وأما تقريب استدلال القوانين على وجوب الخروج وحرمته. فحاصله : أنّ الأمر بالتخلّص من الحرام والنهي عن الغصب دليلان يجب إعمالهما ولا موجب لتقييد الأمر بأن يقال بوجوب المقدمة الغير التخلّصي ، أو تقييد النهي بأن يقال بحرمة الغصب الغير الخروجي ؛ لأنّ منشأ التقييد هو الاستحالة الناشئة من أحد أمرين : وهما اجتماع الضدين ـ أعني : الوجوب والحرمة ـ في فعل واحد كالخروج والتكليف بما لا يطاق لعدم قدرة المكلف على امتثال كليهما ، ولا يلزم شيء من هذين الأمرين :
أمّا الأوّل : فلتعدد الجهة ، فإنّ الخروج من حيث إنه غصب فهو حرام ، ومن حيث إنّه مقدمة للتخلّص عن الحرام فهو واجب.
وأمّا الثاني : فلكونه بسوء الاختيار ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
والحاصل : أنّ الموجب للتقييد لزوم الاستحالة ، ولا يلزم حتى يحبب عقلا تقييد أحد الدليلين بأن يقال : الغصب حرام إلّا إذا كان تصرّفا خروجيّا ، أو مقدمة الواجب واجبة إلّا إن تكون مقدمة للتخلّص عن الحرام.
قوله : «لعدم استحالة ...» إلخ تعليل لقوله : «ولا موجب للتقييد».
وقوله : «إذ منشأ الاستحالة ...» إلخ تعليل للاستحالة يعني : أنّ منشأ الاستحالة الموجبة للتقييد عقلا أحد أمرين : اجتماع الضدين ، والتكليف بما لا يطاق. والأول غير لازم نظرا إلى تعدد الجهة ، والثاني : ليس بمحال لكونه بسوء الاختيار. وقد عرفت غير مرة : «إن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار». فلا مانع من القول بكون الخروج واجبا نظرا إلى الأمر ، وحراما نظرا إلى النهي عملا بكلا الدليلين.
هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال.
وأمّا الجواب عن هذا الاستدلال وبيان فساده : فقد أشار إليه بقوله : «وذلك لما عرفت من ثبوت الموجب للتقييد عقلا ...» إلخ ، وحاصل الجواب : أنّه لا بدّ من تقييد أحد الدليلين لئلّا يلزم اجتماع الضدين.
أما وجه فساد الاستدلال : فلما عرفت سابقا من استحالة اجتماع الضدين ، سواء تعدد عنوان المجمع أم اتحد ، فلا بد من تقييد أحدهما بالأهم منهما ، فإن كان الأهم هو الخروج : يقيّد دليل حرمة الغصب بغير الخروج ، وإن كان الأهم هو البقاء : يقيّد دليل وجوب المقدمة بغير الغصب. هذا مجرّد فرض وإلّا فالأهمّ هو التخلّص من البقاء المحرم بالخروج.