قومه. ولهذا ـ في هذا الموضع ـ لما ذكر الله ما ذكر ، من أذية قومه وكلامهم فيه ، وفيما جاء به ، أمره بالصبر ، وأن يذكر عبده داود ، فيتأسّى به. ومنها : أن الله تعالى ، يمدح ويحب القوة في طاعته ، قوة القلب والبدن. فإنه يحصل منها ، من آثار الطاعة وحسنها وكثرتها ، ما لا يحصل مع الوهن وعدم القوة. وأن العبد ، ينبغي له تعاطي أسبابها ، وعدم الركون إلى الكسل ، والبطالة المخلة بالقوة ، المضعفة للنفس. ومنها : أن الرجوع إلى الله في جميع الأمور ، من أوصاف أنبياء الله ، وخواص خلقه ، كما أثنى الله على داود وسليمان بذلك. فليقتد بهما المقتدون ، وليهتد بهداهما السالكون (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ). ومنها : ما أكرم الله به نبيه داود ، عليهالسلام ، من حسن الصوت العظيم ، الذي جعل الله بسببه الجبال الصم ، والطيور البهم ، يجاوبنه إذا رجّع صوته بالتسبيح ، ويسبحن معه بالعشي والإشراق. ومنها : أن من أكبر نعم الله على عبده ، أن يرزقه العلم النافع ، ويعرف الحكم والفصل بين الناس ، كما امتنّ الله به على عبده داود عليهالسلام. ومنها : اعتناء الله تعالى بأنبيائه وأصفيائه ، عند ما يقع منهم بعض الخلل بفتنته إياهم ، وابتلائهم بما به يزول عنهم المحذور ، ويعودون إلى أكمل من حالتهم الأولى ، كما جرى لدواد وسليمان عليهماالسلام. ومنها : أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، معصومون من الخطأ فيما يبلغون عن الله تعالى ، لأن مقصود الرسالة لا يحصل إلا بذلك. وأنه قد يجري منهم بعض مقتضيات الطبيعة من المعاصي ، ولكن الله يتداركهم ويبادرهم بلطفه. ومنها : أن داود عليهالسلام ، كان في أغلب أحواله ملازما محرابه ، لخدمة ربه ، ولهذا تسور الخصمان عليه المحراب ؛ لأنه كان إذا خلا في محرابه ، لا يأتيه أحد. فلم يجعل كلّ وقته للناس ، مع كثرة ما يرد عليه من الأحكام. بل جعل له وقتا ، يخلو فيه بربه ، وتقر عينه بعبادته ، وتعينه على الإخلاص في جميع أموره. ومنها : أنه ينبغي استعمال الأدب ، في الدخول على الحكام وغيرهم. فإن الخصمين ـ لما دخلا على داود ، في حالة غير معتادة ، ومن غير الباب المعهود ، فزع منهم ، واشتد عليه ذلك ، ورآه غير لائق بالحال. ومنها : أنه لا يمنع لحاكم من الحكم بالحق ، سوء أدب الخصم ، وفعله ما لا ينبغي. ومنها : كمال حلم داود عليهالسلام ، فإنه ما غضب عليهما ، حين جاءاه بغير استئذان ، وهو الملك ، ولا انتهرهما ، ولا وبخهما. ومنها : جواز قول المظلوم لمن ظلمه «أنت ظلمتني» أو «يا ظالم» أو «باغ عليّ» ونحو ذلك لقولهما : (خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ). ومنها : أن الموعوظ والمنصوح ، ولو كان كبير القدر ، جليل العلم ، إذا نصحه أحد ، أو وعظه ، لا يغضب ، ولا يشمئز ، بل يبادره بالقبول والشكر. فإن الخصمين نصحا داود ، فلم يشمئز ، ولم يغضب ، ولم يثنه ذلك عن الحقّ ، بل حكم بالحق الصرف. ومنها : أن المخالطة بين الأقارب والأصحاب ، وكثرة التعلقات الدنيوية المالية ، موجبة للتعادي بينهم ، وبغي بعضهم على بعض ، وأنّه لا يرد عن ذلك ، إلا استعمال تقوى الله ، والصبر على الأمور ، بالإيمان والعمل الصالح ، وأن هذا من أقل شيء من الناس. ومنها : أن الاستغفار والعبادة خصوصا الصلاة ، مكفرات للذنوب ، فإن الله رتّب مغفرة ذنب داود ، على استغفاره وسجوده. ومنها : إكرام الله لعبده داود وسليمان ، بالقرب منه ، وحسن الثواب ، وأن لا يظن أن ما جرى لهما ، منقص لدرجتهما عند الله تعالى. وهذا من تمام لطفه بعباده المخلصين ، أنه إذا غفر لهم ، وأزال أثر ذنوبهم ، أزال الآثار المترتبة عليه كلها ، حتى ما يقع في قلوب الخلق ، فإنهم إذا علموا ببعض ذنوبهم ، وقع في قلوبهم نزولهم عن درجتهم الأولى ، فأزال الله تعالى هذه الآثار ، وما ذاك بعزيز على الكريم الغفار. ومنها : أن الحكم بين الناس ، مرتبة دينية ، تولاها رسل الله ، وخواص خلقه. وأن وظيفة القائم بها الحكم بالحق ، ومجانبة الهوى. فالحكم بالحق ، يقتضي العلم بالأمور الشرعية ، والعلم بصورة القضية المحكوم بها ، وكيفية إدخالها في الحكم الشرعي. فالجاهل بأحد الأمرين لا يصلح للحكم ، ولا يحل له الإقدام عليه. ومنها : أنه ينبغي للحاكم أن يحذر الهوى ، ويجعله منه على بال ، فإن النفوس لا تخلو منه. بل يجاهد نفسه ، بأن يكون الحقّ مقصوده ، وأن يلقى عنه وقت الحكم ، كل محبة أو بغض لأحد الخصمين. ومنها : أن سليمان عليهالسلام ، من