بما هو تفسير له. فلا تجد فيه الحوالة على موضع من المواضع. بل كلّ موضع
تجد تفسيره ، كامل المعنى ، غير مراع لما مضى ، مما يشبهه. وإن كان بعض المواضع ،
يكون أبسط من بعض ، وأكثر فائدة ، وهكذا ينبغي لقارىء القرآن ، المتدبر لمعانيه ،
أن لا يدع التدبر في جميع المواضع منه. فإنه يحصل له بسبب ذلك ، خير كثير ، ونفع
غزير. ولما كان القرآن العظيم بهذه الجلالة والعظمة ، أثّر في قلوب أولي الألباب
المهتدين فلهذا قال تعالى : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) لما فيه من التخويف والترهيب المزعج. (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ
وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي : عند ذكر الرجاء والترغيب. فهو تارة يرغب لعمل
الخير ، وتارة يرهبهم من عمل الشر. (ذلِكَ) الذي ذكره الله من تأثير القرآن فيهم. (هُدَى اللهِ) أي : هداية منه لعباده ، وهو من جملة فضله وإحسانه
عليهم. (يَهْدِي بِهِ) أي : بسبب ذلك (مَنْ يَشاءُ) من عباده ويحتمل أن المراد بقوله (ذلِكَ) أي : القرآن الذي وصفناه لكم. (هُدَى اللهِ) الذي لا طريق يوصل إلى الله إلا منه (يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) من عباده ممن حسن قصده ، كما قال تعالى : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ
رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ). (وَمَنْ يُضْلِلِ
اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) لأنه لا طريق يوصل إليه إلا توفيقه والتوفيق بالإقبال
على كتابه. فإذا لم يحصل هذا ، فلا سبيل إلى الهدى ، وما هو إلا الضلال المبين والشقاء
المهين.
[٢٤] أي : هل
يستوي هذا الذي هداه الله ، ووفقه لسلوك الطريق الموصلة لدار كرامته. ومن كان في
الضلال ، واستمر على عناده ، حتى قدم القيامة ، فجاءه العذاب العظيم فجعل يتقي
بوجهه الذي هو أشرف الأعضاء ، وأدنى شيء من العذاب يؤثر فيه ؛ فهو يتقي فيه سوء
العذاب لأنه قد غلّت يداه ورجلاه. (وَقِيلَ
لِلظَّالِمِينَ) أنفسهم ، بالكفر والمعاصي ، توبيخا وتقريعا : (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ).
[٢٥] (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم كما كذّب هؤلاء. (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ
مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) جاءهم في غفلة ، أو نهار ، أو هم قائلون.
[٢٦] (فَأَذاقَهُمُ اللهُ) بذلك العذاب (الْخِزْيَ فِي
الْحَياةِ الدُّنْيا) فافتضحوا عند الله ، وعند خلقه. (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ
كانُوا يَعْلَمُونَ) فليحذر هؤلاء من المقام على التكذيب ، فيصيبهم ما أصاب أولئك
من التعذيب.
[٢٧] يخبر
تعالى ، أنه ضرب في القرآن من جميع الأمثال ، أمثال أهل الخير ، وأمثال أهل الشر ،
وأمثال التوحيد والشرك ، وكلّ مثل يقرّب حقائق الأشياء ، والحكمة في ذلك (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) عند ما نوضح لهم الحقّ فيعلمون ، ويعملون.
[٢٨] (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) أي : جعلناه قرآنا عربيا ، واضح الألفاظ ، سهل المعاني
، خصوصا على العرب. (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) أي : ليس فيه خلل ولا نقص بوجه من الوجوه ، لا في
ألفاظه ، ولا في معانيه ، وهذا يستلزم كمال اعتداله واستقامته كما قال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ
عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً). (لَعَلَّهُمْ
يَتَّقُونَ) الله تعالى ، حيث سهلنا عليهم طرق التقوى ، العلمية
والعملية ، بهذا القرآن العربي المستقيم ، الذي ضرب الله فيه من كلّ مثل.
[٢٩] ثمّ ضرب
مثلا للشرك والتوحيد فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً
رَجُلاً) أي : عبدا (فِيهِ شُرَكاءُ
مُتَشاكِسُونَ) فهم كثيرون ، وليسوا متفقين على أمر من الأمور ، وحالة
من الحالات ، حتى تمكن راحته ، بل هم