هذه الأمور. ومن شكره لعبده ، أن من ترك شيئا لله ، عوضه الله خيرا منه ، ومن تقرّب منه شبرا ، تقرّب منه ذراعا ، ومن تقرّب منه ذراعا ، تقرّب منه باعا ، ومن أتاه يمشى ، أتاه هرولة ، ومن عامله ، ربح عليه أضعافا مضاعفة. ومع أنه شاكر ، فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل ، بحسب نيته وإيمانه وتقواه ، ممن ليس كذلك ، عليم بأعمال العباد ، فلا يضيعها ، بل يجدونها أوفر ما كانت ، على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم الحكيم.
[١٥٩] (إِنَّ الَّذِينَ) ، هذه الآية ، وإن كانت نازلة في أهل الكتاب ، وما كتموا من شأن الرسول صلىاللهعليهوسلم وصفاته ، فإن حكمها عام لكل من اتصف بكتمان ما أنزل الله (مِنَ الْبَيِّناتِ) الدالات على الحق المظهرات له. (وَالْهُدى) ، وهو العلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم ، ويتبين به طريق أهل النعيم ، من طريق أهل الجحيم. فإن الله أخذ الميثاق عن أهل العلم ، بأن يبينوا للناس ما منّ الله به عليهم من علم الكتاب ولا يكتموه ، فمن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين ، كتم ما أنزل الله ، والغش لعباد الله ، فأولئك (يَلْعَنُهُمُ اللهُ) ، أي : يبعدهم ويطردهم عن قربه ورحمته. (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) وهم جميع الخليقة ، فتقع عليهم اللعنة من جميع الخليقة ، لسعيهم في غش الخلق وفساد أديانهم ، وإبعادهم من رحمة الله ، فجوزوا من جنس عملهم ، كما أن معلم الناس الخير ، يصلي الله عليه وملائكته ، حتى الحوت في جوف الماء ، لسعيه في مصلحة الخلق ، وإصلاح أديانهم ، وقربهم من رحمة الله ، فجوزي من جنس عمله.
فالكاتم لما أنزل الله ، مضاد لأمر الله ، مشاق لله ، يبين الله الآيات للناس ويوضحها ، وهذا يسعى في طمسها وإخفائها فهذا عليه هذا الوعيد الشديد.
[١٦٠] (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) ، أي : رجعوا عما هم عليه من الذنوب ، ندما وإقلاعا ، وعزما على عدم المعاودة ، (وَأَصْلَحُوا) ما فسد من أعمالهم ، فلا يكفي ترك القبيح حتى يحصل فعل الحسن. ولا يكفي ذلك في الكاتم أيضا ، حتى يبين ما كتمه ، ويبدي ضد ما أخفى ، فهذا يتوب الله عليه ، لأن توبة الله غير محجوب عنها ، فمن أتى بسبب التوبة ، تاب الله عليه ، لأنه (التَّوَّابُ) ، أي : الرجاع على عباده بالعفو والصفح ، بعد الذنب إذا تابوا ، وبالإحسان والنعم بعد المنع إذا رجعوا. (الرَّحِيمُ) الذي اتصف بالرحمة العظيمة ، التي وسعت كل شيء ، ومن رحمته ، أن وفقهم للتوبة والإنابة ، فتابوا وأنابوا ، ثم رحمهم بأن قبل ذلك منهم ، لطفا وكرما ، هذا حكم التائب من الذنب.
[١٦١] وأما من كفر ، واستمر على كفره حتى مات ولم يرجع إلى ربه ، ولم ينب إليه ، ولم يتب عن قريب ، فأولئك (عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ؛ لأن لما صار كفرهم وصفا ثابتا ، صارت اللعنة عليهم وصفا ثابتا لا تزول ، لأن الحكم يدور مع علته ، وجودا وعدما.
[١٦٢] و (خالِدِينَ فِيها) ، أي : في اللعنة ، أو في العذاب ، وهما متلازمان. (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) ، بل عذابهم دائم شديد مستمر ، (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) ، أي : يمهلون ، لأن وقت الإمهال ـ وهو الدنيا ـ قد مضى ، ولم يبق لهم عذر فيعتذرون.