ولكن يرد عليه : أن الأولويّة مطلقا ممنوعة ؛ بل ربما يكون العكس أولى ، كما يشهد به مقايسة فعل بعض المحرمات مع ترك بعض الواجبات ، خصوصا مثل : الصلاة وما يتلو تلوها (١).
ولو سلّم (٢) فهو أجنبي عن المقام ؛ فإنّه فيما إذا دار بين الواجب والحرام.
ولو سلّم (٣) ، فإنّما يجدي فيما لو حصل به القطع.
______________________________________________________
(١) أي : ما يتلو تلو الصلاة كالحج والصوم وغيرهما مما بني عليه الإسلام ، فإنّ مصلحة الصلاة مثلا أقوى من مفسدة النظر إلى الأجنبيّة.
(٢) هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الّتي أوردها المصنف على المحقق القمي «قدسسره».
وحاصل هذا الوجه الثاني : لو سلّمنا كلية قاعدة أولويّة دفع المفسدة من جلب المنفعة نمنع صغروية المقام لها ؛ بل هي أجنبية عن المقام ، وليس المقام من صغريات تلك الكبرى ، وذلك ، لأن موردها هو التخيير بعد عدم الأخذ بالترجيح ، مثل : ما لو دار الأمر بين وجوب شيء وحرمته بأن يكون هناك شيء واحد لا يعلم أنّه واجب أو حرام ؛ كما لو ترددت المرأة بين الأجنبية التي يحرم وطؤها وبين الزوجة رأس أربعة أشهر التي يجب وطؤها ، فإنّ ترك الوطء الذي فيه دفع مفسدة الزنا المحتمل أولى من الوطء الذي فيه جلب منفعة الوجوب المحتمل ، هذا مثال الشبهة الموضوعية.
وأما مثال الشبهة الحكمية : فكما لو ترددت صلاة الجمعة بين الوجوب والحرمة ، فإنّ الحكم فيها ـ بعد عدم إمكان ترجيح أحد الحكمين ـ هو التخيير ، هذا بخلاف المقام حيث قام الدليلان على الوجوب والحرمة ، وحكم العقل بامتناع الاجتماع ولم يعلم ترجيح أحدهما على الآخر من الخارج.
وكيف كان ؛ فلا موضوع حينئذ لتلك القاعدة إذ موضوعها وموردها هو : ما إذا دار أمر الفعل بين الواجب والحرام كصلاة الجمعة في عصر الغيبة ، فعند القائل بحرمتها فيها مفسدة ملزمة ، وعند القائل بوجوبها فيها مصلحة ملزمة ولا يتمكّن المكلف من دفع الأولى وجلب الثانية معا في مقام الامتثال ؛ لأنّه إمّا أنّ يفعلها فيجلب المصلحة ولا يدفع المفسدة ، وإمّا أن يتركها فيدفع المفسدة ولا يجلب المصلحة.
(٣) هذا إشارة إلى الوجه الثالث من الوجوه الّتي أوردها المصنف على المحقق القمي «قدسسره» وحاصله : أنّ هذه القاعدة بعد تسليمها إنّما تجدي فيما إذا حصل القطع بالأولويّة وذلك ممنوع ؛ لأنّ غاية ما يحصل من هذه القاعدة هو الظنّ بالأولويّة ، وذلك لا يجدي لأنّ الأصل عدم اعتباره ، فالأولويّة الظنيّة لا تجدي في الترجيح ؛ لأنّ المعتمد