فصل
قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف (١) ، مع الاتفاق على الجواز
______________________________________________________
تخصيص العام بالمفهوم المخالف
(١) وقبل الخوض في البحث لا بد من تحرير محل النزاع.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : الفرق بين المفهوم المخالف والمفهوم الموافق ، وحاصل الفرق : أن المفهوم الغير المطابق للمنطوق في الإيجاب والسلب يسمى بالمفهوم المخالف ، ويعبر عنه بدليل الخطاب ، والمفهوم المطابق للمنطوق في الإيجاب والسلب يسمى بالمفهوم الموافق ، ويعبر عنه بلحن الخطاب ، أو فحوى الخطاب.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا خلاف في جواز تخصيص العام بالمفهوم الموافق ؛ كحرمة تزويج ذات البعل التي هي المفهوم الموافق بالأولوية لقوله «عليه الصلاة والسلام» : «والذي يتزوّج المرأة في عدتها وهو يعلم لا تحل له أبدا» (١) ؛ إذ لا إشكال في أولوية حرمة تزويج ذات البعل من نكاح المعتدة ، وهذا المفهوم يخصّص عموم قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ)(٢) ، بعد ذكر حرمة نكاح عدة من النساء كالأمّ والبنت والأخت وغيرهن ، فكأنه قيل : وأحل لكم ما وراء المذكورات إلا ذات البعل. هذا مما لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في المفهوم المخالف كما لو قال : «أكرم العلماء» ، ثم قال : «أكرم العلماء إن جاءوك» ، فالمفهوم المخالف منه : عدم وجوب إكرامهم في صورة عدم المجيء.
والوجه في اتفاق تخصيص العام بالمفهوم الموافق هو : رجوع التعارض في الحقيقة إلى التعارض بين المنطوق والعام ، حيث لا يمكن رفع اليد عن مفهوم الموافقة ، مع البناء على المنطوق ؛ للقطع بثبوت المفهوم على تقدير ثبوت المنطوق ، وإلا لم يكن مفهوم الموافقة ،
__________________
(١) في التهذيب ، ج ٧ ، ح ١٦٦ : عن حمدان قال : سألت أبا جعفر «عليهالسلام» عن امرأة تزوجت في عدتها بجهالة منها بذلك ، فقال : «لا أرى عليها شيئا ، ويفرق بينها وبين الذي تزوج بها ، ولا تحل له أبدا ...».
(٢) النساء : ٢٤.