاة تماما ، ولم يبق شيء منها قابلا للتدارك حتى تجب إعادتها لأجل تداركه.
هذا نظير ما إذا أمر المولى عبده بسقي البستان أو الزرع بماء النهر مثلا ، فسقاه بماء البئر ، فإن مصلحة السقي بماء النهر قد فاتت بسقيه بماء البئر ويمتنع تداركها ، بل سقيه بماء النهر حينئذ مضر بالبستان أو الزرع ومفسد له ، فمصلحة نفس السقي في الجملة وإن ترتبت على السقي بماء البئر ؛ إلا إن كمال المصلحة ـ وهو النمو الزائد ـ لا يترتب عليه ولا يمكن تداركه بماء النهر.
فالمتحصل : أن الحكم باستحقاق العقاب إنما هو لأجل تفويت مقدار من المصلحة لا يمكن تداركها على المولى.
توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».