شتى لا يهمنا نقلها ونقل ما ذكر من الاستدلال عليها (١) ، وإنما المهم الاستدلال على ما هو المختار منها (٢) وهو (٣) الحجية مطلقا على نحو يظهر بطلان سائرها (٤) ، فقد استدل عليه (٥) بوجوه : الوجه الأول (٦) : بناء العقلاء من الإنسان بل ذوي الشعور من
______________________________________________________
(١) فإنه إطالة بغير طائل.
(٢) أي : من هذه الأقوال.
(٣) أي : هو القول الأول أعني «الحجية مطلقا».
(٤) فلا حاجة إلى إطالة الكلام بالبحث عن أدلتها وردّها ؛ لكنه «قدسسره» تعرض لتفصيل الشيخ الأنصاري بين الشك في المقتضي والرافع ، وللتفصيل بين الوضع والتكليف.
(٥) أي : على المختار وهو حجية الاستصحاب مطلقا.
أدلة حجية الاستصحاب
(٦) المراد ببناء العقلاء وسيرتهم : هو عملهم في قبال الإجماع القولي ، غاية الأمر : أن السيرة تطلق ـ كما قيل ـ على عملهم بما هم متدينون بدين ومتشبثون بشريعة ؛ كاستقرار طريقتهم على بيع المعاطاة ، واكتفائهم بالعقد الفعلي استنادا إلى تدينهم بدين ، واعتبار هذه السيرة منوط بالإمضاء. والبناء يطلق أيضا على استقرار العقلاء بما هم عقلاء على أمر شرعي كبنائهم على اعتبار الخبر الموثوق الصدور.
ويقابل هذين البناءين ما يطلق عليه فهم العرف كاقتضاء فهمهم بما هم عرف في تعيين المرادات من ظواهر الألفاظ ؛ كبنائهم على اعتبار الظواهر وأصالة الحقيقة ونحوهما.
وكيف كان ؛ فالاستدلال ببناء العقلاء على اعتبار الاستصحاب مؤلف من مقدمتين :
أما الأولى ـ فمحصلها : استقرار بناء العقلاء على إبقاء ما كان على ما كان ، بمعنى : كون الاعتماد على الوجود السابق المتيقن في ظرف الشك في بقائه من مرتكزات العقلاء في جميع أمورهم وشئونهم ، فالشك المسبوق باليقين وغير المسبوق به ليسا على حدّ سواء عندهم ؛ لعدم اعتنائهم باحتمال تبدل ذلك المعلوم السابق بغيره ، بخلاف ما إذا لم تكن الحالة السابقة محرزة ، فإنهم يرجعون إلى أمور أخرى كالاحتياط العقلي ونحوه.
بل يمكن دعوى : عدم اختصاص هذا البناء بالعقلاء ؛ لأنه دأب كل ذوي الشعور ومن جبليات جميع النفوس ؛ لما يرى من رجوع الحيوانات إلى أوكارها بعد تركها.