بإيمانك (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) سينصر دينه ، ويعلي كلمته ، وينصر رسله في الدنيا والآخرة. واستعن على ذلك أيضا ، بتوقيع العقوبة بأعدائك في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال : (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) في الدنيا فذاك (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل عقوبتهم (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) فنجازيهم بأعمالهم ، (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ).
[٧٨] ثم سلّاه وصبّره ، بذكر إخوانه المرسلين فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً) إلى (الْمُبْطِلُونَ). أي : ولقد أرسلنا من قبلك رسلا كثيرين إلى قومهم ، يدعونهم ويصبرون على أذاهم. (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ) خبرهم (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ). وكل الرسل مدبرون ، ليس بيدهم شيء من الأمر. (وَما كانَ لِرَسُولٍ) منهم (أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ) من الآيات السمعية والعقلية (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : بمشيئته وأمره. فاقتراح المقترحين على الرسل ، الإتيان بالآيات ، ظلم منهم ، وتعنت ، وتكذيب بعد أن أيدهم الله بالآيات الدالة على صدقهم ، وصحة ما جاءوا به. (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) بالفصل بين الرسل وأعدائهم ، والفتح. (قُضِيَ) بينهم (بِالْحَقِ) الذي يقع الموقع ، ويوافق الصواب بإنجاء الرسل وأتباعهم ، وإهلاك المكذبين ، ولهذا قال : (وَخَسِرَ هُنالِكَ) أي : وقت القضاء المذكور (الْمُبْطِلُونَ) الّذين وصفهم الباطل ، وما جاءوا به من العلم والعمل باطل ، وغايتهم المقصودة لهم باطلة. فليحذر هؤلاء المخاطبون ، أن يستمروا على باطلهم ، فيخسروا ، كما خسر أولئك. فإن هؤلاء لا خير منهم ، ولا لهم براءة في الكتب بالنجاة.
[٧٩] (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) (٨١) يمتن تعالى على عباده ، بما جعل لهم من الأنعام ، التي بها جملة من المنافع. منها : منافع الركوب عليها ، والحمل. ومنها : منافع الأكل من لحومها ، والشرب من ألبانها. ومنها : الدفء ، واتخاذ الآلات والأمتعة ، من أصوافها ، وأوبارها وأشعارها ، إلى غير ذلك من المنافع.
[٨٠] (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) من الوصول إلى الأقطار البعيدة ، وحصول السرور بها ، والفرح عند أهلها. (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) أي : على الرواحل البرية ، والفلك البحرية ، يحملكم الله الذي سخرها ، وهيأ لها ما هيأ من الأسباب ، التي لا تتم إلا بها.
[٨١] (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) الدالة على وحدانيته ، وأسمائه ، وصفاته. وهذا من أكبر نعمه ، حيث أشهد عباده ، آياته النفسية ، وآياته الأفقية ، ونعمه الباهرة ، وعدّدها عليهم ، ليعرفوه ، ويشكروه ، ويذكروه. (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) أي : أي آية من آياته ، لا تعترفون بها؟ فإنكم قد تقرر عندكم ، أن جميع الآيات والنعم منه تعالى. فلم يبق للإنكار محل ، ولا للإعراض عنها موضع. بل أوجبت لذوي الألباب ، بذل الجهد ، واستفراغ الوسع ، للاجتهاد في طاعته ، والتبتل في خدمته ، والانقطاع إليه.
[٨٢] (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) يحث تعالى ، المكذبين لرسولهم ، على السير في الأرض ، بأبدانهم ، وقلوبهم : وسؤال العالمين. (فَيَنْظُرُوا) نظر فكر واستدلال ، لا نظر غفلة وإهمال. (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم السالفة ، كعاد ، وثمود وغيرهم ، ممن (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) من الأبنية الحصينة ،