(وَالْكِتابِ) ، أي : جنس الكتب التي أنزلها الله على رسوله ، وأعظمها القرآن ، فيؤمن بما تضمنه من الأخبار والأحكام ، (وَالنَّبِيِّينَ) عموما ، خصوصا خاتمهم وأفضلهم محمد صلىاللهعليهوسلم. (وَآتَى الْمالَ) وهو كل ما يتموله الإنسان من مال ، قليلا كان أو كثيرا ، أي : أعطى المال (عَلى حُبِّهِ) ، أي : حب المال ، بيّن به أن المال محبوب للنفوس ، فلا يكاد يخرجه العبد. فمن أخرجه مع حبه له ، تقربا إلى الله تعالى ، كان هذا برهانا لإيمانه ، ومن إيتاء المال على حبه ، أن يتصدق وهو صحيح شحيح ، يأمل الغنى ، ويخشى الفقر ، وكذلك إذا كانت الصدقة عن قلة ، كان أفضل ، لأنه في هذه الحال ، يحب إمساكه ، لما يتوهمه من العدم والفقر. وكذلك إخراج النفيس من المال ، وما يحبه من ماله كما قال تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ، فكل هؤلاء ممن أتى المال على حبه. ثم ذكر المنفق عليهم ، وهم أولى الناس ببرّك وإحسانك :. من (ذَوِي الْقُرْبى) الذين تتوجع لمصابهم ، وتفرح بسرورهم ، الذين يتناصرون ويتعاقلون ، فمن أحسن البر وأوفقه ، تعاهد الأقارب بالإحسان المالي والقولي ، على حسب قربهم وحاجتهم. (وَالْيَتامى) الذين لا كاسب لهم ، وليس لهم قوة يستغنون بها ، وهذا من رحمته تعالى بالعباد ، الدالة على أنه تعالى ، أرحم بهم من الوالد بولده ، فالله قد أوصى العباد ، وفرض عليهم في أموالهم الإحسان إلى من فقد آباؤهم ليصيروا كمن لم يفقد والديه ، ولأن الجزاء من جنس العمل فمن رحم يتيم غيره ، رحم يتيمه. (وَالْمَساكِينَ) وهم الذين أسكنتهم الحاجة ، وأذلهم الفقر فلهم حق على الأغنياء ، بما يدفع مسكنتهم أو يخففها ، بما يقدرون عليه ، وبما يتيسر. (وَابْنَ السَّبِيلِ) وهو الغريب المنقطع به في غير بلده ، فحثّ الله عباده على إعطائه من المال ، ما يعينه على سفره ، لكونه مظنة الحاجة ، وكثرة المصارف. فعلى من أنعم الله عليه بوطنه وراحته ، وخوله من نعمته ، أن يرحم أخاه الغريب ، الذي بهذه الصفة ، على حسب استطاعته ، ولو بتزويده ، أو إعطائه آلة لسفره ، أو دفع ما ينوبة من المظالم وغيرها. (وَالسَّائِلِينَ) ، أي : الذين تعرض لهم حاجة من الحوائج ، توجب السؤال ، كمن ابتلي بأرش جناية ، أو ضريبة عليه من ولاة الأمور ، أو يسأل الناس لتعمير المصالح العامة ، كالمساجد والمدارس ، والقناطر ، ونحو ذلك ، فهذا له الحق ، وإن كان غنيا. (وَفِي الرِّقابِ) ، فيدخل فيه العتق والإعانة عليه ، وبذل مال للمكاتب ، ليوفي سيده ، وفداء الأسرى عند الكفار ، أو عند الظلمة. (وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) قد تقدم مرارا ، أن الله تعالى يقرن بين الصلاة والزكاة ، لكونهما أفضل العبادات ، وأكمل القربات ، عبادات قلبية ، وبدنية ، ومالية ، وبهما يوزن الإيمان ، ويعرف ما مع صاحبه من الإيقان. (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) ، والعهد هو الالتزام بإلزام الله أو إلزام العبد لنفسه. فدخل في ذلك حقوق الله كلها ، لكون الله ألزم بها عباده ، والتزموها ، ودخلوا تحت عهدتها ، ووجب عليهم أداؤها ، وحقوق العباد التي أوجبها الله عليهم ، والحقوق التي التزمها العبد كالأيمان والنذور ، ونحو ذلك. (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ) ، أي : الفقر ؛ لأن الفقير يحتاج إلى الصبر من وجوه كثيرة ، لكونه يحصل له من الآلام القلبية والبدنية المستمرة ، ما لا يحصل لغيره. فإن تنعّم الأغنياء بما لا يقدر عليه ، تألّم ، وإن جاع أو جاعت عياله ، تألّم ، وإن أكل طعاما غير موافق لهواه ،