ومنها : الاستقراء ، فإنّه يقتضي ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب ؛
______________________________________________________
الاستقراء
الوجه الثالث : من الوجوه الّتي ذكروها لترجيح النهي على الأمر : هو الاستقراء ، بدعوى : أنّنا إذا تتبعنا موارد دوران الأمر بين الوجوب والحرمة في المسائل الشرعية نجد : أن الشارع قدّم جانب الحرمة على جانب الوجوب ، فقد حرّم الفعل الذي يدور أمره بين الوجوب والحرمة.
وقد ذكر المصنف «قدسسره» موردين من موارد تقديم جانب الحرمة على جانب الوجوب.
الأوّل : ما أشار إليه بقوله : «كحرمة الصلاة : في أيّام الاستظهار».
والثاني : ما أشار إليه بقوله : «وعدم جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين».
وأما توضيح المورد الأول : فيتوقف على مقدمة وهي : أن الشارع قد حكم بترك الصلاة في أيّام الاستظهار ، وهي ـ في ذات العادة ـ الأيام الّتي ترى المرأة دما بعد تمام العادة قبل العشرة ، فإنّ أمرها دائر في هذه الأيّام بين وجوب الصلاة عليها إذا انقطع الدم دون العشرة ، وبين حرمتها عليها ، إذا استمرّ الدم إلى العشرة ، مثلا : لو كانت عادة المرأة في كلّ شهر ثلاثة أيّام ، ثم رأت الدم بعدها ، فبين الثلاثة والعشرة تسمّى أيام الاستظهار ، والدم في أيّام الاستظهار استحاضة إن تجاوز العشرة ، وحيض إن انقطع فيها ، هذا في ذات العادة. أمّا المرأة المبتدئة وهي الّتي لم تستقر بعد لها العادة فأيام الاستظهار في حقها أول رؤية الدم إلى ثلاثة أيّام ، فهي تستظهر إلى ثلاثة أيّام ، فإن لم ينقطع فيها الدم حكم بكونه حيضا وإلّا فهو استحاضة.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه يدور أمر الصلاة في أيّام الاستظهار بين الحرمة لاحتمال الحيضية ، وبين الوجوب لاحتمال الاستحاضة ، إلّا إنّ الشارع المقدس قدّم جانب الحرمة على الوجوب حيث أمرها بترك الصلاة في هذه الأيّام ، فيكون حكم الشارع بحرمة الصلاة دليلا على ترجيح النهي على الأمر. هذا تمام الكلام في توضيح المورد الأول.
وأما المورد الثاني : فلأن حكم الشارع بعدم جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين اللذين اشتبه طاهرهما بمتنجّسهما ، مع وجوب الوضوء بالماء الطاهر. يكشف عن تقدم النهي على الأمر في جميع الموارد ، فحكم الشارع وأمره بإراقة المشتبهين ، والتيمم للصلاة ـ مع دوران الأمر بين وجوب الوضوء مقدمة للصلاة وحرمته لنجاسة الماء ـ يكون دليلا على تقديم الحرمة على الوجوب.