عبادة (١) بما هو عبادة ـ كما عرفت ـ مقتض لفسادها ؛ لدلالته على حرمتها ذاتا ، ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الأمر أو الشريعة مع الحرمة ، وكذا بمعنى
______________________________________________________
(١) كالنهي عن قراءة العزائم في الصلاة «بما هو عبادة» قيد لجزء العبادة ، ويدل عليه تذكير الضمير
وكيف كان ؛ فإن النهي المتعلق بالعبادة سواء كان المنهي عنه عبادة مستقلّة كقوله : «لا تصلّ في الدار المغصوبة» ، أم جزءا لها كقوله : «لا تقرأ العزائم في الصلاة» ، أم شرطا لها كقوله : «لا تتوضأ بالماء المغصوب» يقتضي الفساد ، فإنّ العبادة ـ بوصف كونها عبادة ـ لا فرق في فسادها بالنهي المتعلق بها بين هذه الأقسام الثلاثة ؛ لوجود ملاك الفساد ـ وهو دلالة النهي بطبعه مجرّدا عن القرينة على الحرمة الذاتية الملازمة للفساد ـ في العبادات ؛ لأن الحرمة تكشف عن المبغوضية المضادة للمحبوبية المقوّمة للعبادة ، ومن البديهي : أن المحبوبية لا تجتمع مع المبغوضية في شيء واحد ، فلا محالة يكون النهي رافعا للأمر فيفسد المنهي عنه ، سواء كان نفس العبادة أم جزئها أم شرطها ، غاية الأمر : أن سراية فساد الجزء أو الشرط إلى نفس العبادة منوطة بالاكتفاء به وعدم تداركه كما سبق.
قوله : «لدلالته على حرمتها ذاتا» تعليل لاقتضاء النهي للفساد.
وقوله : «ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة ...» إلخ تقريب لملازمة الحرمة للفساد في العبادات ، وامتناع اجتماع الصحة عند المتكلم والفقيه مع النهي الدّال على الحرمة الذاتية.
أمّا الصحّة عند المتكلم : فلأنّه مع الحرمة لا أمر حتى يتحقق موافقة الأمر أو الشريعة ، ضرورة : أن الإتيان بالحرام الذاتي معصية ، ومعها كيف يكون المنهي عنه موافقا للأمر أو الشريعة؟
وأمّا الصحة عند الفقيه : فلما أفاد المصنف بقوله : «وكذا بمعنى سقوط الإعادة» ؛ لأن سقوط الإعادة مترتّب على إتيان العبادة بقصد القربة ، وكانت العبادة ممّا يصلح لأن يتقرب بها.
وحاصل ما أفاده المصنف في المقام : أن الصحة عند الفقيه منوطة بأمرين :
أحدهما : إتيان العمل بقصد القربة ؛ إذ بدونه لا تصحّ العبادة حتى تسقط الإعادة.
وثانيهما : كونه صالحا لأن يقرّب العبد إلى مولاه ، فإن لم يكن كذلك ـ كما إذا كان حراما ومبغوضا ـ فلا يصلح للمقربيّة ، وبالتالي فلا تصح العبادة.
قوله : «ولا يتأتّى قصدها» عطف على «يصلح» أي : لا يكاد يتأتّى قصد القربة من