القائل بالامتناع لا يلتزم به ، ولو قلنا بأنّ اختلاف الحيثيتين ، لا يرفع تضاد الحكمين لكونهما موجودين بوجود واحد فلا يرفع تضاد الملاكين. (١)
لكن لقائل أن يقول : إنّ اختلاف العنوانين لا يكون مصحِّحاً لتعلّق الوجوب والحرمة بالشيء الواحد وجوداً ، وإن جاز أن يكون مصحِّحاً لاجتماع الملاكين فيه ، وذلك لأنّ العنوانين وإن كانا مختلفين مفهوماً ، لكنّهما متّحدان وجوداً. ولازم اجتماع الحكمين المتضادّين ، طلب إيجاد شيء واحد وتركه ، وهو بمنزلة الأمر بالمحال. وهذا بخلاف الملاكين المختلفين في المصلحة والمفسدة ، فانّهما ليسا قائمين بالمكلّف به حتّى لا يصحّ توصيفه بالصلاح والفساد ، لأنّهما من الأُمور الخارجية الراجعة إلى نفس المكلَّف تارة ، ومجتمعه أُخرى. فالصلاة في الدار المغصوبة ذات صلاح وفلاح وهي التي تدفع الإنسان إلى ذكر ربّه ، الذي هو مفتاح كلّ خير. كما أنّها مبدأ فساد وشرّ ، لاستلزامها التعدّي على حقوق الغير الذي هو قبيح عقلاً ، ومستلزمة لرواج الفوضى في المجتمع واختلال النظام. ولا مانع من اجتماعهما لاختلاف محلّهما. وهو ـ دام ظلّه ـ صرّح بذلك في موضع آخر (٢) ، وبذلك صحّح كون الشيء الواحد مقرّباً ومبعداً ، حسناً وقبيحاً.
إذا عرفت هذه المقدمات يقع الكلام في أدلّة القائل بالامتناع ، وقد هذّبه المحقّق الخراساني في ضمن أُمور :
__________________
١. تهذيب الأُصول : ١ / ٢٨٨.
٢. لاحظ تهذيب الأُصول : ١ / ٣١٦.