إلى حالة ، إلّا ، والله تعالى هو الذي دبر ذلك لمصلحة موسى. ومن حسن تدبيره ، أن موسى لما وقع في يد عدوه ، قلقت أمه قلقا شديدا ، وأصبح فؤادها فارغا ، وكادت تخبر به ، لو لا أن الله ثبتها ، وربط على قلبها.
[٤٠] ففي هذه الحالة ، حرم الله على موسى المراضع ، فلا يقبل ثدي امرأة قط ، ليكون مآله إلى أمه ، فترضعه ، ويكون عندها ، مطمئنة ساكنة ، قريرة العين ، فجعلوا يعرضون عليه المراضع ، فلا يقبل ثديا ، فجاءت أخت موسى ، فقالت لهم : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ). (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً) وهو القبطي ، لما دخل المدينة وقت غفلة من أهلها ، وجد رجلين يقتتلان ، واحد من شيعة موسى ، والآخر من عدوه قبطي (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) فدعا الله وسأله المغفرة ، فغفر له ، ثم فر هاربا ، لما سمع أن الملأ طلبوه ، يريدون قتله. (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) من عقوبة الذنب ، ومن القتل. (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) أي : اختبرناك ، وبلوناك ، فوجدناك مستقيما في أحوالك ، أو نقلناك في أحوالك ، وأطوارك ، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه. (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) حين فر هاربا من فرعون وملئه ، حين أرادوا قتله. فتوجه إلى مدين ، ووصل إليها ، وتزوج هناك ، ومكث عشر سنين ، أو ثمان سنين. (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) أي : جئت مجيئا ، ليس اتفاقا من غير قصد ، ولا تدبير منا ، بل بقدر ولطف منا ، وهذا يدل على كمال اعتناء الله ، بكليمه ، موسى عليهالسلام.
[٤١] ولهذا قال : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (٤١) أي : أجريت عليك صنائعي ونعمي ، وحسن عوائدي ، وتربيتي ، لتكون لنفسي حبيبا مختصا ، وتبلغ في ذلك ، مبلغا لا يناله أحد من الخلق ، إلّا النادر منهم. وإذا كان الحبيب إذا أراد اصطناع حبيبه من المخلوقين ، وأراد أن يبلغ من الكمال المطلوب له ما يبلغ ، يبذل غاية جهده ، ويسعى نهاية ما يمكنه في إيصاله لذلك ، فما ظنك بصنائع الرب القادر الكريم ، وما تحسبه يفعل ، بمن أراده لنفسه ، واصطفاه من خلقه؟!!
[٤٢] لما امتن الله على موسى بما امتن به ، من النعم الدينية والدنيوية قال له : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ) هرون (بِآياتِي) أي : الآيات التي مني ، الدالة على الحق وحسنه ، وقبح الباطل ، كاليد ، والعصا ونحوها ، في تسع آيات إلى فرعون وملئه. (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) أي : لا تفترا ، ولا تكسلا عن مداومة ذكري بالاستمرار عليه ، والزماه كما وعدتما بذلك (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً) (٣٤) ، فإن ذكر الله ، فيه معونة على جميع الأمور ، يسهلها ، ويخفف حملها.
[٤٣] (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) (٤٣) أي : جاوز الحد ، في كفره وطغيانه ، وظلمه وعدوانه.
[٤٤] (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أي : سهلا لطيفا ، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف ، ولا غلظة في المقال ، أو فظاظة في الأفعال. (لَعَلَّهُ) بسبب القول اللين (يَتَذَكَّرُ) ما ينفعه فيأتيه. (أَوْ يَخْشى) ما يضره