العظيمة ، تيقنوا ـ لعلمهم ـ أن هذا ليس بسحر ، وإنّما هو آية من آيات الله ، ومعجزة تنبىء بصدق موسى ، وصحة ما جاء به.
[٤٦] (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) (٤٦) لربهم.
[٤٧ ـ ٤٨] (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) (٤٨). وانقمع الباطل ، في ذلك المجمع ، وأقر رؤساؤه ببطلانه ، ووضح الحقّ ، وظهر حتى رأى ذلك الناظرون بأبصارهم.
[٤٩] ولكن أبى فرعون ، إلا عتوا وضلالا ، وتماديا في غيه وعنادا. فقال للسحرة : (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) يتعجب ، ويعجب قومه من جراءتهم عليه ، وإقدامهم على الإيمان من غير إذنه ومؤامرته. (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ). هذا ، وهو الذي جمع السحرة ، وملأه ، الّذين أشاروا عليه بجمعهم من مدائنهم. وقد علموا أنهم ما اجتمعوا بموسى ، ولا رأوه قبل ذلك ، وأنهم جاؤوا من السحر ، بما يحير الناظرين ، ويهيلهم ، ومع ذلك ، فراج عليهم هذا القول ، الذي هم بأنفسهم ، وقفوا على بطلانه ، فلا يستنكر على أهل هذه العقول ، أن لا يؤمنوا بالحق الواضح ، والآيات الباهرة ، لأنهم لو قال لهم فرعون عن أي شيء كان ، إنه على خلاف حقيقته ، صدقوه. ثمّ توعد السحرة فقال : (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) أي : اليد اليمنى ، والرجل اليسرى ، كما يفعل بالمفسد في الأرض. (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) لتختزوا ، وتذلوا.
[٥٠ ـ ٥١] فقال السحرة ـ حين وجدوا حلاوة الإيمان ، وذاقوا لذته ـ : (لا ضَيْرَ) أي : لا نبالي بما توعدتنا به (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا) من الكفر والسحر ، وغيرهما (أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) بموسى ، من هؤلاء الجنود. فثبتهم الله وصبّرهم. فيحتمل أن فرعون ، فعل ما توعدهم به ، لسلطانه ، واقتداره إذ ذاك ويحتمل ، أن الله منعه منهم ، ثمّ لم يزل فرعون وقومه ، مستمرين على كفرهم ، يأتيهم موسى بالآيات البينات ، وكلما جاءتهم آية ، وبلغت منهم كل مبلغ ، وعدوا موسى ، وعاهدوه لئن كشف الله عنهم ، ليؤمنن به ، وليرسلن معه بني إسرائيل ، فيكشفه الله ، ثمّ ينكثون.
[٥٢] فلما يئس موسى من إيمانهم ، وحقت عليهم كلمة العذاب ، وآن لبني إسرائيل أن ينجيهم الله من أسرهم ، ويمكن لهم في الأرض ، أوحى الله إلى موسى : (أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) أي : اخرج ببني إسرائيل أول الليل ، ليتمادوا ، ويتمهلوا في ذهابهم. (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) أي : سيتبعكم فرعون وجنوده. ووقع كما أخبر ، فإنهم لما أصبحوا ، إذا بنو إسرائيل ، قد سروا كلهم مع موسى.
[٥٣ ـ ٥٥] (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) (٥٣) يجمعون الناس ، ليوقع ببني إسرائيل ، ويقول مشجعا لقومه (إِنَّ هؤُلاءِ) أي : بني إسرائيل (لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ) (٥٥) فلا بد أن ننفذ غيظنا في هؤلاء العبيد ، الّذين أبقوا منا.
[٥٦] (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) (٥٦) أي : الحذر على الجميع منهم ، وهم أعداء للجميع ، والمصلحة مشتركة. فخرج