أجرهم بغير حساب. فالصابرون ، هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة ، والمنحة الجسيمة.
[١٥٦] ثم وصفهم بقوله : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ). وهي كل ما يؤلم القلب ، أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره. (قالُوا إِنَّا لِلَّهِ) ، أي : مملوكون لله ، مدبرون تحت أمره وتصريفه ، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء ، فإذا ابتلانا بشيء منها ، فقد تصرف أرحم الراحمين ، بمماليكه وأمواله ، فلا اعتراض عليه ، بل من كمال عبودية العبد علمه بأن وقوع البلية من المالك الحكيم الذي هو أرحم بعبده من نفسه ، فيوجب له ذلك الرضا عن الله ، والشكر له على تدبيره ، لما هو خير لعبده ، وإن لم يشعر بذلك. (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ومع أننا مملوكون لله ، فإنا إليه راجعون يوم المعاد ، فمجاز كل عامل بعمله ، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده ، وإن جزعنا وسخطنا ، لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر ، فكون العبد لله ، وراجعا إليه ، من أقوى أسباب الصبر.
[١٥٧] (أُولئِكَ) ، الموصوفون بالصبر المذكور (عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ) ، أي : ثناء وتنويه بحالهم (وَرَحْمَةٌ) عظيمة ، ومن رحمته إياهم ، أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر. (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) الذين عرفوا الحق ، وهو في هذا الموضع ، علمهم بأنهم لله ، وأنهم إليه راجعون ، وعملوا به وهو هنا صبرهم لله. ودلّت هذه الآية ، على أن من لم يصبر ، فله ضد ما لهم ، فحصل له الذم من الله ، والعقوبة والضلال والخسارة ، فما أعظم الفرق بين الفريقين «وما أقل تعب الصابرين ، وأعظم عناء الجازعين» ، فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها ، لتخف وتسهل إذا وقعت ، وبيان ما تقابل به إذا وقعت وهو الصبر ، وبيان ما يعين على الصبر ، وما للصابرين من الأجر ، ويعلم حال غير الصابر بضد حال الصابر. وأن هذا الابتلاء والامتحان سنة الله التي قد خلت ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، وبيان أنواع المصائب.
[١٥٨] (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) ، يخبر تعالى أن الصفا والمروة وهما معروفان (مِنْ شَعائِرِ اللهِ) ، أي : أعلام دينه الظاهرة ، التي تعبد الله بها عباده ، وإذا كانا من شعائر الله ، فقد أمر الله بتعظيم شعائره ، فقال : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ، فدلّ مجموع النصّين أنهما من شعائر الله ، وأن تعظيم شعائره ، من تقوى القلوب. والتقوى واجبة على كل مكلف ، وذلك يدل على أن السعي بهما فرض لازم للحج والعمرة ، كما عليه الجمهور ، ودلت عليه الأحاديث النبوية ، وفعله النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقال : «خذوا عني مناسككم». (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) ، هذا دفع لوهم من توهم وتحرج من المسلمين ، عن الطواف بينهما ، لكونهما في الجاهلية تعبد عندهما الأصنام ، فنفى تعالى الجناح لدفع هذا الوهم ، لا لأنه غير لازم. ودل تقييد نفي الجناح فيمن تطوف بهما في الحج والعمرة ، أنه لا يتطوع بالسعي مفردا إلا مع انضمامه لحج أو عمرة ، بخلاف الطواف بالبيت ، فإنه يشرع مع العمرة والحج ، وهو عبادة مفردة. فأما السعي والوقوف بعرفة ومزدلفة ، ورمي الجمار ، فإنها تتبع النسك ، فلو فعلت غير تابعة للنسك ، كانت بدعة ، لأن البدعة نوعان : نوع يتعبد لله بعبادة لم يشرعها أصلا ، ونوع يتعبد له بعبادة قد شرعها على صفة مخصوصة ، فتفعل على غير تلك الصفة ، وهذا منه. وقوله : (وَمَنْ تَطَوَّعَ) ، أي : فعل طاعة مخلصا بها لله تعالى (خَيْراً) من حج ، وعمرة ، وطواف ، وصلاة ، وصوم وغير ذلك فهو خير له. فدلّ هذا على أنه كلما ازداد العبد من طاعة الله ، ازداد خيره وكماله ، ودرجته عند الله ، لزيادة إيمانه. ودل تقييد التطوع بالخير ، أن من تطوع بالبدع ، التي لم يشرعها الله ولا رسوله ، أنه لا يحصل له إلا العناء ، وليس بخير له ، بل قد يكون شرا له إن كان متعمدا عالما بعدم مشروعية العمل. (فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) ، الشاكر والشكور ، من أسماء الله تعالى ، الذي يقبل من عباده اليسير من العمل ، ويجازيهم عليه العظيم من الأجر ، الذي إذا قام عبده بأوامره ، وامتثل طاعته ، أعانه على ذلك ، وأثنى عليه ومدحه ، وجازاه في قلبه نورا وإيمانا ، وسعة ، وفي بدنه قوة ونشاطا ، وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء ، وفي أعماله زيادة توفيق. ثم بعد ذلك ، يقدم على الثواب الآجل عند ربه كاملا موفرا ، لم تنقصه