متشاكسون متنازعون فيه ، كلّ له مطلب ، يريد تنفيذه ، ويريد الآخر غيره. فما تظن حال هذا الرجل ، مع هؤلاء الشركاء المتشاكسين؟ (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ) أي : خالصا له ، قد عرف مقصود سيده ، وحصلت له الراحة التامة. (هَلْ يَسْتَوِيانِ) أي : هذان الرجلان (مَثَلاً)؟ لا يستويان. كذلك المشرك ، فيه شركاء متشاكسون ، يدعو هذا ، ثمّ يدعو هذا. فتراه لا يستقر له قرار ، ولا يطمئن قلبه في موضع. والموحّد مخلص لربه ، قد خلصه الله من الشركة لغيره ، فهو في أتم راحة ، وأكمل طمأنينة. (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ) على تبيين الحقّ من الباطل ، وإرشاد الجهال. (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) «ما يصيرون إليه من العذاب من جراء شركهم».
[٣٠] (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٣٠) أي : كلكم لا بد أن يموت (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) (٣٤).
[٣١] (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (٣١) فيما تنازعتم فيه ، فيفصل بينكم بحكمه العادل ، ويجازى كلّا ما عمله (أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ).
[٣٢] يقول تعالى ، محذرا ، ومخبرا : أنه لا أظلم وأشد ظلما (مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) إما بنسبته إلى ما لا يليق بجلاله ، أو بادعاء النبوة ، أو الإخبار بأن الله تعالى قال كذا ، أخبر بكذا ، وهو كاذب. فهذا داخل في قوله تعالى : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) إن كان جاهلا ، وإلا هو أشنع وأشنع. (وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ) أي : ما أظلم ممن جاءه الحقّ المؤيد بالبينات ، فكذبه. فتكذيبه ، ظلم عظيم منه ؛ لأنه رد الحقّ بعدم تبين له. فإن كان جامعا بين الكذب على الله ، والتكذيب بالصدق ، كان ظلما على ظلم. (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) يحصل بها الاشتفاء منهم ، وأخذ حق الله من كلّ ظالم وكافر : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
[٣٣] ولما ذكر الكاذب المكذب ، وجنايته وعقوبته ، ذكر الصادق المصدق ، وثوابه. فقال : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) في قوله وعمله ، فدخل في ذلك ، الأنبياء ومن قام مقامهم ، ممن صدق فيما قاله عن خبر الله وأحكامه ، وفيما فعله من خصال الصدق. (وَصَدَّقَ بِهِ) أي : بالصدق لأنه قد يجيء الإنسان بالصدق ، ولكن لا يصدق به ، بسبب استكباره ، أو احتقاره لمن قاله وأتى به ، فلا بد في المدح من الصدق والتصديق. فصدقه يدل على علمه وعدله ، وتصديقه يدل على تواضعه ، وعدم استكباره. (أُولئِكَ) أي : الّذين وفقوا للجمع بين الأمرين (هُمُ الْمُتَّقُونَ) ، فإن جميع خصال التقوى ، ترجع إلى الصدق بالحق ، والتصديق به.
[٣٤] (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) من الثواب ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. فكل ما تعلقت به إرادتهم ومشيئتهم ، من أصناف اللذات والمشتهيات ، فإنه حاصل لهم ، معد مهيأ. (ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) الّذين يعبدون الله ، كأنهم يرونه ، فإن لم يكونوا يرونه ، فإنه يراهم (الْمُحْسِنِينَ) إلى عباد الله.
[٣٥] (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣٥). وعمل الإنسان ، له ثلاث حالات : إما أسوأ ، أو أحسن ، أو لا أسوأ ولا أحسن. والقسم الأخير ، قسم المباحات ، وما لا يتعلق به ثواب ولا عقاب. والأسوأ ، المعاصي كلها ، والأحسن ، الطاعات كلها. فبهذا التفصيل ، يتبين معنى