جميعا ، ولم يستفد صاحبه منه إلا الحسرة والندم ، والخيبة والحرمان. (وَما عِنْدَ اللهِ) من النعيم المقيم ، والعيش السليم (خَيْرٌ وَأَبْقى) أي : أفضل في وصفه وكميته ، وهو دائم أبدا ، ومستمر سرمدا. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي : أفلا تكون لكم عقول ، بها تزنون أي الأمرين أولى بالإيثار ، وأي الدارين أحق للعمل لها. فدل ذلك أنه بحسب عقل العبد ، يؤثر الأخرى على الدنيا ، وأنه ما آثر أحد الدنيا ، إلا لنقص في عقله. ولهذا نبه العقول على الموازنة ، بين عاقبة مؤثر الدنيا ، ومؤثر الآخرة فقال :
[٦١] (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ) أي : هل يستوي مؤمن ، ساع للآخرة سعيها قد عمل على وعد ربه له ، بالثواب الحسن ، الذي هو الجنة ، وما فيها من النعيم العظيم ، فهو لاقيه ، من غير شك ، ولا ارتياب لأنه وعد من كريم ، صادق الوعد ، لا يخلف الميعاد ، لعبد قام بمرضاته ، وجانب سخطه. (كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) فهو يأخذ فيها ، ويعطي ، ويأكل ويشرب ، ويتمتع كما تتمتع البهائم ، قد اشتغل بدنياه عن آخرته ، ولم يرفع بهدى الله رأسا ، ولم ينقد للمرسلين. فهو لا يزال كذلك ، لا يتزود من دنياه إلا الخسار والهلاك. (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) للحساب وقد علم أنه لم يقدم خيرا لنفسه ، وإنّما قدّم جميع ما يضره ، وانتقل إلى دار الجزاء على الأعمال. فما ظنكم بما يصير إليه؟ وما تحسبون ما يصنع به؟ فليختر العاقل لنفسه ، وما هو أولى بالاختيار ، وأحق الأمرين بالإيثار.
[٦٢] هذا إخبار من الله تعالى ، عمّا يسأل عنه الخلائق يوم القيامة ، وأنه يسألهم عن أصول الأشياء ، عن عبادة الله ، وإجابة رسله فقال : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي : ينادي من أشركوا به شركاء ، يعبدونهم ، ويرجون نفعهم ، ودفع الضرر عنهم ، فيناديهم ، ليبين لهم عجزها ، وضلالهم. (فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ) ، وليس لله شريك ، ولكن ذلك بحسب زعمهم وافترائهم. ولهذا قال : (الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) فأين هم ، بذواتهم ، أين نفعهم وأين دفعهم؟ ومن المعلوم أنهم يتبين لهم في تلك الحال ، أن الذي عبدوه ، ورجوه باطل ، مضمحل في ذاته ، وما رجوا منه ، فيقولون : أي يحكمون على أنفسهم بالضلالة والغواية.
[٦٣] ولهذا (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) من الرؤساء والقادة في الكفر والشر ، مقرين بغوايتهم وإغوائهم : (رَبَّنا هؤُلاءِ) التابعون (الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) أي : كلنا قد اشترك في الغواية ، وحق عليه كلمة العذاب.
(تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) من عبادتهم ، أي نحن برآء منهم ، ومن عملهم. (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) إنّما كانوا يعبدون الشياطين.
[٦٤] (وَقِيلَ) لهم : (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) على ما أملتم فيهم من النفع. فأمروا بدعائهم في ذلك الوقت الحرج ، الذي يضطر فيه العابد إلى من عبده. (فَدَعَوْهُمْ) لينفعوهم ، أو يدفعوا عنهم من عذاب الله من شيء. (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) فعلم الّذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ، مستحقين للعقوبة. (وَرَأَوُا الْعَذابَ) الذي سيحل بهم عيانا ، بأبصارهم بعد ما كانوا مكذبين به ، منكرين له. (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) أي : لما حصل لهم ما حصل ، ولهدوا إلى صراط