والسّر في ذلك (١) : أنّ الكلام الملقى من السيّد حجة ليس إلا ما اشتمل على العام الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم ، فلا بد من اتّباعه ما لم يقطع بخلافه ، مثلا : إذا قال المولى : أكرم جيراني ، وقطع بأنه لا يريد إكرام من كان عدوّا له منهم ، كان أصالة العموم باقية على الحجيّة بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه (٢) عن عموم الكلام : للعلم بعداوته ؛ لعدم حجة أخرى بدون ذلك على خلافه.
بخلاف ما إذا كان المخصص لفظيا ، فإن (٣) قضية تقديمه عليه هو كون الملقى إليه
______________________________________________________
احتمال العداوة فلا يمنع عن حجية العام. هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح كلام المصنف في المخصص اللبي.
(١) أي : الفرق المذكور بين المخصص اللبّي واللفظي المنفصل في الشبهة المصداقية ، بجواز التمسك بالعام في اللبّي دون اللفظي المنفصل ، مع انعقاد ظهور العام في العموم في كلا الموردين أعني : السر والوجه في هذا الفرق هو : أن الملقى من السيد إلى العبد في المخصص اللبّي ليس إلا كلاما واحدا وحجة كذلك نحو : «أكرم جيراني» ، فيجب اتباع ظهوره إلى أن يعلم بخلافه فيصح التمسك به في غير معلوم الخروج ؛ لأن ظهوره وحجيته باقيان على حالهما بالنسبة إلى غير معلوم الخروج عنه.
هذا بخلاف العام المخصص بالمخصص اللفظي المنفصل نحو : «أكرم جيراني» ، وقال السيد في موضع آخر : «لا تكرم جاري العدو» ؛ فإن الملقى من السيد إلى العبد كلامان وحجتان ، فإذا قدّم الخاص على العام صار موضوع العام مقيدا بقيد وجودي ـ وهو الجوارية ـ وعدمي وهو عدم العداوة مثلا ، فالفرد المشتبه لا يندرج تحت العام ولا الخاص ، فلا يجوز التمسك لا بالعام ولا بالخاص ، لأن جواز التمسك مشروط بإحراز موضوع الدليل ، والمفروض : عدم إحراز اندراج الفرد المشتبه في العام ولا في الخاص.
(٢) الضمير راجع إلى «من» الموصول. ومعنى العبارة : أن العام حجة في جميع افراده إلا ما علم بخروجه عنه ، فيكون جميع الجيران واجبي الإكرام إلا من علم بعداوته منهم ، فالمانع عن حجية العام في مشكوك العداوة مفقود ؛ إذ المانع عنها هو العلم بالعداوة ، وذلك مفقود في محتمل العداوة.
قوله : «لعدم حجة أخرى» متعلق بقوله : «باقية» وتعليل له يعني : أن أصالة العموم باقية على الحجية في الفرد المحتمل خروجه عن العام ؛ لعدم حجة أخرى غير العلم بالخروج ، فالعام حجة إلا مع العلم بخروج بعض الأفراد عنه ، ومن المعلوم : أن الفرد المشكوك غير معلوم الخروج عنه ، فيرجع فيه إلى العام.
(٣) تعليل لبيان الفرق بين المخصص اللّبي واللفظي.