٣. ما هو المراد من ابتغاء الفتنة؟
إنّ أصحاب القلوب الزائغة لا يريدون الاهتداء بهدى القرآن الكريم ، وإنّما يتبنّون عقيدة أو فكرة أو سلوكاً خاصّاً فيرجعون إلى القرآن بغية الاستدلال عليها ، ولأجل ذلك يأخذون من الآيات المتشابهة ما تؤيد ظهورها المتزلزلة مقاصدَهم ، وإليك نموذجاً :
إنّ روّاد الجبر الذين يتظاهرون به بغية الانحلال الأخلاقي والحرّية في السلوك ، يتمسّكون بقوله سبحانه : ( يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدي مَنْ يَشاء ) (١) ويبثّون فكرة الجبر الذي هو بمعنى سلب الاختيار عن الإنسان في مجال الهداية والضلالة والإيمان والكفر والطاعة والعصيان فكأنّ الإنسان ريشة في مهبّ الريح.
غير أنّ الراسخين في العلم يؤوّلون الآية ويرجعونها إلى واقعها المراد ، وهو أنّ الآية بصدد بيان أنّ الفيوض المعنوية والمادّية كلّها بيد اللّه سبحانه ولا يملك الإنسان شيئاً من ذلك ، ولكن لا بمعنى وجود الفوضى في هداية الإنسان وإضلاله وإنّما يتّبعان الأرضية الصالحة التي يكتسبها العبد باختياره ويستحق الهداية أو الضلالة.
وقد صرّح سبحانه في آيات أُخرى بذلك ، يقول سبحانه : ( يُضِلُّ بِهِ كَثَيراً وَيَهْدي بِهِ كَثيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاّ الْفاسِقين ) (٢) ، ويقول : ( إِنّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوم الضّالّين ) (٣). ويقول : ( إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَناب ). (٤)
فهذه الآيات تفسّر لنا إضلال اللّه سبحانه وأنّه جزاء من اللّه سبحانه لمن
__________________
١. النحل : ٩٣.
٢. البقرة : ٢٦.
٣. الأنعام : ١٤٤.
٤. الرعد : ٢٧.