فأرسل الله لوطا إلى قومه ، وكانوا مع شركهم ، قد جمعوا بين فعل الفاحشة في الذكور ، وقطع السبيل ، وفشو المنكرات في مجالسهم. فنصحهم لوط عن هذه الأمور ، وبيّن لهم قبائحها في نفسها ، وما تؤول إليه من العقوبة البليغة ، فلم يرعووا ، ولم يذكروا. (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). فأيس منهم نبيهم ، وعلم استحقاقهم العذاب ، وجزع من شدة تكذيبهم له ، فدعا عليهم و (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) (٣٠) فاستجاب الله دعاءه ، فأرسل الملائكة لإهلاكهم. فمروا بإبراهيم قبل ذلك ، وبشروه بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب.
[٣٢] ثمّ سألهم إبراهيم أين يريدون؟ فأخبروه أنهم يريدون إهلاك قوم لوط فجعل يراجعهم ، ويقول : (إِنَّ فِيها لُوطاً) فقالوا له : (لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) ثمّ مضوا حتى أتوا لوطا.
[٣٣ ـ ٣٤] فساءه مجيئهم ، وضاق بهم ذرعا ، بحيث إنه لم يعرفهم ، وظن أنهم من جملة الضيوف أبناء السبيل ، فخاف عليهم من قومه ، فقالوا له : (لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ) وأخبروه أنهم رسل الله. (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً) أي : عذابا (مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ). فأمروه أن يسري بأهله ليلا. فلما أصبحوا ، قلب الله عليهم ديارهم ، فجعل عاليها سافلها ، وأمطر عليهم حجارة من سجيل متتابعة حتى أبادتهم وأهلكتهم ، فصاروا سمرا من الأسمار ، وعبرة من العبر.
[٣٥] (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٣٥) أي : تركنا من ديار قوم لوط ، آثارا بينة لقوم يعقلون العبر بقلوبهم ، فينتفعون بها. كما قال تعالى : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٣٨).
[٣٦] أي : (وَ) أرسلنا (إِلى مَدْيَنَ) القبيلة المعروفة المشهورة (أَخاهُمْ شُعَيْباً) الذي أمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له ، والإيمان بالبعث ورجائه ، والعمل له ، ونهاهم عن الإفساد في الأرض ، ببخس المكاييل والموازين والسعي بقطع الطرق.
[٣٧] (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي : عذاب الله (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ). أي : وكذلك ما فعلنا بعاد وثمود ، وقد علمت قصتهم ، وتبين لكم بشيء تشاهدونه بأبصاركم من مساكنهم ، وآثارهم ، الّتي بانوا عنها. وقد جاءتهم رسلهم بالآيات البينات ، المفيدة للبصيرة فكذبوهم ، وجادلوهم.
[٣٨ ـ ٣٩] (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) حتى ظنوا أنها أفضل مما جاءتهم به الرسل. وكذلك قارون ، وفرعون ، وهامان ، حين بعث الله إليهم موسى بن عمران ، بالآيات البينات ، والبراهين الساطعات ، فلم ينقادوا ، واستكبروا في الأرض ، على عباد الله ، فأذلوهم ، وعلى الحقّ فردّوه ، فلم يقدروا على النجاء حين نزلت بهم العقوبة. (وَما كانُوا سابِقِينَ) الله ، ولا فائتين ، بل سلموا واستسلموا.
[٤٠] (فَكُلًّا) من هؤلاء الأمم المكذبة (أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) على قدره ، وبعقوبة مناسبة له. (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ